مصر مكان غير آمن: تأجيل المدرسة الحقوقية لأول مرة منذ 23 عامًا
من بيان مركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان حول مدرسة تعليم حقوق الإنسان.
23 عامًا هو عمر المدرسة الصيفية السنوية لحقوق الإنسان، وينظمها كل عام مركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان، منذ أن تم تأسسيه في 1993 على يد مجموعة من الحقوقين المصريين.
عمل مركز القاهرة على العديد من الأنشطة وحملات المناصرة لحقوق الإنسان باختلاف انتماءاتهم السياسية، ورصد من خلال الأبحاث المختلفة حالة حقوق الإنسان في مصر والوطن العربي، إلا أن المركز قد واجه حملة شرسة ضده من النظام المصري ضمن حملة التضييقات الموجهة للمنظمات الحقوقية من بعد 3 يوليو 2013.
مركز القاهرة: 23 على مناصرة حقوق الإنسان
https://www.facebook.com/yasmin.diab.1/posts/1812219458997680?__mref=message_bubble
تأسس مركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان عام 1993، وهو مركز إقليمي يهتم بقضايا حقوق الإنسان في الوطن العربي ويعمل على تحسين وضعية تلك الحقوق بمختلف الآليات؛ فيسعى المركز إلى تقديم تشريعات وسياسات جديدة تقوي ثقافة حقوق الإنسان واحترامها، كما يعمل المركز على مراقبة حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي واستخدام الطرق الدولية المشروعة للضغط على حكومات تلك الدول حتى تتوقف عن انتهاكاتها المستمرة ضد كل من يعارضها أو يمثل خطرًا على بقائها.
ويقوم المركز بمهامه من خلال «تقارير الظل» التي يرفعها إلى مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أو من خلال تشاوره مع حكومات الدول العربية لتغيير وتحسين القوانين الخاصة بحقوق الإنسان.
هذا إلى جانب عمل المركز على نشر ثقافة حقوق الإنسان بين المواطنين سواء من خلال: برنامج تعليم حقوق الإنسان والذي يقوم بعقد العديد من الدورات الهادفة لنشر حقوق الإنسان واحترام الآخر، أو من خلال الكتب والمطبوعات التي يقدمها المركز للتبحر في حقوق الإنسان.
وفي عام 2014 قرر المركز أن ينقل برامجه الإقليمية والدولية خارج مصر بسبب الحملة الشرسة التي تعرضت لها منظمات حقوق الإنسان من قبل الدولة، ومع استكمال القمع الممارس ضد حقوق الإنسان يقرر المركز أن يُلغي دورته السنوية للمدرسة الصيفية التي اعتاد أن ينظمها كل عام وفي ظل الأنظمة المختلفة بحرية، لتقر الواقعة أن عام 2016 ليس عام حقوق الإنسان.
شعار المدرسة: حقوقنا الآن وليس غدًا
بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان.
الدورة التدريبية لتعليم حقوق الإنسان لطلاب الجامعات المصرية أو المدرسة الصيفية لمركز القاهرة كما يسميها البعض، هي إحدى أنشطة مركز القاهرة التابعة لبرنامج تعليم حقوق الإنسان، وهي أحد أقدم أنشطة المركز حيث بدأت نشاطها مع تأسيس المركز عام 1993، وكانت الدورة تستمر طوال أسبوعين يتلقى خلالها المشاركون كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، بداية من الأفكار الفلسفية لنشأة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، وصولًا إلى مختلف الحقوق الحقوق مثل الحقوق الأكاديمية وحقوق النساء والحق في التعبير والتفكير، وانتهاءً بالآليات الدولية للدفاع عن تلك الحقوق.
كما كانت هناك العديد من الورش الفنية التي يتلقاها المشاركات والمشاركون للتعبير عن تلك الحقوق، وإقامة حملات المناصرة بطرق مختلفة تستطيع أن تجذب إليها العديد من المواطنيين.
واستمر انعقاد الدورة التدريبية طول 22 عامًا منذ تأسيس المركز وحتى العام الماضي، تخرج خلال تلك الدورة ما يزيد عن 1200 طالبة وطالب اهتموا بالعمل العام وبحقوق المواطنين وكيفية الدفاع عنها، كما أسس العديد من المشاركين في تلك الدورة مراكز حقوقية متخصصة في الدفاع عن أحد الحقوق أو مؤسسين لمبادرات اجتماعية تسعى لتحسين حياة المواطنين وتعرفيهم بحقوقهم وواجبتهم.
وكان السبب وراء إقامة الدورة في تسعينيات القرن الماضي هو مواجهة أفكار التطرف وأن تلك المواجهة لا تأتي إلا من خلال المعرفة والتعليم، من خلال تقديم بيئة تعليمية متطورة غير تلك التي اعتدنا عليها بالمدارس النظامية. ولكن يبدو أن الوضع لم يصبح ورديًا كما كان، ولن يتمكن أحد من مواجهة التطرف بالطرق السلمية والمشروعة والتي تختلف عن طرق الدولة القمعية والمنتهِكة لحقوق الإنسان، فاليوم ليس للحقوق ولكن ربما غدًا.
لأول مرة منذ 23 عامًا: إيقاف لأجل غير مسمى
محمد سلطان، المتحدث الإعلامي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سابقًا
أصدر المركز اليوم 13 أغسطس/آب 2016 بيانًا يعلن فيه إيقاف الدورة التدريبية لأجل غير مسمًى، ويرجع البيان السبب في إيقاف الدورة التدريبية إلا أنه لم تعد هناك مساحة آمنة للشباب من أجل التعلم والإبداع، حيث أن السجون أصبحت مصير كل من يهتم بالشأن العام.
وذكر المركز في بيانه أن المشاركة والانضمام لنشاط لمنظمة حقوقية أصبحت تهمة ومدخلًا للتنكيل بهؤلاء الشباب، إلى جانب مخرجات المدرسة من أعمال فنية وحملات مناصرة والتي يتم ملاحقتنها ومصادرتها هي الأخرى، مما جعل مشاركة الشباب في تلك الدورة مجرد مخاطرة وتهديد مباشر لسلامتهم وأمنهم.
لم تكن تلك هى المرة الأولى التي يتعرض فيها مركز القاهرة إلى المضايقات، حيث اضطر المركز لتغيير مقار عمله في عام 2014، وقرر أن ينقل برامجه الإقليمية والدولية للعمل خارج مصر من أجل الحفاظ على استمرارية العمل وأمن العاملين بالمركز.
كما أن المركز أصبح على قائمة المتهمين فيما يعرف ب «قضية التمويل الأجنبي»، حيث أعيد فتحها العام الماضي. وصدر بحق المركز قرارت بالتحفظ على أمواله، إلى جانب قرار التحفظ على أموال مدير المركز «بهي الدين حسن».
وتعرض المركز إلى بدون سبب أو اتهام واضح إلى حملة تفتيش من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، يوم 10 يونيو/تموز 2015، أثناء أحد أنشطة المركز التي كان يقيمها بمكتبه بالقاهرة.
قرار ناتج عن مخاطر وصعوبات
إحدى خريجات المدرسة الصيفية لمركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان.
العديد من ردود الأفعال التي شهدتها مواقع التواصل الإعلامي عقب بيان المركز بإيقاف الدورة التدريبية، حيث ثارت مشاعر الحزن بداخل نفوس الحقوقين المصريين وخريجي الدورة من الطلاب.
وفي محاولة من إضاءات لممتابعة تلك الآراء تم التواصل مع عدد من طلاب المدرسة والمنظمين لها، ويقول الصحفي والمدير التنفيذي السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية «حسام بهجت»: قرار مؤسف بالطبع ولكنه غير مستغرب وفي رأيي مبرر، لأن المنظمات الحقوقية تتحمل مخاطر عمل موظفيها ومتطوعيها في ظرف شديد الصعوبة والخطورة، ولكنها غير قادرة على حماية المتعاملين معها أو المتدربين في دوراتها في ظل الهجمة الحالية».
وعن تجربتهم بالدورة التدريبية يقول «مصطفى السيد» أحد خريجي الدورة: «كانت المدرسة هي تلك المساحة الحرة التي استطعت من خلالها التعرف على الجانب الإنساني بداخلي، كانت المدرسة هي يوتوبيا تستمر ثلاثة أسابيع وبعدها نخرج مشاركين وميسرين بروح جديدة على أمل مواجهة العالم وتحويله ببعض الجهد إلى تلك اليوتوبيا التي تستطيع التعبير فيها عن رأيك بحرية مهما كان رأيك مختلفًا، قابلت شخصًا بهائيًا لأول مرة في المدرسة، وقابلت آخر مثلي الجنس، قابلت ليبراليين واشتراكيين وإسلاميين وأناسًا آخرين لا نستطيع تصنيفهم في قوالب فكرية، إلا أنهم كانوا جميعًا يتشاركون نفس الحلم في مجتمع خالٍ من الاضطهاد، نخرج من المدرسة محمّلين بالأمل والحلم في تغيير المجتمع، تمدنا المدرسة بدفعة من الطاقة الإيجابية التي لا تخبو أبدًا، في الدورة الأخيرة ورغم أنني لم أكن مشاركًا أو ميسرًا إلا أنني اصررت على اقتطاع بعض الوقت وزيارة المدرسة، فقط لأرى جيلًا جديدًا من الشباب يخوضون نفس التجربة ، فقط لأستمد بعض القوة والأمل في بلد يقتل بشكل يومي جميع الآمال».
بينما قالت «أمل حامد» خريجة الدورة التدريبية للمركز «تأثرت بالمدرسة الصيفية كثيرًا ومن خلال مروري عليها على كذا مرحلة؛ المرحلة الأولى في الدورة ال 19 كطالبة بالمدرسة وفي الدورة ال 20و ال 21 كميسرة. لم تكن التجربة في كل مرة مثل الأخرى فكان هناك شيء مختلف في كل مرة من خلال الاختلاف النابع من وجود أشخاص مختلفين، لم تكن المدرسة الصيفية فقط دورة طلابية لدراسة المواثيق الدولية وكل ما يخص حقوق الإنسان؛ كانت أيضًا تقام بها أنشطة تعمل على دمج الجميع لتقبل الاختلاف وكل ما هو جديد بين الطلاب، كانت الدورة الطلابية حريصة في كل سنة على اختيار طلاب من جميع فئات المجتمع المختلفين ثقافيًا وسياسيًا وأيدلوجيًا ودينيًا لإثارة النقاشات الحادة بين الطلاب للتأكيد على حرية الرأي والتعبير على مدار ال 15 يومًا إيمانًا بأن ما يدرس يحقق أيضًا في المدرسة ويمكنه التحقق على أرض الواقع، فلك الحق في الاعتراض على أي شيء. ومن خلال مروري بها بعد ذلك كميسرة وقائمة على الدورة التجربة اختلفت، فكنت الناقد والفاعل فيمكنني نقد وتحسين ما حدث في الدورة السابقة وتنفيذ فعاليات أفضل في الدورة المقبلة وكنا نحرص أنا وباقي الميسرين على ملاحظة كل الطلاب لإعطائهم فرصًا متساوية في التعبير عن الرأي ودمجهم في أنشطة مختلفة وتقديم كل المواد والمصادر التي من الممكن الاحتياج إليها فيما بعد المدرسة، وأيضًا ووجودك كميسر لا يمنعك من اكتساب كل ما هو جديد من خلال انخراطك مع الطلاب في كل مرة، فالمدرسة تتطور في كل سنة عن ما سبقتها.»
وقالت الصحفية «شيماء أبو الخير» وهي إحدى خريجات الدورة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: «أنا واحدة من خريجي المدرسة الصيفية، أقرب وأغلب أصدقائي الصحفيين والحقوقيين تعلموا معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال هذه المدرسة. خسارة كبيرة إن مبقاش ممكن نخرج أجيال متأسسة صح على المبادئ الحقوقية اللي كانت بتقدمها المدرسة الصيفية في قالب ممتع ومثمر …. لكن أكيد في يوم ترجع المدرسة وهترجع مصر أمان.»
بينما أضافت «علا علاء» إحدى خريجات الدورة التدريبية: «أنا مدينة للمكان ده بكل الإنجازات اللي حققتها و تغيير تفكيري ومعاملتي للناس بكافة اختلافتهم، المكان ده كان جزء كبير في تكوين معرفتي واهتمامي بقوانين ومواضيع مش بيوفرها تعليمي. حتفضل مدرسة مركز القاهرة أهم محطة تعليمية في مسيرتي وأهم حاجة حصلت في حياتي.» وأضافت إحدى خريجات الدورة: «قرار عدم إقامة المدرسة هذا العام كان وقعه حزين جدًا، لا أتصوّر أن يتم حرمان أجيال كاملة من دورة تدريبية غنية على المستوى الأكاديمي والعملي كدورة مركز القاهرة التي بدأت في أوائل التسعينات، خاصةً وأن أسماء لامعة في مجالات شتى قد تخرجوا من تلك الدورة التدريبية. أتفهم أيضًا موقف مركز القاهرة، فمع التضييق المستمر على المجال العام في الأعوام السابقة، أصبح تعريض مشاركين جدد لخطر من المسئولية التي لا يمكن تحمل كلفتها.»