ماذا حقق شباب أوروبا من أحلام شباب يناير؟
الرئيس الأمريكي باراك أوباما: «يـجب أن نربي أبـناءنا ليصبحوا كشباب مصر» (2011/2/14).
«هناك لحظات نادرة في حياتنا نتمكن فيها من مشاهدة التاريخ أثناء صياغته، وثورة مصر إحدى هذه اللحظات، فالناس في مصر تحدثوا، وصوتهم سُمع، ومصر لن تكون أبدًا كما كانت»، «المصريون ألهمونا وعلمونا أن الفكرة القائلة أن العدالة لا تتم إلا بالعنف هي محض كذب، ففي مصر كانت قوة تغيير أخلاقية غير عنيفة، غير إرهابية، تسعى لتغيير مجرى التاريخ بوسائل علمية»، «الثورة صوتها مصري إلا أنها تذكر العالم بأصداء ثورات سابقة، أهمها ثورة الألمان على سور برلين، وثورة غاندي الذي قاد شعبه إلى طريق العدالة»، «ستظل كلمة التحرير تذكر المصريين بما فعلوه وبما ناضلوا من أجله وكيف غيروا بلدهم، وبتغييرهم لبلدهم غيروا العالم أيضا»، (مقتطفات من خطاب الرئيس أوباما – 12 فبراير 2011).
الفقرتان أعلاه منقولتان عن أوباما على موقع جهة حكومية مصرية، على التوالي بالإضافة إلى العديد من عبارات الشكر والثناء التي تم نقلها عن زعماء و وزراء خارجية وسفراء العديد من دول العالم عن الثورة المصرية وثورات الربيع العربي الأخرى وشبابها. بيد أن حال الشباب في مصر كما في الكثير من دول الربيع العربي ليس أفضل مما كان عليه قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير وثورات الربيع العربي الأخرى، بينما يتبرأ العديد من رموز النظام الحالي من هذه الثورة ويتنصلون من استحقاقاتها الأساسية في العدالة الاجتماعية والحرية والعيش الكريم، ويلقون باللائمة على الشباب من جهة، باعتبارهم من ضيع هيبة الدولة المصرية، بينما بعبارة الأستاذ جميل مطر: «هيبة الدولة من هيبة الثورة». وبينما تتنصّل دول الربيع العربي من الشباب وحِراكاته فإن شبابًا أوروبيين صعدوا لعدة مناصب في السنوات الخمس الماضية.
نجوى جويلي: هل يجب أن يرحل الآباء؟
طالعتنا الصحف المصرية والعربية وبعض المواقع الأجنبية الصادرة في العشرين من شهر ديسمبر الماضي وما تلاه بخبر فوز نجوى جويلي، الإسبانية ذات الأصول المصرية، أصغر نائبة تفوز بعضوية البرلمان الإسباني في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد 20 ديسمبر، لتتولى، وفقًا للائحة، رئاسة أولى جلسات البرلمان، وكانت قد دخلت حلبة السياسة بعد الخامس والعشرين من يناير.
والحقيقة أن هذه ليست أول فتاة مصرية أو عربية تتولى منصبًا رفيعًا في دول أوروبية، لكن الضجيج الأكبر كان حول اعتبارها أصغر الأعضاء سنًّا، ولا يمكن للمرء أن يغفل ما أثير من تفاصيل حياة والدها ذي الأصول النوبية الذي هاجر في شبابه أيضًا. وهنا يصبح التساؤل: هل مطلوب منّا أن نهاجر في شبابنا حتى يتمتع أبناؤنا بشباب أفضل؟.
الحقيقة الأكثر مرارة بالنسبة لكثير من شباب دول الربيع العربي الذين تم الهجوم عليهم كثيرًا من قبل الأجيال الأكبر، هي أن هذه الشابة والكثير من أعضاء حزبها بديموس المكوّن أساسًا من الشباب قاموا باحتجاجات محدودة جدًا إذا ما قورنت باحتجاجات الربيع العربي، وتخرجوا سياسيًّا من رحم حركة «الغاضبون» التي تشكلت أثناء احتجاجات العام 2011 التي انتشرت في العديد من دول أوروبا مستلهمة خبرة الاحتجاجات العربية، إلا أن نظمهم سمحت بالبناء على هذه الحراكات المحدودة أكثر مما سمحت لنا سياقات ما بعد الثورات.
بينما حظي العديد من الشباب المصري والعربي عبر خمسة أعوام بأقسى درجات العنف اللفظي والمادي، إذ يقبع كثيرٌ من الشباب النشط والحالم بالتغيير خلف القضبان وبعضهم تم فصله من الجامعات على خلفية انتماءاتهم السياسية، والبعض الآخر مختفٍ قسريًّا منذ شهور في الذكرى الخامسة للثورات التي وصفت بأنها شبابية، ومن لم يتعرضوا لذلك يتعرضون في المناسبات وغير المناسبات على المصاطب الإعلامية للعديد من عبارات الاستهجان لكافة سلوكياتهم من قبيل «مش عاجبكم البلد سيبوها، الشباب الصيع عايزين ايه؟، خربتوا البلد منكم لله، اللي مش هيشارك من شباب مؤامرة يناير ميلومش غير نفسه.. إلخ».
شباب من أصول عربية أم شباب أوروبي؟
يراد لرواية أنهم من أصول عربية أن تسود أحيانًا – للقفز على استحقاقات المواطنة – وأحيانًا تسود دون دراية إذ يوصف الشباب سواء من الساسة الصاعدين أو منفذي الهجمات الإرهابية بأنهم من أصول عربية أو مغاربية أو شرقية، بينما في الحقيقة قد يكونون الجيل الثاني أو الثالث، من حاملي جنسيات دولهم.
الأمر لا يتعلق فقط بشباب عرب في حكومات أوروبية بل بتزايد وجود الشباب الأوروبي نفسه في البرلمانات والحكومات بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية، ففي اليونان تولى أليكسيس تسيبراس زعيم حزب {ائتلاف اليسار الراديكالي} اليوناني – والمعروف باسم «سيريزا» SYRIZA (الأحرف الأولى للاسم باليونانية)، ذي الأربعين ربيعًا رئاسة الحكومة منذ 2012 بفضل الاحتجاجات التي اجتاحت اليونان حينها، وخاض مفاوضاتٍ شاقة مع الاتحاد الأوروبي حول أزمة الديون اليونانية.
أيضًا فإن هناك العديد من الوزراء الأوروبيين الشباب مثل وزير خارجية النمسا، الشاب النشط ذي الثمانية والعشرين ربيعًا، سبستيان كورتس، والذي يصف نفسه باعتباره من جيل فيسبوك، المهجوّ عربيًّا باعتباره جيلًا افتراضيًّا، لا يملك من الرؤى والخبرات السياسية ما يملكه جيل ثورات العشرينات والخمسينات من القرن المنصرم الذين أفحمونا بالحفاظ على الاستقرار المتين الذي نحن فيه.
الأمر لا يتعلق فقط بالمشاركة في المناصب السياسية بل أيضًا في عملية صنع السياسات وفي الانتخابات. فبينما يجمع كثيرون على تدني نسب مشاركة الشباب في الاستحقاقات الدستورية سواء انتخابات أو استفتاءات على الدستور أو بلديات في البلدان العربية التي أجريت فيها هذه الاستحقاقات عبر السنوات الثلاث الماضية، متواضعة جدًا إذا ما قورنت بنظيرتها الأوروبية. ففي استطلاع للرأي أجرته مجموعة TNS للبحوث والاستشارات لصالح المفوّضية الأوروبية بعنوان البارومتر الأوروبي حول مشاركة الشباب الأوروبي في الحياة الديموقراطية في 2013، على عينة من 12927 شخصًا من دول الاتحاد السبعة والعشرين. في الفئة العمرية من 15- 30 سنة فإن 56% منهم شاركوا في الانتخابات التي أجريت على المستويات المختلفة سواء المحلية أو الوطنية أو مستوى الاتحاد الأوروبي، و64% أبدوْا استعدادهم للمشاركة في انتخابات الاتحاد الأوروبي 2014.
وبينما يواجه الشباب العربي المطحون بدعوات استنكارية من قبيل «الشغل مش عيب» وشوفوا الشاب بتاع الفريسكا – رغم الشكوك والتساؤلات التي أثيرت حوله -، وبين عربات الخضار كجزء من المشروع المصري الإماراتي للتدريب من أجل التشغيل، التي هي بدورها جزء من البرنامج الرئاسي غير المكتوب، فإن الاتحاد الأوروبي لديه خطة 2014 – 2020 المعروفة باسم Youth Employment Package، ولدى الشباب الأوروبي مجموعة من الضمانات التدريبية والتعليمية والتشغيلية القادرة على ضخ المزيد من الأمل في هؤلاء الشباب للمزيد من المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
حجة داحضة: الشباب ليست مهنة
بعد الثورات العربية دار من يظن أنهم حكماء وعقلاء في وسائل الإعلام ليطلقوا نظرية «أن الشباب ليست مهنة ولكنها مرحلة عمرية نمر بها جميعًا»، والحقيقة أن الشباب يوافقونهم هذه المقولة لكنها تستدعي أن إعطاء الشباب فرصتهم في التغيير والقيادة هو عطاء لكل من يمرّ بهذه المرحلة العمرية، وبالتالي فهو عطاء لنا جميعًا وليست منحة أو تفضّلاً من فئة عمرية على هؤلاء الشباب {الصيع بتوع الإنترنت}.
يجيب الشباب بأنه سيفاجئ هؤلاء العجائز بسياسات وقضايا دولية لا يفهمونها عندما يلتقون بصناع سياسات أوروبيين صغارِ سن يتفاوضون بمهارة ويتواصلون عبر وسائل مستهجنة من قِبل ساستنا حول قضايا أمن الفضاء والهجرة واللجوء والحرب على الإرهاب والبيئة وأمن الطاقة، وقد تبدو تقليدية لكنهم يتعاملون معها بعقليات غير تقليدية وبتنظيرات تختلف عن أنصار المؤامرات الكونية وحروب الأجيال الرابعة و مردّدي عبارات الشرق الأوسط الجديد والمؤامرة الغربية على الوطن العربي.
وسيفاجأ هؤلاء أيضا بشباب وأحزاب توافق بسهولة على إجراء استفتاءات على انفصال أقاليم عن دولهم القومية دون إثارة القلاقل، وسيفاجأون عندما يصدمون بسياسات رافضة لعمليات التقشف في العديد من الدول التي تقدم لنا قروضًا بمشروطيات تقشفية، وسيفاجأون أيضًا بكون هذه الأحزاب الشعبوية لا مقرات لديها ولا مؤسسات تقليدية، وقد تطول أعمارهم وأعمارنا لنرى خطابًا مثل خطاب رئيس حزب بوديموس بابلو إغليسياس: «لا نريد أي وجود عسكري أمريكي في أوروبا. لماذا كأوروبيين نحتاج إلى سيطرة عسكرية من قبل الآخرين؟، إننا نريد أوروبا الحرية والعدالة الاجتماعية والتضامن، هذا يعني علينا مواجهة الفاشية الجديدة المتمثلة باستبداد المدافعين عن الترويكا والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي»، مسيطرًا في بعض دول أوروبا، ربما حينها يستفيقون قائلين: ألم نكن نحن من نصرّ على أن يترأس الجلسة الافتتاحية لبرلماناتنا أراذلنا عمرًا، بينما كان هؤلاء يعطون الشباب فرصتهم؟.