إحصائيات كرة القدم: طريق المراهنين للسيطرة على اللعبة
بنهاية موسم 2017/2018، نجحت فرق الدرجة الأولى من الدوري الدنماركي في رفع معدل الأهداف المسجلة من كرات ثابتة إلى 0.75 هدفًا لكل 90 دقيقة، بعدما كان 0.55 هدفًا فقط قبل عامين من التاريخ المذكور. في الغالب، لا يحمل ذلك الرقم أدنى أهمية بالنسبة لك.
حتى لو أخبرتك أن هذه الإحصائية كانت السبب وراء فوز فريق ميدلاند الدنماركي بثلاثة ألقاب هي الأولى في خزائنه وفي غضون أقل من 5 أعوام؛ لأنك ربما لا تعرف أن هناك فريقًا يُدعى ميدلاند أصلًا.
دعنا نقفز عامًا واحدًا إلى الأمام نحو موسم هو الأفضل لفريق ليفربول الإنجليزي، منذ عقدٍ كامل تقريبًا. نشاهد كرة ثابتة هي الأهم خلال ذلك الموسم، والتي تم تنفيذها في الدقيقة 79 من مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ضد برشلونة، وكانت سببًا في العودة من الخسارة بثلاثية نظيفة بمباراة الذهاب، للفوز بأربعة أهداف مقابل لا شيء في العودة، ومهدت الطريق نحو الفوز باللقب في الختام.
في الواقع، يبدو أن هناك خيطًا هامشيًا يربط بين الأحداث غير الهامة كَفوز نادٍ دنماركي مغمور بالدوري المحلي، وبين الأحداث بالغة الأهمية مثل فوز ليفربول بدوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 14 عامًا. يكمن ذلك الخيط في الاعتماد على تفصيلة صغيرة، كالكرات الثابتة، في حسم الأحداث الكبيرة، كالفوز بالدوري المحلي أو ببطولة أوروبية كبرى.
احتاج الفريق الإنجليزي إلى 4 أهداف لحسم موقعة صعبة ضد العملاق الإسباني، وحسب رأي «تيد كنوتسون»، مدير شركة «Stats-bomb»، فإن أي هدف من لعب مفتوح في الوقت الحالي يُعد بمثابة المعجزة البسيطة. بالتالي على الفرق التوجه لتفاصيل أدق لحسم أكبر، «أثر الفراشة» كما يُطلق عليه، لكن هل يتم ذلك بلا أي أعراض جانبية؟
لا مجال للصدفة
لقتل احتمال الصدفة، صدر تقرير من موقع «Post-game» أشار إلى أن هذه الطريقة في تنفيذ الركلة الركنية التي اعتمد عليها «أرنولد» كانت مقتبسة من أحد الناشئين بأكاديمية «أنفيلد» والذي يبلغ من العمر 14 عامًا فقط، وفور مشاهدته يقوم بها، تلقى «كلوب» النُصح من أحد المختصين بالكرات الثابتة بالفريق الأول، وتم التدريب عليها حتى وصلت لأفضل تنفيذ ممكن في لقاء نصف النهائي الذي لن يُنسى.
بمعنى أن كل العاملين بالنادي، من أول الأطفال حاملي الكرات خلف المرمى، وحتى أعلى اسم في الجهاز الفني، كانوا على علم بوجود احتمالية لتنفيذ ركلة ثابتة مباغتة ضد برشلونة.
بات كلوب يؤمن بالتفاصيل الدقيقة، أو باللعبات الميتة كما وصفها «رايان أوهانلون» مُحلل «ESPN»، والذي أغناه في كثير من الأحيان عن الاحتياج للمعجزات الصغيرة التي تنتهي إلى أهداف من لعب مفتوح.
إذا ما عدنا إلى سبتمبر/أيلول الذي سبق لقاء «بلوجرانا»، نجد تقارير تشير إلى تعاقد المدرب الألماني مع «توماس جرونيمارك» أحد المختصين في تنفيذ رميات التماس. قام «جرونيمارك» بعمل إحصائية وجد خلالها أن كل مباراة تحتوي على 40:50 رمية تماس، يخسر الفريق نصفها غالبًا، بالتالي خسارة الاستحواذ سريعًا.
وعليه فإن عمل تدريبات على تحسين رميات التماس يعطي إمكانية أكبر للحفاظ على الكرة، وربما خلق مرتدة أسرع باستغلال قاعدة إلغاء التسلل إذا ما كانت بداية اللعبة من رمية تماس.
خسارة الكرة، ضغط، رمية تماس، إعادة استحواذ ثم بناء سريع لهجمة جديدة. يمكن ببساطة تذكر كم مرة استفاد ليفربول من ذلك التسلسل في كل مبارياته.
كرة البيسبول
أتتذكر ذلك الخيط الهامشي غير المرئي الذي ربط بين ليفربول وبين ميدلاند الدنماركي؟ دعنا نخبرك أن الصدفة السعيدة قد أوضحته للمرة الثانية، إذ يحمل الخبير، الذي استقطبه الريدز، الجنسية الدنماركية، وكان مدربًا مختصًا بنفس الشأن في ميدلاند قبل أن يأتي إلى إنجلترا.
ولأننا قتلنا احتمال الصدفة في البداية بالدليل، فعلينا التأكيد أن ميدلاند و«جرونيمارك» ليسا حالتين شاذتين، ما يعني أن اختياره دنماركيًا ليس صدفة، فالدنمارك بدوريها المحلي باتت مختصة في الكرات الثابتة والميتة، نعم الدنمارك، التي لا تملك نصيبًا كبيرًا في الخريطة الكروية.
حسب إحصائيات ستاتس بومب، فإن 0.75 : 0.80 هدفًا من كرة ثابتة لكل 90 دقيقة هو أعلى مُعدل يمكن الحصول عليه من هذا النوع. حتى ليفربول بالرغم من امتلاكه لأكبر عدد من الأهداف بهذه الطريقة في الدوريات الخمس الكبرى «22 هدفًا وأقرب منافس 17 هدفًا فقط»، لكنه لم ينجح في الحصول على ذلك المُعدل وتوقفوا عند 0.58 هدفًا/90دقيقة. لكن 14 فريقًا من الدوري الدنماركي نجحوا في الوصول لأعلى معدل بدون كلوب وبدون أرنولد وبدون أي اسم لمدرب يمكن أن تكون سمعت عنه من قبل، فقط بوسيلة واحدة: الأرقام.
يصور العديد من المتابعين في الدنمارك نادي ميدلاند على أنه نادي بيسبول محترف وليس فريقًا لكرة قدم، يرجع ذلك إلى كثرة التركيز مع الأرقام وحساباتها، والذي لا يتوقف عند الكرات الثاتبة فقط، لكن حتى في استقطاب لاعبين جدد، فمثلًا توضع خوارزمية رقمية قبل استقطاب أي لاعب، عمره يتراوح بين 22:26، لم يتعرض لأي إصابة خلال الأشهر الـ 18 الأخيرة وهكذا.
ويضعنا ذلك الربط أمام عيب كان دائم الذكر عند تقييم كرة القدم من جمهور الرياضة العام، وهو أنه غير منطقي أن تظل اللعبة الأكثر شعبية حول العالم في حالة من التأخر وعدم الإيمان بالإحصائيات التي لطالما كانت مدمجة في ثقافة الرياضات الأخرى مثل البيسبول.
حيث يمكن تقسيم النشاط على أرض الملعب إلى أحداث منفصلة، وكلما زادت تجزئة الأحداث، كلما حصلنا على عدد أكبر من الأرقام المشفرة التي إذا ما تُرجمت ستنتج معلوماتٍ نحصل باستخدامها على نتائج نهائية أفضل، تغنينا عن الاحتياج للمعجزات.
تُذكرك عملية التقسيم هذه بكل مرة قررت التعمق فيها لفهم أسلوب إدارة كلوب أو «جوارديولا» للمباراة، لأن كل شخص وجد لنفسه مكانة مرموقة في اللعبة في هذه الأثناء قد شرع في تقسيم كل مباراة إلى أحداث منفصلة صغيرة، ثم عملوا على أكل أرقامها وإحصائياتها أكلًا، حسب وصف «مارك برونكهارت»، مدير شركة «Match Analysis».
أعراض جانبية
تختص شركة «برونكهارت» في تحليل كرة القدم، لكن ليس بغرض مساعدة الجمهور ولا حتى الأندية، لكن بغرض نصح المراهنين على أحداث كرة القدم بالرهان الأفضل. تعتبر هذه الشركة واحدة من عديد شركات ساعدت في تحويل لقاءات كرة القدم إلى أجزاء صغيرة من أجل سهولة المراهنة عليها.
وما قد يبدو غريبًا، أن اهتمام كلوب و«سام الاردايس» بتفاصيل كَرميات التماس، كان أحد السواعد التي قامت عليها شركات المراهنات أو الإحصائيات الجديدة، أو أن الحدث الأول هو عرض جانبي واضح للأخير.
فمثلًا، يحكي «كلاوس لونديكفام»، لاعب ساوثهامبتون السابق، أنه والعديد من اللاعبين في الدرجة الممتازة من الدوري الإنجليزي قد استفادوا بمبالغ مالية نظير المراهنة على صاحب أول ضربة ركنية أو رمية تماس، طبعًا بزيادة تعمق كلوب والمدربين أمثاله في رصد كل الأحداث الصغيرة جدًا من كل لعبة وتحليلها، تصبح عملية المراهنة أسهل.
قام العديد من رجال الأعمال بتأسيس شركات تعمل على غرض مزدوج: إشباع رغبة المدربين بإحصائيات متعمقة جدًا حد الشراهة، وكذلك جذب الجمهور للمراهنة على أحداث بسيطة يمكنها أن ترصد لهم أرباحًا معقولة، بالتالي إدمان تدريجي للمراهنة على هذه اللعبة، لكن الإدمان لم يكن العرض السيئ الوحيد.
الكرويون الجُدد
توطدت العلاقة بين جماهير الكرة وبين الأرقام والإحصائيات بفضل هذه الشركات التي أعطت الحق لنقد «ميسي» و«رونالدو» وبالأدلة، لكنها ضمنيًا تقوي جسد الجسر الرابط بين المراهنات ولعبتنا الجميلة، وانهار الحاجز الحائل، حتى رأى رواد القمار ومواقع المراهنات أن فرصتهم سانحة للدخول لعالم اللعبة من باب غير خلفي.
يسعنا الآن ذكر الاسم وراء كل ذلك النجاح الذي وصل له فريق ميدلاند وامتد منه خط واصل حتى فوز ليفربول باللقب الأوروبي، إنه «ماتيو بنهام»، أحد أكبر المراهنين في الرياضة ومالك نادي ميدلاند الدنماركي، وصاحب الثورة الرقمية التي قامت في ناديه ومن ثم كل الدنمارك.
يملك الملياردير شركتين لتحليل الأداء وترقيم كرة القدم، هما «Smartodds» و«Matchbook»، وبالطبع يختصان في نصائح المراهنين. أصبحنا في غنى عن تعديد إنجازاته بعد الذكر أنه السبب في تحويل نادٍ مثل ميدلاند من الاضمحلال إلى قمة الأندية المحلية، معتمدًا على ما يملكه من فهم للأرقام وما قد حصل عليه من أرباح المراهنات اعتمادًا على الأرقام كذلك. ولم تتوقف تجربته عند ذلك الحد، فهو يملك أيضًا برينتفورد الإنجليزي.
يحوي النادي الإنجليزي نفس العاملين في نظيره الدنماركي تقريبًا، ويقوم على نفس المبادئ لكن ليست بنفس النجاح حتى الآن، لكن الجميع يعلم أنها مسألة وقت ليس إلا، طالما كانت الإدارة موجودة وعملية ضخ الأموال مستمرة.
حتى لو لم يُعثر على مصدر صريح لهذه النقود لأنه لا يوجد موقع واحد يملك سجلًا تعريفيًا بثروة بنهام ولا بمنشئها الأصلي، لا يعرفون فقط إلا بعض المعلومات البسيطة كعمله السابق تحت رئاسة الملياردير الآخر «توني بلوم» في شركة «Premier Bet».
يعتبر الأخير أحد أكبر المراهنين في تاريخ كرة القدم، يملك هو الآخر نادي برايتون الإنجليزي. وكما الحال في برينتفورد، فإن الجميع ينتظر انفجار الأحداث في برايتون في قريب عاجل، حيث تملك كلا الناديين سياسة واحدة من بيئة واحدة: المراهنات، لكننا لا نعلم إلى أي حد قد ترتقي تلك التجارب في المستقبل القريب، فقط يمكننا توقع توغل أكبر لهؤلاء الكرويين الجدد، الذين يفهمون الأرقام أكثر من فهمهم للكرة نفسها.