على الرغم من كون التيار السلفي في العالم العربي بصورة عامة يعاني من أزمات عدة بعضها داخلية مرتبطة بالانقسامات داخله والبعض الآخر مرتبط بالقبول الشعبي لهم والتحجيم الكبير من قبل السلطات إلا أن سلفيو الكويت لهم وضعا آخر مختلف عن الباقية في شتى أنحاء الوطن العربي، ربما تلك الخصوصية للسلفية الكويتية تجعلها على المدى القريب قائدا للحركة السلفية العالمية.
تطور السلفية الكويتية
منذ نهاية الستينات من القرن الماضي وحركات الإسلام السياسي انتشرت بصورة واسعة في الدول العربية نتيجة تراجع الحركات القومية والماركسية خاصة بهزيمة 67، فيما يتعلق بالكويت كان لحركة الإخوان المسلمين النصيب الأكبر من الكعكة بها، تلاها السلفيون الذين بدءوا من خلال الدروس الدينية والخطب بالمساجد وأماكن التجمعات، من ناحية أخرى أثرت الثورة الإيرانية بصورة كبيرة في نمو الحركة السلفية في الكويت كرد على العمليات الإرهابية التي تمت على يد خلايا شيعية في الكويت بالثمانينات من القرن الماضي.بحثا عن التمويل للتحركات اتجهت الحركة السلفية في الكويت كغيرها إلى استهداف رجال الأعمال المهتمين بالحياة السياسية والاجتماعية الأمر الذي دفع سلفيو الكويت للاختلاف عن غيرهم –فترة التكوين- عن السلفيين في غيرها من البلاد.طور التيار السلفي في الكويت من نفسه الأمر الذي دفع إلى ظهور جمعية «إحياء التراث الإسلامي» بالعام 1981 على يد كوكبة من الشيوخ الكويتيين على رأسهم عبد الله السبت وطارق العيسى، وكان للأول نشاط فعال في نشر الدعوة السلفية في بلدان مختلفة أهمها الإمارات التي قضى بها نحو 16 عاما في إمارة الشارقة منشأ بها دار الفتح التي اهتمت بنشر الكتب السلفية.بتولي عبد الرحمن عبد الخالق المصري الجنسية زمام الأمور بالجمعية أخذت السلفية في الكويت طورها الحركي مهتمة بالشأن السياسي في الفكر السلفي وضرورة طرق أبواب الاحتجاج، ولكن كعاداتها التيارات السلفية تنقسم فيما بينها وتحدث بها العديد من التغيرات والانشقاقات، فبعد تحرير الكويت من العراق عاد التيار السلفي الكويتي طوره الأصولي، الأمر الذي أصبح مصدر ضيق للسلفيين الحركيين بالكويت.
حاكم المطيري والسعودية
حاكم المطيري
لم يستسلم هؤلاء للتغيرات التي طرأت على جمعية إحياء التراث وحافظوا على تواصلهم مع الحركة السلفية في السعودية وسافر بعضهم إلى المملكة منضمين إلى الحركات السلفية هناك خاصة حركة الصحوة الإسلامية التي ظهرت عقب قرار السعودية بتمركز الجنود الأمريكان بها.وما أن عاد هؤلاء المسافرين من السعودية -خاصة حاكم المطيري- أعادوا مرة أخرى الروح إلى السلفية الحركية في الكويت، ولكن لفقدان الحكومة الثقة آنذاك في عبد الرحمن عبد الخالق أصبحت جمعية إحياء التراث أصولية عن بكرة أبيها حيث تم طرد عبد الخالق وتولية السبت زمام الأمور، مما أدى إلى تأسيس عبد الخالق وأتباعه تنظيما سلفيا حركيا تحت عنوان «الحركة السلفية» بالعام 1997.
الخلافات داخل السلفية الكويتية
منذ تلك الأوقات وتقسم الحركة السلفية في الكويت ما بين أصوليين وحركيين، وداخل كلا منهما ينقسم الأتباع حول الرائد للتيارين، فمن ناحية الأصوليين فقد انقسموا فيما بينهم حول مؤيدي جمعية أحياء التراث الإسلامي ومعارضيها، المؤيدين توجهوا للعمل البرلماني بغطاء «التجمّع السلفي الإسلامي» ساعين لتحقيق الأهداف الأصولية من طاعة الحاكم وأسلمة المجتمع، من ناحية أخرى يعارض بعض الأصوليين جمعية إحياء التراث ويرون فيها أنها أداة في يد المخابرات السعودية ولكنهم لم يتخلوا مطلقا عن الأصولية، من ناحية ثالثة يعارض بعضهم الجمعية من ناحية حرمانية المشاركة في العمل السياسي مؤكدين أيضا على ضرورة عدم انتقاد الحاكم وضرورة طاعته وهؤلاء يتمثلون في السلفيين المدخليين بالكويت.من ناحية أخرى لم تسلم السلفية الحركية في الكويت من الخلافات الداخلية ولعل أبرز تلك الخلافات تمثل في الرؤية للحركة السلفية المؤسسة في العام 1997، هذا الخلاف الذي نشب بين حاكم المطيري ونائبة حامد العلي، حيث رأى الأول مستقبل الحركة السلفية يتمثل في تحوليها إلى حزب سياسي منظم ورأى الثاني أنه من الأفضل أن تترك الحركة كما هي دون تغيير في شكلها، هذا الخلاف بلغ حدته بسفر المطيري إلى إنجلترا لإنجاز الدكتوراه وتولي نائبه العلي قيادة الحركة منفذًا فكره الخاص في تلك الأثناء أعلن المطيري تركه للحركة السلفية وتبعه بعض الموالين له ولفكره.في العام 2005 عاد المطيري من إنجلتران أسس حزب الأمة كأول حزب سياسي في الكويت ومنطقة الخليج عامة، وبمجرد ما تم إشهار الحزب وجه له اتهام مخالفة القانون الكويتي، واتهم أيضا مؤسسيه بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم، لم تؤثر تلك الاتهامات على الحزب الذي قرر في العام 2008 خوض الانتخابات البرلمانية بـ 12 مرشحا خسر جميعهم، الأمر الذي دفع الحزب للإعلان عن عدم المشاركة في الانتخابات إلا في إطار حكومة شعبية منتخبة وعليه قاطع انتخابات 2009، ولكن الحقيقة التي أقرتها الأوضاع في الكويت آنذاك أن الحركيين لم يكونوا بنفس درجة تأثير الأصوليين، مختفين شيئا ما عن الساحة عربيا ومحليا.
الربيع العربي وإحياء دور سلفيو الكويت
عقب موجة الربيع العربي تغيرت خريطة السلفيين في الوطن العربي، حيث إن الثابت لدى الأصوليين هو الطاعة العمياء للحكام، الأمر الذي وُوجه برفض مجتمعي عربي مما دفع الكثير إلى السلفية الحركية وعليه عاد تأثير الحركيين مرة أخرى إلى الصعود مقارنة برفض للأصولية.المثال الحي والأكثر دقة على نشاط السلفية الكويتية يتمثل بصورة أساسية في سوريا، حيث إن السلفيين استغلوا نشاط سلفيو سوريا عقب الثورة منذ العام 2011، وهناك محطات عدة توضح تمويل السلفيين الكويتيين للحركات المسلحة في سوريا، خاصة أنها تشبع رغبات السنة الكويتيين في محاربة الشيعة، منها تأسيس مجلس الداعمين في الكويت بالعام 2012 برئاسة محمد هايف وعمل المجلس على دعم وتمويل الفصائل المسلحة في سوريا وعلى رأسها حركة أحرار الشام.كذلك ما حدث عقب الخلاف ما بين جبهة النصرة وداعش بسوريا حيث عمل زعيم حزب الأمة الكويتي عن طريق رجله حجاج العجمي بضخ الأموال لجبهة النصرة إلى جانب تسمية بعض مجاهدي الكويت ليصبحوا قيادات بجبهة النصرة ومنهم على سبيل المثال أبو الحسن الكويتي القيادي بالنصرة، ناهيك أيضا عن حملة «شهداء قبيلة العجمان ويام في سوريا» الحملة الإغاثية والتي تسربت أخبار حول دعمها العسكري للفصائل السورية، ولعل أكثر تلك الحملات تمثل فيما عرف بـ اسم «حملة الكويت الكبرى لتجهيز 12 ألف مجاهد إلى سوريا» والتي يشار إلى أنها جمعت ما يقرب من 30 مليون دولار لدعم الفصائل في سوريا.الدولة الكويتية دائما ما تنفي ذلك وتؤكد على أن الدعم الكويتي سواء الرسمي أو غير الرسمي فقط من أجل أعمال إنسانية وإغاثية، إلا أن الواقع أثبت غير ذلك، وبعيدا عن تلك الجدالات التي لا طائل منها يبقى لنا الإشارة إلى أن الحراك السلفي الكويتي في سوريا من شأنه إطالة الأزمة السورية من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤثر على مسار الحياة السياسية في الكويت وفي بلدان عربية أخرى أبرزها لبنان الذي يتمتع سلفيوه بعلاقات وطيدة مع سلفيي الكويت، من ناحية أخرى التعاطي الكويتي والدولي مع سلفيي الكويت بشيء من التجاهل شيئا ما يدفع سلفيي الكويت لأن يكونوا قوادَ الحركة السلفية العالمية مستقبلا بما لديهم من حرية شيئا ما في ممارسة النشاط وحجم الأموال الموجودة لديهم.