مظاليم كرة القدم: كيف يمكن أن تقتل شخصًا مرتين؟
وضع توفيق الدقن ملخصًا لقانون الحياة من خلال قصة حي في مصر بأن الأقوياء وإن كان عددهم أقل يضربون -إن جاز التعبير- الضعفاء. هل فكر أحدكم يومًا بالضعفاء في كرة القدم؟
عفوًا، لا أقصد الفرق ذات المستوى المتدني أو الإمكانيات المادية الضعيفة، ولكن الضعف في لقطة! الانهزام الذي قد يعيشه بعض اللاعبين من خلال هفوات أو أخطاء من زملائهم أو براعة من الخصوم. لماذا لا يتم إبراز ذلك مثل تكريم المنتصر؟ أنا هنا لأكرم المهزومين.
سنناقش منطق المهزوم في كرة القدم من خلال ثلاثة مشاهد من أكثر المشاهد التاريخية في كرة القدم: يتذكر الجميع هدف بيركامب الإعجازي في نيوكاسل، وهدف مارادونا باليد في مرمى إنجلترا بكأس العالم وزيزو هو يضرب على الطائر في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ليفركوزن، ولكن هل يتذكر الناس من ضربهم هؤلاء الفتوات؟
مارادونا وشقاق تاريخي في 4 دول
المكان : مدينة مكسيكو
الزمان: 22 يونيو/حزيران عام 1986
الحدث: ربع نهائي كأس العالم
الصراع محتدم بين عملاقين في الملعب، وفجأة يمر مارادونا من وسط ملعب المنتخب الإنجليزي ويمرر يمينًا في اتجاه خورخي فالدانو، وينطلق باتجاه المرمى بانتظار نتيجة خورخي له، ولكن سقطة واحدة غيرت كل شيء!
بدأ وانتهى كل شيء عند ستيف هودج متوسط ميدان إنجلترا الذي كان عائدًًا لمراقبة فالدانو، وحاول تشتيت الكرة لتذهب بالخطأ في اتجاه مارادونا. لا يجد دييجو لها طريقًا سوى يد بيتير شيلتون، ولكن لماذا لا تكون يدي؟ هكذا فكر دييجو وبالفعل قفز وسجل بيده ليقف الجميع مذهولين حتى لاعبي الأرجنتين نفسهم وسط إعلان علي بن ناصر التونسي حكم الساحة ومساعده البلغاري دوتشيف بهدف للأرجنتين!
لم يتحدث العالم سوى عن مارادونا وتصريحاته الاستفزازية بأنه غير نادم على ما فعل ولو عاد به الزمن لفعل ما فعل! وتصريحه الآخر بأنها يد الله! ولكن هل وضعت نفسك مكان ستيف هودج يومًا؟
يعتبر هودج سعيد الحظ لأن الجميع تناسى خطأه مقارنة بالتونسي علي بن ناصر حكم الساحة والبلغاري بوجدان دوتشيف المساعد وسنوات من الشقاق والتراشق بالتصريحات بينهما وتحميل كل منهما مسئولية الهدف للآخر. فيبدأ بن ناصر ليقول أن دوتشيف لم يخبره بشيء رغم ذهابه إليه وإحساس دوتشيف نفسه بوجود شيء مريب. يقول على بن ناصر: «كنت مترددًا قليلًا، ولكني رأيته يذهب لمنتصف الملعب ركضًا ووثقت في رأيه لأن مكانه كان أفضل».
كان دوتشيف أشرس في تصريحاته بكثير حينما قال إن مارادونا حفر قبرًا له وأنه ليس برجل واتهمه بتدمير حياته، كما أنه اتهم بن ناصر بسوء المستوى وحمله نتيجة الخطأ الأبرز.
البؤس كله كان في تصريحات أرملة دوتشيف التي قالت إنه انعزل عن الناس وعاش في قرية وترك المدينة وأصدقاءه حتى لم يعد يقول لها: «أهلاً». وأضافت بأن حياتهم دمرت بعد كأس العالم وأنها لن تسامح مارادونا أبدًا. دوتشيف نفسه ذكر أن بن ناصر قال له لا تأخذ قرارات واترك كل شيء لي، كذلك أضاف أنه تألم كثيرًا بسبب اتهامه بالخيانة في بلده! مأساة كان بطلها مارادونا.
يسخر مارادونا من كل هؤلاء ويبرز فرحته بالهدف حتى الآن، ويزور على بن ناصر في تونس ويلتقط معه صورًا تذكارية ويطلق على الحكام أصدقاءه في كل لقاءاته مما أشعل الخلاف بينه وبين بيتير شيلتون حارس إنجلترا حتى الآن.
ذكر شيلتون عدة مرات أنه لن يسامحه ولن يصافحه حتى رغم دعوات الصلح الكثيرة، حتى ذكرها صريحة على حسابه بتويتر بأنه باختصار لن يسامحه ما حيي.
خلف الهدف الملعون ضحايا صامتون مثل ستيف هودج وحكمين دمرت حياتهما المهنية وعداوة أزلية بين شيلتون ومارادونا وبلغاريا وتونس، ولم يتذكر أحد يومًا سوى مارادونا ولم يتحدث أحد يومًا سوى عن دهائه!
كومبارسات في لوحات فنية!
يلعب كل من «نيكوس دابيزاس» و«هانز يورج بوت» في الخط الخلفي. فالأول مدافع والثاني حارس مرمى، وكلاهما كان جزءًا من لوحة فنية رائعة حتى الآن ولكنهما كانا في الأدوار الثانوية. التشابه لم يقف هنا قط بل امتد للسنة، فالحدثان كانا في 2002 بل والمكان وهو المملكة المتحدة حيث السانت جيمس بارك في نيوكاسل ملعب اللوحة الأولى وهامبيدن بارك في إسكتلندا ملعب التحفة الثانية.
في مارس/ أذار 2002، تمكن دينيس بيركامب من وضع أحد أجمل أهداف البريميرليج والذي يذاع في كل بداية موسم في إنجلترا. تمكن دينيس بيركامب من لمس الكرة ببراعة بعد تمريرة روبيرت بيريز ليضعها بقدمه اليسرى خلف نيكوس من يمينه ويستدير هو من يساره لينفرد بالمرمى ويضع هدفًا أسطوريًا.
هنا أدرك نيكوس دور الكومبارس وأنه دونه لن تتجمل الصورة ولن يصبح الهدف تاريخيًا، قمة الروح الرياضية والنضج في تقييم الأمور.
بعد شهرين فقط وفي الهامبيدن بارك في جلاسكو بإسكتلندا، يتقابل ريال مدريد وليفركوزن في نهائي دوري أبطال أوروبا ليضع زيدان أحد أروع أهداف مسيرته والهدف الأجمل بنهائيات دوري الأبطال في مرمى هانز يورج بوت.
لم يكن الجميع موفقًا حسب سولاري الذي قال إن تمريرته كانت سيئة للجميع، إلا لروبيرتو كارلوس الذي لو سرعته لما لحق بالكرة وبدوره أرسل عرضية سيئة لزيزو وعلى قدمه الضعيفة وهنا.. لحظة! نعود للوارء قليلًا.
ريال مدريد ثالث الدوري ووصيف الكأس في العام ذاته، بينما ليفركوزن لا يملك حالًا أفضل حيث خسارة للدوري والكأس أيضًا في الأسابيع الأخيرة، نهائي دوري الأبطال هو كل شيء.
زيدان عليه ضغوط لأنه لم يكن يمتلك تلك الكأس قبل ذلك مع يوفينتوس ويحمل على كتفيه لقب أغلى لاعبي العالم وقتها، ليقرر فجأة ضرب الكرة كما جاءت لتسكن شباك المسكين هانز بوت.
يجتمع البؤس وسوء الحظ كله في تصريحات زيدان وتوب موللر مدرب ليفركوزن وقتها، إذ صرح زيزو بأنه حاول إحراز هذا الهدف كثيرًا بعدها في التدريب والمباريات وحتى في الحملات الإعلانية ولكنه لم يوفق كأن بوت هو أتعس رجال الأرض. كذلك توب موللر الذي قال إنه ليس الوحيد الذي كان محبطًا من بوت بسبب ذلك الهدف بل كان الجميع!
مدى البؤس في رد بوت ناتج عن إحساسه بالذنب ناحية خسارة فريقه بسببه، كما قال مدربه بأنه كان سيفوز بالثلاثية لو كان هناك حارس غير بوت وكان أوليفر كفيلًا بصد كرة زيزو. الهدف كان رائعًا كصورة من بعيد، ولكن بوت لا يمتلك قدرات كان فماذا يفعل؟
أحيانًا يطلب العالم من الناس أن يكونوا أبطالًا دومًا، ولكن لا، هناك بوت وهناك نيكوس رغم اختلاف ردة فعليهما ولكنهما في موقف واحد، على الأقل هذان أكملا مسيرتيهما الاحترافية، فماذا يفعل بن ناصر وبوجدان دوتشيف؟ كل هؤلاء ضحايا جمعتهم عبقرية آخرين لتضعهم في موقف محرج، منهم من اعتبر نفسه بطلًا ومنهم من اعتزل الدنيا بسبب لحظة!
كل هؤلاء غير معروفين إلى حد كبير، ولكن وجودهم أثرى مشاهد وجعلها منطقية في عيوننا كمتابعين. قوي يسرق ضعيفًا كما فعل مارادونا، أو قوي يقتل ضعيفًا كما فعل بيركامب وزيزو مع دابيزاس وبوت. بدون هؤلاء، لم تكن لقطات بيركامب وزيزو تاريخية، ولم يكن مارادونا بطلًا قوميًا في الأرجنتين حتى الآن ومع ذلك لم نكن لنتذكرهم.
وجب الآن أن نكرم من وضعتهم الظروف والإمكانيات في دور الضحية أمام الفتوة، فليس كلهم دابيزاس سيتفاخر بصورته بجانب البطل، ولا كاباسيلي مدافع واتفورد الذي سخر من نفسه بأنه سيظل في ملخصات البريميرليج لأعوام بعدما وضع صلاح هدفًا بكعبه بين قدميه، بل هناك مئات بوجدان دوتشيف وهانز بوت.