الشبكة الرابعة: القبضة الأمنية تسيطر على قطاع الاتصالات
تصريحاتvodafone عن قطع الاتصالات أثناء ثورة يناير/كانون الثاني
إذا كانت هذه هي قدرات المصرية للاتصالات قبل الحصول على رخصة لخدمات المحمول، فلك أن تتخيل ماذا يمكن أن تفعله بعد حصولها رسميًا على الترخيص؟
في 18 سبتمبر/أيلول 2017 طرحت المصرية للاتصالات خطوط شبكة المحمول الرابعة، لتصبح أول مشغل اتصالات متكاملة (ثابت- إنترنت– محمول)، مما يسمح لها بالسيطرة على سوق الاتصالات والمعلومات، وهو أمر مقلق وخطير، يجعل حركة تداول البيانات والمعلومات تحت سيطرة الدولة، لتعبث بها كيفما شاءت وتتحكم في بياناتها وفقا لرؤيتها الأمنية المتسلطة.
هل السوق في احتياج؟
وفقاً لبيانات وزارة الاتصالات، فإن مستخدمي المحمول في 2017 بلغوا 108.9 مليون، بنسبة 111.5%، مما يوضح مدى تشبع السوق. وفي ظل تأكيد الخبراء على أن النمو يأتي من زيادة عدد المشتركين، فإن التشبع يقف عائقًا أمام النمو، كما أن خدمات الإنترنت غير مرضية، فضلًا عن أن تحديثات الشبكات تكمن في البنية التحتية التي تعتمد عليها شركات المحمول ومقدمو الإنترنت، والتي لا يُسمح إلا للمصرية للاتصالات بتوفيرها.
كل ذلك يدفع للتساؤل حول جدوى الرخصة الرابعة، خاصة أن المنافسة في قطاع الاتصالات لم تؤدِّ إلى تحسين الأسعار أو الخدمات، في ظل التدهور المستمر في جودة خدمات المحمول والإنترنت، والتباطؤ في تطوير وتحديث الشبكات، وارتفاع الأسعار عن المتوسط العالمي، وقلة سرعات نقل البيانات.
ورغم أن إيرادات المحمول قد تقل وسط المنافسة بين أربعة مشغلين، إلا أن سيطرة المصرية للاتصالات على حوالي 80% من الإنترنت عن طريق (te data)، يعطيها ميزة تنافسية عالية.
هذا بعض مما قد يطرحه «المواطنون الشرفاء»، بإيعاز من الإعلام الموالي للدولة، في ظل تحقيق شركات المحمول إيرادات سنوية تتجاوز 30 مليار جنيه، وهامش ربح يصل إلى 40%، مما يعني أن السوق مربح للغاية، كما أن دخول مشغل رابع للسوق يحفز المنافسة في ظل عدم الرضا عن الخدمة الحالية. لكن الحقيقة تختلف تمامًا، تلك الحقيقة التي لا تتضح إلا باستعراض بعض المحطات التاريخية المهمة.
المصرية للاتصالات
أُنشئت المصرية للاتصالات عام 1854 باسم «الشرقية للتليفونات والتلغراف» ثم «مصلحة التليفونات والتلغراف» ثم «الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية»، وتحولت إلى شركة في 2006.
عام 1996 كانت أول من قدم خدمة المحمول، وبعد عام تم بيع الرخصة والشبكة ومشتركيها – الذين وصل عددهم وقتها إلى حوالي 80 ألف مشترك – إلى «mobinil»، وعام 1998 طرحت الحكومة رخصة لشبكة محمول ثانية حصلت عليها «vodafone»، وعام 2001 طُرحت رخصة ثالثة للمحمول، حصلت عليها «etisalat» الإماراتية عام 2006.
وإلى جانب سيطرتها على خطوط الهاتف الثابت أنشأت المصرية للاتصالات شركة (te data) في 2001، لتسيطر على حوالي 80% من سوق الإنترنت.
الشبكة الرابعة
أرادت الدولة إعطاء المصرية للاتصالات رخصة للمحمول؛ لضعف إيرادات الهاتف الثابت، ومن هنا بدأت الأزمة التي استغرقت نحو 3 أعوام من الجدال.
بدأ الأمر في 2012، حيث لم يلقَ قرار وزير الاتصالات استحسان شركات المحمول بمنح الرخصة الرابعة للمصرية للاتصالات. وقالت الشركات إن هذا الطرح ليس في مصلحة المنافسة بسوق الاتصالات الذي وصل إلى التشبع، مما قد يؤدي إلى تخفيض ربحية الشركات والتأثير على الصناعة.
وانتقدوا طرح الرخصة بالأمر المباشر للمصرية للاتصالات بحجة انتشالها من مشاكلها المالية، وتدهور أرباحها، وتراجع مشتركي التليفون الثابت، والعمالة الضخمة بالشركة التي تتجاوز 50 ألف موظف، وأكدوا أن القرار سيؤدي إلى هيمنة الشركة على السوق؛ لجمعها بين خدمات المحمول والثابت، وأُثيرت مخاوف من تعثر المصرية للاتصالات مما قد يدفع الحكومة التي تمتلك نحو 80% منها إلى مساندتها.
وسكن الجدال فترة ثم عاد في 2013، بعد التصريح بأن شركتي stc السعودية، وzain الكويتية، أرسلتا خطابات رسمية لوزارة الاتصالات بشأن تراخيص الاتصالات المتكاملة، فأعلنت الشركات أن الحكومة لم تطلعهم على مسودة تراخيص الهاتف الثابت والبوابة الدولية ضمن حزمة التراخيص المتكاملة التي تعتزم طرحها، بينما أرسلت مسودة رخصة المحمول الرابعة للمصرية للاتصالات.
وفي 2014 اجتمع وزير الاتصالات مع رئيس (vodafone)، بعد تلويح الشركة باللجوء للتحكيم الدولي إذا لم تخرج الرخصة بشفافية ومراعاة للمنافسة، في حين ظهرت ضغوط فرنسية امتدت إلى رئيس الوزراء إبراهيم محلب، مع إعلان (orange) رفضها دخول مشغل رابع للمحمول، وأكد الوزير أن الوزارة ترفض سماع أي تهديدات أو تلويحات من أي نوع.
جاء ذلك ردًا على أنباء بوجود ضغوط متواصلة من الشركات لوقف طرح الرخصة، وبأن (etisalat) الإماراتية تضغط بقوة، مستغلة المساعدات والمنح التي تمنحها الإمارات مصر.
بعدها نفى وزير الاتصالات وقوفه في صف شركات المحمول، كما نفى الامتثال لضغوط الشركات، «إنما كان لابد من الاستماع إلى الطرف الثاني في المعادلة» على حد قوله.
الرخصة الموحدة
وللخروج من هذا المأزق أعلن وزير الاتصالات عن طرح «الرخصة الموحدة»، التي تسمح للمصرية للاتصالات بتقديم خدمات المحمول، كما تسمح لشركات المحمول بتقديم خدمات الهاتف الثابت، والإنترنت السلكي، والبوابات الدولية للاتصالات.
كما تم الإعلان عن إنشاء «كيان موحد» لتطوير وتأجير البنية الأساسية، تشارك فيه وزارات الدفاع والنقل والاتصالات والاستثمار بالتعاون مع شركات المحمول.
وأكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن الكيان الموحد سيقوم ببناء البنية التحتية وتأجيرها فقط، دون الترخيص له بتقديم خدمات للشركات، في حين أن المصرية للاتصالات تقوم ببناء البنية التحتية، ثم تقدم من خلالها خدمات للشركات وفقًا لرؤيتها الخاصة وبالأسعار التي تشترطها. وتم التأكيد على أن اللجنة التأسيسية للكيان الموحد عقدت عدة اجتماعات بحضور ممثلين لشركات الاتصالات. وتم تأجيل تأسيس هذا الكيان عدة مرات.
وفي نهاية 2015 أعلن وزير الاتصالات إلغاء فكرة الكيان الموحد، والاكتفاء بالاستثمار في البنية التحتية وتطويرها بمشاركة جميع الشركات والهيئات. ثم أعلن عن طرح تراخيص الجيل الرابع، دون الكشف عن قيمة الرخصة، ودون تحديد موعد لتوافر خدمات الجيل الرابع. وقال ممثلو الشركات إنهم لم يتلقوا أية خطابات رسمية من الوزارة بشأن الجيل الرابع، وأن الحكومة تخطط لطرحه كي تسمح للمصرية للاتصالات بالدخول إلى سوق المحمول.
مما دفع الشركات إلى الإعلان عن احتياج القطاع لوضع شروط تنظيمية جديدة لحماية المشغلين حتى لا يصل الوضع كما هو الحال في سوق ADSL، في ضوء سيطرة المصرية للاتصالات على سوق الإنترنت، والتي أتاحت لها قطع الخدمات عن المشتركين، فخسرت الشركات استثمارات باهظة في سوق الإنترنت الثابت، وأكدوا أن تجربة المنافسة في سوق ADSL كافية لسوء الظن عند دخولها نشاط المحمول.
فعلى سبيل المثال حصلت شركة (LINK DSL) – (orange) حاليًا – عام 2011 على رخص إنترنت في 5 مجتمعات عمرانية، لكنها لم تستطع الاستفادة منها أو تنفيذها؛ لأنها لا تتضمن خدمات الثابت، على حد تصريح رئيس الشركة.
فضلا عن إعلان الشركات أنها تعاني من ندرة الترددات التي تعمل عليها، وكذلك عدم وجود رؤية واضحة فيما يخص توفر الترددات الكافية التي تشجع الاستثمار في الجيل الرابع، كما أكد العديد من خبراء الاتصالات أن مصر لا يزال لديها نسب نمو متاحة في تكنولوجيا الجيل الثالث، وهو ما يعني أن المستخدمين ليسوا في حاجة لخدمات الجيل الرابع قبل التشبع بخدمات الجيل الثالث.
وتم إسدال الستار على تراخيص الجيل الرابع في سبتمبر 2016، برفض الشركات التقدم للحصول على التراخيص بسبب قلة الترددات، و أُعلن أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ينوي طرح الترددات في شكل تراخيص للشركات بشكل منفرد ليحصل على أعلى سعر.
الدولة تسيطر
تحكم الدولة قبضتها على سوق الاتصالات، حيث يقوم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بإصدار تراخيص المحمول والإنترنت، والموافقة على خطط الأسعار، كما يملك وزير الاتصالات الحق في تحديد أسعار الخدمات، إلى جانب امتلاك الدولة لنسبة 80% من المصرية للاتصالات التي تستأثر بكامل البنية التحتية ومستخدمي الهاتف الأرضي نظرًا لوضعها القانوني المميز بقانون تنظيم الاتصالات، والذي يعطيها الحق الحصري في إنشاء وإدارة البنية التحتية للإنترنت، بالإضافة إلى خدمات الهاتف الأرضي.
كما أن الدولة تسيطر على سوق المحمول، فهي تملك 45% من (vodafone) عن طريق المصرية للاتصالات، و20% من (etisalat) عن طريق البريد المصري، كما تستحوذ على 100% من البنية التحتية، و90% من البوابة الدولية.
ورغم أن المصرية للاتصالات حينما تقدم خدمات المحمول فإنها ستصبح منافسًا مباشرًا لـ (vodafone)، وبالتالي لابد من التخارج، فإن القانون والحكومة لا يلزمانها بالتخارج.
و تؤكد شركات المحمول أن إيرادات الاتصالات تصل إلى 42 مليار جنيه، تستحوذ الشركات على نحو 30 مليار جنيه، والباقي للمصرية للاتصالات، بنسبة 13%، ومع الأخذ في الاعتبار أن الدولة تتجه لإقامة مشروعات مهمة في محور قناة السويس، فهي تحتاج إلى حوسبة عملاقة، وشبكة اتصالات متطورة ومؤمنة، لذا كان لابد من خضوع مشغل الاتصالات المتكاملة لسيطرة الدولة.
جدير بالذكر أن الشركات لن تخسر كثيراً من الرخصة المتكاملة للمصرية للاتصالات، كما أنها تحمّل أي زيادة أسعار أو ضرائب للمستخدمين، ويكفي أن تعرف بأن الشركات تحقق ما يقرب من 400 مليون جنيه يوميا في شهر رمضان فقط!
فالدولة تسيطر، والشركات تربح، والمواطن يدفع ثمن السيطرة والأرباح، ليتأكد أن شعار الشبكة الرابعة «إحنا منك – we يعني «من جيبك».