خمسون عامًا على الثورة التشيلية: كيف هُزمت؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
بمناسبة مرور 50 عامًا على الانقلاب العسكري الدامي في التشيلي على يد بينوشيه، نعيد نشر هذا المقال المهم عن تلك الأحداث التي أنهت تجربة ديمقراطية اشتراكية فريدة في قارة أمريكا الجنوبية (1970-1973). قبل 50 عامًا، في 11 سبتمبر 1973، حدث انقلاب عسكري بقيادة الجنرال أوغستو بينوشيه، حيث انقلب على حكومة الاشتراكي سلفادور ألليندي.
إنه أوقف أيضًا مجرى الثورة التشيلية وأدخلها في ديكتاتورية عنيفة لمدة عقدين من الزمن. حتى الآن، لم تتعافَ الطبقة العاملة التشيلية من هزيمة ثورتها. في ذلك الوقت، كان شيوعيو العالم متفائلين للغاية، وكانت قياداتهم تتحدث عن «الطريق التشيلي إلى الاشتراكية»، ويعتبرونه عملية فريدة من نوعها، ولا يمكن أن تتأثر بدروس الماضي. ولكن منذ 1971، حضرت أخطاء القيادة الأرضية لانقلاب عسكري. وفي يوم 21 سبتمبر 1971، كتب رفيقنا آلان وودز مقالًا يقول فيه: «تشيلي: الكارثة القادمة».
في هذا المقال، كان الرفيق يتنبأ بهزيمة الثورة. الحركة العملية التشيلية: منذ بداية القرن العشرين، كانت الرأسمالية مهيمنة في التشيلي. فأرضها المليئة بالمواد الخام خصبة وواسعة، وتطور الصناعة البحرية أيضًا جعلتها بلدًا غنيًّا. كانت البورجوازية التشيلية وملاك الأراضي متحدين عن طريق شبكات مصالح اقتصادية وعائلية، ويشكلون كتلة واحدة رجعية، خاضعة للإمبريالية.
أيضًا، لم تستطع تلك البورجوازية إتمام «الثورة البورجوازية الديمقراطية» عن طريق الإصلاح الزراعي حيث نجد أن التشيلي مكون بمئات الآلاف من الفلاحين بلا أرض يعملون عند أقلية من الملاك الزراعيين، وعن طريق الاستقلال الوطني ومحاربة الهيمنة الإمبريالية (الإنجليزية أولًا والأمريكية ثانيًا).
فمثلًا، تتحكم الإمبريالية في صناعة النحاس، العمود الفقري للاقتصاد التشيلي. بالتالي، لم تستطع الطبقة الرأسمالية التشيلية أن تلعب أي دور تقدمي. كان الدور على طبقة أخرى – الطبقة العاملة – لتطوير المجتمع. فقبل ثورة 1970 – 1973، كانت الطبقة العاملة التشيلية تلعب دورًا مهمًّا في الحياة الاقتصادية والسياسية، فهي كانت مستقلة عن البورجوازية وتناضل ضدها، وتكسب تنازلات عبر هذا النضال. إن تاريخ الطبقة العاملة التشيلية غني ومثير.
فلننظر إلى صعود حزبين كبيرين للطبقة العاملة التشيلية على سبيل المثال، أولهما هو الحزب العمالي الاشتراكي التشيلي (الذي تأسس عام 1912 وانضم عام 1922 إلى الأممية الثالثة التي كونها لينين وتروتسكي عام 1919) الذي أصبح الحزب الشيوعي التشيلي، والذي تدهور في النصف الثاني من العشرينيات، بسبب الانحطاط الستاليني داخل الأممية الشيوعية. بسبب هذا التدهور البيروقراطي، دافع الحزب عن الخط السياسي العبثي المسمى بـ «الفترة الثالثة» أو نظرية «الفاشية-الاشتراكية» التي كانت تصف أي اتجاه سياسي داخل الحركة العمالية – باستثناء الشيوعيين – بـ «الفاشية».
لكن في عام ١٩٣٣ تكون الحزب الاشتراكي على أرضية برنامجية ونظرية راديكالية جدًّا، وكان ذلك رد فعل على انحطاط الحزب الشيوعي التشيلي وبسبب راديكالية الجماهير المضرورين بأزمة 1929. لكن في 1938، تحت السياسة الستالينية المسماة بـ «الجبهات الشعبية»، تحالف الحزب الاشتراكي مع الحزب الراديكالي (وهو حزب بورجوازي)، ومع تنازلات في برنامج الحزب وبسبب ضغوط «حلفائه»، تم إفراغ الحزب من كل العناصر المناهضة للرأسمالية التشيلية.
الحزب الديمقراطي المسيحي
كان للاستثمارات الأجنبية في تشيلي نتيجة إيجابية واحدة على الأقل، وهي أنها طورت القوات الإنتاجية مما أدى إلى تضخم حجم وقوة الطبقة العاملة. وفي بداية الستينيات، كانت هي القوة المهيمنة في البلد حيث إن 70% من القوة العاملة كانت تعمل بأجر. في نفس الوقت، ازداد الصراع الطبقي قوة.
في عام 1964، فقد اليمين التقليدي التشيلي مصداقيته حيث أثبت أنه لا يستطيع تطوير التشيلي وانتزاع حريته من الهيمنة الإمبريالية. لذلك اتجه الرأسماليون والإمبرياليون إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، وهو حزب برجوازي يستخدم ديماغوجية «اجتماعية». كان ذلك الحزب هو الملاذ الأخير للطبقة الحاكمة أمام اليسار وكان رئيسه، إدواردو فراي، مسنود من الولايات المتحدة وكل اليمين السياسي ضد المرشح المشترك للحزب الشيوعي التشيلي والحزب الاشتراكي: سلفادور ألليندي.
انتصر فراي في الانتخابات، وذلك باستخدام خطاب يساري جدًّا، وبدأ إصلاحًا زراعيًّا محدودًا للغاية وأخذ بعض القرارت السطحية لتأميم قطاع النحاس، وذلك بدون ضرر بالغ للمصالح الأمريكية. في نفس الوقت، لم يلبِّ أي مطلب للطبقة العاملة التشيلية، وكانت الانتفاضات العمالية مقموعة، ولكن هذا لم يؤثر في الصراع الطبقي الذي ازداد قوة.
فقد حزب إدواردو فراي مصداقيته بسرعة، مما أدى إلى انتصار الاتحاد الشعبي في انتخابات عام 1970، الذي كان على رأسه سلفادور ألليندي.
الاتحاد الشعبي
انتصر الاتحاد الشعبي، وهو تحالف بين الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي التشيلي وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى – ومنها الحزب الراديكالي – في انتخابات 4 سبتمبر 1974، ولكن بتقدم صغير لم يسمح لألليندي بالحصول على الأغلبية في الكونغرس.
من الناحية الأخرى حصد اليمين – رغم انقسامه – ومعه الحزب الديمقراطي المسيحي، أكثر من 58% من الأصوات. بسبب موقفه القوي، طلب اليمين من ألليندي أن يقبل بعض الشروط حتى يكون حكومة. وكانت تلك الشروط هي إبرام «صفقة للضمانات الدستورية» التي تمنع تكوين ميليشيات عمالية، وتمنع تعيين أعضاء القوات المسلحة من خارج الأكاديميات العسكرية، وتمنع أيضًا أي تغيير داخل القيادة العسكرية بدون إذن الكونجرس. بطريقة أخرى، تلك الصفقة تقول إن الدولة: «تلك المجموعة من الرجال المسلحين المدافعين عن الملكية الخاصة» (ماركس) تبقى تحت سيطرة البورجوازية.
تعتبر الموافقة على تلك الصفقة المجهزة من قبل اليمين التشيلي خطأً كبيرًا وقع فيه ألليندي ورفاقه. فالدولة ليست فوق الطبقات وليست نزيهة، هي أداة هيمنة في يد الطبقة الحاكمة.
يثبت إمضاء هذه الصفقة «الغباء البرلماني» لدى قيادة الاتحاد الشعبي، حيث خسروا وقتًا مهمًّا في النقاش والجدال مع نواب اليمين من أجل إقناعهم بدستورية الإجراءات الحكومية، في حين أن نفس هؤلاء النواب كانوا يحضرون – خارج الكونجرس – الانقلاب العنيف ضد الحكومة وسحق الثورة بالدم. ها هو «الطريق التشيلي للاشتراكية»، و لكنه في الحقيقة الطريق إلى الهاوية.
علاوة على ذلك، كانت قيادة الحزب الشيوعي التشيلي مقتنعة بنظرية خطأ؛ وهي نظرية «المرحلتين» (الديمقراطية أولًا، ثم الاشتراكية، يومًا ما …). لذلك، كانوا أكثر المؤيدين تشددًا لـ «احترام الشرعية الدستورية». على سبيل المثال، مدح السكرتير العام للحزب الشيوعي لويس كورفالان «الجناح التقدمي للبرجوازية» (غير الموجود في الواقع) و«التقاليد الديمقراطية للجيش التشيلي» (الوهمية)، وذلك من أجل إقناع الجماهير الثائرة باستحالة انقلاب عسكري. كان البحث عن الشرعية البرلمانية خطأً كبيرًا يكبل يد الطبقات العاملة في وجه البرجوازية التشيلية.
سوف يكرر ألليندي ذلك الخطأ في مرات عديدة، حيث كان يتعثر في مناورات برلمانية مع الحزب الديمقراطي المسيحي بدلًا من أخذ إجراءات تعطي السلطة للعمال. ففي الحقيقة، انتخابات سبتمبر ١٩٧٠ كانت انعكاس علاقات القوة بين الطبقات، حيث إن ٧٥ % من السكان يعملون بأجر، وبعض العاملين قد أيدوا بحماس شديد ألليندي، والبعض الآخر، الذي انتخب في الأول الحزب الديمقراطي المسيحي، انتخب الاتحاد الشعبي في الانتخابات المحلية عام ١٩٧١ (حيث ذهب ٥١% من الأصوات للاتحاد الشعبي).
من المؤكد أن إجراءات أكثر راديكالية ضد البورجوازية كانت سوف تحشد بشكل أوسع الطبقة العاملة.
إنجازات حكومة «الاتحاد الشعبي»
أعلنت الحملة الانتخابية لألليندي 40 إجراءً كبيرًا هدفها هو تحقيق إصلاحات عميقة. بدأت بتأميم صناعة النسيج الكبيرة. وبعد ذلك، خصوصًا بعد الانتخابات المحلية عام 1971، ازدادت الإصلاحات قوة وسرعة تحت ضغط الجماهير حيث تم تأميم النحاس (80% من تصدير البلد) ومناجم الفحم والنترات، وأيضًا الاتصالات. تم تحديد حد أقصى لا يسمح بتجاوزه لأسعار الإيجار والمواد الأساسية، وزادت الرواتب من 40% إلى 60%.
أيضًا وبعد تردد، اتسع الإصلاح الزراعي، وذلك خصوصًا بعد استيلاء المجالس الفلاحية على الأراضي وصادرت الملكيات الزراعية (latifundia) من أيدي الملاك. ولكن قيادات الاتحاد الشعبي لا تثق في التنظيمات الفلاحية، ويتهمونها بأنها مسيرة من قبل مجموعات «يسارية متطرفة وطفولية». لذلك، أبطأت الحكومة تكوين تلك «المجالس الفلاحية»، التي كانت من الممكن أن تغير تنظيم الإنتاج. إن إعادة تنظيم الإنتاج بطريقة قانونية، أي عن طريق الكونجرس، مستحيلة. ورغم ذلك، في عام 1972، استطاعت الحكومة أن تضع حدًّا لنظام الـ (latifundi) في عام 1972 (نظام قائم على ملكية زراعية كبيرة جدًّا تمارس فيها زراعة سيئة على نطاق واسع. يمكن تعريف البنية الزراعية لللاتيفونديوم على أنها تحالف بين الملكية الكبيرة والإنتاج الزراعي الضعيف، حيث يعمل بها عمال المياومية الفقراء أو المزارعين).
كان حماس الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء فوق المتصور، وكان هذا واضح مع زيادة عدد أجهزة السلطة العمالية في المصانع والأحياء العمالية كما في مجالس إدارة الشركة، والجمعيات الشعبية، والكوماندوز في البلديات، ومجاميع تنظيم التموين … إلخ. وصل هذا الحماس للقاعدة المناضلة الوسطية التي انقسمت بسبب سؤال: مع أو ضد الثورة؟
في عام 1971، كانت كل الظروف موجودة في المجتمع التشيلي من أجل تغيير عميق داخل المجتمع، حيث كونت القيادات الاشتراكية والشيوعية الحكومة الشرعية للبلاد، وكانت حاصلة على تأييد القاعدة داخل الجيش. كان الإعلان باستفتاء لتغيير الدستور سوف يمرر الانتقال «السلمي» المرغوب للغاية من قبل الاتحاد الشعبي، ولكن بسبب ثقته العمياء في عدوه الطبقي، تركت قيادته أدوات جهاز الدولة في يد البورجوازية.
إذن، ما تكون هو وضع سلطة مزدوجة داخل التشيلي. فمن ناحية، نرى الدولة تحت يد الرأسماليين، الذين كانوا يخربون الاقتصاد، وينظمون الندرة والنقص، ويحمون مصالحهم الطبقية ويقمعون «تطرف» الجماهير. ولكن، من ناحية أخرى نرى أجهزة السلطة الشعبية تزداد في المصانع، والأحياء، والأرياف حيث كانوا يكونون «كوردونات صناعية» و«لجانًا للتموين ولمراقبة الأسعار» لمكافحة الندرة والسوق السوداء … إلخ.
كانت تحتاج الثورة الاشتراكية إلى تطوير وتسليح تلك الأجهزة الديمقراطية، وجعلها تنسق بينهم على المستوى المحلي والوطني وتنقل بشكل فعال السلطة بين أيديهم. لكن هذا ما رفضته قيادة الاتحاد الشعبي – وخصوصًا قيادة الحزب الشيوعي – مما أدى إلى الثورة المضادة.
الثورة المضادة
منذ 1971، تنظم الثورة المضادة نفسها وتحضر نفسها للهجوم. لقد بدأت بالتخريب داخل البرلمان. فبفضل الأغلبية البسيطة اليمينية داخل الكونجرس، استطاعت إقالة مسئولين كبيرين وسبعة وزراء في حكومة ألليندي، وذلك في خلال ثلاثة أشهر تقريبًا.
ثم، حضرت البورجوازية تخريب الاقتصاد الوطني، حيث نظمت الندرة والسوق السوداء، ونظمت أيضًا مظاهرات مثل «مسيرة المقالي الخاوية». من الناحية الأخرى، شن الإعلام (الذي كان ما زال تحت سيطرة الرأسماليين) حملات تتهم ألليندي بأنه مسئول عن الفوضى العارمة.
أيضًا، كان هناك مجموعات مسلحة تنظم هجمات إرهابية وترهب الناس في الشوارع. أيضًا كان هناك في الأرياف ازدياد للعنف وتم اغتيال مناضلين فلاحين.
أما في أكتوبر 1972، حدث إضراب في قطاع النقل، ممول من قبل الولايات المتحدة، التي نظمت أيضًا حصارًا ضد التشيلي لمدة ثلاثة أسابيع، وكاد أن يودي بالبلد إلى الحرب الأهلية.
في مارس 1973، أصبح الاتحاد الشعبي أكثر قوة عبر الانتخابات البرلمانية، حيث حصل على 43.3% من الأصوات. اتهم جزء من المعارضة “الاتحاد” بأنه زور الانتخابات، وبدأ يحشد في الشارع.
في هذا الوضع، نادت حركة العمل الشعبي الوحدوية وحركة اليسار الثوري (وهما حزبان داخل الاتحاد) وجزء من الحزب الاشتراكي بتعميق الثورة وتكوين جمعية ثورية بديلة للكونجرس. وخلال خطاب لألليندي في الاستاد الوطني، هاتفت قاعدة الاتحاد المناضلة: «كفى مصالحات، حان الوقت للنضال!» ولكن بدون جدوى.
أيضًا، نظمت الثورة المضادة ومولت إضرابات في منجم «التينيانت»، مما أدى إلى مظاهرة ضخمة في نصف شهر يونيو 1973.
في يوم 29 يونيو، حدثت محاولة انقلاب على يد الفوج المدرع الثاني للجيش، الذي هاجم القصر الرئاسي لامونيدا، ولكن فشلت المحاولة بعد حشد الجماهير، وبسبب دعم قليل – آنذاك – من الجيش. احتشدت الجماهير أمام القصر الرئاسي، مطالبين بأسلحة للدفاع عن النفس. ولكن رفضت الحكومة مرة أخرى، وطلب الرئيس من العمال أن يعودوا إلى العمل. طمأن رد الفعل هذا وعزز الثورة المضادة.
في أغسطس، نظم أرباب العمل في قطاع النقل إضرابًا آخر، وبدأت البورجوازية الصغيرة تميل نحو اليمين، وانتشرت مظاهرات تحت جناح التنظيم الفاشي «وطن وحرية». في يوم 23 أغسطس، عيَّن ألليندي بينوشيه على رأس الجيش تحت ضغط اليمين، وأدخل عضوين للقوات المسلحة في الحكومة. نُظمت مظاهرة ضخمة يوم 4 سبتمبر، في الذكرى السنوية لصعود الاتحاد الشعبي للسلطة، وجمعت 80 ألف شخص في سانتياجو. مرة أخرى، طلب العاملون من الحكومة أسلحة.
يوم 9 سبتمبر، نادى الأمين العام للحزب الاشتراكي، كارلوس ألتاميرانو، للمواجهة، وطلب إعطاء أسلحة للشعب. لكن رد ألليندي عليه أنه سوف ينظم استفتاءً. إن ميزان القوى، الذي كان لا يزال في صالح الثورة إلى حد كبير، كان سيسمح بلا شك للاتحاد الشعبي باعتماد الاستفتاء. لذلك، ضربت الطبقة الحاكمة بعد يومين، يوم 11 سبتمبر 1973، عن طريق انقلاب عسكري استخدم فيه عنف غير مسبوق في أمريكا اللاتينية.
ديكتاتورية بينوشيه
استولى الجنرال بينوشيه على السلطة، وحل البرلمان وبدأ في مطاردة كل النشطاء اليساريين، حيث تم حبسهم وتعذيبهم وقتلهم. إن عنف القمع يضاهي قوة الحركة العمالية التشيلية.
لقد أدى الانقلاب العسكري إلى نظام بونابرتي، حيث إنه يشبه النظام الفاشي في بعض النواحي، لأننا نجد اعتقالات وإعدامات جماعية ومعسكرات اعتقالات … ولكن في الحقيقة، نظام بينوشيه ليس لديه القاعدة الاجتماعية للفاشية، حيث يعتمد خصوصًا على قوة الدولة القمعية. ولهذا السبب، سرعان ما تغلب عليه عدم الاستقرار المزمن الذي أدى إلى الإطاحة به في نهاية الثمانينيات.
صُدم نظام بينوشيه بالأزمة الاقتصادية بين 1974 و1976، فأنقذته الإمبريالية العالمية (صندوق النقد والبنك الدولي … إلخ) وأعطته قروضًا كبيرة. وفي المقابل، كان على بينوشيه أن يطبق برنامجًا تقشفيًّا جعل من التشيلي «معمل النيوليبرالية» – بحسب تعبير – دُمر فيه الاقتصاد الوطني وخصوصًا الطبقة العاملة التشيلية التي عانت من الجوع والفقر والبطالة. شهدت الكثير من الكوادر العمالية التي عملت في الخفاء على الإهانة والمذلة للشعب التشيلي في تلك الفترة.
الدروس المستفادة
أثرت الثورة التشيلية في تاريخ أمريكا اللاتينية، وأثرت على الحركة العمالية العالمية. لقد أعطينا بعض العناصر التي توضح أن أخطاء القيادات الشيوعية والاشتراكية أدت إلى الكارثة. أعطت الثورة التشيلية لنا درسًا مهمًّا، وهو أهمية «العامل الذاتي» (الحزب الثوري وقيادته) في الثورة.
كان على حكومة الاتحاد الشعبي (وكان في مقدرتها) مصادرة المجموعات الرأسمالية الكبيرة، وتنظيم وتخطيط الاقتصاد وإعطاء سلطة الدولة ليد العاملين والفلاحين. ولكن، رغم تأميم قطاعات مهمة في الاقتصاد، تم تكوين «اقتصاد مختلط»، أعطى الفرصة للثورة المضادة أنها تدمر الاقتصاد التشيلي.
وكما نرى في العنوان الفرعي للفيلم الوثائقي العظيم الذي قدمه باتريسيو غوزمان، «معركة التشيلي»، كانت الثورة التشيلية «نضال شعب بلا سلاح». فتلك الأسلحة كانت ما زالت في يد البورجوازية. فلنتعرف على كيفية تحليل هذه الهزيمة وأسبابها من أجل الاستعداد للانتصارات المقبلة.