لهذه الأسباب لا يخدم نموذج فيسبوك التجاري حقوق الإنسان
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
مرت شركة فيسبوك بأسابيع سيئة، فكان يجب على عملاق التواصل الاجتماعي الاعتذار عن فشله في حماية البيانات الشخصية لملايين المستخدمين من الوصول إليها من قِبل شركة جمع وتحليل البيانات «كامبريدج أناليتيكا». ويختمر الحنق من فيسبوك على خلفية سماحها بالتجسس على الناس من خلال هواتفهم التي تعمل بنظام أندرويد، حيث تراجعت أسعار أسهم الشركة، في الوقت الذي قام فيه ملايين الأشخاص بإزالة حساباتهم وهم في حالة اشمئزاز.
وقد خضعت الشركة أيضًا للفحص والتدقيق على خلفية إخفاقها في منع انتشار «أخبار مفبركة» على منصاتها، بما في ذلك الحملات الدعائية الروسية للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
إن إجراءات فيسبوك أو تقاعسها أسهم في تسهيل انتهاكات الخصوصية وحقوق الإنسان المرتبطة بالحكم الديمقراطي. لكن ربما يكون نموذجها التجاري والنماذج الأخرى الخاصة بنظرائها من وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، ليس متوافقًا مع حقوق الإنسان.
الطيب
في بعض النواحي، كانت وسائل التواصل الاجتماعي «هبة» لحقوق الإنسان، وبالأخص لحرية التعبير. ففي السابق، كان ما يُعرف بـ «سوق الأفكار» متاحًا تقنيًا لجميع الأشخاص داخل الدول الحرة، لكن في الواقع كانت النخبة هي من تهيمن عليه.
وفي حين أنه كان ممكنًا للجميع ممارسة حرية التعبير بشكل متساوٍ، كنا نفتقر إلى صوت متساو. فالحراس (المراقبون)، لاسيما وسائل الإعلام الرئيسية، كانوا يسيطرون بشكل كبير على النقاشات.
لكن في يومنا هذا أي شخص لديه إمكانية الولوج للإنترنت يمكنه نشر المعلومات والآراء إلى العالم بأسره. وعلى الرغم من أنه لن يتم الإصغاء لجميع الآراء، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بتوسيع نطاق ما يُقال وما يتم تلقيه في العلن. فأضحى سوق الأفكار أكبر وأوسع وأكثر تنوعًا.
وتعزز وسائل التواصل الاجتماعي تأثير الحركات السياسية المعارضة، لاسيما في الدول التي تفرض قيودًا مشددة على الحقوق السياسية والمدنية، أو تلك التي تملك مصادر إخبارية ضعيفة للغاية.
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تنسيق الاحتجاجات الحاشدة التي أسقطت الديكتاتوريات في تونس ومصر، فضلاً عن الثورات الكبيرة في إسبانيا واليونان وإسرائيل وكوريا الجنوبية وحركة «احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة الأمريكية. ومؤخرًا، سهّلت النمو السريع لحركات مثل MeToo وNever Again من بين حركات أخرى.
الشرس والقبيح
تخلق آليات «حرية التعبير» على مواقع التواصل الاجتماعي صعوبات جمة لحقوق الإنسان. فتلك الأصوات المُخوَّل لها الحديث ليست بالضرورة أصوات مرغوب فيها.
لقد خلصت الأمم المتحدة مؤخرًا إلى أن فيسبوك كانت منصة رئيسية لنشر الكراهية ضد الروهينجا في ميانمار، الأمر الذي أدى بدوره لتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية.
ويقوم موقع «يوتيوب» بتوجيه المشاهدين للفيديوهات ذات الصلة بما يبحثون عنه. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي البحث عن «النباتية» إلى كل ما يخص ذلك النظام الغذائي؛ والبحث عن الركض إلى سباقات الماراثون، والبحث عن شعبية دونالد ترامب إلى المتشدقين بتفوق البيض، والبحث عن هيلاري كلينتون إلى «حركة حقيقة 11 سبتمبر».
ربما يكون يوتيوب، من خلال خوارزميته، وربما آثاره غير المقصودة، واحدًا من أكثر أدوات «الردكلة» قوة وتأثيرًا خلال القرن الـ 21، مع كل ما يصاحب ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان.
النموذج التجاري وحقوق الإنسان
قد تكون انتهاكات حقوق الإنسان جزءًا لا يتجزأ من النموذج التجاري الذي يتطور لشركات التواصل الاجتماعي خلال عِقدهم الثاني من الزمن. فبشكل أساسي، تعتمد هذه النماذج على جمع بيانات المستخدمين واستخدامها لأغراض التسويق. وتكون البيانات المتوفرة لديهم غير عادية في قدراتها التوصيفية، وما يترتب عليها من قاعدة معرفية غير مسبوقة، وقوة كامنة تمنحها لهذه الجهات الخاصة.
عادة ما يُمارس النفوذ السياسي غير المباشر، حتى في الديمقراطيات الأكثر مصداقية من قبل الكيانات الخاصة مثل الشركات الكبرى. حيث يمكن تقييد ذلك النفوذ جزئيًا من خلال قوانين مكافحة الاحتكار التي تعزز المنافسة وتمنع الهيمنة غير المبررة للسوق، فيمكن أن يتم استغلال قوانين مكافحة الاحتكار على سبيل المثال لفصل موقع إنستجرام عن فيسبوك أو يوتيوب عن جوجل.
لكن نفوذ تلك الشركات ينبع بشكل أساسي من العدد الهائل لمستخدميها، ففي أواخر العام 2017، أفادت تقارير إخبارية بأن عدد مستخدمي فيسبوك تجاوز 2.2 مليار مستخدم نشط. وهنا تصبح إجراءات مكافحة الاحتكار غير ذات جدوى، لأنها لا تستطيع خفض عدد عملاء الشركة.
السلطة من خلال المعرفة
في عام 2010، أجرت فيسبوك تجربة عن طريق الوضع العشوائي لزر «لقد صوتّ» لـ 61 مليون مستخدم خلال انتخابات التجديد النصفي الأمريكية. وقد أدى ذلك الإجراء البسيط إلى وجود 340 ألف صوت إضافي أو ما يقرب من 0.14% من عدد الناخبين في الولايات المتحدة. ويمكن لهذا العدد أن يقلب الانتخابات. كما أن وجود عينة أكبر قد يؤدي لعدد أكبر من الأصوات.
لذا، تدرك فيسبوك كيفية وضع الزر لقلب الانتخابات. على الرغم من ذلك، فإن مجرد امتلاك تلك المعرفة يجعل فيسبوك لاعبًا سياسيًا. تدرك فيسبوك التأثير السياسي لذلك الزر وأنواع الأشخاص الذين من المرجح أن يحفزهم، والطرف المستفيد من وضعه أو عدم وضعه وفي أي أوقات من اليوم.
ربما يتنافى مع الديمقراطية أن يتم تداول تلك المعرفة من خلال هيئة خاصة. ومع ذلك، يعد الاحتفاظ بمثل تلك البيانات هو جوهر قدرة فيسبوك على جني الأموال وإدارة النشاط التجاري القابل للنمو.
الاستهداف المُصغَّر
المُترجِم
أظهرت دراسة أن الحاسب قد يعرف الكثير عن أي شخص أكثر مما يعرفه أصدقاؤه أو رفقاؤه عنه من خلال تحليل 70 «إعجابًا»، وأكثر مما تعرفه عائلته عنه من خلال 150 «إعجابًا». ومن خلال 300 «إعجاب»، يمكن للحاسب أن يفوق أحد الزوجين في تقييمه للطرف الآخر.
يمّكِن ذلك الاستهداف المصغر للأشخاص من تسويق الرسائل، سواء تُسوِّق تلك الرسائل لمنتج أو حزب سياسي أو قضية. ويكون هذا هو المنتج الخاص بفيسبوك، والذي تتكسب منه مليارات الدولارات. كما أنه يتيح الإعلان بشكل فعال والتلاعب بمستخدمي الموقع. ويكون هذا هو الوضع فعليًا حتى بدون الأساليب الخداعية التي لجأت إليها «كامبريدج أناليتيكا».
قد يكون الإعلان على الفيس استغلاليًا، وقد يكون هذا هو المقصد من ورائه. على الرغم من ذلك، فإن الأمر قد يتطلب الكثير من الوقت لوسم جميع الإعلانات بأنها تمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان.
وبذلك أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة يتم خلالها استغلال المال لاستقطاب العملاء، وعلى الصعيد السياسي للتأثير على حشد الناخبين.
وفي الوقت الذي يسود فيه تأثير المال على السياسة وربما يكون في جوهره «غير ديمقراطي»، فلا يبدو أن إنفاق المال لحشد وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تعزيز أي رسالة انتخابية، يُعد انتهاكًا لحقوق الإنسان بشكل أكبر من الاستخدامات السياسية الأخرى المعلنة للمال.
ومع ذلك، فإن النطاق الاستثنائي ودقة وصول الإعلانات عبر فيسبوك، قد يبرران المعاملة المتباينة لوسائل التواصل الاجتماعي عن الإعلانات الأخرى؛ لأن آثارها السياسية الاستغلالية تقوض الخيارات الديمقراطية.
وكما هو الحال مع الجمع الشامل للبيانات، ربما قد نخلص في نهاية المطاف إلى أن هذا الوصول لا يتوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أخبار مُفبرَكة
وأخيرً، تأتي قضية انتشار المعلومات المضللة. ففي حين أن الإعلانات المدفوعة قد لا تنتهك حقوق الإنسان، فإن الأخبار المفبركة تشوه وتتسبب في تسميم الجدل الديمقراطي. فمن جانب، يصبح الملايين من الناخبين تحت تأثير رسائل تواصل اجتماعي محددة بدقة. ومن جانب آخر، فإن الرسائل الخبيثة الزائفة تتلاعب وتؤثر على الملايين، سواء كانت مدفوعة الأجر أم لا.
وفي إعلان مشترك حول الأخبار المضللة صادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، قال عدد من خبراء الأمم المتحدة وخبراء حقوق الإنسان إن الأخبار المفبركة تتعارض مع الحق في معرفة وتلقي المعلومات، وهي جزء من الحق العام لحرية التعبير.
كما أن نشر تلك الأخبار على نطاق واسع ربما يتسبب في تشويه حقوق المشاركة في الشئون العامة. إن روسيا وكامبريديج أناليتيكا (بافتراض صدق المزاعم في القضيتين)، قد أظهرتا كيف يمكن أن يتم تكييف وسائل غير متوقعة لتغدو أسلحة.
وعلى الرغم من ذلك، فمن الصعب معرفة كيف تتعامل شركات التواصل الاجتماعي مع الأخبار المفبركة. كما أن منع نشر الأخبار المفبركة هو قمع للتعبير، وهو أحد حقوق الإنسان.
إن الحل المفضل الموضح في الإعلان المشترك حول الأخبار المفبركة، يتمثل في تطوير التكنولوجيا والإلمام الرقمي لتمكين القراء من التعرف على الأخبار المفبركة بسهولة أكبر. ويبدو أن مجتمع حقوق الإنسان على ثقة من أن انتشار الأخبار المفبركة في سوق الأفكار يمكن تصحيحه من خلال نشر أفكار أفضل بدلاً من فرض الرقابة.
ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن يكون راضيًا عن افتراض أن تقديم «خطاب أفضل» يحقق انتصارًا على الأخبار المفبركة. كما أن دراسة حديثة قد خلصت إلى أن الأخبار المفبركة على وسائل التواصل الاجتماعي تكون منتشرة بشكل أكبر وأبعد وأسرع وأكثر عمقًا وعلى نطاق أوسع من الحقيقة في جميع فئات المعلومات.
أيضًا، يبدو أن «الروبوتات» على الإنترنت تنشر الأخبار الحقيقية والمفبركة بنفس المعدل مما يشير إلى أن: الأخبار المفبركة تنتشر بشكل أكبر من الحقيقية لأن الأشخاص وليس الروبوتات هم على الأرجح من ينشرونها.
ربما تكون الحقيقة الصادمة هي أن الطبيعة البشرية تنجذب إلى القصص المفبركة عن القصص الحقيقية، غالباً لأنها تُرضي رغبات وأحكام ونزعات مقررة سلفًا. وتُسهِّل مواقع التواصل الاجتماعي الآن انتشار تلك القصص كالنار في الهشيم.
ولعل الغرض من وسائل التواصل الاجتماعي (نشر وتبادل الكلام) لا يسعه إلا أن يولد سوقًا موصومًا ومشوهًا للأفكار المفبركة، التي تقوض النقاش والخيارات السياسية، وربما حقوق الإنسان.
ماذا بعد؟
من السابق لأوانه التأكيد على أن جمع كميات هائلة من البيانات يتناقض مع الحق في الخصوصية (وحتى الحقوق المتعلقة بالحكم الديمقراطي).
وبالمثل، فمن السابق لأوانه أن نقرر ما إذا كان الاستهداف المصغر يتلاعب بالمجال السياسي بما يتجاوز حدود حقوق الإنسان الديمقراطية.
وأخيرًا، قد يساعد تقديم خطاب أفضل إلى جانب التكنولوجيا التصحيحية، على إبطال التأثيرات السلبية للأخبار المفبركة: فمن السابق لأوانه افتراض أن مثل هذه الحلول لن تنجح.
ومع ذلك، فبحلول الوقت يمكن الوصول إلى مثل تلك الاستنتاجات، وقد يكون قد فات الأوان للقيام بالكثير حيال ذلك. قد يكون ذلك مثالاً على أن التنظيم الحكومي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وحتى الفطنة والخبرة في الأعمال، جميعها تتخلف كثيرًا عن التطورات التكنولوجية لتقدير مخاطرها على حقوق الإنسان.
وعلى أقل تقدير، يجب علينا الآن أن نُشكِّك بشكل جدي في النماذج التجارية التي برزت من منصات مواقع التواصل الاجتماعي السائدة.