عودة فرانكو: مدريد تقمع كتالونيا بالحديد والنار

أصرت الحكومة الإسبانية على عرقلة الاستفتاء الشعبي في إقليم كتالونيا والذي سعت فيه الجماهير للتصويت على انفصال الإقليم عن الحكومة الإسبانية. فتخضبت مراكز الاقتراع بدماء المصوتين.

حيث قامت الشرطة بممارسات كان من المفترض غيابها في دولةٍ ديمقراطية؛ مُسترجعةً بذلك حقبة قد ودعتها إسبانيا بموت فرانسيسكو فرانكو عام 1975.

واعتبرت مدريد أن هذا الاستفتاء غير شرعي وأيدها في ذلك سكان إقليمها من خلال مظاهرات استمرت خلال اليومين الماضين، حيث ندد المتظاهرون بمن وصفوهم بالمحرضين الانقلابيين، ورفعوا شعارات الوحدة الوطنية من أجل الوقوف ضد تقسيم إسبانيا.

فقامت قوات الشرطة والحرس المدني بسحب صناديق الاقتراع من مراكز التصويت، وقامت بتحطيم نوافذ مركز رياضي كان معدًا للاستفتاء في منطقة جيرونا، وذلك قبل إدلاء رئيس الحكومة الكتالونية «كارلس بوتشدمنت» بصوته في الاستفتاء. ونتج عن تلك الممارسات القمعية جرح 337 شخصًا بينهم من أُصيبَ إصابات بالغة، كما أُصيب 11 فردًا من قوات الشرطة والحرس المدني.

وصرّح مندوب الحكومة المركزية في كتالونيا «إنريك ميجو» قائلاً:

وبالرغم من تلك الممارسات القمعية إلا أن الاستفتاء استمر في معظم دوائر الاقتراع. ولا شك أن تلك الممارسات القمعية قد أحيت صورة مؤلمة للشعب الإسباني، مُتمثلةً في صورة الدكتاتور الراحل فرانسيسكو فرانكو الذي من المفترض أن الحكومة الإسبانية قد ودعت نهجه في القمع منذ أكثر من أربعين عامًا.

من هو فرانسيسكو فرانكو؟

هو ذلك الديكتاتور الذي حكم بلاده بالحديد والنار. ولد فرانسيسكو فرانكو عام 1892 في إقليم غاليسيا في إسبانيا، حيث كان أبواه يعملان في البحرية الإسبانية مما جعله شغوفًا بحياة الجنود.

عندما أخفق في الالتحاق بالبحرية الإسبانية التحق بمدرسة المشاة بمدينة طليطلة وتخرج منها عام 1910 برتبة ملازم، ورُقي لرتبة رائد في عام 1916، واستُدعي لمهام عسكرية في إسبانيا. كما أنه تولى مهمة محاربة الزعيم عبد الكريم الخطابي في ريف المغرب والذي استمر حتى عام 1926. وفي عام 1935 عُين قائدًا للأركان في مسعى لإصلاح المؤسسة العسكرية، ثم أُبعد إلى جزر كناريا وأصبح قائدًا للحامية العسكرية هناك.

الحرب الأهلية في إسبانيا

ظل الصراع في إسبانيا من أجل الحد من صلاحيات النظام الملكي قائمًا لعقودٍ من الزمن، حيث أُصدر أول دستور للبلاد في عام 1812، والذي ينسق الصلاحيات بين الملك والحكومة، ولكن هذا الدستور لم يلبث طويلاً فأُسقط في عام 1814 على يد الملك؛ الأمر الذي جعل وتيرة الانقلابات العسكرية تستمر حتى عام 1873 حيث أُعلنت الجمهورية الإسبانية الأولى ولكنها لم تدم طويلاً، وأُسقطت على يد عائلة البوربون الملكية، وعادت إسبانيا للملكية مرة أُخرى.

الأمر الذي أثار حفيظة الجمهوريين وجعلهم يناضلون ضد النظام الملكي، وتمركز نفوذهم في الإقليم الكتالوني، وحدثت مشاجرات بين الشرطة وبين الجمهوريين في كتالونيا مما أسفر عن قتل العشرات في الأسبوع المأساوي عام 1909، وظل النظام الملكي قائمًا وظل الجمهوريون يعارضونه.

وفي عام 1923 قام الجنرال «ميغل بريم ودي ريفيرا» بانقلاب عسكري ووصل لرئاسة الوزراء، وذلك على أثر رفض الحكومة آنذاك الإفصاح عن الكارثة العسكرية التي أسفرت عن وقوع 20 ألف جندي إسباني في كمين ثوار عبد الكريم الخطابي في المغرب والذي قُتل منهم 12 ألف جندي.

وظل الجنرال ريفيرا في الحكم حتى عام 1930 ومن بعدها قدم استقالته. وفي عام 1931 وافق الملك ألفونسو الثالث عشر على إجراء استفتاء حول طبيعة نظام الحكم فوافقت الأغلبية على إلغاء النظام الملكي فتنازل الملك بضغوطٍ من الشعب الإسباني.

وفي إبريل/نيسان 1931 فاز الجمهوريون في الانتخابات وأُعلنت الجمهورية الثانية واستلم نيسيتو ألكالا زامورا السلطة وأصبح رئيسًا للبلد ورئيسًا للوزراء في الوقت نفسه. وفي 1933 أصبح أليخاندرو ليروكس رئيسًا للحكومة وأطلق الاشتراكيون ثورة ضده في معامل التعدين في برشلونة (أقوى القطاعات الكتالونية) فقام فرانسيسكو فرانكو بقمع الثوار فعينته الحكومة قائدًا لأركان الجيش.

وفي إبريل/نيسان 1936 وصلت أنباء للحكومة الإسبانية عن حدوث انقلاب عسكري من قِبل رجال الجيش، فقامت الحكومة بعزل مجموعة من الضباط خارج إسبانيا ونقلت فرانكو لجزر الكناري. وفي يوليو/تموز من نفس العام انتقل فرانكو إلى المغرب التي كانت تحت حكم الاحتلال الإسباني آنذاك.

وفي الرابع من أيلول/سبتمبر 1936 استقالت الحكومة الجمهورية بعد مظاهرات نفذها العمال والفلاحون، وحلت مكانها حكومة اشتراكية. وانتقل فرانكو لأشبيلية ليقوم من هناك بخطته الانقلابية. وقد أطلق فرانكوا على نفسه ومجموعته مسمى «القوميين»، واندلعت المواجهات بين القوميين والجمهوريين، واستمرت لثلاث سنوات حتى انتصر القوميون بقيادة فرانكو.

نتائج الحرب

انتهت الحرب في نيسان/إبريل 1939 وفاز بها القوميون وظل الجمهوريون يناضلون فرانكو؛ الأمر الذي كلفهم استبدادًا ظل حتى وفاة فرانكو 1975، حيث مُنعت اللغة الكتالونية من التدريس وقُمعت الهوية الكتالونية للجمهوريين مما جعل الروح الاستقلالية تنمو لديهم.

وفي عام 1979 حصل الإقليم الكتالوني على حق الحكم الذاتي، واعتُرف باللغة الكتالونية لغة رسمية للبلاد، وشُكلت قوى أمن خاصة به، وظهرت الثمرة بعد عقود من النضال.

ولكن في عام 2006 ظهر نوع جديد من المواجهة مُعليًا شعار الانفصال عن الدولة الإسبانية، وأن كتالونيا ليست إسبانية وأن على الحكومة الإسبانية أن تسمح لها بالانفصال، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة مما جعلها تستخدم القمع والتنكيل.

وقد كان ظن الكتالونيين أن سياسة القمع والتنكيل قد مُحيت بلا عودة؛ إلا أن مشهد الاستفتاء اليوم أعاد للذاكرة ذكريات فرانسيسكو فرانكو مرة أخرى، وأن الديمقراطية التي قررها الشعب الإسباني بأكمله في الدستور الذي أقره بعد موت فرانكو قد يُلتف عليها لصالح اعتبارات أخرى.