فيرمينو: اللاعب الذي حملته أسنانه البيضاء إلى ليفربول
لا تخلو أبدًا كرة القدم من المفاجآت.. هذه واحدة من الأمور التي أثبتها تاريخ اللعبة. فمهما تخيلت أنك شهدت ما يكفي من الأفكار التكتيكية المختلفة، واستمتعت بأكثر المهارات الاستثنائية التي أبدع اللاعبون في ابتكارها، وتعرفت على أغرب القصص التي تدور حول المستديرة داخل وخارج الملعب، فإن كرة القدم ستفاجئك لاحقًا بما هو جديد!
علمتنا الكرة أن كل الاحتمالات مفتوحة.. قد يفوز في النهاية من يتأخر بثلاثة أهداف بنهائي التشامبيونزليج، وقد يأتي من بعد «مارادونا وبيليه» من يحير الكرة الأرضية، وقد يتحول مترجم بلا خبرة كروية تذكر إلى مدرب يصنع إنجازات كبيرة.
واليوم نسرد تفاصيل واحدة من أغرب قصص لاعبي كرة القدم في الوقت الراهن. الواقعة التي نحن بصددها تخص البرازيلي «روبيرتو فيرمينو»، أحد أضلاع فرقة «يورجن كلوب» التي تعزف موسيقى الميتال في شمال غربي إنجلترا، فلـ«روبيرتو» قصة مختلفة تمامًا عن أدائه المتميز هذا الموسم مع ليفربول، قصة لم تبدأ أبدًا في إنجلترا، ولا بألمانيا حيث لعب لنادي هوفنهايم، بل بدأت في موطنه البرازيل، وكان لها أثر كبير في مسيرته الاحترافية التي أخذت بالصعود عندما التقطته أعين طبيب أسنان وليس مدربًا!
في حواري ماسايو
تقول صحيفة ديلي ميل الإنجليزية إن مدينة ماسايو، التي تقع في الشمال الشرقي لجمهورية البرازيل، كانت تصنف ضمن أخطر 10 مدن بالعالم خلال سنة 2015. فبالرغم من أن ماسايو تطل علي شاطئ المحيط الأطلسي الساحر، فإن معدلات الجريمة كانت مرتفعة للغاية بتلك المدينة الساحلية، والسبب في ذلك يعود إلى فقر الأغلبية الكاسحة من سكان ماسايو، من بين هؤلاء كان روبيرتو فيرمينو الذي ولد بالمدينة عام 1991 لأسرة متواضعة وبسيطة للغاية. «فيرمينو» الذي يقول إنه نشأ في بيئة فقيرة تفتقد مقومات الحياة الأساسية، وأنه كان معرضًا في أي لحظة للانجراف نحو الممارسات الإجرامية، لولا شغفه بلعب الكرة في حواري ماسايو. كان روبيرتو واثقًا أنه سيحصل على فرصة لاحتراف كرة القدم، والنجاة بأسرته من محيطه القاسي، لكن بقت الأزمة في بنيته الجسمانية الضئيلة التي حرمته من اهتمام مدربي الفرق المحلية؛ كان بحاجة في تلك اللحظة إلى من يؤمن بإمكانياته وقدرته على التطور.
لماذا تبدو أسنانه ناصعة البياض؟
تحت هذا العنوان، تسأل الموقع الجماهيري لليفربول EmpireOfTheKop عن السر وراء اهتمام فيرمينو الملفت بأسنانه. انتظر الموقع أن يجيب القراء حتى كشف لهم الأمر برمته. فأثناء مشاركات الصغير روبيرتو بمباريات الهواة في الشوارع ومراكز التدريب، أُعجِب بأدائه ومهارته طبيب أسنان كان يعمل بالقرب من إقامة فيرمينو، يُدعى ذلك الطبيب الذي سوف يغير حياة الصغير: «ماركيلوس بورتيلا». توجه بورتيلا لسؤال روبيرتو في أي ناد يلعب، ليفاجأ بأن الأخير لم ينتظم بعد في صفوف أي فريق، وهو الأمر الذي أثار دهشة الطبيب الذي آمن بمهارات الصغير البرازيلي سريعًا، عندها فكر بورتيلا بعض الوقت، ثم عاد من جديد إلى فيرمينو وعرض عليه التعاون معًا! كان التعاون يتلخص في أن يستمر روبيرتو بالتدريب، والاعتناء بشكل أفضل بحالته البدنية، فيما سيسعى بورتيلا لأن يجد له فرصة جيدة للانضمام لأحد الأندية البرازيلية، وافق على الفور روبيرتو الذي كان متعجبًا من اهتمام وثقة بورتيلا فيه؛ ومن تلك اللحظة بدأ يخطو خطواته الأولى بمشواره الاحترافي رفقة صديقه الجديد ووكيل أعماله المستقبلي «ماركيلوس بورتيلا». علي الجانب الآخر، كان طبيب الأسنان يخوض مغامرة غريبة، ودون أي خبرة إدارية أو رياضية سابقة، ما دفعه فقط بالمضي في هذا الطريق هو قناعته بما يمتلك روبيرتو من إمكانيات، إذ يقول: «عندما كنت أخبر أحدهم أن فيرمينو سيصبح يومًا ما لاعبًا كبيرًا يمثل منتخب بلادنا، كانوا يخبرونني بأني موهوم، وأضيّع وقتي مع لاعب هاو ضئيل الحجم»؛ أراد «بورتيلا» أن يثبت لهم أنه كان على حق.
من الإخفاق إلى الاحتراف
بالفعل نجح بورتيلا في توفير أول فرصة حقيقية لـروبيرتو، فقد قام الطبيب بإدراج اسم الصغير باختبارات شباب ناد برازيلي كبير بحجم ساو باولو. استعد فيرمينو قبيل الاختبارات، وحاول الحد من نقاط ضعفه، وذهب في الموعد إلى مقر النادي.خلال الاختبارات، فوجئ روبيرتو أن كرة القدم الحقيقية تختلف كثيرًا عن نمط الاستعراض الذي اعتاد عليه بمباريات الهواة، فلم يظهر سوى بشكل سيئ، حيث برزت معاناته بالالتحامات البدنية، وفشل في الحصول على الكرة أغلب الوقت؛ أخفق فيرمينو في اختباره الأول، وخرج من ساو باولو دون أن يعيره أحد أي اهتمام. غير أن ذلك لم يزد فيرمينو وصديقه بورتيلا إلا كل إصرار، فلم يتمكن اليأس من حماسة الصغير وشغفه بالكرة أبدًا، بل بدأ الاستعداد من جديد فور أن أخبره رفيق رحلته بأنه سيبذل جهده لإيجاد فرصة اختبار ثانية بأحد الأندية الأخرى. صدق بورتيلا في وعده؛ فلم يمر وقت يذكر حتى أخبر روبيرتو أنه على موعد للاختبار بنادي فيجورينسي، كان المراهق البرازيلي يدرك جيدًا أن عليه التركيز بشدة لأجل الظهور بأفضل صورة، وكان طبيب الأسنان يؤمن بأن لاعبه لن يخيب ظنه هذا المرة. خلال الأسبوع الأول من اختبارات فيجورينسي، نجح روبيرتو في لفت انتباه المدربين، فكان له أن يحصل على عقد انضمام بصفوف الفريق المحلي.لعب فيرمينو لمدة موسم كامل بفريق الشباب، قبل أن يتم تصعيده موسم 2009/2010 إلى الفريق الأول وهو ابن الثامنة عشرة، حيث تم توظيف اللاعب الشاب بمركز لاعب الوسط الارتكاز نظرًا لقدرته على التحكم بالكرة، وتمكنه من مهارة التسليم والاستلام بدقة كبيرة، كما تميز برؤية جيدة للملعب، وبقدرة في استخلاص الكرة من الخصوم.خلال موسمه الاحترافي الأول، استطاع روبيرتو اكتساب ثقة مدربه، كما لفت انتباه كشّافي الفرق الأوروبية المنتشرين بأمريكا اللاتينية لمتابعة أدائه، وبدأت تنهال على وكيله بورتيلا الاتصالات والعروض في سبيل الوقوف على موقف فيرمينو وناديه من الاحتراف بالخارج. من بين هؤلاء المهتمين باللاعب البرازيلي، كان كشّافو نادي هوفنهايم الألماني صاحب السمعة الطيبة في الاستعانة باللاعبين الشبّان، حيث نجحوا بالفعل في فتح خطوط اتصال مع ناديه، بينما رحب بورتيلا بانتقال لاعبه للدوري الألماني، حيث مناخ من الجدية والاحتراف والتنوع التكتيكي سيُثقل من موهبة روبيرتو.في الأول من يناير عام 2011، حصل نادي هوفنهايم على خدمات صاحب العشرين عام نظير أربعة ملايين يورو، ليبدأ فيرمينيو فصلًا جديدًا من حياته مع وكيله بورتيلا الذي لم ينسَ أن يجري للاعبه تركيب تقويم لأسنانه قبل السفر إلى ألمانيا.
تحققت النبوءة
في ألمانيا، تكيّف روبيرتو على أجواء الاحتراف. فبعد أن نال بعض العقوبات نتيجة لعدم التزامه بمواعيد التدريبات أو بالتعليمات الموكلة إليه، أصبح فيرمينو عنصرًا مهمًا بتشكيل هوفنهايم يعتمد عليه المدربين، كما تحوّل للاعب أكثر شمولية بعد أن لعب بأكثر من مركز.تقول الأرقام إنه بنهاية موسم 2013/2014، كان فيرمينو قد شارك مع هوفنهايم بـ66 ظهورًا، نجح خلالها بالمساهمة في 45 هدفًا بين التسجيل والصناعة، لذلك فقد حظي اللاعب الشاب بأول استدعاء لتمثيل منتخب السامبا ضمن مجموعة جديدة بعد انتكاسة مونديال 2014، في الوقت ذاته بدأ نادي ليفربول عن طريق مدربه آنذاك «برندان رودجرز» مفاوضاته للحصول على خدمات الشاب البرازيلي، وكان الوكيل بورتيلا عنصرًا أساسيًا في تلك الصفقة؛ بورتيلا الذي تحققت نبوءته بعد أن مثّل فيرمينو منتخب البرازيل وبات لاعبًا من الطراز الأول.واليوم يقدم فيرمينو أفضل فتراته على الإطلاق مع ليفربول، بعد أن أصر «كلوب» خلال موسمين على الدفع به في مركز المهاجم الوهمي، ها هو يؤكد أنه كان جديرًا بتلك الثقة بعد تسجيله 14 هدفًا وصناعة 7 آخرين بثلاثين مشاركة بالدوري هذا الموسم.