5 أسباب تخبرك أن نظام التعليم الجديد لن ينجح
يبدو مقبولًا إلى حد كبير أن تعود والدتك من زيارة للجيران، وهي معجبة بطبخة جارتها مقررةً بسعادة أنها ستطبخها بالغد، وأنه لا شك أنها ستكون رائعة. هذا نوع من القرارات السريعة غير المدروسة بشكل كافٍ ولكنها مقبولة، لا ضرر سيحدث من طبخة غير مضبوطة، لكن ماذا سيحدث إن قررت أن تكون طبخة رسمية للمنزل؟ لكن في كل الأحوال طبخ والدتك لا يعد قرارات مصيرية.
وهذا هو الفارق بين «التخطيط» و«العشوائية»، حين تتجول إحدى الأمهات في مجتمعات التعليم المتخصصة، وتنظر للصور العامة العظيمة للآباء والأسر العاكفين على تربية وتعليم أطفالهم، فيعجبها أحدها، فتقرر تنفيذه الآن حالاً.
حسنًا في الغالب لن تجد النتيجة المرجوة، وستأتي شاكيةً بعد قليل من النتيجة غير المتوقعة وأنها اتبعت … إلخ، لكن الناتج كان …
سيشرح لها وقتها أحدهم أن ذلك الدرس أو الطريقة التي اقتطعتها من سياقها، هي جزء من خطة كاملة مدروسة ومخطط لها، فطبيعي ألا تجد النتيجة التي تريدها من خلال هذا الدرس العشوائي.. هذا ما نفضل أن نقوله للوزير الآن قبل فوات الآوان.
هيا بنا نـ ..آآ.. نأخذ بعض القرارات
بدايةً، ملخص القرارات التي أخذها وزير التعليم هي:
1. دراسة المواد باللغة العربية فقط من رياض الأطفال حتى الصف السادس الابتدائي مع تخصيص كتاب للإنجليزية.
2. قصر الدراسة باللغات في المدارس الخاصة والدولية وإلغاؤه فيما عداها.
3. إلغاء الامتحانات من كى جي 1 حتى الثالث الابتدائي وبدؤها من الصف الرابع الابتدائي.
4. تقسيم المناهج بشكل جديد: كتاب للغة الإنجليزية، وآخر للتربية الدينية، وثالث للأنشطة، ورابع يشمل اللغة العربية والرياضيات ومفاهيم علمية واجتماعية وفنية ومهارات حياتية.
5. تطبيق نظام التوكاتسو الياباني.
6. يدرس طلاب النظام الجديد مواد العلوم والرياضيات باللغات بدءًا من المرحلة الإعدادية، بجانب اللغة الإنجليزية التي يتم تأسيس الطفل فيها من الصغر بواسطة مادة الإنجليزي فقط.
7. درجات الامتحانات ليست الأساس في النجاح بل المستوى المعرفي.
8. تخفيف المناهج للصفوف من الثاني الابتدائي حتى الثالث الإعدادي في النظام القائم.
9. البقاء على مناهج الثانوي العام مع تخفيفها وتغيير طريقة الامتحانات وطريقة عرض المناهج وتشمل التابلت وإلغاء الامتحانات القومية.
وإن كان من الممكن أن تكون هذه القرارات في مجملها جيدة وخطوة نحو الأمام، لكن هذا لن يحدث لأنها في غاية العشوائية، وهذا يسلبها أي ميزة فيها، لماذا؟
1. القرارات لا تؤخذ فجأة.
قرارات التعليم تحتاج إلى تخطيط وترتيب أكثر من أي قرارات أخرى، لأنها تتعلق بمجموعة كبيرة من الأفراد المختلفين فيما بينهم والأماكن المختلفة كذلك، للمرة الأولى تلتفت الوزارة إلى هذه النقطة وتراعي أن يتم تطبيق القرارات الجديدة بدءًا من السنة الأولى لكل مرحلة، وهي خطوة جيدة ومهمة وتعتبر تطورًا نوعيًا في تفكير الوزارة، لكن الدول التي تخطط بشكل صحيح تكون خطتها على عدة سنوات وتبدأ التطبيق جزئيًا، لقياس ودراسة الآثار وتصويب السلبيات، حيث يتم تنفيذ القرار الجديد -في حال نجاحه- خلال عدة مراحل على عدة أعوام على سبيل المثال وليس خلال سنة واحدة وفي مرحلة واحدة وعلى كل المدارس والمحافظات!
المجتمع لن يندمج ولن يتأهل، وأنت لن تستطيع دراسة قرارك وتقييمه بشكل متأنٍ، وتعديل ما يلزم فيه للوصول للصورة الكاملة.
2. القرارات لا تؤخذ بناءً على الشعارات.
أغلب النظريات التعليمية تؤيد بشكل كبير دراسة العلوم باللغة الأم، أفضل للطفل من نواحٍ عدة، وتساهم في استيعابه بشكل أفضل، كذا تنميه لغته الأم، لكننا في دولنا العربية نقف وسط معضلة: «الأخذ بهذه النصائح وتعليم طفل علم لا ينتفع به، في عالم يتحدث العِلم في لغة أخرى، وبين تعليمه العلوم بلغة مختلفة عن لغته الأم، لإدراك لغة العِلم العالمية».
هذا الجدال وطرق حله من أهم الجدالات المطروحة في عالم التعليم وتُجرى عليه أبحاث كثيرة، أتمنى أن تكون الهيئة المختصة في وزارة التعليم على اطلاع دائم عليها، لكن قرار تعريب المواد جاء بناءً على كلمات عاطفية مثل الهوية/ الوطنية/ اللغة العربية وأهميتها، وهي في الحقيقة جمل عاطفية للغاية تفقد القرار مهنيته واحترافيته، فتدريس العلوم باللغة الأم سبيله تسهيل استيعاب الطفل لمنطق المواد الطبيعية والدفع بإدراكه، بينما غرس الهوية العربية في نفس الطفل -كما قال الوزير- لا دخل له بما نتحدث عنه، وهو بعيد كل البعد عن الغرض الأساسي لتدريس العلوم باللغات الأم للأطفال، لغرس الهوية كما تريد عليك تطوير مناهج اللغة العربية.
هل طورتها الوزارة؟ لا إجابة. ما القرارات المتعلقة باللغة العربية التي تناولها المؤتمر الصحفي؟ لا إجابة.
تعريب العلوم أمر جيد، لكن الأسباب التي ذهب إليها الوزير لتعريب العلوم شعارات لا طائل من ورائها.
3. القرارات لا تؤخذ بالجملة.
وكأن صاحب القرار أمضى ليلته يشاهد حلقة برنامج خواطر لأحمد الشقيري عن التعليم في اليابان فقرر تطبيق النظام الياباني غدًا في يوم وليلة! في الحقيقة، إذا أردت تغيير منزلك، فليس من المنطقي أن تقرر أنك ستعمل على السباكة والكهرباء وتلوين الجدران ووضع الإكسسوارات وشراء الأثاث وترتيبه، في وقتٍ واحد ولحظة واحدة.
حتى يُتخذ قرار تربوي جيد، عليك أن تحدد كل فترة ما هو الشيء المطلوب تعديله، وكم سيستغرق تعديله، وكيف ستتم هذه التعديلات، ثم تجمع كل ذلك معًا، يبيت لديك هيكل وخطة لبدء التنفيذ. لكن بهذه الطريقة الارتجالية، يبيت التطوير ضربًا من المستحيل.
كما يُلمح بسهولة التشابه بين النظام السعودي الحديث في التعليم وبين قرارت التعليم الجديدة، على سبيل المثال «نظام نور» المذكور في القرارات هو نظام رصد الدرجات الإلكتروني المستخدم في المملكة العربية السعودية. ولست أدري ما الحكمة من استخدام نفس الاسم، لكن يمكننا التنويه لنقطة مهمة:
التطوير السعودي للتعليم موضوع بخطة طويلة المدى، تم تطويرها جزءًا جزءًا كل فترة حتى اكتملت الصورة، الصورة الحالية لنظام التعليم السعودي نتيجة خطة منفذة منذ ثمان سنوات ولم تنتهِ بعد.
4. القرارات لا تؤخذ بحديث مرسل.
حين يُقرأ القرار من المفترض أن نفهم بشكل واضح ما الذي سيحدث، بينما حديث على شاكلة:
الوصف السابق للتغير الذي سيلحق برياض الأطفال، يجعلنا نتذكر إجابات الطلاب أثناء امتحانات الجامعة! تجميع الكلمات الجميلة والمحفوظة التي ستبهر مصحح الأسئلة. كل الكلام المذكور هو كلام مرسل، لا معنى له في الحقيقة، فما هي خطة شخصية طموحة تستطيع حل كل مشاكلها؟ ما هو المنهج العالمي الذي سيتخذ لذلك؟ وكيف سيتم تنفيذه؟ وأين هم هؤلاء النوابغ القائمون على ذلك؟ علمًا بأن القرار سيبدأ تنفيذه في سبتمبر القادم؛ أي بعد بضعة أشهر قليلة، كيف سيتم خلال هذا الوقت القليل تجهيز الفصول الدراسية لإخراج شخصية (مفكرة تستطيع حل مشكلاتها التي تواجهها؟) ما هو شكل التدريس؟ وكيف في بضعة أشهر نستطيع تدريب عشرات الآلاف من المعلمين على ذلك كما ذكر في القرار أنه سيتم تدريبهم على ذلك؟
حقيقةً أولياء الأمور يحتاجون الكثير من المعلومات وحق من حقوقهم الفهم، فهؤلاء أبناؤهم الذين نتحدث عن مستقبلهم، لكن لم تُذكر كلمة واحدة تدل على ذلك، صورة ضبابية ستتسبب بكل تأكيد في هذا (الفزع) الذي اعترى أولياء الأمور.
5. دمج التكنولوجيا لا يعني استخدام التكنولوجيا!
هل الفكرة هي توفر التكنولوجيا فقط، أم أن تتعلم كيف ومتى تدمجها؟
في غالبية التدريبات الجامعية للمعلمين، تتاح «اللوحات الحديثة Smart boards» كأداة للتعليم، وهي طبعًا مبهرة ووسيلة تعليمية متقدمة تتبعها الدول الرائدة وتفيد الطالب والمعلم، لكن أثناء فترات التدريب تلك، نادرًا كمعلمين ما نتعرض لاستخدامات اللوحات الذكية في العملية التعليمية، التدريب لا يتخطى الاستخدام العادي للوح التابلت. فما فائدته إذن؟
كذلك في الجملة المرسلة التي أخبرنا فيها وزير التعليم أنه سيتم منح كل طالب (تابلت) يحمل المنهج كاملًا، وكل الامتحانات ستكون إلكترونية؛ يمكن لأي مختص أن يدرك أن هذا حديث لا فائدة من ورائه، إلا لو كان الهدف من استخدام (التابلت) تخفيف حمل الكتب على الطلبة فقط! حينها سيتحقق الهدف فعلاً، لكن أبعد من ذلك فلا، فالجملة المتبوعة باستخدام التكنولوجيا، حسب القرار، أن الامتحانات ستكون إلكترونية، الحل والتصحيح، والأسئلة لن تكون اختيارية أو صح وخطأ، بل ستعتمد على أسئلة مقالية تهدف للفهم.
ولا ندري كيف نخبر الوزير أنه لا يمكنه وضع نظام تصحيح إلكتروني على أسئلة مقالية! وأنه لا يمكن لاختبار أن يكون كافيًا وشاملاً دون احتوائه على جزء عملي، وجزء شفوي، وجزء مقالي، وجزء بحثي، وجزء اختياري / صح وخطأ / تعليل.. وغيرها من الأساليب التي يختص كل منها بقياس أمر ما في تعليم الطفل.
كل هذه الجمل المرسلة تنم عن عشوائية القرار والذهاب للتقليد: «أنظمة التعليم المتقدمة تستخدم اللوحات الذكية، إذن لنستخدمها نحن كذلك»، دون أي وعي حقيقي عن وسائل الاستفادة من ذلك الاستخدام. كذا التابلت في أنظمة التعليم المتقدمة، لا يغني عن الوسائل الأخرى، فهو أحد هذه الوسائل، فقط لا غير.
لماذا لن ينجح الوزير؟
نحن نثق أن الهدف من تلك التعديلات هو ترقية التعليم، لكن لا تعليم يمكن ترقيته باختيار عشوائي لتجارب الدول الأخرى. الاستفادة من كل نظام تعليمي مهم للغاية، ولكنه يحتاج خطة بحثية ومعرفة تتيح لك اختيار ما يناسبك وحذف ما لا يناسبك.
لا يوجد نظام تعليمي قام بين يوم وليلة، هذا لم يحدث في أي من الدول المتقدمة. لكن الوزير يرى أنه يستطيع فعله في مصر!
لن نكون الأفضل إذا استخدمنا (تابلت) مثل تركيا، أو نظام (نور) مثل السعودية، أو نظفنا الفصول مثل اليابان، نحتاج لخطط وأبحاث مدروسة وهو ما لا يظهر في هذه القرارات.
كل القرارات تعيد تكرار (الحفظ لا الفهم، الحفظ لا الفهم)، ويبدو أنها خطة سحرية لأني لا أجد أي خطة مدروسة ومطروحة تفيد كيف سنحقق هذا، ولا أدري كيف أخبرك أنه حتى نحقق ذلك، على الطالب أن يكون حرًا حتى يفكر ويفهم، وعليه أن يتعرض لكل الخبرات بلا حدود، ولا يبدو أنه خيار متاح بأي شكل.
لذا أعتذر عزيزي الوزير لكن المشكلة الحقيقية أن حضرتك (حافظ مش فاهم) للأسف.