انتخابات فرنسا: اليمين التقليدي في مواجهة اليمين المتطرف
تتأتى أهمية الحديث عمّن سيصبح الرجل الأول في فرنسا لما تمتلكه تلك الدولة من مقومات جعلتها من كبرى دول العالم، ظلت إحدى القوى العظمى في النسق الدولي متعدد القطبية الممتد من اتفاقية وستفاليا 1648 حتى الحرب العالمية الثانية التي أخرتها في سلم القوى خلف أمريكا والاتحاد السوفيتي وقتها، وهي أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة، وثانيها من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، تمتلك عضوية دائمة في مجلس الأمن، ولها الحق في استخدام الفيتو، أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي،وعضو في مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين، وتعد القوة النووية رقم ثلاثة بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا.
كذلك فالجمهورية الفرنسية هي من كبرى الإمبراطوريات الاستطانية في العصر الحديث، وكان للدول العربية نصيب وافر من ذلك، فقد احتلت فرنسا مصر، واحتلت لبنان وسوريا والمغرب وتونس، واحتلت الجزائر لمدة وصلت لمائة وثلاثين عاماً حتى حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962، يضاف على ذلك الدول الأفريقية التي اُحتلت من جانب الفرنسيين، ولا شك أن حصول هذه الدول على الاستقلال لم يكن استقلالا بالمعنى الحقيقي، وإنما هو تغير في أداوات الهيمنة والسيطرة، فبدلا من السيطرة العسكرية يحمل الفرنسيون في جعباتهم أدوات أخرى للهيمنة، دبلوماسية واقتصادية وثقافية.
هل يؤثر الداخل الفرنسي على العرب؟
مؤخرا لعبت السياسة الخارجية الفرنسية دورا بارزا في سنوات الربيع العربي، واضطرتها الجماهير العربية لأن تتخلى قليلا عن دعم النظم الاستبدادية، كانت البداية في تونس، حيث تواجدت وزيرة الخارجية الفرنسية آليو ماري مع اندلاع المظاهرات، فما كان منها إلا أن أبدت دعمها للطاغية بن علي، وعادت إلى فرنسا لتطالب «بمساعدة أجهزة الأمن التونسية التي ينقصها الاحتراف في مهمة الحفاظ على الأمن العام»، وعندما أحس الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بقرب سقوط بن علي سارع باستبدال آليو ماري بآلان جوبيه، ورفضت فرنسا استقبال بن علي الذي طالما اعتبرته «درعا ضد الخطر الإسلامي»، ولم تر بأسا في ديكتاتور يقمع معارضيه بمنتهى القسوة، بحجة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
زار بعدها جوبيه تونس ليجمّل الأوضاع قليلا، ويؤكد دعم فرنسا للشعب التونسي «الناضج ديموقراطيا»! وكذلك زار ميدان التحرير بُعيد نجاح المصريين في إسقاط مبارك، واستقبلت فرنسا معارضي القذافي، وساهمت في تمرير قرار مجلس الأمن للتدخل في ليبيا، وشاركت في قوات الناتو لإسقاط القذافي، بل زار ساركوزي ليبيا برفقة ديفيد كاميرون لدعم السلطات الجديدة آنذاك بقيادة عبدالجليل مصطفى.
في المقابل تعرض الداخل الفرنسي لعدة ضربات تخريبية دفعتها للمشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في العراق، ثم توسع النطاق الجغرافي للضربات ليشمل معاقل التنظيم في سوريا أيضا، تنطلق الطائرات الفرنسية من قاعدة عسكرية أردنية، كذلك من حاملة الطائرات شارل ديجول المتواجدة في مياه المتوسط، بالإضافة إلى عدة فرقاطات وغواصة نووية من نوع (إس إن آ)، ولا يقتصر استخدام السياسية الخارجية الفرنسية للأداة العسكرية في السنوات الأخيرة على تلك المنطقة فقط، بل شملت دولا أفريقية منها مالي وتشاد وأفريقيا الوسطى وساحل العاجل، وللقارة السمراء أهمية إستراتيجية لفرنسا، فهي تصدر قرابة 25% من بضائعها إلى القارة السمراء، كما تعتمد على مواردها كمصادر أولية للصناعة.
أما عن الشأن المصري فقد زار أولاند القاهرة في أبريل/نيسان المنصرم، وقام بتوقيع عدة اتفاقيات في مجالات النقل والطاقة والسياحة، كذلك تسلمت مصر من فرنسا طائرات رافال، وحاملة الطائرات ميسترال.
والآن حان الحديث عن الانتخابات الرئاسية، ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية، وكيف ينتخب؟ من هم أبرز المرشحين؟
طريقة انتخاب الرئيس وصلاحياته
حوى الدستور الفرنسي 15 مادة بدءا من المادة رقم (5)، توضح صلاحيات رئيس الجمهورية وكيفية انتخابه، وطبيعة العلاقات مع مؤسسات الدولة الأخرى، فهو المخول بتسمية رئيس الوزراء، وتعيين الوزراء وإنهاء مهامهم أيضاً بناءً على اقتراح الأخير، ويعين السفراء وممثلو الدولة في أقاليم ما وراء البحار، جدير بالذكر أن النظام الفرنسي هو نظام شبه رئاسي، وهو نظام يجمع في سماته بين النظامين البرلماني والرئاسي، وقد يُحدث ذلك أزمة في حالة وجود رئيس للحكومة من توجه مخالف لرئيس الجمهورية.
ينتخب رئيس الجمهورية الفرنسي بالاقتراع الحر المباشر، ويشترط للفوز بمقعد الرئاسة الحصول على الأغلبية المطلقة، مدة الرئاسة خمس سنوات، ويجوز التجديد لمرة واحدة فقط، في حالة عدم حسم أي مرشح للانتخابات في الجولة الأولى، يتم عقد الجولة الثانية في يوم الأحد بعد مرور أسبوعين من الجولة الأولى بين أعلى مرشحينِ في الجولة الأولى.
تعقد الانتخابات قبل نهاية الفترة الرئاسية بحد أقصى 35 يوماً، وتنظم القوانين الفرنسية مصادر التمويل العامة والخاصة، ويقدم كل مرشح إقرارا للذمة المالية إلى المجلس الدستوري، مع التعهد بتقديم إقرار مماثل بعد انتهاء ولايته في حالة فوزه.
الانتخابات التمهيدية
هو إجراء يتم ليختار كل معسكر سياسي مرشحا واحدا يمثله في الانتخابات الرئاسية، وقد أجريت الانتخابات التمهيدية لمعسكر اليمين ليصبح فرنسوا فيون ممثل اليمين، بعد أن أطاح بالرئيس السابق ساركوزي وآلان جوبيه رئيس الوزراء السابق.
أما عن اليسار فمن المقرر أن تجرى الانتخابات التمهيدية له في الثاني والعشرين والتاسع والعشرين من الشهر الجاري، جدير بالذكر أن خوض الانتخابات التمهيدية ليس شرطا للترشح في الانتخابات الرئاسية، كما الحال بالنسبة لوزير الاقتصاد السابق ماكرون.
يشترط للتصويت في الانتخابات التمهيدية أن يكون الناخب مسجلا في القوائم الانتخابية، وأن يتجاوز عمره 18 عاما، وأن يقوم بدفع قيمة يورو واحد في انتخابات اليسار، أو اثنين لليمين، في كل جولة من جولات التصويت، كمساهمة في الحملة الانتخابية للمرشح الفائز.
والآن مع أبرز المرشحين على الساحة الفرنسية بدءا من اليمين المتطرف وانتهاء بالحزب الشيوعي.
مارين لوبان
تبلغ من العمر 49 عاماً، وزعيمة حزب الجبهة الوطنية منذ يناير/كانون الثاني2011، خلفا لأبيها اليميني المتطرف جون ماري لوبان مؤسس الحزب، حصلت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 2012 على 18% من أصوات الناخبين، وتدعو لوبان للعودة إلى عملة «الفرنك» وإجراء استفتاء على خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.
اعتبرت فوز ترامب انتصارا للجماهير على النخبة، وترى أنها بوصولها لمقعد الرئاسة ستشكل مع بوتين وترامب ثلاثيا مفيدا للسلام، ودائما ما تركز على قضيتي الهجرة والإسلام، لا ترفض الهجرة ولكن تشترط الاندماج في الثقافة الفرنسية، وكذلك تحذر من الإسلام الذي يهدد الثقافة الفرنسية، وترى الحل في وجود «إسلام فرنسي».
من أهم تصريحاتها بشأن العرب والمسلمين كلامها عن بناء المساجد في أوروبا بأموال السعودية وقطر، وتهديد ذلك للأمن القومي، وسبق أن شبهت صلاة المسلمين في شوارع فرنسا بـ«الاحتلال النازي»، وخلال زيارتها للقاهرة صرحت بأن «السيسي أحد القادة الذيت يتبنون خطابا هو الأوضح تجاه الأصولية»، معتبرة أن «أيديولوجية الإخوان مرتبطة بأيديولوجية الجهاديين في تنظيم الدولة الإسلامية»، وأن مصر هي القلعة التي ستحمي فرنسا من الهجرة.
اقرأ أيضا:تعرف على أبرز ملامح الخطاب السياسي لماريان لوبان
فرانسوا فيون
الفائز في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط، متفوقا على ساركوزي وجوبيه، يبلغ من العمر 64 عاما، كان أصغر عضو منتخب في الجمعية الوطنية عام 1981، تولى عدة مناصب وزارية قبل أن يصبح رئيس الوزراء في ولاية ساركوزي، وعاد للجمعية الوطنية كنائب عن المنطقة الثانية في باريس عن حزب الجمهوريين.
يتبنى سياسات ليبرالية تشمل إلغاء حوالي نصف مليون وظيفة وخفضا في المساعدات الاجتماعية وتقليص النفقات الحكومية، ويدعو إلى إعطاء الدول سلطات الأكبر في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، وتأسيس تحالف قوي مع روسيا.
دافع فيون عن التاريخ الاستعماري للفرنسيين، وصرح بأن «فرنسا غير مذنبة عندما حاولت تقاسم وترويج ثقافتها وقيمها لدى الشعوب الأفريقية والآسيوية وشعوب أمريكا الشمالية.. فرنسا ليست هي التي اخترعت نظام العبودية والاستعباد».
ألف كتابا سماه «دحر الشمولية الإسلامية»، ذكر فيه أن «الغزو الدموي للأصولية الإسلامية في حياتنا اليومية يحضر لحرب عالمية ثالثة.. والسؤال الأهم اليوم هو معرفة كيف يمكننا هزيمة هذا التهديد الذي وضع فرنسا والفرنسيين هدفا له؟»، وصرح في أحد لقاءاته بأنه «لا توجد هناك مشكلة دينية في فرنسا، هناك مشكلة ترتبط بالإسلام» .
اقرأ أيضا:ثلاثة أسباب تجعل فرانسوا فيون الأقرب لحكم باريس
إيمانويل ماكرون
سياسي ومصرفي يبلغ من العمر 40 عاما، التحق بالحزب الاشتراكي في عام 2006 ثم انسحب في 2009، ولكنه ظل قريبا من أولاند، الذي أعانه على دخول الحكومة كوزير للاقتصاد عام 2014.
استقال من منصبه في نوفمبر/تشرين الأول الماضي معلنا ترشحه لمقعد الرئاسة، وكان قد أسس في مارس/آذار حركة «إلى الأمام»، مؤكدا أنها حركة لا يمينية ولا يسارية، ناعتا الفريقين بأنهما «الوجوه نفسها والرجال أنفسهم والأفكار نفسها»، يُعرف عن ماكرون أنه يتبنى الفكر الليبرالي في الاقتصاد، كذلك رفض مشروع سحب الجنسية لحاملي جنسيتين، يهاجمه منقدوه بكونه صغير السن، وأن الحكم يتطلب خبرة، وكان ماكرون قد رفض دعوة الحزب الاشتراكي للانضمام للانتخابات التمهيدية لليسار في فرنسا.
مانويل فالس
المرشح ذو الأصول الإسبانية، تولى وزارة الداخلية في عهد أولاند ثم أصبح رئيسا للوزراء قبل أن يستقيل منذ شهر ليصبح مرشح الحزب الاشتراكي في الانتخابات التمهيدية لليسار، وشعار حملته الانتخابية «جمهورية قوية وفرنسا عادلة»، داعيا إلى مجتمع يؤمن بالعمل، ووعد برفع رواتب النساء وتقليل الفارق عن دخول الرجال، وهو الأقرب للفوز في انتخابات اليسار التمهيدية.
اقترح زيادة ميزانية الدفاع بنسبة 2%، وإنشاء 10000 زنزانة جديدة في السجون الفرنسية، وتوفير ألف فرصة عمل في جهاز الشرطة عن كل عام يتولى فيه الرئاسة، وعلى المستوى الأوروبي دعا لوضع سياسات للحد من انضمام دول جديدة للاتحاد، ورفض مسألة انضمام تركيا، وكذلك رفض العقوبات الموقعة على روسيا.
تعرضت البلاد في عهد رئاسته للوزراء لعدة هجمات، وكان قد صوت لحظر النقاب، ودائما ما يصف حجاب المرأة بأنه «أمر ديني طائفي شمولي».
جان لوك ميلانشون
ولد في المغرب عام 1955، وسبق أن تولى وزارة التعليم، انفصل عن الحزب الاشتراكي عام 2008، بعدما أحس أن الأخير «يتحرك نحو الوسط»، أعلن عن تأسيس حركة «فرنسا الجريئة»، ورفض الدخول في انتخابات اليسار التمهيدية، ولذلك لن يضمن دعم حزبه الشيوعي الذي يفضل أن يتفق اليسار على مرشح واحد.
من سيصل إلى قصر الإليزيه؟
على ما يبدو أن رياح اليمين التي تجتاح العالم ستصل إلى فرنسا، فمعظم التوقعات تشير إلى أن فرانسوا فيون مرشح اليمين التقليدي هو المرشح الأوفر حظا لنيل مقعد الرئاسة، وتشير التوقعات أيضا إلى أن منافسته في الإعادة ستكون ماريان لوبان ممثلة اليمين المتطرف.
تتضارب برامج مرشحي الرئاسة في فرنسا من اليمين إلى اليسار بشأن إدارة الداخل الفرنسي، لكنهم متفقون ضمنيا على شكل السياسة الخارجية، لاسيما فيما يتعلق بالعالم العربي، وكأن شعارات الحرية والإخاء والمساواة وضعت ليطبقها الفرنسيون في بلادهم، ويضربوا بها عرض الحائط في دول أخرى بدعم الاستبداد سياسيا واقتصاديا وعسكريا!