فورين أفيرز: تورط بوتين في سوريا.. واستفادة أوباما
اختلف بوتين وأوباما بشدة بشأن أوكرانيا منذ مطلع 2014، عندما ضم الكرملين القرم وأطلق حملة لخلخلة استقرار جنوبي شرق أوكرانيا، كرد فعل على سقوط الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش.
وبعد فترة وجيزة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا. بدا خلال مطلع الصيف الحالي كما لو أن الانفراجة ملوحة في الأفق عندما أشاد الرئيس أوباما بدور روسيا في المفاوضات النووية مع إيران، وخففت موسكو من حدة خطابها المناهض لأمريكا.
إلا أن العلاقات التهبت مرة أخرى مع حشد موسكو الكبير لقواتها العسكرية في سوريا، الذي اعتبرته الولايات المتحدة استعدادا لتدخل عسكري للدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد.
يقول المسؤولون الروس إن خطاب بوتين بشأن التواجد الروسي في سوريا يجب أن يؤخذ على علاته. حيث يزعم وجود آلاف الجهاديين من القوقاز الروسية ودول الاتحاد السوفيتي السابقة بآسيا الوسطى حاليا في سوريا للقتال في صفوف التنظيم الذي أعلن نفسه دولة إسلامية (داعش).
بالنسبة لبوتين، تعتبر محاربتهم في سوريا أفضل كثيرا من محاربتهم على مقربة من الأراضي الروسية.
وبناء على ذلك، دعى بوتين في خطابه أمام الأمم المتحدة لـ«تحالف موسع» جديد ضد داعش وشدد على الالتزام العسكري الروسي الرامي إلى تحدي داعش في معقله السوري.
ولكن ماذا يكمن وراء خطابه، وبماذا يمكن تفسير التوقيت، في ضوء أن التنظيم المسلح قد أحرز أكبر مكاسبه في سوريا والعراق منذ حوالي عام ونصف؟
بالنسبة لبوتين، يمكن تعريف الوضع الحالي لروسيا من خلال الضعف الاقتصادي و الفرصة الجيوسياسية، حيث يريد بوتين أن يستغل الأخيرة لتخفيف حدة الأول. الضعف الاقتصادي مدفوع بفعل الهبوط الحاد في أسعار الطاقة ومعزز بفعل العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة العدوان الروسي في أوكرانيا.
بينما تكمن الفرصة الجيوسياسية في فشل السياسات الأمريكية في وقف زخم داعش أو في حل المعركة الجارية في سوريا وأزمة اللاجئين الناجمة في أوروبا. يسعى بوتين على نحو انتهازي إلى تعزيز النفوذ الروسي في الشرق الأوسط بينما يقدم الكرملين للعالم، وخصوصا لأوروبا، في ذات الوقت كجزء رئيسي من حل المشكلات.
إدارة أوباما محقة في قلقها بشأن الدعم الروسي للأسد، ولكن روسيا من غير المرجح أن تفكر في تقديم الدعم العسكري المباشر للرئيس المحاصر. فطوال أشهر، شاركت روسيا في رقصة دبلوماسية مع السعودية من أجل إيجاد أرضية مشتركة لمعالجة الأزمة السورية.
بينما لم يتحمس السعوديون تجاه بدء جهود دبلوماسية جديدة تشمل الرئيس السوري، متشجعين بفعل حملتهم العسكرية في اليمن.
فإستراتيجية روسيا لا تشتمل على إثارة نزاع بالوكالة على نطاق أوسع، بل على تسريع ما يراه بوتين الآن غالبا كحل نهائي حتمي متفاوض بشأنه، حيث أرسل إشارة حاسمة للسعودية، وتركيا، وقطر، مفادها أن الجهود العسكرية لتغيير النظام السوري ستكون عقيمة.
قد لا تتمتع السياسات الروسية فيما يتعلق بسوريا بشعبية كبيرة في العديد من العواصم العربية، ولكن استعداد روسيا للدفاع عن حلفائها يقابل بالاحترام.
وعلى نطاق أوسع، يستجيب بوتين، على طريقته الخاصة، لتطلع أوباما إلى متابعة روسيا لدورها البناء في الشرق الأوسط عبر عرضها أن تمثل حلقة وصل ضرورية بين تحالفين متنافسين يحاربان داعش في الشام، التحالف تحت القيادة الأمريكية والتحالف تحت القيادة الإيرانية، اللذان لن ينجح أيا منهما دون الآخر.
تتعلق مناورة بوتين في الشرق الأوسط أيضا بالاستفادة من أزمة اللاجئين لاجتذاب الانتباه بعيدا عن أوكرانيا ولخلق الظروف التي تستطيع أوروبا بمقتضاها رفع أو تخفيف العقوبات عن روسيا. حيث تعلم روسيا أن أزمة اللاجئين مثلت تحديا للاتساق السياسي للاتحاد الأوروبي.
دعمت ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة جزئيا فرض عقوبات على روسيا عام 2014 لإظهار التعاطف مع دول شرقي أوروبا – وهي الحكومات التي ترفض حاليا المشاركة في عبء استيعاب اللاجئين.
وفي غضون ذلك، لم يواجه بوتين صعوبة في إقناع بعض دول جنوب أوروبا، خصوصا إيطاليا، بأن روسيا يجب أن تعامل بشكل أكبر كشريك وليس كدولة منبوذة. كما أظهرت موسكو خلال الشهر الماضي مرونة في المفاوضات تحت قيادة ألمانيا التي نتج عنها وقف جديد لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وضمن بوتين استمرار وقف إطلاق النار إلى حد كبير.
جاء بوتين إلى نيويورك معتقدا أنه يتمتع بموقف قوي (في الواقع، يمثل ذلك السبب الوحيد لمجيئه). ففي النهاية، تبدو أهداف أوباما في سوريا – هزيمة داعش، والتوصل إلى تسوية سياسية مرضية، والإطاحة بالأسد –أبعد من أي وقت مضى.
وفي ضوء ممانعة واشنطن للتورط بشكل أكبر في نزاعات الشرق الأوسط، أمل بوتين أن خطواته ستجبر الولايات المتحدة على التركيز على أولوياته.
ولكن أوباما لا يثق في بوتين إلى حد كبير، ولم يكن ليقبل بالعرض الروسي على ظاهره. لم يكن لقاء الأمس سوى أول شوط فيما يبشر بكونه لعبة طويلة.
أما بالنسبة للخطوات القادمة البناءة المحتملة، فإن لقاء بوتين خلال الأسبوع المنصرم في موسكو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يكون مبشرا.
عاد نتنياهو إلى بلاده باتفاقات بشأن إجراءات لتقليل فرص المواجهة بين قوات الدولتين في سوريا وإبقاء التسليح الروسي بعيدا عن أيدي حزب الله. قد تمثل الاتفاقات الروسية الإسرائيلية نموذجا لما يمكن أن تؤول إليه العلاقات الأمريكية الروسية لاحقا.
بعيدا عن ذلك، يواجه أوباما معضلة. حيث تصل الحملة ذات القيادة الأمريكية المناهضة لداعش إلى طريق مسدود بسرعة. يجدر استكشاف إن كان يمكن الاستفادة من المشاركة العسكرية لموسكو في سوريا في إضعاف التنظيم المتطرف.
وعلى أوباما أن يكون منفتحا بشأن التعاون مع موسكو بصدد اقتراحات دبلوماسية جديدة لإنهاء الحرب السورية. ولكنه سيكون على حق إن أوضح أن الولايات المتحدة ستفعل ذلك فقط إن قيدت موسكو استخدامها للقوة بالحملة المناهضة لداعش.
في هذه المرحلة، يحتاج الجانبان على الأرجح لتجنب التعامل مع مشكلة بشار بشكل مباشر، إن كانا عازمين على التوصل إلى مسار دبلوماسي بناء.
*ديفيد إف جوردون مساعد باحث بارز بمركز الأمن الأمريكي الجديد، وكان سابقا مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية.
المصدر | نشر في 30 سبتمبر 2015