كنت أدخن السيجار في فترة مراهقتي، وذات مرة رآني أبي واستشاط غضبًا. سألني: منذ متى وأنت تدخن؟ انفعاله الشديد لم يسمح لي بالرد بالإجابة الحقيقية، لأن إجابتي كانت: منذ أن رأيت مارادونا يفعلها.
باولو سورنتينو، مخرج إيطالي

خرجت هذه التصريحات من واحد من أشهر مخرجي السينما العالمية، معبرًا عن هوسه بالأسطورة الأرجنتينية دييجو مارادونا. كان هذا ضمن دلائل تأثره الشديد بلاعبه المفضل، ليس في فترة مراهقته فقط، شدة التأثر جعلته يخرج فيلمًا روائيًّا طويلًا عن مسيرة اللاعب وأسماه «يد الرب».

كان «الخروج عن النص» أمرًا نسبيًّا بحسب الموقف أو حتى انتماء المقيم لتصرف اللاعب. التوأم حسن وشيكابالا وحسين الشحات وغيرهم من نجوم كرة القدم وجِّهت جملة واحدة خلال انتقاد انفعالهم: «أنت قدوة ولا يصح أن تفعل هذا».

بدت هذه النصيحة وكأنها مُبتذلة، بل أحيانًا مستفزة للمدافعين عن تصرف اللاعبين في محاولة منطقة تصرفه. فتارة تجد الوصف بأنها مجرد ردة فعل في حال الإساءة، كما حدث مع شيكابالا أو الشحات، أو أنه من حقه البحث عن مصلحته، كما في حالة رمضان صبحي وإمام عاشور.

صدمة من قدوة

كانت الأجواء مشتعلة قبل 18 عامًا في إنجلترا، بسبب لفظ خارج في أرض الملعب. كان بطل الواقعة واين روني لاعب مانشستر يونايتد السابق.

خلال مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال موسم 2005 – 2006 في الدوري الإنجليزي الممتاز، اعترض روني على حكم المباراة لفظيًّا دون توجيه الإساءة له. كانت الكلمة التي أطلقها اللاعب مسموعة بشكل واضح على الهواء مباشرة عبر الشاشات. فاتخذ الاتحاد الإنجليزي قرارًا بمنح الحكام حق طرد أي لاعب يتلفظ بأي إساءة حتى لو لم تكن موجهة للحكم بشكل مباشر.

لم يكن هذا القرار كافيًا بالنسبة للتربويين، واقترح جون دانفورد الأمين العام لاتحاد التدريس في إنجلترا إصدار قرار بحظر لعب مباريات كرة القدم قبل الساعة التاسعة مساءً. فهو لا يقبل أبدًا أن يسمع المراهقين هذه الألفاظ التي يمكنها إفسادهم بحسب رأيه.

صرح جيف تومسون رئيس الاتحاد الإنجليزي وقتها قائلًا: «أخشى أن يغضب الشباب على المسئولين بهذه الطريقة سواء في المدرسة أو المنزل. المراهقون يعتبرون هؤلاء النجوم قدوة. صورة الرياضة أصبحت مُهددة».

لا داعي لسرد المواقف العديدة، ولكن كل ما سبق يقودنا إلى صلب الموضوع. هل لاعبو كرة القدم قدوة للشباب والمجتمع حقًّا؟

التباس في التوصيف

يؤمن الكثيرون أن الرياضيين أو المشاهير بشكل عام يمكن اتخاذهم قدوة للمجتمع وللمراهقين بشكل خاص. يختلف الكاتب الإنجليزي «ستفين ريسنيك» مع هذا الطرح، في مقال نشره في بليتشر ريبورت عام 2009 بعنوان: «الرياضيون ليسوا قدوة، لكن يمكن وصفهم بمعبودي الجماهير».

وصف ريسنيك في مقاله اتخاذ الرياضيين قدوة بالسخافة؛ والسبب ببساطة أن الشخص الذي يمكن أن نعتبره قدوة في حياتنا يجب أن نكون في علاقة معه بشكل مباشر، كأحد الأصدقاء أو فرد من العائلة أو أي شخص مقرب، ليتيح ذلك لنا الفرصة لتلقي النصيحة منهم بشكل مباشر، ومساعدتنا في اتخاذ القرار والتمييز بين كل سياق.

يرى ريسنيك أن الاقتداء لا يمكن أن يكون عن بُعد دون أدنى علاقة شخصية بأي حال من الأحوال.

أما معبود الجماهير فيمكن أن يسقط بتغير الظروف والسياق والحدث والزمن، وهذا ينطبق على الرياضيين أيضًا. كان حسام حسن رمزًا للأهلي في حقبة التسعينيات، ثم أصبح الشيء نفسه للزمالك في مطلع الألفية الثالثة، لا يوجد أي مانع منطقي لهذا الأمر.

يبدو أن الالتباس عالمي، وليس محصورًا على المجتمعات العربية كما يصور البعض في الحديث عن السلبيات. بات من الواضح أن الفارق جلي بين المسميين. 

الرياضي لا يصلح للاقتداء

كان واحدًا من الرموز التاريخيين لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي هو الويلزي ريان جيجز، ولكن الرمزية تلك لم تمنع انهيار أي احتمالية للاقتداء به، بعد فضيحة خيانة شقيقه التي أقر بها واعتذر عنها لاحقًا.

ربما يخطر في بالك أن الأمور الشخصية ليس لها موضع في حديثنا. فاتخاذ الرياضيين قدوة لا يشمل جوانب حياتهم الشخصية، ولكن كل الأمور لها علاقة بالملعب والنادي فقط. البعض يقتدي بهم في هذا السياق فقط.

ولكن ماذا عن تهديد مايكل جوردان أسطورة السلة بكسر ساق أحد زملائه في الملعب؟ ضربنا المثال هنا بواحد من أشهر رموز كرة السلة على الإطلاق. فضلًا عن تغيير الانتماء وفق المصلحة الشخصية والذي لا يعبر أبدًا عن صفات القيادة والتأثير. حيث إن لاعب كرة القدم ينظر إلى الأمور بشكل احترافي باعتبارها مهنته ومصدر رزقه.

قدوة؟ أحيانًا

نشر «موقع fc-communities» التابع للجنة حقوق الإنسان في إنجلترا عام ٢٠١٦، بحثًا طويل المدى عن علاقة الشباب بلاعبي كرة القدم. أجريت الدراسة على عدد من المدارس في إنجلترا ووجدوا أن الطلاب استخدموا مصطلح «قدوة» في وصفهم للرياضيين 5 مرات عام 2000، و170 مرة عام 2016. الفارق كان ملفتًا للانتباه.

كان أكثر الأسماء التي لوحظ اتخاذها كقدوة بين الطلاب، هم كريستيانو رونالدو وليو ميسي ونيمار، وبالحديث معهم بشكل أكثر تفصيلًا كانت المفاجأة أن البعض لديه اللبس في المصطلح وليس في المعنى.

لم يجد بعضهم حرجًا في نقد كل التصرفات الخاصة بنجومهم المفضلين، سواء كانت في الملعب أو خلال حياتهم الشخصية. يمكننا اعتبار هذه الفئة الأكثر وعيًا.

أدت الدراسة إلى نتيجة منطقية وبسيطة. فلنعتبرهم قدوة عندما يقدمون شيئًا مميزًا في مجالهم، وما دون ذلك ضجيج ليس له معنًى أو تأثير.

ما دمت لا تعرف لاعبًا محترفًا وتتابعه فقط عبر شاشة التلفاز، فلا يمكن اتخاذه قدوة. هو يخطئ ويصيب ولا يستطيع أن يقدم لك إجابة على غالبية التساؤلات التي تدور في رأسك حول بعض تصرفاته وحول قضايا المجتمع خارج أو حتى داخل الملعب. أما إذا اعتبرته محبوبًا للجماهير، واعتمدت ذلك في قرارة نفسك، فإن احتمالات شعورك بالصدمة ستقل بشكل كبير وربما تنعدم تمامًا.