في مدينة صغيرة بإنجلترا، جلست ميجان لي– البالغة الخامسة عشرة من عمرها- هي وأصدقاؤها لتناول وجبة سريعة، وذلك حين بدأت تشعر بالقليل من الوخز في فمها وبدت منتفخة قليلاً. لكن بعد تناول شراب مضاد للحساسية، شعرت ميجان بتحسن باستثناء طفح جلدي على خدها الأيسر.

بعد أن اصطحبتها والدتها إلى المنزل، بدت ميجان في حالة من الضيق. كانت شفتاها منتفختين وزرقاء، وكانت تكافح كي تتنفس. تم استدعاء سيارة إسعاف، إلا أن حالة ميجان استمرت في التدهور حتى توقفت عن التنفس وتوقف قلبها عن النبض.

قصة متكررة، فما الحكاية كاملة؟


طعام قاتل!

مثل 220 لـ520 مليون شخص حول العالم، كانت ميجان تعاني من حساسية الطعام، وعلى وجه التحديد حساسية الفول السوداني.

وحساسية الطعام ما هي إلا رد فعل مبالغ فيه من الجهاز المناعي تجاه مواد معينة ببعض أنواع الطعام، أشهرها هي: البيض، والحليب، والصويا، والفول السوداني، والمكسرات (مثل: اللوز، البندق، الفستق، عين الجمل، الكاجو، وأبو فروة)، وتظهر خاصة في الأطفال، إلى جانب الأسماك، والمحار، وبعض أنواع الفاكهة كالكرز والخوخ والمشمش في الكبار.

يتعامل الجهاز المناعي مع هذه الأطعمة على أنها دخيل خطر، فيقوم بإفراز مواد دفاعية أشهرها الهيستامين لتتسبب في أعراض الحساسية. تتراوح تلك الأعراض من المتوسط إلى الشديد، ويتسع تأثيرها ليشمل الجهاز الهضمي والتنفسي والقلبي الوعائي والجلد.

حساسية الطعام, أطفال, فول سوداني, أمراض, طب, صحة

وأحياناً يصبح تفاعل الحساسية مهدداً للحياة فيما يعرف بـ«العوار»، حيث يصاب المريض بتورم في الأنسجة المخاطية والأنسجة تحت الجلد – خاصة بالشفاه واللسان، يصاحبه ضيق في التنفس، وانخفاض حاد في ضغط الدم (يظهر على هيئة شحوب، نبض ضعيف، ارتباك أو فقدان للوعي)، مما قد يؤدي في النهاية إلى سكتة قلبية ومن ثم الوفاة.

ومن الجدير ذكره أن تفاعل الحساسية للشخص يمكن أن يختلف في كل مرة يتعرض لها للطعام المشكلة. بعبارة أخرى، ما قد يسبب لك القليل من الحكة والرشح في مرة هو نفسه ما قد يجعلك تقضي عشيتك في سيارة إسعاف في المرة التالية.


لماذا يعاني البعض من حساسية الطعام؟

تتضمن معظم تفاعلات الحساسية تكوين أجسام مضادة من نوع (IgE) عند التعرض لأول مرة لبروتين ما بالطعام قام بتحفيز الحساسية، وعندما يتكرر التعرض له تنطلق الأجسام المضادة لتمسك بالبروتين الدخيل ثم تثير جيشًا من خلايا المناعة ضده.هذه النزعة نحو تكوين الـIgE لها جانب وراثي، وهو ما يفسر زيادة خطر التعرض لتفاعلات حساسية الطعام في الأطفال ممن يعاني آباؤهم أو أشقاؤهم من أمراض الحساسية مثل حساسية الصدر أو الإكزيما.

إلا أن الجينات ليست الجاني الوحيد وراء تطور حساسية الطعام. فالعوامل البيئية لا سيما التغذية – قبل وبعد الولادة- تلعب دورها في تحديد مدى تقبل الجسم لأطعمة عن غيرها. فطبقََا لتقرير المعهد الوطني الهولندي للصحة العامة والبيئة عام 2010، فإن مدى تأثير الرضاعة الطبيعية على تطور حساسية الطعام لا يزال قيد النقاش. لكن خبراء الحساسية ينصحون بأن تنحصر تغذية الطفل على الرضاعة الطبيعية حتى فترة الـ4 – 6 أشهر، والتي يمكن خلالها تقديم الطعام الصلب للرضيع.

على الجانب الآخر، تشير بعض الأدلة إلى أن التعرض المبكر لمسببات الحساسية الغذائية قد يقلل من خطر الإصابة بتفاعلات ضدها. على سبيل المثال، قد يقلل استهلاك الأمهات لأغذية مثل المكسرات والحليب والقمح خلال فترة الحمل من خطر الإصابة بحساسية الغذاء عند الرضع. لذلك توصيالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بعدم تأخير تقديم مسببات الحساسية الغذائية المحتملة لما بعد 6 أشهر. كذلك قامت مجلة الحساسية والمناعة السريرية بنشر إرشادات توصي بتقديم الفول السوداني للرضع في فترة مبكرة، وذلك لأن تأخير تقديمه قد يزيد من خطر الإصابة بحساسية الفول السوداني فيما بعد.

عادة ما يكون الأطفال الصغار هم الأكثر عرضة للإصابة بحساسية الطعام. ولحسن الحظ، يتغلب معظم الأطفال على حساسية اللبن والبيض مع التقدم في العمر، إلا أن حساسية الأسماك والمكسرات عادة ما تستمر مدى الحياة.

وعلى الرغم من هذا، فإن حساسية الطعام يمكنها أن تتطور فجأة في أي مرحلة عمرية. المطربة الأمريكية المشهورة «أريانا غراندي» صاحبة الـ25 عاماً – على سبيل المثال- أظهرت تفاعل حساسية تجاه الطماطم لأول مرة الشهر الماضي، ووصفته كابتلاع نبتة صبار!

كيف تتعايش مع الأمر؟


الحل الأمثل لتجنب حدوث تفاعلات الحساسية هو تجنب الطعام الذي قد يسبب الحساسية. الأمر يبدو بديهياً، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع يتطلب من الشخص المصاب توخي الحذر الشديد في انتقاء ما يتناوله وأخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع أي تفاعل حساسية مفاجئ، وذلك يتضمن:

قراءة قائمة المكونات الموجودة على أي طعام معبأ بعناية قبل شرائه واستهلاكه، والتأكد من تنبيه العاملين أو الطباخين على وجود حساسية من طعام ما عند تناول وجبة خارج المنزل، لا سيما أن الكثير من المواد الخفية قد تدخل إلى طبقك دون أن تعلم، فالكثير من الأطباق التقليدية لآسيا وإفريقيا تحتوي على مسحوق الفول السوداني أو السمسم. كما يمكن لبروتينات الحليب أن تدخل في تصنيع اللحوم المعلبة كالهوت دوج، أو أن تستخدم قطاعة الجبن نفسها في تقطيع اللانشون.

وينبغي إعارة الانتباه إلى أن تفاعلات الحساسية لا تحدث فقط عند ابتلاع الطعام بل من الممكن أن تحدث إثر ملامسة أو استنشاق الطعام المشكلة. كذلك يجب أن تحرص دائمًا على أن تحمل قلم الإدرينالين الخاص بك في كل مكان، لاستخدامه على الفور في حالة حدوث أي تفاعل للحساسية، واستدعاء سيارة الإسعاف بعدها مباشرة تحسباً لأي مضاعفات.

ولو كان طفلك مصابًا بحساسية تجاه أطعمة معينة، ينبغي إبلاغ حالته إلى جميع المسئولين عنه خارج البيت، ويفضل ارتداء أساور تبين الأطعمة التي تسبب الحساسية لترشد الآخرين في حالة عجز الطفل عن التواصل معهم.