فيلم «Fortunata»: بين مواجهة الأقدار والاستسلام لها
لعل الحالة النهائية التي يضعنا فيها الفيلم الإيطالي «Fortunata» بعد أن يكشف المخرج عن أسرار شخصياته وخباياها تتمثّل في موقفنا من أقدارنا، وهل بإمكاننا مواجهتها بالفعل، أم أن الأسلم لنا دومًا هو الاستسلام لذلك القدر مهما كان تعيسًا؟
«فورتوناتا» اسم بطلة الفيلم والذي يعني بالإيطالية «صاحبة الحظ السعيد»، ولكن البطلة صاحبة الاسم على النقيض تمامًا، رغم محاولاتها الدؤوبة في التغلب على صعاب حياتها، وما رمته فيها أقدارها، بدءًا من كونها ابنة لأبٍ مدمن يموت في شبابه، حتى زواجها من رجلٍ يعاملها بقسوة، ومحاولتها التغلب على حالة ابنتها النفسية السيئة التي تود الانتقال للعيش مع أبيها، وبين ظروف حياتها وعملها كمصففة شعر تحلم بأن يكون لها مكان عملها الخاص، حتى تتعثّر بقصة الحب التي تفشل في التمسك بها أيضًا.
تمكّن المخرج الإيطالي «سيريجو كاستيلو» بالتعاون مع زوجته «مارجريت مازيتيني» التي شاركته في سيناريو الفيلم، من نقل حالة البطلة بشكلٍ جيد، وكان من الملاحظ كيف جاءت حركة الكاميرا السريعة منذ أول مشهد عاكسةً لوضع «فورتوناتا» التي تسرع في حركتها وتنتقل من بيتٍ تخدم فيه، لمحل عملها، لمدرسة ابنتها، وكيف تأتي صورتها في آخر اليوم وهي نائمة معبّرة عن حالة الإرهاق التي وصلت إليها، يتصاعد إيقاع الفيلم مع ظهور شخصية الطبيب النفسي الذي تذهب إليه لكي تعالج ابنتها، بينما تقع هي في غرامه فيما بعد.
استطاع الفيلم أن ينقل ويعبّر ببساطة ودقة عن شريحةٍ خاصة من الطبقة المتوسطة في المجتمع الإيطالي، ربما تتقارب بشكل كبير من مثيلتها في مجتمعنا العربي والمصري بصفة خاصة، حيث مشكلة طبقة المرأة المعيلة التي تعمل وتكافح لكي تتمكن من الاحتفاظ بحضانة ابنتها وتواجه في سبيل ذلك صعوبات الحياة في الوقت نفسه، ولعل هذا التقارب قد سبق أن وجدناه في أفلام إيطالية من قبل مثلما حدث مع فيلم «غرباء تمامًا» الذي تم عرضه في العام الماضي في «مهرجان القاهرة السينمائي»، وهو ما يؤكد أن الأفكار الإنسانية العامة يمكن صوغها في أفلام يشعر بها الجميع على اختلاف الثقافات واللغات.
في الجانب الآخر ثمّة قصة أخرى يقدمها الفيلم، تتعلق بصديق «فورتوناتا» وجارها الذي يعتني بوالدته المصابة بألزهايمر، تلك الحكاية الثانوية التي تمنح الفيلم بعدًا آخر بعيدًا عن قصته الأصلية، وإن كانت مرتبطة بها بشكلٍ وثيق، والتي تنقل المشاهد إلى فكرةٍ علاقة الآباء بالأبناء بشكلٍ عام، كيف نتعامل معهم بعد أن يكبروا ويبلغوا من العمر أرذله؟ وهل يمكن أن نتخلص من شعورنا بالعار إزاءهم، وهل يمكن لقتلٍ أن يكون رحيمًا؟!
ولعل أفضل ما يقدمه الفيلم أنه يضع المشاهد في قلب مشكلة البطلة وحكايتها التي لا تنتهي ولا تحل، ويترك الأسئلة كلها معلقة في الهواء، هل يكون الحل بأن تقدم على الانتحار وتتخلّص من تلك الحياة التي لا تستقيم لها بحال، أم تواصل سعيها إذ ربما تعود لها ابنتها مرة أخرى، وتكون قادرة على إنجاح حياتها العملية.
يبدو أن المخرج قد اعتمد بشكلٍ أساسي على طاقة الممثلين في أداء أدوارهم، فلم يأت أحدٌ منهم بدورٍ أقل من المتوقع، بل جاء التمثيل كعنصر جذبٍ أساسي في الفيلم، لعبت بطولة الفيلم الممثلة «جاسمين ترينكا» والتي حازت جائزة أحسن ممثلة في مسابقة «نظرة ما» في مهرجان «كان» العام الماضي، كما جاء أداء الطفلة التي لعبت دور الابنة، متميزًا أيضا، وينطبق ذلك على دور الطبيب النفسي الذي قام به «ستيفانو أكورسي» الذي تغيّرت حالته من كونه الطبيب العاقل إلى المجنون بالحب بمجرد اقتراب «فورتوناتا» منه!
جاء ديكور الفيلم مناسبًا لشخصية البطلة وحالتها، حيث نجدها في منزلها غير المرتب، وقد ألقت بأغراضها في أنحاء المنزل، وتأتي الكاميرا مصوّرة لحالة الفوضى بشكلٍ دقيق، كما جاءت مساحات التصوير الخارجية مثل عيادة الطبيب النفسي المنظمة التي تتوفّر فيها الألعاب المناسبة للطفلة، بالإضافة إلى الساحة الواسعة التي يتمرن فيها الراهبات الصينيات، والتي بدت حالتهم الثابتة المنظمة وكأنها عكس حالة بطلة الفيلم الغارقة في الفوضى والعبث، تلك الفوضى التي لم تعد مقتصرة على المظهر الخارجية فحسب، بل شملت علاقتها بابنتها وبزوجها، بل بحياتها كلها!
الفيلم الإيطالي «Fortunata» من إنتاج عام 2017، يشارك في المسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته التاسعة والثلاثين. تجدر الإشارة أيضًا إلى أنها المرة الثانية التي يشترك فيها المخرج «سيريجو كاستيلو» وزوجته «مارجريت مازيتيني» حيث سبق أن قدما معًا فيلم «You Can’t Save Yourself Alone» عام 2015 والذي ناقشا فيه أيضًا مشكلة الأبناء الذين يعيشون بين آباءٍ منفصلين.