انطباعات أولية في الدراما الرمضانية: الإخراج
شهدت السنوات القليلة الماضية في مجال الدراما التليفزيونية تطورا ملحوظا على مستوى الصورة، حتى بات الفارق الشاسع الذي كان يفصل قديمًا الصورة السينمائية عن نظيرتها التلفزيونية في حكم العدم. يرجع ذلك بالأساس لأسباب تقنية بحتة، فتطور التقنيات واستخدام كاميرات الديجيتال في التصوير التلفزيوني جعل جودة الصورة عبر الوسيطين واحدة. السبب الثاني، والأهم هو توجه مخرجي السينما نحو إخراج الأعمال التلفزيونية بخبرتهم وحسهم السينمائي.
هذا المزج بين اللغة السينمائية والتلفزيونية وإن كان محل جدل وإشكال إلا أنه ساهم بشكل كبير في طفرة نوعية في عالم الدراما التليفزيونية، يشهد علي ذلك أعمال مثل «موجه حارة»،و«أفراح القبة»لمحمد ياسين، أو «ذات»الذي تشارك في إخراجه كاملة أبوذكري وخيري بشارة.
في موسم دراما 2018 لدينا أكثر من مخرج لديهم خبرة سينمائية طويلة، هاني خليفة، خيري بشارة (وإن كانت أعماله التليفزيونية أقل كثيرا من قيمة عطائه السينمائي)، هالة خليل، وعمرو سلامة ومخرجون آخرون عملهم في الأغلب تلفزيوني وإن كان لهم تجارب سينمائية مثل أحمد خالد موسى، وحسام علي، وبيتر ميمي.
بعد انقضاء الثلث الأول من الموسم الدرامي الرمضاني، بدأت ملامحه تتضح إلى حد بعيد. نستطيع القول إنه موسم درامي خافت البريق، لا يوجد بين أعماله ما هو استثنائي. نستطيع أن نتشبث بهذه الأعمال الثلاثة كأفضل ما تم عرضه هذا الموسم الدرامي حتى الآن في جانب منجزها الإخراجي.
هاني خليفة: بين «سهر الليالي»،و«ليالي أوجيني»
قليلة هي أعمال هاني خليفةسواء في السينما أو التلفزيون، فمنذ نجاحه الكبير والاستثنائي في أول أعماله كمخرج «سهر الليالي»عام 2003 لم يعد للسينما سوى بفيلمه الثاني «سكر مر» عام 2015، والعملان مدارهما الحب في زهوته وانكساراته، علاقات متشابكه ومعقدة يغزلها معًا ببراعة آسرة.
في عالم الدراما التلفزيونية «ليالي أوجيني»هو عمله الرابع وأكثرها التصاقًا بعالمه السينمائي وتيماته الأثيرة. أحلام وعواطف شخصيات من جنسيات وطبقات متفاوتة، بعضها يسعى إلى الحب والبعض الآخر يهرب منه أو يحاول لئم جراحه. مصائر تتشابك في لحظة خاصة من التاريخ يضمها معًا قلب المدينة (بورسعيد حقبة الأربعينات).
عمل رائق تمامًا بعيد عن أجواء الحركة والإثارة التي تحتشد بها أعمال هذا الموسم الدرامي. وإيقاع هادئ، يتحرك بين العلاقات بسلاسة شديدة. عناية بتفاصيل الصورة والإضاءة. لابد من الإشادة بقدرة المخرج على استعادة أجواء الأربعينات في مدينة بورسعيد عبر تفاصيل الأزياء والديكور والحركة واللغة وملامح الشخصيات المتسقة مع زمن الأحداث. روح الزمن حاضرة في كل شيء. كذلك قدرته على قيادة ممثليه والحصول على أفضل أداء، يمكننا الإشادة بأداءين استثنائيين، «مراد مكرم»في دور عزير، العاشق سيئ الحظ ومعاناته من ضياع حبه وتسلط أم مسيطرة واستحواذية، و«أسماء أبو اليزيد»في دور جليلة التي تغالب الزمن من أجل حلمها.
المشكلة في النص – والمأخوذ من عمل درامي إسباني بعنوان «acacias 38» كما يشير تتر النهاية – أنه ﻻ يزال حتى الآن (الحلقة 11) يدور في دائرة واحدة بعد الدفعة الدرامية التي شهدتها الحلقات الأولى وتقديمه لطبيعة البيئة والشخصيات التي انتقلنا إليها، وهي الدائرة التي أحدثها مقتل إسماعيل (خالد كمال) وانتقال البطلة إلى بيئة جديدة هربًا مما فعلته.
أحمد خالد موسى/ أبوعمر المصري
يوجد بين أعماله فيلم سينمائي وحيد هو «هروب اضطراري» من إنتاج 2017. حقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وهو فيلم حركة جيد الصنع. بقية أعماله تنتمي لعالم الدراما التليفزيونية، أفضلها وأكثرها نضجًا حتى الآن هو «أبوعمر المصري» الذييعتمد على نص متميز للمبدعة «مريم نعوم»بمشاركة «محمد المصري»عن روايتين للروائي عز الدين شكري فشير (مقتل فخر الدين، أبو عمر المصري).
اجتهد المخرج في نقل أجواء التسعينات على الشاشة وإن وجدت بعض الهفوات خاصة في أماكن التصوير الخارجي، مثل وجود سيارات من طراز أحدث من الزمن الذي تدور فيه الأحداث. تدور الأحداث في زمنين، الزمن الحالي، وبداية التسعينات. يتحرك بينهما بسلاسة وعبر إيقاع منضبط طيلة الحلقات.
قيادة الممثلين لتقديم أفضل ما عندهم مثل عارفة عبد الرسول، فتحي عبد الوهاب، محمد سلام في دور مختلف عن أدواره الكوميدية الخفيفة. في مشهد البداية يختار المخرج زاوية تصوير علوية (عين الإله أو عين الطائر) تبدأ من فوق السحاب نزولًا نحو القارب الوحيد في البحر كما لو كان في قبضة القدر وتصوير (فخر) بزاوية منخفضة من تحت الماء كما لو كان غارقًا. يحاول النجاة، اختيار موفق للدخول لعالم الشخصية ومأزقها في هذة اللحظة.
حسام علي/ الرحلة
بعد النجاح الذي حققه مسلسل «30 يوم» في العام الماضي، يعود حسام علي أيضًا هذا العام مع شريكه في النجاح باسل خياط في عمل قريب جدًا من عمله السابق حيث أجواء الإثارة والتشويق.
مسلسل هذا العام «الرحلة» من كتابة نور شيشكلي وعمرو الدالي. شخصيات مرسومة بعناية شديدة، خيوط درامية تتشابك في حبكة درامية مثيرة، تحمل كل حلقة مفاجأة منطقية إلى حد بعيد. يدير حسام علي كل ذلكبوعي وإدراك لطبيعة العمل والشخصيات التي يقدمها بمصداقية كبيرة رغم غرابتها.
يفتتح عمله بكوادر مائلة تمهد للعالم المريض الذي يدخلنا إليه دون مقدمات، كذلك يقوم بتأطير بطلته رانيا (ريهام عبد الغفور) في إطار داخل إطار، معبرًا عن حالة الحصار والسجن الذي تعيشه البطلة. استخدام إضاءة خافتة تخلق ظلالًا، خاصة في المشاهد الداخلي التي يظهر بها (أسامة) جاء مناسبًا لطبيعة الغموض والشخصية المليئة بالظلال التي يقدمها.
كذلك ديكور البيت الذي يعتبر كسجن لبطلته جاء مناسبًا أيضًا حيث يجمع بين الجمال والبساطة التي تليق بعش للزوجية وخشونة الحوائط والإضاءة الخافتة التي تخلق مكانًا ذا طبيعة مزدوجة كبيت وسجن. أعتقد أن الرحلة أفضل وأكثر صدقًا من “30 يوم” وخطوة للأمام لمخرجه وبطله