فيلم ثقافي: مهارة التعبير عن الخيبة
قبل انتشار مجتمعات السوشيال ميديا، وتضييق مساحات العالم الواسعة، كانت الأفلام تقع تحت حكم النقد النخبوي، من خلال المهرجانات العالمية والصحف والأنشطة المعنية بالثقافة السينمائية. محدودية أدوات قراءة الأفلام جعلت فرص انتشارها قليلة، ومن ناحية أخرى وضعت للسلطة يداً أكثر قدرة على توجيه مصائر السينما وأعمار الأفلام، فيلم مغضوب عليه، يمكن دفنه بسهولة، أو فيلم ينبطح لأصحاب القرار، يمكن وضعه في أفواه فئات المجتمع المختلفة مثل لقمة طيّبة.
خلال العشر سنوات الأخيرة، تكوّن من خلال انتشار وسائل التواصل الإجتماعي جمهور جديد، ومن ثم أصبح أداة ناقدة جديدة، خارج الإطار المؤسسي وخارج إطار الشكل التقليدي للسلطة، وإن كانت بداخله ممارسات سلطوية مشابهة، ولكن بصور أقل. أصبح لدينا صحافة سينمائية حرّة، يمكن لأي مشاهد جيّد، لديه قدرة على صياغة أفكاره عن الأفلام أن يعزز من أرضية النقد السينمائي وقراءة الأفلام، من ناحية أخرى، مشاركات الصور التي تحاكي تعبيرات جمالية، والمقتبسة من فيلم بعيّنه، تدفع الآخرين للسؤال عن اسم الفيلم، يتحمّس البعض ويشاهد، يعود ليكتب رأيه على صفحته الشخصية، وهكذا، أصبحت للسينما أرضية أكثر سعة، يمكن اعتبارها فعل مقاومة، بقصد أو من دون، لممارسات النقد الجامدة، الخالية من المعاصرة، التي استمرت سنوات طويلة.
صعود ثقافة «صناعة الميمز» في مصر أعاد إحياء مجموعة كبيرة من الأفلام، انتبه لها الناس أثناء محاولة البحث عن «إفّيه» خفيف الدم، أو جملة ساخرة تعبّر عن وضع معاصر سواء كان شخصيّاً أو عاماً. من بين الأفلام التي أنصفتها الميمز، فيلم «فيلم ثقافي» للمخرج محمد أمين. استعاده جمهور صنّاع محتوى الميمز، بدأ الناس في الضحك ومشاركة المحتوى، مرة بعد أخرى عاد للفيلم ليأخذ ولو جزءاً من حقّه في المشاهدة.
الأزمة أكبر من ثلاثة شباب
يبدأ فيلم ثقافي بتقديم متتابع لثلاثة من الشباب، في منتصف العشرينات، كل واحد منهم يواجه كبته الجنسي الخاص خلال مواقف متباينة، الأول، يراقب جارتهم التي تنشر الغسيل كل أحد، والثاني، يقلّب خلسة في مجلة للصور الإباحية، والثالث، محاصر بأنوثة زميلاته المتفجّرة في العمل، وحينما يواجه مديره بأن هذه المؤامرة، التي تضعه في أزمة بين قدرته ورغبته، لا بد أن تتوقف، يخبره المدير بأنه لا يستطيع الصدام مع النظام الاجتماعي طلباً لحل أزمته، وبالتالي تنطلق الشخصيات الثلاثة في علاقة قائمة على القهر.
أول عشر دقائق في الفيلم، تضع فكرته الرئيسية في مقام الذروة، وهو عموماً تقديم جريء من محمد أمين مخرج الفيلم وكاتبه. عادة، يؤمّن صنّاع الأفلام أنفسهم بترتيب سردية الفيلم بصورة تصاعدية، حتى في الحالات التي يكوّن السرد فيها غير خطيّ، يحتفظ المخرج بحدث محوري، حلقة مفقودة، تقف بين المشاهد وشعوره بالملل، أما في حالة «فيلم ثقافي»، الفكرة كلها منذ المقدمة معروضة بوضوح ومباشرة، ثلاثة شباب من الطبقة المتوسطة يعانون من قلّة فرص العيش الآمن والحصول على حياة جنسية صحيّة.
السبب الآخر الذي يجعل مقدمة فيلم ثقافي فعلاً مجازفة، هو الشعور العدائي المسبق، والتلقائي، الذي يخرج عادة عن غير وعي، من المشاهد الذي يعيش حياة مشابهة. الحديث عن طبيعة الحياة الجنسية في المجتمع المصري، خاصة حديث الطبقة المتوسطة، عادة ما يكون حديث قائم على المستتر. ممارسات محفوفة بالاختباء، سواء كانت صحيّة أم لا، سواء كانت مشروعة أم لا. حينما يشاهد أحد من الشباب نفسه وهو يشتبك مع مشكلات أبطال الفيلم، يجد نفسه واحداً منهم، يقلّب في مجلة إباحية، أو يقلّب عينه على الأخريات في الشوارع والأماكن العامة، أو أي فعل مشابه. كيف يكون رد فعل أحدهم، والفيلم يشير إلى ممارسات مستترة لديه، ويضعها في إطار واضح وصدامي؟
تبدأ مسيرة الشباب الثلاثة بتجربة جديدة، شريط فيديو لفيلم إباحي للفنّانة سلمى حايك– صدر فيلم ثقافي أول الألفينيات، كان السائد وقتها مشاهدة الأفلام الإباحية على شرائط فيديو- ومن خلال سعيهم في البحث عن مكان مناسب للمشاهدة، يشتبك الشباب كنماذج للأزمة، مع قطاع عريض من نماذج أخرى، نماذج دينية، وسلطة سياسية، وزملاء في حالة جماعية من الكبت الجنسي.
حبكة الفيلم التي تتكون بهدوء، بصورة خلفية وراء تداعي أزمة أبطال فيلم ثقافي، تبيّن أن «زتونة» الحكاية ليست في انتظار حدث مغاير، أو نقطة محورية تلوي سردية الفيلم أو تقلب تتابعها الحكائي، لكن لبّ الحكاية يتبيّن أن الأزمة ليست أزمة ثلاثة أو مجموعة أو حتى طبقة اجتماعية فقط، بل أزمة مجتمع بعينه، بما يحمله من سُلطات مختلفة وخيال ذكوري يختلق السيادة وقمع مباشر على حرية المرأة، وبالطبع، التجاهل المجحف لتحقيق عدالة اجتماعية وخلق فرص آدمية للشباب.
أثناء بحث أصحاب الشريط عن مكان مناسب للمشاهدة، يلتقي الثلاثة بأشخاص من كل شكل ومن كل لون، أحدهم مكتئب منزوٍ في بيته، وحينما يزُره الأصدقاء ومعهم مفاجأة شريط الفيلم، يخبرهم وهو منزو بجوار سريره أن ما يعيشونه كارثة، يتجاهله أصدقاؤه ويبحثون عن فرصة أخرى، في ملحق تعاوني بجوار المسجد، أو في بيت صديقهم الذي توفي أبوه منذ قليل، ومن حسن الحظ، المنزل فارغ ومناسب للمشاهدة، أو حتى مع مجموعة مجهولة لا يعرف أحدهم الآخر، يشتركون فقط في انتظار اكتمال أدوات المشاهدة، مكان مناسب، وتلفزيون، وشريط فيديو مثير.
مع كل محاولة جديدة، تكبر المجموعة التي ترغب في المشاهدة، كل شخص منهم يختلف عن الآخر، كمحاولة من الفيلم أن يغطّي أكبر قدر ممكن من القطاعات المقهورة تحت وطأة الأفلام الإباحية وقتها.
مسيرة أصحاب فيلم، ومعهم المجموعة التي تكبر مع كل محاولة فاشلة في مشاهدة أكثر من 5 دقائق من فيلم مدته الزمنية ثلاث ساعات. يضع محمد أمين هذه التجربة، بما تنطوي عليه من خصوصية كل طرف، وعمومية المجموعة كفكرة جماعية تمثّل أزمة مجتمع، حرفية محمد أمين في التعبير عن هذه الخيبة الكبرى، ليست في منعهم من حق الفرجة على فيلم إباحي، ولكن في النقد المباشر للخيال الذكوري في المجتمعات المحافظة، حيث الذكر، الطرف الأعلى قيمة، والذي يشكّل على نحو ما، طبيعة العلاقة الجنسية، لأنه السيّد، ممارسته ترتبط بالبطولة والفحولة. كل هؤلاء الشباب، ترتبط مسمّيات رجولتهم، بالنسبة للعرف الاجتماعي، بالفانتازيا الذكورية، أصبحوا فجأة طرفاً آخر، أقل قدرة وأكثر عرضة للقهر، طرف مفعول به أكثر منه طرف فاعل، يحاول أن يجد ثقب إبرة يمر منه ليحقق أهدافاً كبرى، تتعلق فقط بالقدرة على توفير مكان مناسب لمشاهدة فيلم إباحي.
أثناء فقد الثلاث شخصيات الرئيسية في الفيلم، الذين لم يذكر اسم أحد منهم إلا في مواقف جانبية وسريعة، يتم سلب مزايا «الرجولة» منهم مع سلب أحقيتهم في الحياة، ولعل هذه الإشارة إحدى الأفكار التي أسس لها المخرج محمد أمين بحرفية ومهارة حكائية فريدة، حيث تعرض الحكاية تطورات، تبدو هذه التطورات كارثية بالنسبة للشخصيات التي تقع في قلب التجربة، بينما في الحكاية جانب آخر مستتر، يعبّر عن سلب لمسمّيات كبرى تشكّل حياة هؤلاء الشباب.
سينما بديلة مبكّرة
بدأت السينما المصرية أول الألفينيات في الخروج جزئياً من نظام الإنتاج التجاري، أو بمعنى أقرب، بدأت في خلق تيار تجاري بديل للتجاري السائد الذي صعد ووضع يده على السوق السينمائي مع الانفتاح الاقتصادي في أواخر حكم الرئيس السادات واستمر تحت مسمّى «سينما المقاولات». يمكن اعتبار أن مرحلة الذروة في نشاط التيار الجديد– وهو تيّار مغاير كليّاً لسياسة الإنتاج السائدة خلال هذه الفترة- كانت مرحلة التسعينيات، أفلّام فارقة ومؤسسة للغة سينمائية جديدة، تحاكي قضايا وجودية وأزمات اجتماعية كبرى، داود عبد السيد في «الكيت كات»، رضوان الكاشف وأسامة فوزي في سينما الهوامش والتعبير عن شرائح ينساها المجتمع ولكنّها تقاوم بأحقية الظهور ونزع فرص للحياة، ومخرجون آخرون أسسوا لذلك التيار خلال العقدين السابقين لسينما التسعينيات، على اختلاف تياراتهم السينمائية، اشتركوا جميعاً في إخراج وكتابة أفلام أصبحت مرجعاً سينمائياً لمحبّي السينما ودارسيها الآن.
أواخر التسعينيات وأول الألفينيات، خلال مرحلة ركود سياسي كبير، بدأت شركات الإنتاج في السينما المصرية، استقطاب وسائل آمنة لخلق سينما تقع ما بين التجاري والجادّ، صعود نجوم جدد وسرعة في تألقهم. مع تقدير ذلك الصعود، واعتباره واحداً من أفضل مراحل إنتاج السينما الكوميدية في مصر، إلا أن هذه الأفلام تشترك جميعها في محاكاة قضايا مجتمعية آمنة أحياناً وساذجة في أحيان أخرى. محمد هنيدي مثلاً، في فيلميه «همّام في أمستردام» و«صعيدي في الجامعة الأمريكية» يقدّم سينما شديدة الخفّة، قائمة على سلاسة في العرض وتدفق في الكوميديا الخالية من افتعال الضحك، لكنها تظل من ناحية الأفكار سينما تلوي عنق طبيعة القضايا الاجتماعية المعاصرة. «همّام في أمستردام» جرعة غير واقعية، تلعب على مشاعر الطموح في الغربة وتحقيق الذات، لكنها تتجاهل مفردات الأزمات المحلّية والفوارق الكبيرة بين الرغبة والمعطيات المتاحة، وخلف الصعيدي في الجامعة، ليس هو الوافد الصعيدي أو أي وافد من الأقاليم البعيدة الذي عادة يواجه بالتعالي المديني، وهو عموماً تعال حدوثه في الحياة الواقعة أكثر تركيباً من أن ينتهي مثلما انتهت قصّة خلف.
ظهر محمد أمين في «فيلم ثقافي» صوتاً مضاداً لكل ذلك التيّار رغم أنّه جزء منه، ورغم أنه يعمل على ذات الوسائل الفاعلة التي تستخدمها سينما الكوميديا الآمنة، تغيّر بسيط وجوهري، يتفرد به محمد أمين، هو أنه بدلًا من أن ينأى بنفسه بعيداً عن مواطن الخوف الكبرى عن المجتمع، ويستبدلها بأفكار آمنة ومحفّزة، فإنه يصطدم بهذه الأفكار، ويقدمها بأكثر الطرق مباشرة وصدامية مع القلق المجتمعي الحاصل.
في فيلم ثقافي، الأشخاص الثلاثة، وبقية المجموعة التي تتكون، جميعها من قلب السياق الزمني، يقتبسهم محمد أمين بصورة مطابقة لوضعهم الحقيقي وكيفية عيشهم المأساوي للحياة، أشخاص دون مميزات، مسلوبين حتّى من الإضافات الجمالية التي تضعها عليهم فنّيات السينما، تواجه كل شخصية منهم أزمتها الفردية، التي تشتبك مع الأزمات الأخرى، وتظهر على امتداد الفيلم مثلما نعاصرها في الحياة الواقعة، بل وبصورة أكثر قسوة ووضوحاً من واقعها المستتر.
يلتزم محمد أمين بصدامه المباشر مع طبقته المعنّية في الفيلم، حتى في اختياره الممثلين، مجموعة صاعدة، بعضهم لديه تجارب ثانوية سابقة وبعضهم يخوض تجربته الأولى في التمثيل، أثّر الفيلم في مسيرة ممثليه الأساسيين وخلق لهم أرضاً خصبة فيما بعد، الآن يوجد للممثلين فتحي عبد الوهاب وأحمد رزق وأحمد عيد مسيرة جيّدة فنياً في التمثيل، على الأقل، أفضل من مسيرة ممثلي الصف الأول، أصحاب فيلم لكل عام، ومسلسل لكل موسم رمضانيّ منذ عدة سنوات.
على امتداد الفيلم، يصعب الوقوف في منتصف الثانية الخامسة من الدقيقة العشرين لالتقاط كادر عبقريّ ، أو تتبّع التطور النفسي وتزاحم الأزمات الوجودية للأبطال فيجلس أحدهم يشرب سيجارة أو «يبحلق» في السقف أو يفكّر في إلقاء نفسه من النافذة. الفيلم يرفض مسبقاً كل هذه القياسات التي تكوّنت كأدوات مقدّسة لإدراك عبقرية المخرج والممثلين.
يقوم الفيلم على تصوير غارق في التقليدية، كاميرا تتحرك وتتابع مجموعة من الشباب ليس أكثر، القضية المعروضة أكبر من أن تتطوع إلى لغة جمالية، لأنها لا تنطوي على أي جميل، هي تنطوي على قسوة وهمّ كبيرين وأزمات عمومية تهدد قطاعاً كاملاً من المجتمع في قدرته على العيش، ربما في مثل هذه الأشياء الكبرى، يجب لكل الجماليات أن تتراجع، ويجب للصورة الحقيقية أن تبدو، السينما بشكل ما، أيضاً، ممارسة فنّية تبحث عن الحقيقة.
تبيّن الأفلام التابعة لـ«فيلم ثقافي»، قدرة محمد أمين على مواكبة طبائع السينما التجارية. كتب محمد أمين أفلاماً أخرى مثل «أفريكانو» و«جاءنا البيان التالي»، أفلام ذات جماهيرية وشعبية واسعة، لذلك فإن اختيار طبيعة تقديم «فيلم ثقافي»، جاءت عن قدرة على التخلّي عن الأدوات السائدة، وليست عن استجداء ذليل لسينما بديلة، تعرض موضوعات محظورة لأجل لفت الانتباه. على جهة أخرى، طبيعة العرض «التقليلي» التي قدمها صاحب «فيلم ثقافي»، لا تلغي قدرته على إخراج أفلام أخرى لديها جماليتها الخالصة. في عام 2010 ظهر للمخرج محمد أمين فيلم «بنتين من مصر»، تجربة سينمائية رائدة في استعادة واقعية السينما المصرية في الثمانينيات، فيلم لديه لغته السينمائية الخاصة، يعبّر عن قدرة أمين الاستثنائية على تبنّي تيمات إخراجية ثم التخلّص منها، يتعلق الأمر عنده بطبيعة الفكرة، والطريقة الأفضل لتقديمها، ولا يتعلّق بمحاولات فرد عضلات القدرة التقنية وحشر الفيلم بالجماليات دون إضافة للفكرة.
برايز: كيف تسخر من نظام كامل بموتوسيكل وخوذة وجملة واحدة؟
من بين شخصيات «فيلم ثقافي» العديدة، تنفرد شخصية «برايز» باعتبارها شخصية أيقونية. طبيعة كتابة «فيلم ثقافي»، تبيّن القدرة على مراوغة محظورات السلطة السياسية والدينية والكود الأخلاقي عند المجتمع. تظهر في الفيلم على لسان الشخصيات، من وقت لآخر، جملة عابرة، تضيء في رأس المشاهد، لأنها تعبّر عن طبيعة الأزمة المتناولة بسلاسة ومهارة.
مفردة المهارة في التعاملات اليومية عند المجتمع المصري، يمكن تعريفها على أنّها قدرة الفرد في حبس دمّ الطرف الآخر بطريقة غير مباشرة، نظرة ماكرة أو جملة عابرة «من تحت لتحت» مثل سهم يتقن الهدف، ولا يستطيع أحد أن يلوم المتكلم، لأنه على المكشوف، لم يشتبك مع أي شيء بصورة واضحة.
المهارة في سياقها الشعبي، أساس خطاب محمد أمين في فيلم ثقافي. في مشهد ساخر، حينما تلجأ المجموعة الكبيرة إلى مشاهدة الفيلم في حظيرة الحمير والبهائم، يتشرط صاحب الحظيرة أن ينتظر الجميع حتى تنتهي الحمير من حقّها في النشاط الجنسي، لأنها مخلوقات لديها الحق في مثل هذه البديهيات، حينما تعترض المجموعة باعتبار أن هناك مخلوقات أخرى، لا تملك مثل هذه الحقوق، يقول صاحب الحظيرة «تبقى دي لا مؤخذة مخلوقات أقلّ».
أمّا عن برايز، فإنه شخصية مبنية بإتقان أدبي مدهش، ولذلك يتذكر الجميع برايز، لدى الشخصية حضور مركزي في المساحة الساخرة لوسائل التواصل الاجتماعي، من شاهد الفيلم ومن لم يشاهده، لأنّه في الفيلم نموذج للشخصية «اللى بتجيب من الآخر». منذ أول الفيلم، برايز هو الحل الأمثل للمجموعة، هو زعيم نشاط الأفلام الثقافية عند الشباب، أو مثلما تقول إحدى الشخصيات «تعرف محمود الجوهري؟ أهو برايز في الثقافي زي الجوهري في الكورة».
طوال الفيلم ينتظر الجميع ظهور برايز، الأبطال وبقية المجموعة والمشاهدون، وحينما يظهر الأخير، يتجلى حضوره في صورة أسطورية شعبية، الشخص المنقذ الذي يظهر عند ذروة الأزمة، لأنه يملك الحل، لكنّ قيمته لا تناسب الحلول العابرة، ظهوره يليق بمقامه، ولذلك يظهر حينما تنتهي كل الحلول المتاحة.
موتوسيكل وخوذة ودخلة مثل أبطال المصارعة الحرة، هكذا يظهر برايز في آخر الفيلم، بعد ما تم تأسيس حضوره من خلال غيابه، لينظر إلى سيستم الفيديو والتلفزيون والشريط، بينما المجموعة تنتظر. كل سخرية الفيلم تتراجع لأجل جملة برايز الأخيرة، لأن الأمر مهما بلغت سخريته، يظل أزمة مريرة، يصعب التعبير عنها دون وضعها ككارثة كبرى.
كان برايز يقصد، مثلما يقصد محمد أمين، أن العيب- طبعاً- في نظام تشغيل الفيديو!