شريان الغذاء والطاقة: ماذا ربحت تركيا من الحرب؟
اقترب الاتفاق من الانتهاء، فهل سيتم التجديد؟ تسعى الأمم المتحدة ومن ورائها تركيا وعدد من الدول الأوروبية إلى تجديد «اتفاق الحبوب» مع الروسية الذي كان من المقرر أن ينتهي في 22 نوفمبر المقبل، وسط مخاوف من أزمة غذاء عالمية في ظل ارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية.
نهاية الأسبوع الماضي، قال سفير روسيا لدى منظمات الأمم المتحدة في جنيف، إنَّ موسكو قدَّمت لائحة مخاوف للأمم المتحدة بشأن اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، مؤكداً أنَّ بلاده ستوقف تجديد الاتفاق الشهر المقبل ما لم تتم تلبية مطالبها.
وفي اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في كازاخستان على هامش أعمال قمة «سيكا» (مؤتمر التفاعل وبناء الثقة في آسيا)، أشار بوتين إلى إمكانية إلغاء الاتفاق الخاص بالحبوب وعدم تجديده في ظل المعطيات الحالية.
ما اتفاق الحبوب؟
الخبير الأوكراني بالعلاقات الدولية، قسطنطين جريدين، أكد أن روسيا ستعمل على استخدام سلاح الحبوب مثل الطاقة لزيادة الضغط العالمي على الأسعار، وإجبار أوكرانيا على التفاوض. ولكن لفهم طبيعة التهديد الروسي، يجب معرفة أصل الاتفاق وبنوده.
الاتفاق وقع بوساطة تركية ورعاية أممية في 22 يوليو الماضي بإسطنبول لحل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية التي ملأت الصوامع والموانئ، وللتخفيف على الدول النامية والعالم من تبعات الحرب الروسية- الأوكرانية.
بحسب جريدين، ظلت المباحثات بين جميع الأطراف حتى تم التوقيع على اتفاقين وليس اتفاقًا واحدًا كما يُشاع. الاتفاق الأول وقّعته أوكرانيا بشكل منفرد مع كل من تركيا ومنظمة الأمم المتحدة، ويتعلق بتصدير حبوبها عبر ممر بحري آمن بعد تطهير الموانئ من الألغام بضمان روسي بتأمين السفن وعدم التعرض لها، ومدته 4 أشهر تجدد تلقائيًا. أما الاتفاق الثاني فوقّعته روسيا بشكل منفرد مع تركيا والأمم المتحدة بخصوص تصدير أسمدتها ومنتجاتها الزراعية والتراجع عن العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة على تلك المواد.
لماذا ستنسحب روسيا؟
الأكاديمي الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو، ديميتري بريجع، أوضح أن روسيا تريد الانسحاب لعدة أسباب. فأولًا، هناك عدم التوزيع العادل للشحنات وفقًا للاتفاق الذي أشار إلى ذهاب شحنات الحبوب إلى الدول الأشد حاجة، ولكن ما حدث هو أن أغلب الشحنات ذهبت إلى أوروبا وأسواقها لبيعها مرة أخرى للدول النامية. السبب الثاني هو مناورة أوروبا المستمرة وواشنطن حول تنفيذ الشق الثاني من الاتفاق، وهو الخاص برفع العقوبات عن الأسمدة الروسية. أما السبب الثالث فهو التصعيد العسكري الذي شهدته الأسابيع الماضية، وكان وراءه استمرار تدفق السلاح والمعلومات الاستخباراتية من الولايات المتحدة وأوروبا إلى كييف.
من جانب آخر، اتهم الخبير الأوكراني جريدين روسيا بالتصعيد، واستغلال جميع الكروت من أجل الضغط على العالم وأوكرانيا للقبول بالأمر الواقع، والدخول في محادثات لوقف الحرب التي أثرت بشكل كبير على بوتين وشعبيته.
ويُعد التحدي الأكبر الذي يواجه الاتفاق هو أن الدولة الوسيطة تركيا والمنظمة الراعية الأمم المتحدة لا تملكان سلطة مباشرة ولا أدوات ضاغطة على طرفَيْ الاتفاق، في ظل فجوة الثقة الكبيرة الموجودة بين الطرفين.
العواقب والمحاولات الأممية
أكد قسطنطين جريدين أنه حال الخروج من اتفاق الحبوب، ستخسر روسيا كثيرًا أيضًا وسيظهر أمام الجميع كذب روايتها الأولى، وهي أنها لا تحاصر الموانئ ومنع تصدير الحبوب. إضافة لذلك، فالعالم بأسره سيتأثر في ظل ارتفاع أسعار الحبوب والأسمدة والمواد الزراعية، لا سيما الدول الفقيرة التي ستعاني من مجاعة محتملة.
ووصل مسؤولو الأمم المتحدة إلى موسكو مطلع الأسبوع لمناقشة تجديد الاتفاق. وكان مارتن جريفيث، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، عبَّر، عن ثقته في إمكانية تمديد الاتفاق. وقال جريفيث في مؤتمر صحفي بجنيف، رداً على سؤال عن تأثير أحدث تصعيد في الحرب المستمرة منذ أكثر من 7 أشهر على تمديد الاتفاق، «وجهة نظرنا في الأمم المتحدة هي أننا بالطبع يجب أن نسعى إلى تجديده، وأنا على ثقة بأننا سنشهد تمديده، لكن هناك حاجة أيضًا إلى مدّة تجديد تزيد على 4 أشهر. نحتاج إلى تمديده لمدة عام».
مكاسب تركيا
بالنسبة لتركيا فقد حققت إنجازًا دبلوماسيًا وتعد الرابح الأكبر في تلك الاتفاقية لعدة أسباب. يقول بريجع خلال تصريحاته لـ«إضاءات» حول مكاسب أنقرة أن الاتفاق حال دون حصول مجاعة عالمية وأظهر تركيا كوسيط فعال.
بخلاف المكسب السياسي، حصدت أنقرة مكاسب اقتصادية بحصولها على أسعار تفضيلية للحبوب وباقي المنتجات باعتبار وساطتها ودورها في تنفيذ الاتفاق، فضلاً عن قربها الجغرافي. كما تعول أنقرة على أن يدفع هذا الاتفاق نحو تجديد وساطتها السياسية بين موسكو وكييف وتنشيطها.
الاتفاق يعطي أنقرة أيضًا نفوذًا دوليًا نظرًا لكون مركز التنسيق والقيادة المعني بعمليات المتابعة والرقابة والتفتيش طبقًا للاتفاق يقع في مدينة إسطنبول. كما سيكون على تركيا كوسيط في الاتفاق الموقّع الإشارة إلى أي طرف ينتهك الاتفاق أو يخرقه أو يعوق تنفيذه.
كما نجح أردوغان من خلال هذا الاتفاق في غلق ملفات الاشتباك مع بوتين، بالأخص في سوريا، وتقريب وجهات النظر، وهنا يقول قسطنطين جريدين، إن تركيا جنت الكثير عقب الاتفاق كما ظهر خلال لقاء أردوغان ببوتين في كازاخستان، حيث أبلغ بوتين نظيره التركي أن أكثر الطرق التي يمكن الاعتماد عليها لتوصيل الغاز إلى الاتحاد الأوروبي هي تركيا مقترحًا بناء «مركز للإمداد» في أنقرة.
وقال بوتين خلال اجتماع ثنائي مع نظيره التركي إن «إمدادات الطاقة من روسيا إلى تركيا كانت في حالة تدفق كامل وتسير وفقًا للطلبات»، وفقًا لما أوردته وكالة تاس. من جهته، أشار أردوغان إلى أن تركيا مستعدة لتسهيل تصدير المواد الغذائية والأسمدة من روسيا، على الرغم من أن ذلك قد يثير «قلقًا» في بعض الدول. وتابع أردوغان:
في سياق العطايا بين الجانبين، أكدت مصادر دبلوماسية اتجاه موسكو للخروج من اتفاق الحبوب وعدم التجديد، وهذا ما دفع بوتين إلى تقديم امتيازات أخرى للحليف القوي وهمزة الوصل مع أوروبا، تمثلت في الطاقة ومركز حيوي للغاز، بخلاف إطلاق يد تركيا في الشمال السوري وهذا ما اتضح من الاشتباكات خلال الأسابيع الماضية.