تشكيل الحكومة المغربية: تحالف هش وتساؤلات عالقة
وأخيرًا، شُكلت حكومة جديدة في المغرب بعد 6 أشهر من المفاوضات الصعبة. قَبِل الجميع- الأحزاب والقصر- بالطبيب الهادئ والسياسي العتيد سعد الدين العثماني كمُخلِص، فتعاونوا معه لإخراج الحكومة إلى النور بائتلاف مكون من 6 أحزاب، ضمن لها أغلبية مريحة في البرلمان.
لماذا فشل ابن كيران ونجح العثماني؟
حاول رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران جاهدًا، منذ فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الوصول إلى صيغة توافقية مع باقي الأحزاب لإخراج الحكومة إلى النور، لكن مساعيه مُنيت بالفشل، فأعلن العاهل المغربي محمد السادس، في 17 آذار/ مارس الجاري، تكليف القيادي بالعدالة والتنمية سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة بديلًا لابن كيران.
خلال أقل من 10 أيام، نجح العثماني في تشكيل الحكومة وتحقيق ما فشل فيه ابن كيران على مدى 5 أشهر، فلماذا؟، الجواب على هذا السؤال يستدعي الإجابة على سؤال آخر أكثر بساطة؛ ما العقبات التي واجهت تشكيل الحكومة؟
كان هناك عقبة واحدة أمام تشكيل حكومة برئاسة عبد الإله بن كيران؛ هي شخص ابن كيران نفسه، فالسنوات التي قضاها الرجل صاحب الكاريزما على رأس الحكومة خلقت له ولحزبه شعبية كبيرة ظهرت بوضوح في الانتخابات الجهوبة والمحلية والبرلمانية الأخيرة، إذ حصل الحزب على المرتبة الأولى في الانتخابات الجهوية والثالثة في المحلية والأولى في البرلمانية، وهو ما يعكس ثقة المواطن المغربي في الرجل وحزبه.
وكما خلقت سنوات حكم ابن كيران والعدالة والتنمية لهما شعبية كبيرة، خلقت لهما أيضًا الكثير من الأعداء الأقوياء في الأحزاب والقصر والدولة العميقة.
وبما أن نتيجة الانتخابات لا يمكن تغييرها، كان خيار الإطاحة بالرجل القوي ابن كيران من على رأس الحكومة وتحجيم دور «العدالة والتنمية» هو الخيار الأكثر معقولية والأكثر قابلية للتطبيق.
كانت الخطة في البداية أن يتم تنظيم «انقلاب ناعم»، تتقدم فيه كل الأحزاب بمذكرة إلى الملك محمد السادس تعلن فيها رفضها المشاركة في حكومة يرأسها العدالة والتنمية، وهو ما يعني إما إعادة الانتخابات البرلمانية أو تعديل الدستور المغربي ليتيح استبعاد حزب الأكثرية من الحكومة، لكن حزب الاستقلال- الموالي للعدالة والتنمية- رفض المشاركة في «المؤامرة» وكشفها على الملأ، ففشلت الخطة.
الخطة الثانية كانت اشتراط الأحزاب شروطًا صعبة التحقق للمشاركة في الحكومة مع العدالة والتنمية، فطلب حزب الاتحاد الاشتراكي- صاحب الـ 20 مقعدًا في البرلمان- الحصول على رئاسة البرلمان للمشاركة في الحكومة، فرفض ابن كيران الطلب فقرر الحزب عدم المشاركة، فكافأته باقي الأحزاب بإعطائه رئاسة البرلمان كما أراد.
واستكمل حزب التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدًا برلمانيًا) الخطة بإقامة تحالف مع 3 أحزاب أخرى؛ هي الحركة الشعبية (27 مقعدًا) والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعدًا) والاتحاد الدستوري (19 مقعدًا)، واشترط على ابن كيران استبعاد حزب الاستقلال من الحكومة لمشاركة التحالف فيها، وهو ما رفضه ابن كيران في البداية حفظًا لجميل «الاستقلال»، لكنه خضع في النهاية شريطة استبعاد «الاتحاد الاشتراكي» من التحالف، وهو ما رفضه عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار.
ظلت الأمور عالقة هكذا لمدة 5 أشهر، الأحزاب تريد تركيع «العدالة والتنمية»، وابن كيران يرفض التنازل خشية أن يصبح مطية، فأطاح الملك به وكلف القيادي في حزبه سعد الدين العثماني بتولي رئاسة الحكومة.
جاء العثماني متخففًا من كل هذا؛ لا أعداء كُثر يسعون لإفشاله، ولا ديون سياسية لأحد، بالإضافة إلى ميله الشخصي إلى المهادنة والترضية؛ خلطة يحبها الجميع، لذلك قبل بصفقة حزب التجمع الوطني للأحرار وحلفائه، فخرجت الحكومة سريعًا إلى النور.
التحالف الهش وتساؤلات المستقبل
الائتلاف الحكومي، الذي أعلن عنه العثماني، جاء مكونًا من 5 أحزاب بالإضافة إلى العدالة والتنمية، وهم: التجمع الوطني للأحرار (37 مقعد برلماني)، الحركة الشعبية (27 مقعد)، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعد)، الاتحاد الدستوري (19 مقعد)، والتقدم والاشتراكية (12 مقعد).
تمتلك هذه الأحزاب 240 مقعدًا برلمانيًا من أصل 395 مقعدًا، ما يعني أنها أغلبية مرتاحة في البرلمان، لكن المشكلة تكمن في التنافر بين مكونات هذا الائتلاف؛ فعلى مستوى الأيديولوجيا، حزب العدالة والتنمية ذو مرجعية إسلامية، في حين أن باقي مكونات الحكومة ليبرالية ويسارية.
وعلى مستوى التاريخ، فلن ينسى «العدالة والتنمية» للتحالف الذي شكله حزب التجمع الوطني للأحرار أنه من وضع العقدة بالمنشار للإطاحة برئيسه عبد الإله ابن كيران من على رأس الحكومة.
وعلى المستوى العملي، إذا استمر التحالف الذي شكله حزب الأحرار- يمتلك 103 مقعد في البرلمان- قائمًا، وهو أمر متوقع، فهذا يعني أن الحكومة معرضة للحل عند أول خلاف قوي بين مكوناتها.
ويعني أيضًا أن العثماني وحزب العدالة والتنمية سيكونان الطرف الأضعف في الحكومة، فإلى أي مدى قد يحتمل «العدالة والتنمية» هذا الوضع؟، وإلى أي مدى سيستطيع العثماني المضي قدمًا بالحكومة في ظروف كهذه؟
بعيدًا عن الحكومة، يجد حزب العدالة والتنمية نفسه في موقف غير مألوف؛ فهو في وسط عملية واضحة لتقليم أظافره والحد من نفوذه وشعبيته التي ظهرت في الانتخابات الجهوية والمحلية والبرلمانية الأخيرة.
القصر والأحزاب اتفقوا على طي صفحته وصفحة احتجاجات عام 2011 التي أتت به إلى صدارة المشهد المغربي، فكيف سيتعامل الحزب مع هذا الوضع؟، هل سيختار المهادنة أم سيقاوم؟، وهل رضاه بالوضع الذي آلت إليه الحكومة دليل على اختياره المهادنه أم دليل على ارتباكه في انتظار إعادة ترتيب صفوفه؟، وما تأثير محاولة الإطاحة بـ«العدالة والتنمية» على مستقبل الديمقراطية في المغرب؟.
غضب قواعد «العدالة والتنمية» يظهر
استشفت قواعد «العدالة والتنمية» حجم الهزيمة التي مُني بها الحزب، عقب إعلان العثماني عن تشكيل الحكومة بمشاركة «الاتحاد الاشتراكي» الذي كان ابن كيران رفض وجوده فيها.
ظهرت علامات الغضب والاستياء واضحة من أعلى لأدنى عناصر الحزب، فخرجت سمية بن كيران، كريمة رئيس الوزراء المقال، على الملأ لتنتقد قيادة «العدالة والتنمية»واصفة ما حدث بأنه «نقض للعهد وهدم لخط مناهضة الفساد والتحكم، الذي جعلناه شعارًا وبذلنا من أجله المواقف والتضحيات».
ولم تخفِ أمينة ماء العينين، النائبة البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية، غضبها، فنشرت عدد من التدوينات في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وكذلك فعل حسن حمورو، عضو المجلس الوطني في حزب العدالة والتنمية، الذي قال أن «الكثير من قيادات العدالة والتنمية لم تستوعب الانتصار الكبير الذي تحقق للشعب المغربي وللحزب خلال انتخابات 7 أكتوبر… فدبرت الانتصار بنفسية الهزيمة».