لو قمنا باستفتاء شامل للبشر عن أكثر الحوادث إثارةً للرعب، والتي يخافون حتى من مجرد مرورها بالخاطر لثانية، سيأتي التعرض للحروق في المقدمة، وبفارق كبير. لكن للأسف لا نملك رفاهية أن نكتفي بمجرد التغافل عن التفكير في هذا الأمر، أو الدعاء والابتهال ألا يصيبنا، فأنماط الحياة المعاصرة قد تضعنا في موضع الاختبار في أي لحظة، سواءً في أماكن العمل، أو وسائل المواصلات، أو حتى في أعماق بيوتنا.

سنتحدث هنا عن الدقائق الحيوية الأولى في التعامل مع الحروق، والكلام ليس موجَّهًا للأطباء بالأساس، إنما للأشخاص العاديين، سواء كانوا في موقع الضحية، أو في المحيط القريب منها.

لا يوجد بالطبع خطوات سحرية قادرة على إزالة كل الآثار العاجلة والآجلة للحروق تمامًا، لكن يمكن لسرعة البديهة، والتحرك الواثق في الدقائق الأولى أن تقلل ولو جزئيًا فرص حدوث، وشدة، كافة المضاعفات، من الآثار السطحية على الجلد حتى الوفاة.


خطوات التعامل الأوّلى مع الحروق

https://www.youtube.com/watch?v=EaJmzB8YgS0

ستبدو الخطوتان الأوليان من البديهيات، لكنهما الأهم على الإطلاق، لذلك تم ذكرهما في الصدارة. والخطوات مرتبة زمنيًا بترتيب ما يحدث على أرض الواقع. بالطبع لن يغني هذا عن طلب المشورة الطبية باستثناء الحالات البسيطة للغاية.

أولًا: التحكم في الأعصاب قدر المستطاع

الهستيريا، وانفلات الأعصاب وانهيارها، ستُذهب اللحظات الحيوية الأولى سُدًى، بل ستزيد الضرر، وكذلك قد تمثل حملًا شديدًا على الجهاز العصبي، الذي يكون في حالة استنفار شديدة بالفعل، مما قد يسبب في الحالات الشديدة صدمة عصبية قد تؤدي إلى هبوط الدورة الدموية، وتوقف القلب، والوفاة.

ثانيًا: إطفاء النار!

بما أن شدة النار – أو مصدر الحرق أيَّا كان – ومدة التعرض لها، ومساحة السطح المتعرضة من أجسامنا، هي أخطر العوامل التي تحدد مدى شدة الحرق، ومضاعفاته، فمن الطبيعي أن أول ما ينبغي فعله هو إطفاؤها، والابتعاد عن مصدرها فورًا. لكن السؤال الأهم هو كيف نفعل هذا بكفاءة، ودون مزيد من الضرر.

بالطبع لا مجال للعنتريات، لا تحاول إنقاذ الضحية بإيذاء نفسك. الطريقة الأكثر أمنًا، وفعاليةً كذلك، لمن أمسك به ألسنة النار، أن يرمي نفسه على الأرض، ويتدحرج حتى تنطفئ النار، بالطبع إذا سمح مسرح الحادث بذلك، دون أن يسبب له مزيدًا من الضرر. يمكن كذلك إطفاء النار بإلقاء بطانية أو ما شابه على النيران، وذلك لكتمها، فهذا يقلل الأكسجين المحيط بها والذي يساعد على الاشتعال.

من الخطأ التهوية من الخارج لمحاولة إطفاء النار، فهذا قد يسبب تطاير ألسنة النار إلى أماكن أخرى، أو للمحيطين. كذلك لابد على المتعرض للحريق أن يسيطر على رد الفعل العصبي الأولي المتمثل في الجري بغير هدى يمنة ويسرة، فهذا لن يطفئ النيران، إنما عليه بإلقاء نفسه على الأرض كما ذكرنا، لحين جلب مطفأة الحريق إن كانت متوفرة لإطفاء ما تبقى من ألسنة النار.

إذا كان سبب الحرق سائلًا ساخنًا، أو مادة حارقة، احذر من محاولة إزالتها باليد مباشرة، إنما يتم إزالتها من الجلد باستخدام المياه.

إذا كان سبب الحرق ملامسة سلك كهربائي ، فحاول إطفاء المصدر فورًا، فإن تعذَّر، قم بإبعاد المصاب عن المصدر باستخدام مادة عازلة للكهرباء كقطعة من الخشب مثلًا، ثم طلب الطوارئ الطبية فورًا، فأغلب مضاعفات الحروق الكهربائية تكون داخل الجسم، وبعضها خطير للغاية كالاضطرابات الكهربائية في القلب، وحروق الأنسجة الحيوية، وتجلط الدم .. الخ.

لا تنسَ: دفع المزيد من الضرر على المصاب والمحيطين هو الأولوية القصوى.

ثالثًا: إزالة الملابس المحترقة، والمتعلقات الشخصية

لنفس السبب السابق، يتم إزالة الملابس المحترقة حتى لا تسبب المزيد من الضرر بحرارتها، وحتى لا تكون مصدرًا للتلوث، وكذلك لتقييم حجم المنطقة المتضررة. بالنسبة للملابس الملتصقة بمكان الجرح، فلا ينبغي شدها لإزالتها، فهذا قد يسبب المزيد من الأذى في المكان، إنما قم بالقص حول الجزء الملتصق بالجرح.

كذلك لابد فورًا إن أمكن، من إزالة الحلي، خاصة خواتم الإصبع في حالة حروق اليد، إذ قد يتورم الإصبع بشدة، فيصعب استخراج الخاتم، والذي سيمثل هنا خطورة على الإصبع المتورم، إذ سيسبب ضغطًا شديدًا في مكانه، مما قد يقطع سريان الدم إلى أطراف الأصابع، وحدوث الغرغرينا.

رابعًا: تبريد مكان الإصابة

https://www.youtube.com/watch?v=Ns1DPvXVO6I

يتم تعريض المنطقة المصابة للمياه الباردة – ليست شديدة البرودة – أو حتى العادية، نظيفة المصدر، صبًّا أو غمرًا، لحوالي ربع ساعة، أو حتى يسكن الألم في مكان الحرق، فهذا يقلل كثيرًا من تضرر أنسجة الجسم بالحرارة.

تجنب تمامًا وضع المراهم أو الزبدة .. الخ فهذا لن يحقق البرودة المطلوبة بمثل كفاءة المياه، ويزيد كثيرًا فرص حدوث التلوث بالمكان. تجنب كذلك تمامًا استخدام الثلج، فالبرودة الشديدة قد تسبب ضررًا للأنسجة كالحرارة الزائدة، وتقلل كفاءة التئام الجرح. وكذلك في حالة ظهور فقاقيع، تجنب ثقبها أو إزالتها، فهي على الأقل تغطي المكان، وتقلل فرص حدوث التلوث، وكذلك الحفاظ عليها يسهل التئام المكان المصاب دون ترك آثار.

بعد تبريد الحروق، يمكن استخدام مرهم يحتوي مضاد حيوي، ثم التغطية الحذرة للمكان كما يلي.

خامسًا: التغطية الحذرة لمكان الحرق

أشهر المضاعفات التي قد تحدث للمصابين بالحرق هي التلوث، والعدوى البكتيرية، في مكان الحرق. فالجلد هو الغطاء الطبيعي للجسم، الذي يقف حائلًا في الأوضاع الطبيعية أمام ولوج هذه الملوثات إلى داخل الجسم. من هنا تبرز أهمية تغطية المكان المصاب، لكن دون التسبب في مزيد من الضرر.

المواد المثالية لتغطية مكان الحرق، هي المواد غير القابلة للالتصاق. يمكن استخدام قطعة من القماش دون الضغط عليها فتلتصق بالجلد، أو استخدام أكياس المطبخ البلاستيكية دون أن تلامس المكان مباشرة. وفي حالات الألم الشديد، يمكن استخدام المسكنات الآمنة مثل الباراسيتامول أو البروفين لحين الاستشارة الطبية.

سادسًا: الوضع الأنسب للجسم

أفضل وضع للمصاب هو النوم أرضًا على الظهر- ما عدا بالطبع حالات حروق الظهر – مع رفع الساقين لأعلى، وذلك لتسريع عودة الدم إلى القلب، والحفاظ على ضغط الدم، وتجنب هبوط الدورة الدموية، والذي يشيع حدوثه مع الحروق خاصة الشديدة نتيجة فرط الألم والصدمة العصبية، وفقدان السوائل من مكان الإصابة.


وفي حالة الحروق الشديدة؟

الحروق التي تزيد مساحتها عن مساحة كف المصاب، تعتبر من الحروق الشديدة، وكذلك الحروق العميقة، والتي تحول الجلد إلى اللون الأبيض أو الأسود المتفحم. وهناك أماكن هامة في الجسم تعتبر حروقها من النوع الشديد، مثل الوجه، والرقبة .. الخ، فالتورم المصاحب للالتهاب الذي يحدثه الحرق في هذه الأماكن الحيوية قد يضغط على أماكن خطيرة كالمسارات التنفسية، والشرايين الهامة، مما قد يسبب الوفاة. من العلامات المبكرة التي تشير إلى تورم الحنجرة والمسارات التنفسية، تغير الصوت، وهذا يستدعي طلب خدمة الطوارئ الطبية فورًا. كذلك يعتبر اليدين والأعضاء التناسلية والمفاصل من الأماكن التي ترفع خطورة الحروق.

وفي حالة حروق الأطفال، تتم معاملة أكثرها على أنها حروق شديدة، وذلك لهشاشة أجسامهم، وكذلك عدم الدقة في تحديد نسبة المنطقة المصابة مقارنة بمساحة سطح أجسامهم الصغيرة.

في حالة الحروق الشديدة، الأولوية هي طلب المعونة الطبية العاجلة. لابد بالطبع من عمل ما يمكن عمله من الخطوات السابقة، لكن دون إهدار الكثير من الوقت، ويتم تنفيذها بحذر بالغ، لتجنب مزيد من الضرر. في حالات الإصابات الشديدة باليدين أو القدمين، ضع قطع من الشاش الجاف النظيف، بحذر بين الأصابع وبعضها، وذلك لتجنب التصاقها.

بالنسبة للحروق شديدة الخطورة – الحروق العميقة من الدرجة الثالثة والرابعة – والتي تسبب تلفًا كبيرًا واضحًا في الأنسجة، وتفحمها .. الخ، نكتفي بالإبعاد عن مصدر النار، وتغطية المكان إن أمكن، وطلب المعونة الطبية العاجلة فورًا، لأنها تمثل خطورة على الحياة، وفرصًا أعلى بكثير للتلوث، ولهبوط الدورة الدموية، مما يحتاج لتدخل طبي عاجل.


الوقاية خيرٌ من الحروق

القاعدة تقول، إن تجنب الحروق، أفضل كثيرًا من علاجها. خطواتٍ بسيطة يمكن أن تقلل كثيرًا احتمال تعرضنا لمثل هذه الكارثة:

  • الالتزام بقواعد الأمن الصناعي، وتوخي الحذر خاصة أصحاب المهن التي تفرض التعامل مع مصادر قابلة للاشتعال، أو الإحراق.
  • إبعاد الأطفال الصغار عن المطبخ، خاصة أثناء الطهو. واستخدام عيون البوتاجاز الداخلية البعيدة عن متناول الأطفال.
  • توافر مطفأة حريق ولو صغيرة الحجم بالمنزل أو قريبًا منه.
  • ضبط حرارة السخان إلى معدل معتدل السخونة.
  • عدم التعامل مباشرة مع الكيماويات، واستخدام القفازات المخصصة.
  • وضع خطة مبسطة متفق عليها بين أفراد المنزل، لكيفية التصرف في حالة حدوث حريق كبير بالمنزل.