كرة القدم والفلسفة: لماذا لن يفوز السيتي بدوري الأبطال؟
هل يمكنك التنبؤ من قائل تلك العبارة؟ تبدو عبارة مناسبة لفيلسوف محنك يتحدث عن خبرته الناجمة عن تجاربه الحياتية، كما أنها تبدو عبارة مناسبة أيضًا لمدرب قد خسر لتوه مباراة في كرة القدم كان الأفضل خلال معظم أوقاتها وتلك هي الحقيقة فالقائل هو السير ألف رامسي المدرب الإنجليزي الشهير.
الحقيقة أن الفلسفة يمكنها أن تعبر عن كل شيء، كونها تتعلق بالتفكير في الحياة. كرة القدم هي صورة مصغرة من الحياة بكافة تفاصيلها. إذا كنت من محبي كرة القدم فأنت تعرف ذلك دون شك.
أن تقرر أن تركل كرة القدم في ملعب ما ببراعة وخفة حركة وبعد نظر وأسلوب ضد عدد من المعيقات قررت أن تمنعك من فعل كل ذلك، تلك هي الحياة.
أن يبكي البالغون من الإحباط أو يصرخوا بفرح وأن يتكئ الغرباء على بعضهم البعض في حالة من اليأس أو يرقصوا في ابتهاج لأنهم قرروا أن يصبحوا جماعة واحدة لا أفرادًا متفرقين، تلك هي الحياة.
لا تتعلق عظمة كرة القدم فقط بقوة الانفعالات وحسب لكن أيضًا في الطريقة التي تتخطى بها تلك اللعبة كل تقسيم بشري، سواء كان هذا التقسيم اجتماعيًا أو ثقافيًا أو اقتصاديًا. يتخطى سحر كرة القدم كل هذه الاختلافات ولذا تصلح كرة القدم لتفسير الكثير من الأشياء.
الفلاسفة لم يكونوا محصنين ضد الوقوع في غرام كرة القدم، لذا لم يكن عجيبًا تناولهم لكرة القدم بشيء من العمق الفلسفي.
فهل حقًا يمكن للفلسفة أن تشرح الكثير عن كرة القدم؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه.
لماذا لم يفز بيب بدوري أبطال أوروبا رفقة السيتي: ستيورات ميل يجيب
بعد هزيمة مانشستر يونايتد أمام برشلونة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2009، خرج كريستيانو رونالدو محبطًا للغاية ليتحدث عن كون هذه أكبر خيبة أمل في مسيرته. أكد رونالدو أنه واثق تمامًا من قدراته الشخصية لكن الفريق لم يقم بعمل جيد، التكتيك لم يكن مناسبًا وكل شيء سار بشكل خاطئ.
هل كان رونالدو على حق؟ وإن كان كذلك فلماذا لم يحقق رونالدو النصر وحده،؟ هل كانت المشكلة أن تكتيكات فريق برشلونة طغت على قوته الفردية؟ يجسد هذا الحديث مشكلة قديمة عولجت في الفلسفة «الصراع بين الحرية والسلطة».
اشتهر الفيلسوف البريطاني «جون ستيوارت ميل» بتناوله هذا الصراع، وتحديدًا في مقال مشهور بعنوان «حول الحرية». يتناول المقال طبيعة وحدود السلطة التي يمكن أن يمارسها المجتمع بشكل شرعي على الفرد متمثلة في القواعد التي يتبعها هذا الفرد.
في البداية، ما هي تلك القواعد؟ يعترف ميل بنوعين من القواعد «قواعد القانون وقواعد الرأي». لنحاول تطبيق الأمر في كرة القدم. هناك القوانين المنظمة للعبة كرة القدم وتلك هي قواعد القانون. على سبيل المثال، لا يمكن للاعب لمس الكرة بيده إلا إذا كان هو حارس المرمى. من ناحية أخرى، لدينا قواعد المدرب. إذا كنت مهاجمًا فمن وجهة نظر المدرب وطريقة لعبه أن تتمركز في منطقة جزاء الخصم ولا تتحرك خارجها. دعونا نطلق على هذه القواعد قواعد الرأي.
يتلخص موقف ميل فيما يتعلق بالسيطرة التي يجب أن يمارسها المجتمع على الفرد فيما يسمى بمبدأ الضرر. والذي ينص على أن السبب الوحيد الصحيح لممارسة السلطة على أي فرد هو منع إلحاق الأذى بالآخرين. رفض ميل القيود الأخرى على الحرية.
رفض ستيورات ميل بشكل واضح فرض الرأي السائد وميل المجتمع إلى فرض أفكاره وممارساته الخاصة كقواعد للسلوك على أولئك الذين يعارضونهم. ووصف هذا الميل باستبداد الأغلبية. بالنسبة إلى ميل، طالما أن الفرد لا يؤذي أي شخص آخر، فهو حر في التصرف وفقًا لآرائه الخاصة. أي أنه تفهم قواعد القانون لكنه لم يتقبل قواعد الرأي.
ماذا عن كرة القدم وقواعد الرأي؟ يقوم المدرب بتصميم خطة اللعب وكل لاعب له مهام واضحة. تخيل الآن لعبة يتلقى فيها أحد اللاعبين الكرة في وسط الملعب، وفقًا للمدرب يجب عليه دائمًا «التمرير والتحرك». لكن ماذا لو كان لدى اللاعب فكرة مختلفة؟ ماذا لو اعتقد أنه يستطيع المراوغة متجاوزًا خصمه التالي؟ هل يتعارض ذلك مع أوامر المدرب؟
الحقيقة أن هناك العديد من الإنجازات التي تحققت عن طريق تنفيذ تعليمات المدرب بشكل مثالي، لكن في المقابل عندما تزداد الأمور تعقيدًا يجب أن يتوفر لدى الشخص القدرة على التصرف خارج إطار القواعد وألا يعتبر ذلك تعارضًا مع قواعد المدرب أو بشكل فلسفي قواعد الرأي التي تتحكم فيه.
فلنعد لمثال رونالدو، لقد خسر رونالدو نهائي دوري الأبطال أمام برشلونة والمدرب بيب جوارديولا. تعتمد فلسفة بيب على تحريك اللاعبين مثل عناصر الشطرنج وهذا ما جعله يفوز بالعديد من البطولات. لكن فريق برشلونة هذا كان مليئًا باللاعبين القادرين أصحاب الشخصيات الإبداعية بغض النظر عن الإطار التكتيكي الذي وضعه بيب.
هنا ننتقل لسؤال آخر، لماذا لم يحقق بيب دوري الأبطال رفقة السيتي حتى الآن؟ والإجابة أنه لم يمتلك لاعبين مبدعين بل امتلك لاعبين ينفذون تعليماته فقط.
يؤمن ميل أن الحرية تجلب إمكانية التألق. بالنسبة له، لا يمكن للعبقرية أن تنمو إلا في جو من الحرية. ويعرف العبقرية على أنها الأصالة في الفكر والعمل. تتيح لنا هذه الحرية الاستمتاع بهدف أحرزه ميسي متجاهلًا كل القواعد خلف ظهره. إنه صعود الإبداع وانتصار الشخصية البشرية والاحتفال بفعل الاختيار.
لننتقل الآن لمسألة أخرى وهي لعب كرة قدم سيئة.
لماذا تلجأ بعض الفرق للعب كرة قدم سيئة
من المؤكد أنك شاهدت مئات المباريات بين فريق كبير يحاول الفوز وفريق أقل شانًا يلعب التسعين دقيقة في محاولات مستميتة لتجنب الخسارة فقط. ربما لعنت هذا الفريق الذي قدم لك كرة قدم سيئة مستغربًا لماذا يلعب فريق مثل هذا كرة القدم. لكن الاقتصادي وعالم الاجتماع والفيلسوف «كارل ماركس» له رأي آخر.
الجزء الأكبر من فلسفة ماركس يتعلق بالطرق التي تؤثر بها القوى الاقتصادية على حياة الناس. في واحدة من تفسيراته الاقتصادية، يؤمن ماركس بأن القوى الاقتصادية يمكن أن تشرح كل جانب من جوانب حياتنا. من السياسة إلى الأخلاق ومن الحياة الأسرية إلى الدين.
الفجوة بين الأندية الثرية والأندية الأقل حجمًا كبيرة. لا تستطيع الأندية الصغيرة التنافس مع عائدات الألعاب الجماعية للأندية الكبيرة. في حين أن ناديًا مثل مانشستر يونايتد يحشد أكثر من خمسة وسبعين ألف مشجع في ملعب أولد ترافورد الضخم لكل مباراة، فإن أندية مثل بورتسموث وويجان لا يمكنها حشد عشرين ألفًا في ملاعبها الأصغر بكثير.
هذا السبب الرئيسي لأن تلك الفرق تلعب كرة قدم سيئة، هي في الأساس تريد لعب كرة قدم جيدة لكنها أصبحت أقل من حيث الإمكانيات لأنها اقتصاديًا أقل. وهكذا يؤمن ماركس أن العقبة الرئيسية ليست الضعف الشخصي ولكن عدم التمكين الاقتصادي. لقد أجبرت الضغوط المالية اللاعبين على التخلي عن الازدهار الشخصي والسعي وراء التميز.
كتب ماركس في وقت كانت فيه العبودية لا تزال قانونية أن عدم المساواة الاقتصادية تؤدي إلى ما أسماه «الاغتراب» . فبدلاً من أن يكون العمال عملهم تعبيرًا يتم اختياره بحرية عن أنفسهم، أجبرهم موقعهم كعمال في الطرف الأدنى من المقياس الاقتصادي على لعب أدوار منعتهم من الازدهار.
هكذا يقوم اللاعبون في الفرق التي تستخدم تكتيكات سلبية بإعادة إنتاج فكرة الاغتراب هذه، وإن كان ذلك بطريقة أقل خطورة بكثير. على الرغم من أن لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز بعيدون عن الفقر لكن عندما تجبرهم الضغوط الاقتصادية على تبني تكتيكات سلبية فإنهم غير قادرين على التعبير عن أنفسهم في لعبهم ليصبحوا لاعبين مبدعين وشجعانًا ومشرفين كما يريدون. يتناقض هذا بشكل حاد مع الفرق الكبرى التي تتحدث صراحة عن المتعة في اللعب أو تبني أسلوب خاص أو حتى التعبير عن نفسها في الملعب. يتمتع اللاعبون في هذه الفرق برفاهية السعي وراء التميز لأنهم لا يحتاجون إلى القلق بشأن الضغوط الاقتصادية.
ما هو العمل الأخلاقي وغير الأخلاقي في كرة القدم
لم ينجح أحد في هذا الاختبار المتعلق بمشاهدة فريقه قادرًا على تفادي الخسارة بفضل عرقلة غير أخلاقية من مدافع الفريق. لا يمكن أن تقنعني أنك تفضل الخسارة على الفوز بفضل ضربة غير أخلاقية.
كيف يكون من الأخلاقي ارتكاب خطأ مهني؟ رغم كل شيء، القيام بذلك ينتهك قواعد اللعبة ويتعارض مع روحها. من الناحية الواقعية البحتة، من السهل أن ترى كيف يمكن أن يكون الخطأ المهني هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله. قد يكون من الضروري تحقيق الهدف العملي للفريق المتمثل في منع الخصم من التسجيل ومساعدة فريقك على الفوز بالمباراة. من الواضح أن هذا النوع من الأشياء غير مقبول لدى أي شخص سوى أكثر السيدات العجائز ميكافيلليًا.
هناك فكرة فلسفية تقتضي بأن الفعل قد يكون أخلاقيًا طالما أنه يحتوي على إيثار واضح حتى لو كان في ظاهره غير أخلاقي. أي أن هذا المدافع قام بعمل أخلاقي تمامًا كونه ضحى بسمعته وتقييمه ومظهره من أجل أن يفوز الفريق.
هناك رأي آخر فيما يتعلق بفكرة أخلاقية الخطأ، حيث يجب أيضًا أن يتم تنفيذ هذا الخطأ بطريقة تلحق أقل قدر ممكن من الضرر. هناك طرق أكثر فأكثر عنفًا يمكن أن يرتكبها المدافع لارتكاب خطأ مهني لكنه يختار طريقة بسيطة لأنه لا يريد الضرر من أجل الضرر.
لنفترض أن هذا صحيح وأن المخالفة المهنية يمكن أن تكون صحيحة أخلاقيًا إذا كانت ناتجة عن الإيثار النفسي. يجب علينا الآن أن نشك في فكرة أن تلك أخطاء تتعلق بالإيثار من الأساس. وفقًا للأنانيين النفسيين مثل «فرانسوا دي لا روشفوكولد» فإن كل الدوافع هي في النهاية مصلحة ذاتية. ينكر هؤلاء الأنانيون إمكانية وجود أي أعمال إيثارية نفسية. حتى عندما يبدو أن الفعل مدفوع بالاهتمام بشخص آخر، فإنهم يزعمون أنه في الواقع مدفوع باهتمام الشخص بنفسه.
معنى هذا أن المدافع قام بتلك العرقلة لأنه يريد أن يصبح بطلًا، لا بل إن الأمر أكثر خطورة، فحتى اللاعب الذي قرر عدم استكمال هجمة خطرة بعد أن شاهد لاعب الفريق المنافس مستلقيًا على الأرض هو لم يفعل ذلك لأنه يتمتع بأخلاق عالية بل بحثًا عن ثناء منتظر.
هل تشعر بالتناقض؟ مرحبًا بك في أرض الفلسفة ونرجو أن تكون قد فهمت طبيعة التفكير الفلسفي عن طريق أمثلة كرة القدم. لكل نظرية من تلك ردود ووجهات نظر لكن هذا لن يتسع لشرحه الآن، فقط كل ما يمكن أن نكون على يقين منه الآن أن كرة القدم ليست ببعيد أبدًا عن الفلسفة.
*كل النظريات والشروحات التي احتواها هذا المقال هي من كتاب: كرة القدم والفلسفة: أفكار جميلة عن اللعبة الجميلة والذي قام بتجميع مقالاته المحرر تيد ريتشاردز.