ما يؤلم في الأمر أن هؤلاء اللاعبين قد حققوا أشياء عظيمة في آخر خمس سنوات، والآن حان وقت التغيير. نعد الجماهير بأننا سنعود بطموح كبير، وأن نقدم موسمًا جيدًا.
مدرب ريال مدريد الجديد، «زين الدين زيدان» عقب انتهاء موسم 2018/2019

أعاد ذلك التصريح الأمل لجماهير الملكي في نهاية الموسم السابق. سرحوا بخيالهم متوقعين مشاهدة زيدان آخر غير ذلك الرزين الذي اعتادوا عليه. ربما ذلك الذي نطح ماتيراتزي في نهائي كأس العالم 2006 سيكون قادرًا على عمل ثورة إحلال وتجديد بالفريق، وإنهاء مسيرة هؤلاء اللاعبين المتشبعين بلا هوادة. لكن، بدأ الموسم دون أي ثورة، وتحول الأمل إلى عشم، وعاد القلق من جديد.

وديات ولكن

تصاعدت وتيرة القلق بعد نتائج الوديات المخيبة. حيث اكتفى الريال بتحقيق فوزين فقط على فنربخشة التركي، ونيويورك ريد بولز الأمريكي، ومني بهزيمة ساحقة أمام الجار أتلتيكو مدريد بسبعة أهداف مقابل ثلاثة. لكن مهما حدث، الوديات تظل وديات، ولا يمكن اعتبارها مؤشرًا لشيء.

سياسة الفريق المتبعَة في سوق الانتقالات قد تكون مؤشرًا أكثر قوة. ففي موسم 2018/2019 مثلاً، كانت طريقة الفريق الساذجة لتعويض رحيل هدافه «كريستيانو رونالدو» تنبأ بالنهاية. حيث انتظر ريال مدريد أن يستبدل جاريث بيل ملابس الجولف برداء سوبر مان، مع بعض المساعدة من بنزيما في إطار منظومة تكتيكية جديدة مع الإسباني جولين لوبيتيجي.

لكن لم يظهر سوبر مان، ولم يصبر أحد على لوبيتيجي وعلق بطل أوروبا السابق بدوامة انتهت بعودة زيدان من جديد. هذه المرة لم يستخدم زيزو عصاه السحرية، واكتفى بمعدل 1.7 نقطة للمباراة الواحدة في 11 مباراة بالدوري، بينما كان معدل ولايته الأولى 2.3 نقطة للمباراة الواحدة.

هذه المرة، لم يعبأ زيدان بتحقيق الفوز بقدر الوقوف على صلاحية بعض اللاعبين لتحديد ملامح الموسم الجديد، والقيام بتلك الثورة المزعومة التي سنعرف لاحقًا استحالة حدوثها.

فلسفة لا تعترف بالفلسفة

حسب الاتفاق المزمع بين فلورنتينو بيريز وزيدان بمنح الأخير كافة الصلاحيات، تحرك ريال مدريد لجلب إيدير ميليتاو في عمق الدفاع، والظهير الأيسر فيرلاند ميندي، لتوفير بديل أكثر توازنًا لمارسيلو، على غرار ثنائية البرازيلي مع فابيو كوانتراو. أما على الصعيد الهجومي، حضر إيدين هازارد أخيرًا رفقة مهاجم إينتراخت فرانكفورت لوكا يوفيتش.

صفقات ريال مدريد في صيف موسم 2019/2020

من منهم سيستطيع حجز مكانه في التشكيل الأساسي؟ هازارد فقط. والثورة؟ ليس كل ما يقال يُنفذ. لأن بالأساس زيدان يعتمد كثيرًا على علاقته بلاعبيه. الولاء المتبادل هو أحد أهم مصادر تفوق المدرب الجزائري الأصل. لذلك لن يستغني عن الحرس القديم بهذه السهولة، وسيحاول إعادة تدويره مع نفس الأفكار.

تلك الأفكار التي احتار فيها محبو المثلثات والمربعات التكتيكية من فرط البساطة، لكنها تظل أفكار مدرب فاز بنفس عدد ألقاب جوارديولا وكلوب مجتمعين في دوري أبطال أوروبا. ببساطة، الفريق لا يلهث وراء الاستحواذ، وفي نفس الوقت يتمتع بما يكفي من القوة الذهنية والبدنية لتحمل الضغط حتى يضرب ضربته.

بنزيما سيستمر بدوره غير المحبب من الجماهير؛ بالتحرك بعيدًا عن منطقة العمليات وعمل الزيادة العددية Overload في العمق وعلى الأطراف، ضامنًا للفريق سهولة التدرج بالكرة، وسيساعده هازارد سواء شغل المركز 10 أو الطرف الأيسر، لكن كليهما فقط لن يكفيا لتعويض أهداف رونالدو، فما العمل؟

بوجبا أم نيمار أم بيل؟

استغرب الجميع من إصرار زيدان الرهيب لجلب مواطنه بول بوجبا، ضاربًا بعرض الحائط عدم رغبة بيريز في التعامل مع وكيله مينو رايولا. لكن من خلال ذلك الإصرار يمكننا أن نستنتج أن زيدان يريد مساهمة أكثر من لاعبي الوسط لتعويض أهداف كريستيانو. والحديث هنا عن المساهمة المباشرة بالتسجيل أو الصناعة.

لتمويل رونالدو بالعرضيات، كان الفريق يعتمد على تقدم الظهيرين كارفخال ومارسيلو، وعليه كان يتم حجز ثلاثي وسط الملعب للتغطية على صعودهما. ونتيجة لذلك، اكتفى الثنائي مودريتش وكروس بالمشاركة في هدف كل 436 دقيقة و232 دقيقة على الترتيب في ولاية زيدان الأولى، وهنا تظهر قيمة بوجبا رقميًا.

فمتوسط ميدان مانشستر يونايتد قد أحرز 40 هدفًا وصنع 38 (3 فقط من كرات ثابتة) في الخمس مواسم السابقة. بينما أحرز كروس ومودريتش مجتمعين في نفس المدة 19 هدفًا، وتفوقا عليه في صناعة الأهداف بـصناعة 61 هدفًا، لكن أتت 55% منها من كرات ثابتة. وفي سبيل الحصول على مزايا بوجبا، سيغض زيدان الطرف عما سيحدث في الجبهة اليسرى دفاعيًا بتواجد بوجبا وهازارد ومارسيلو في نفس الجانب.

https://twitter.com/utdxtra/status/1163380884936044544
أرقام بول بوجبا مع مانشستر يونايتد في موسم 2018/2019

من حسن حظ كاسيميرو، فإن بوجبا يبدو بعيد المنال، وسيضطر زيدان آسفًا إلى اللجوء للخطة (ب) بإعادة النظر في موقف خاميس رودريجيز وجاريث بيل لعله يحصل على مراده. رغم أن علاقة الأخير بمدربه كانت قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، لكن إصابة أسينسيو غيرت كل شيء.

أما الخطة (ج) المتمثلة في نيمار، فتبدو فنيًا صعبة الحدوث لتقارب مهام البرازيلي مع هازارد من جهة. ولأن زيدان يرى البرازيلي كالتفاحة الفاسدة من جهة أخرى. ورغم تشابه نيمار وبوجبا في المزاجية وعمولات والد الأول ووكيل الأخير، فإن بيريز وزيدان قررا الاصطدام بشأنهما. وذلك الصدام سيدفعنا إلى العودة لمربع صفر والتساؤل، هل كان بيريز راضيًا حقًا عن مخططات الفرنسي؟

تخطيط للمستقبل أم تعارض مصالح؟

في شتاء موسم 2018/2019، أتم ريال مدريد صفقة مفاجئة بالتعاقد مع الشاب ذي الـ19 عامًا، براهيم دياز من نادي مانشستر سيتي. لتتصدر صورة اللاعب غلاف صحيفة AS الإسبانية رفقة مجموعة كبيرة من اللاعبين الشباب الذين زعمت الصحيفة أنهم سيقتحمون تدريجيًا التشكيل الأساسي للنادي الملكي عقب عملية الإحلال والتجديد.

اللاعبون هم: مارتن أوديجارد،ثيو هيرنانديز، لونين، ماركو أسينسيو، فريدريكو فالفيردي، ماركوس لورينتي، داني سيبايوس، ماركوس لورينتي، أودريوزولا، رودريجو وفينيسيوس جونيور، بالإضافة إلى كوبو الملقب بميسي اليابان. حيث أنفق بيريز ما يقارب 217 مليون يورو لجمع تلك المواهب، مؤكدًا أن فريقه بات يسعى لقنص المواهب قبل ارتفاع أسعارها تجنبًا لمشاكل قانون اللعب المالي النظيف.

في البداية أنت تتساءل كيف تحول ذلك الرجل المهووس بالجلاكتيكوس وضم النجوم حتى لو فوق احتياج فريقه إلى آخر يخطط بحكمة من أجل المستقبل البعيد؟ والأهم من ذلك، أين هؤلاء اللاعبون من تشكيلة زيدان؟

يقول أرسين فينجر إن النادي يتحمل تكلفة مشاركة اللاعبين الصغار بخسارة النقاط. وبالفعل دفع ريال مدريد الثمن في الموسم الماضي بخسارة جميع البطولات في مقابل حصول كل من: فينيسيوس، لورينتي، ريجيولين، فالفيردي، سيبايوس، دياز على دقائق أكثر. ورغم ذلك فضل زيدان الحصول على النجوم الجاهزين وعدم المغامرة، وهنا كان التعارض الأكبر مع مخططات رجل الأعمال فلورنتينو بيريز.

يترأس بيريز شركة ACS، وهي واحدة من أهم شركات البناء والإنشاءات في إسبانيا. وبالصدفة، وقع الاختيار على هذه الشركة لـتنفيذ مشروع تجديد ملعب سانتياجو برنابيو، والذي وافقت عليها 92.7% من الجمعية العمومية للنادي بتكلفة ستصل إلى 525 مليون يورو.

بناء استاد أو إعادة تجديده لا يضاف إلى حسابات قانون اللعب المالي النظيف، لكنه يدخِل ميزانية النادي في حسابات معقدة تعطل مسيرته. وبما أن بيريز أصبح البائع والمشتري في ذات الوقت، فكان عليه التخطيط بحكمة لموازنة الوضع وضمان عدم خسارة النادي والشركة، فاتجه إلى التخطيط بعيد المدى، وقنص المواهب قبل لمعانها.

لكن مع اتهامه بالتسبب في رحيل رونالدو، عاد إلى الواجهة من جديد لتلقى أسهم الانتقادات بمفرده. فما كان عليه إلا إعادة زيدان ومحاولة إرضاء كافة الأطراف. لكن هذه العلاقة ستظل فوق صفيح ساخن لأنها من الأساس لم تقم سوى على التوافق الظاهري، ومع أول تعثر، ستتحول السخونة إلى انفجار. أو يفاجئ زيدان الجميع في ولايته الثانية كما فعلها في الأولى تاركًا الجميع غارقًا في البحث عن إجابة السؤال: كيف يفعل هذا؟