نحب التسوق… نذهب إلى مدينة الألعاب… نتناول الطعام بالخارج… نذهب إلى دور السينما… نسافر لقضاء الإجازات… نشترى وسائل تكنولوجيا باهظة الثمن… ننفق كثيراً من الأموال بحثاً عن السعادة، وبالتالي يتعلم الأطفال أن الاستمتاع يعني إنفاق المال. فالطفل يبدأ رحلة إدراك واكتساب أنماط العيش من خلال رؤية وملاحظة سلوك منْ هم حوله.

وتعد السنوات التسع الأولى مرحلة ذهبية لإكساب الطفل القيم التي تتشكّل في عقله ووجدانه وسلوكه، حتى يصل إلى مرحلة التبني الذاتي لهذه القيم.

وتربية الأطفال على الحياة البسيطة من أعظم الهدايا التي يمكن للمُربِي أن يقدمها لأطفاله. وذلك في ظل ثقافة مُصابة بهوس الاقتناء، وثقافة استهلاكية تم تصنيعها من قبل شركات تجارية عملاقة، تخلق لدينا تعطش لاقتناء كل ما هو معروض من سلع، وتُنمِّي لدينا حب التملّك، وتُقدِّم لنا نوع من الإحساس بالتميز، وتُعزِّز لدينا حب الظهور والتفاخر، فتدفعنا إلى الشراء المُفرِط بما يتجاوز حاجاتنا.

وقد تأثرت الشرائح الاجتماعية ببعضها البعض، نتيجة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فساعد ذلك على نشر النمط الاستهلاكي في عملية تقليد جماعي، أدى إلى إيجاد رغبات استهلاكية متوالية لدى هذه الشرائح.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما قل وكفى خيرًا مما كثر وألهى».

فالحياة البسيطة ليس معناها التقشف والحرمان، ولكنها تساعدنا أن نحيا بشكل أفضل، فتملّك الأشياء ليس قيمة في حد ذاته، ولكن القيمة فيما تُضيفه هذه الأشياء إلى الحياة، فمعظم الأشياء بعد حد الكفاية لا تضيف شيئاً بل تزيد الحياة تعقيداً.

بالتأكيد أنت تحب أبناءك ولا تريد لهم أن يشعروا بأنهم دون الآخرين أو أسوأ منهم، ولكن هذا لا يحول بينك وبين أن تغرس فيهم الإحساس بالقيمة الحقيقية للإنسان، والإحساس بالكرامة والواجب. فتوفير كل شيء للأبناء يجعلهم أبناء أنانيين متذمرين يرون كل شيء في حياتهم حقاً مكتسباً، وعندما يُحرمون من أي شيء صغر أو كبر يعتبرون أنفسهم ضحايا.

وقد نقلت جريدة «لوفيجارو» الفرنسية عن مليندا جيتس- زوجة بيل جيتس– أنها وزوجها يرفضان أن يحيا أبناؤهما حياة الثراء والاعتياد على التبذير، حتى يشعروا بأهمية العمل وقدسيته. وقالت إنها تحرص على منح أولادها مصروفاً لا يتيح لهم إلا شراء وجبة رخيصة الثمن، وتُشجعهم على الاعتماد على أنفسهم دون مساعدة الخدم.

1. علّمهم صنع الأشياء لا شراءها

أقضي معهم وقتاً ممتعاً في أشياء لا تُكلف مالاً. اذهب للتنزه معهم في الحديقة. العب معهم في الهواء الطلق. اقرأ لهم القصص. شاركهم ألعاب البناء. اجعلهم يقومون بغسيل السيارة. اجعلهم يشاركون في طهي الطعام… إلخ.

2. علّمهم أن يقولوا: «يعجبني ذلك بدلاً من أريد ذلك»

فاستخدام ألفاظ صحيحة يساعدهم على فهم أنهم يمكنهم تقدير أشياء دون امتلاكها، كما يساعدهم على فهم أننا عندما نريد شيئاً لا يعني أنه يمكننا الحصول عليه، وأنه ليس من الخطأ أن ترغب في أشياء معينة، ولكنها مسألة اختيار لما يستحق أن ننفق فيه أموالنا. وهنا يجدر بنا أن نتذكر المقولة الشهيرة لـ سيدنا عمر بن الخطاب الذي يعيب فيها على الناس إقبالهم على شهواتهم: «أكلما اشتهيتم اشتريتم».

3. لا تشترِ ألعاباً باهظة الثمن

الأطفال يلعبون بأي شيء، فالطفل لا يحتاج إلى ألعاب باهظة الثمن بقدر ما يحتاج إلى الحرية وإشباع الرغبة في الاكتشاف، وكلما قل عدد الألعاب زادت مساحة الخيال لدى الطفل، فالطفل يمكن أن يلعب بمفرده دون ألعاب. اشتر الألعاب الخشبية التي تدوم فترة أطول ويمكن تداولها من طفل إلى آخر، بما يعني مشتريات أقل وبيت أكثر تنظيماً. اشتر لهم مستلزمات فنية. اشتر لهم كتباً وألعاب بناء. قُم بتخزين مجموعة من الألعاب بعيداً عن أعينهم لعدة أشهر ثم قدمها لهم، «سوف تكون الألعاب جديدة مرة أخرى وأنت لم تدفع جنيهاً واحداً».

4. دعهم يشاركونك في عملية التسوق

يمتص الأطفال عاداتنا وأفكارنا وخياراتنا، وما يراك أبناؤك تفعله أهم وأقوى وأعمق أثر في شخصيتهم مما يسمعونك تقوله. فمصاحبة الأطفال للآباء في عملية التسوق تجعلهم يكتسبون عادات آبائهم في التسوق، لذا أشرح لهم ما وراء أفعالك. فمثلاً قل: سأشتري كمية قليلة من الموز لأنه سيفسد قبل أن نتمكِّن من تناوله، أو قل: يعجبني هذا القميص لكني لا أحتاجه… إلخ.

5. علّمهم أننا نبحث عن الجودة لا عن العلامة التجارية

التفاخر بالعلامة التجارية هو عين الداء الذي نحاول علاجه، لذلك علّمهم أننا ندفع المال الذي نكسبه بشق الأنفس مقابل الجودة لا التفاخر المُنافي لتعاليم الدين. منذ الصغر حدثهم عن قيمة الشيء لا سعره. فالقيمة الكبرى لامتلاك سيارة هي وسيلة لتسهيل عملية التنقل، والقيمة وراء شراء حقيبة للمدرسة هي حمل مستلزمات الدراسة بغض النظر عن سعرها وعلامتها التجارية، فهذا يُخفِّف من حدة اللهث وراء المظاهر والرغبة في المزيد دون الشعور بالرضا.

6. الغاية لا الوسيلة

علّم طفلك أنه يمكنه الوصول إلى الهدف بطرق متعددة. فليس المهم أن نقوم بعمل حفل عيد ميلاد كبير يتحدث عنه الجميع للوصول للسعادة، لكن المهم هو قضاء وقت ممتع بأشياء بسيطة مع أناس يتمنون لنا السعادة، وتوفير هذا المال للعيش بكرامة لسنوات. علّمه أن أي شخص يؤسس علاقته بك على أساس ما تنفقه هو بالتأكيد شخص لا تريد الاحتفاظ بعلاقة وثيقة معه.

7. العطاء لا يكون بالمال فقط

علّمهم المعنى الحقيقي للعطاء، فلا يكفي التبرع ببعض الأموال أو المقتنيات ونحن قابعون في منطقة الراحة دون التحام حقيقي مع مجتمعنا، فإلى جانب التبرع بالمال علينا أن نعطي من كل مواردنا التي حبانا بها الله، عز وجل، وعلى رأسها وقتنا ومواهبنا.

لذلك، شجّع أبناءك على خدمة الآخرين. ساعدهم على زيارة عائلة فقيرة. اصطحبهم لقضاء يوم في ملجأ للأيتام، فهذا يساعدهم أن يستشعروا بعضاًَ مما يعانيه الآخرون… سيعود أبناؤك بنظرة مختلفة، لأنهم رأوا عالماً آخر لا يحظى فيه أقرانهم بأبسط أساسيات الحياة.

8. مارس معهم الامتنان

خلال جلسة عائلية أو أثناء تناول الطعام سوياً، يقترح المُربِي أن يذكر كل فرد من أفراد الأسرة بعض النعم التي يستشعرها اليوم، ويكرر ذلك على مدار الأسبوع كلما أمكن، فيتعلم الأطفال شكر النعم واستشعار الرضا. فآفة العصر التركيز على الأشياء التي لا نملكها وعدم الاستمتاع بالنعم التي نملكها.

9. اجعلهم يكسبون المال مقابل العمل

امنحهم بعض المهام التي تخرج عن دائرة اختصاصهم وتتجاوز المهام الأساسية لهم، وامنحهم نقوداً مقابل ذلك، فهذا يوفر لهم فرصة إدارة أموالهم الخاصة.

في البداية وجهّهم إلى الطريقة الصحيحة لإدارة أموالهم، وبعد ذلك لا تتدخل في طريقتهم في صرف هذه النقود، بل دعهم يتعلمون من أخطائهم وأظهر التعاطف فقط عند الخطأ. فحين يُدرك الأطفال قيمة إدارة الأموال، فهذا يُعد حجر الزاوية للحياة البسيطة، فيجب أن يتعلم الأطفال أن المال مسئولية لا منحة عائلية وأنهم يديرون المال ولا يملكونه.

وأخيرًا، فإن عقول أبنائنا مُحاصرة بملايين الرسائل التسويقية التي تهدف إلى إيهامهم بأن حياتهم ستبقى ناقصة ما لم تشترِ منتجًا أو خدمة معينة، كما أنهم مُحاصرون بضغوط الأصدقاء، وسطحية المحتوى الإلكتروني الذي يتلقونه. كل ذلك يمثل عوامل ضغط على الصغار تؤدي إلى قلق مُختلَق وإحساس بعدم الرضا، وسيظل هذا المنتج «الوهمي» يُهدِّد عقول أطفالنا ما لم ننتبه إلى تربية الأبناء على الرضا والقناعة وإدارة المال.

إن أعظم هدية يمكن أن تُقدمها لأبنائك، أن تُعلِّمهم كيفية مواجهة الحياة بمفردهم من خلال الحوار والتدريب والتجربة والخطأ، فيتشكَّل السلوك وفق منظومة القيم التي تؤمن بها الأسرة.