لهذه الأسباب كان «جراند أوتيل» مبهرًا بصريًا
أثار مسلسل «جراند أوتيل» آراء الجماهير التي تابعته فانقسم المشاهدون لفريقين؛ فريق فُتن بالمسلسل، ورأى أنه الحصان الفائز برهان الدراما المصرية خلال الموسم الرمضاني، والفريق الآخر رأى أن المسلسل مليء بالثغرات غير المنطقية في البناء الدرامي، وسياق الأحداث.
وعلى الرغم من اختلاف الفريقين إلا أن الجمهور كله اتفق على جودة الرؤية البصرية للمسلسل، فالمسلسل عبارة عن لوحة تشكيلية كبيرة تصف حياة صفوة المجتمع المصري فيما قبل ثورة 1952، وتبرز فكرة مغازلة حنين المتلقي إلى الماضي الراقي للمجتمع المصري في تلك الفترة، وروعِيَ في هذه اللوحة استخدام ألوان وموتيفات أواخر الأربعينيات وبدايات الخمسينيات، فقد حظي بكادرات مناظر طبيعية وجماليات تصويرية، وعناصر صورة عالية الجودة؛ مثل الديكور، والأزياء، وإستايل نجوم العمل، وإن كان هناك الكثير من الثغرات التي شابت مكملات الصورة، وخصوصًا الأزياء .
فيما يقدم المخرج «محمد شاكر خضير» الذي هو نفسه مصمم الديكور وصاحب الرؤية التشكيلية للعمل، رسائل لا شعورية يعطيها للمتلقي من خلال الرؤية البصرية فقط قبل الدخول في تفاصيل القصة، أو سياق العمل نفسه، أو الحوار بين الأشخاص، والتي تبدأ من تتر المسلسل، ولوحة رقم الحلقة التى يعلوها شعار الأوتيل الذي يذكرنا بالشعارات الملكية أو (رانك) العائلات النبيلة الإنجليزية.
الرؤية التصويرية
اعتمد المخرج في رؤيته التصويرية على عمل مؤثرات بصرية، ومقاربة ألوان المسلسل لأعمال فنية ملونة تنتمي لفترة أواخر الخمسينات مثل فيلم «رد قلبي»، وهي الفترة الأقرب لتاربخ أحداث المسلسل، خالقًا رابطًا لا شعوريًا يعتمد على الذاكرة البصرية للمشاهد، فيؤكد على فكرة العودة بالزمن إلى وقت الأحداث.
وعلى الرغم من استخدام مدير التصوير «تيمور تيمور» لكاميرات عالية الجودة تنتج صورة نقية فائقة، إلا أنه كان حريصًا على إعمال المؤثرات بشكل ضبابي في بعض الكادرات، مع الإضاءة الخافتة الدافئة المدروسة طوال الوقت حتى يعطي تأثير الصور القديمة ذات الصورة الضبابية، عدا مشاهد التصوير النهار الخارجي، حيث أبدع مدير التصوير في إظهار سطوع شمس أسوان الصباحية، وانعكاس لونها الجميل على بشرة الممثلين، خاصة في مشاهد تناول الإفطار فى شرفة الأوتيل.
روعة الديكور وتنسيق المناظر
كان الديكور أحد مفردات التشكيل البصري وعناصر الصورة القوية في مسلسل «جراند أوتيل» عززها مدير الإضاءة بانعكاسات أضوائه الدافئة على التفاصيل الراقية الأنيقة التي ذكرتنا بقصور مصر التاريخية، وكان تناسق الألوان مبهرًا وخصوصًا في ألوان المفروشات، والستائر، والاختيارات الفنية من اللوحات التشكيلية، وحتى أدق تفاصيل الأبواب التي تزينها موتيفات مقتبسة من شعار الأوتيل، كذلك يحسب لصالح المخرج ومهندس الديكور «محمد شاكر خضير».
لعل اختيار المؤلف والمخرج لأسوان كمكان لتدور به الأحداث هو أفضل اختياراتهم للمسلسل على الإطلاق، فروعة المناظر الطبيعية، وجودة اختيار زوايا تصوير الممثلين مع إبراز الطبيعة الخلابة لنيل أسوان بتكويناته الصخرية الراسخة على جانبيه، مع الاستفادة من روعة طراز مبنى الأوتيل القديم، والتنسيق كذلك في كادرات غنية، خدم رؤيته البصرية، وأبرزها في أزهى صورة.
ثغرة الأزياء
فتنت الأزياء المشاهدين والمشاهدات، وحققت نجاحًا جماهيريًا مدويًا ولافتًا للنظر، ربما لم يتحقق لأعمال تفوقت في التكلفة وبذخ الإنتاج عن هذا العمل مثل مسلسل «سرايا عابدين» الذي عرضته وأنتجته قناة «MBC» المعروفة ببذخ الإنتاج، إلا أن عنصر الأزياء لم يلق مثل هذا النجاح الجماهيري الذي حققه «جراند أوتيل»، لدرجة أن بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خصصت متابعة يومية مصورة من أزياء «جراند أوتيل» وخصوصًا أزياء النجمة «أنوشكا»، التي كان حضورها الشخصي هو المكمل الحقيقي لأناقتها.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن طراز الأزياء قد شابته أخطاء تاريخية كبيرة في أزياء عدة شخصيات، ولا نعلم هل هذه الأخطاء مقصودة لعلة درامية خفية لم ندركها، أم أنها بالفعل أخطاء لم تنتبه لها مصممة الأزياء «ياسمين القاضي»، فمثلا أزياء شخصية «قسمت هانم» لا تتماشى مع موضة أزياء أواخر الأربعنيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بالعكس المظهر بالكامل ينتمي للستينيات، وهو مستنسخ من مظهر «أودرى هيبورن» وخصوصًا من فيلميها الشهيرين «إفطار في تيفاني»، الذى اقتبست منه أنوشكا مسكة السيجار الرفيع ذي المبسم الطويل، وفيلم «سابرينا» الذي اقتبست منه المصممة تصميمات أزيائه.
كما ظهرت شخصية قسمت هانم بأكثر من فستان أساس تصميمه قصة فتحة الصدر التي تعرفها النساء في جميع أنحاء العالم جيدًا باسم «ديكولتيه سابرينا»، والذي سمى بذلك تيمنًا باسم شخصية «هيبورن» في الفيلم، وقد ابتكر خصيصًا لها ليخفي عظام صدرها النحيف، ويركز الانتباه على رقبتها الطويلة الجذابة، وينطبق الكلام على تسريحة الشعر «الشنيون»، والتي ظهرت بها «كاترين» في أكثر من فيلم، وظهرت به أنوشكا في مشهد حفل تنصيب مدير الأوتيل ولم تكن من طرز تصفيفات الشعر في زمن أحداث المسلسل، وهذه التفصيلة تمثل خطأً بالغًا للإستايلست كان يجب أن ينتبه لها المخرج، ولكن يبدو أنها راقت للنجمة أنوشكا والتي كانت تتماشى مع رؤية المؤلف وخدمت ما يريد إبرازه من تناقض بين مظهرها الأنيق وجوهرها الشرير.
يحسب أيضًا للإستايلست اختياره لتفصيلة صغيرة وهي أن كافة أبطال المسلسل من الرجال الذين تتميز أدوارهم بالتحدي نراهم مطلقين شواربهم مثل شخصيات علي، ومراد، وإحسان، والضابط شريف، فإطلاق الرجال لشواربهم كان من سمات هذا العصر، عكس شخصية «أمين»، التي تعمد إظهارها في شكل طفولي بريء على الرغم من ضخامة حجمه.
أما الشخصية التي ظهرت بمظهر وطعم زمن الأحداث فهي شخصية آمال التي قدمتها «ندا موسى»، فقد جاءت أزياؤها ومكياجها وتسريحتها مناسبة لهذه الفترة، بينما جاؤت ملابس الفنانة «شيرين» جميلة ومناسبة لشخصية الأرملة المحبة للحياة رغم وحدتها القاتلة، ومرحها الدائم رغم الحزن في عينيها.
فخامة الموسيقى التصويرية
لا نستطيع أن نختم هذا التحليل دون أن نذكر الموسيقى التصويرية الراقية التي قدمها الفنان التونسي الشاب أمين بوحافة، والتي كانت بمثابة الإطار الفني المحيط بجماليات الرؤية البصرية للمخرج. تقول «د. بسنت عادل» (*) الأستاذ بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان إن «هذا العمل الموسيقي يذكرنا بأعمال الموسيقيين العظام مثل «أندريا رايدر»، فالفنان يستخدم تيمة أو لازمة موسيقية لحنية بشكل إيقاعي ثابت تتكرر بأسلوب الباص أوستيناتو «Bess Ostinato»، وتتكرر بشكل مستمر مع تغير التكوين الهارموني لها، وهذا ما تلاحظه أذن المتلقي في أداء الوتريات المستخدم فيه أسلوب العزف المتقطع على القوس المسمى باسم التقطع بارتداد القوس على الوتر «slurred staccato»، مع تنوعات وتيمات لحنية مختلفة فوقها تتبادل في أدائها آلتا التشيللو، واﻷكورديون بشكل فيه تناغم وانسجام لحني وهارموني بينهما في سياق درامي موسيقي واحد».
كما نلاحظ أن الأداء الأوركسترالي للموسيقى التصويرية أكسبها فخامةً وثراءً لحنيًا وهارمونيًا مع اتجاه المؤلف الموسيقي لإحياء السيمفونية والموسيقى الكلاسيكية الأصيلة، ودمجها مع الطابع الشرقي من خلال استخدام آلات ذات طابع شرقي وإيقاعات شرقية، تذكرنا بروح أعمال الموسيقار المصري الكبير عمر خيرت في استخدامه للأوركسترا وتوزيع اﻵلات.
وفي النهاية نستطيع أن نقول إن المخرج «محمد شاكر خضير» قدم لعين المتلقي تجربة بصرية راقية وغنية من خلال تمكنه من إدارة عناصر العمل البصرية الأربعة (التصوير، والديكور، وتنسيق المناظر، والأزياء). وعلى الرغم من عدم تمكن المصممة «ياسمين القاضي» من دراسة تفاصيل طرز أزياء هذه الفترة وخلطها بين موضات الأزياء في فترة أحداث المسلسل والفترة اللاحقة، إلا أنها قد بذلت جهدًا ملحوظًا في تنفيذ هذا الكم الكبير من الأزياء في رقى يحسب لها، وإن ظهر أن روح وشخصية الممثلين هي ما جعلت الصورة في جراند أوتيل تنبض بالجمال والحياة في مواضع ويهرب منها النبض حتى يتلاشى في مواضع أخرى، ولكنها نجحت في حصد انتباه المتلقي الذي سئم من مشاهد البلطجة والقبح الذي تمتلئ به المسلسلات والتي أصبحت قاصرة على المسلسلات المصرية فقدم عملاً يضج بالجمال الذي ضرب الفخامة الاستهلاكية الدخيلة على المجتمعات الخليجية.
(*) تعليق د.بسنت عادل من خلال حوار أجرته معها المحررة.