هكذا أنقذ فيرمينو و4 آخرون ليفربول من أزمة «ماني — صلاح»
قبل يومين، كتب قائد ليفربول السابق «فيل تومبسون»مقالًا لشبكة سكاي سبورت تحت عنوان «باريس هو الاختبار الأهم لليفربول». أشار فيه للبداية المبهرة لكتيبة «يورجن كلوب» في البريميرليج بعد أن حققت العلامة الكاملة خلال الخمسة لقاءات الأولى، لكنه عاد وأكد على اختلاف مواجهة باريس عن انتصارات الريدز الأخيرة لعدد من الأسباب.
أولًا وقبل أي شيء، يؤكد تومبسون وجود مشكلة ما في خط ليفربول الهجومي، هذه المشكلة تتمثل في إهدار غريب للفرص أمام المرمى، واللجوء أحيانًا للحلول الفردية. على النقيض تمامًا يعيش خط دفاع الفريق الإنجليزي حالة من الانسجام والثقة لم يحظ بها خلال المواسم الماضية.
من هنا تستمد مواجهة باريس أهميتها، حيث ستكشف عن قدرة الثلاثي الهجومي على تجاوز تلك السلبيات، بالإضافة إلى تماسك رفاق «فان ديك» أمام خط هجوم شرس كالذي يمتلكه الباريسيون، وقبل كل ذلك مدى نجاح كلوب في مواصلة سلسلة الفوز أمام فريق يمتلك أسماء كبيرة في كل خط من خطوط الملعب.
نجح كلوب في الاختبار وحصل على النقاط الثلاث الأولى، كما قدم خط الدفاع مستوى يرقى إلى الجيد جدًا، لكن في المقابل أكدت المباراة شكوك تومبسون وشكوكنا حول وجود مشكلة بخط هجوم ليفربول.
في عقل الألمان
لابد أن سؤالًا بعينه قد قفز إلى ذهن مشجعي الريدز بمجرد مطالعة تشكيل المباراة:
فاجأ كلوب الجميع بقراره استبعاد اللاعب الغيني من القائمة الأساسية، وهذا بالرغم من المستويات الرائعة التي قدمها خلال مباريات الدوري، إلا أن يورجن فضل الدفع بقائد الفريق «جوردان هيندرسون» على حسابه. لكن لماذا؟
يفسر «ريو فيرديناند» الأمر بسبب عامل الخبرة الأوروبية التي يحظى بها هيندرسون، وفي مباراة كتلك يحتاج الألماني لعنصر قادر على التعامل مع المواقف المختلفة وتوجيه زملائه في الملعب، لذا لم يفضل أن يكون الظهور الأول لكيتا الأوروبية رفقة ليفربول أمام هكذا خصم.
التغيير الآخر الذي أدخله الألماني على التشكيل كان متوقعًا جدًا، فبعد الإصابة التي تعرض لها «روبيرتو فيرمينو» خلال مباراة توتنهام والشكوك حول لحاقه بلقاء أمس، اعتمد كلوب على «دانيال ستورديج» في مركز المهاجم ضمن الرسم التكتيكي 4/3/3 الذي لا يغيره أبدًا.
في المقابل كان الألماني الآخر «توماس توخيل» في ورطة قبل السفر نحو إنجلترا بعد أن ضربت الغيابات قائمة فريقه، ليفقد خدمات الحارس العملاق «جيجي بوفون»، ولاعب الوسط المتميز «ماركو فيراتي» حيث تعرضا للطرد في آخر ظهور لهما بالنسخة الفائتة من البطولة.
في مركز حراسة المرمى، لم يكن هناك حل أمام توخيل سوى «أريولا» صاحب المستوى المتذبذب. لكن في وسط الملعب فاجأنا مدرب ماينز السابق هو الآخر بوجود قلب الدفاع «ماركينيوس» إلى جوار الثنائي «رابيو، ودي ماريا»، بينما أغلب الترشيحات كانت قد ذهبت للدفع بلاعب الوسط «لسانا ديارا».
مفارقات في غياب فيرمينو
خلال موسم 2016/2017، تحوّل مركز فيرمينو تحت قيادة كلوب من الجناح إلى المهاجم. وقد بدا أن الألماني مصمم على الدفع بلاعبه البرازيلي في هذا المركز بالرغم من كل الانتقادات التي طالته خصوصًا فيما يتعلق بلمسته أمام المرمى.
لم يمر كثير من الوقت، وأثبتت الأيام نجاح رهان يورجن. فقد تحوّل روبيرتو في الموسم التالي لأحد أفضل اللاعبين في مركز المهاجم الوهمي، بعدما برزت بشدة قدرات البرازيلي في الضغط واستخلاص الكرة في وسط ملعب الخصوم، بالإضافة إلى وعي تكتيكي كبير في تبادل المراكز والهبوط إلى دائرة الملعب باستمرار لتقديم المساندة وتشتيت المدافعين، كما أحرز تطورًا كبيرًا على مستوى إنهاء الهجمات.
غاب روبيرتو، أمس، عن التشكيل الأساسي، لتتضاءل فاعلية منظومة الضغط في ليفربول خصوصًا في وسط ملعب باريس، لنا أن نتخيل أن الفريق الإنجليزي لم ينجح في تحقيق استخلاص كرة واحدة في مناطق كتيبة توخيل، وانحصرت محاولات الاستخلاص على ثلاثي وسط ملعب الفريق الإنجليزي الذين قدموا مباراة رائعة.
الأمر ذاته يتكرر عند مراجعة عدد العرقلات الناجحة التي نفذها رفاق «أليسون» في وسط ملعب الضيوف، لنكتشف أنهم حاولوا عرقلة خصومهم 8 مرات، ولم ينجحوا إلا في 4 منها فقط، هذه العرقلات الناجحة لم تخلق خطورة كبيرة على مرمى أريولا، ولكنها كانت أقرب إلى دائرة وسط الملعب.
هذا كله يقودنا إلى استنتاج واحد؛ وهو مدى القوة والفاعلية التي يضيفها فيرمينو لمنظومة الضغط الهستيري الذي يعتمد عليها كلوب. ذلك الدور الذي فشل ستوريدج في أن يقوم به ليلة أمس، لكن هل يعني ذلك أن دانيال قدم مباراة سيئة؟ على العكس تمامًا.
دعك من أن ستوريدج حصل على أعلى تقييم بالمباراة على موقع هوسكورد، ودعك أيضًا من عدد تسديداته علي المرمى الذي يساوي عدد تسديدات خط الهجوم الباريسي مجتمعًا، ولكن راجع فقط تمركز المهاجم الإنجليزي أثناء العرضيات، وتحركاته بين الفراغات، وميوله إلى الجماعية مع أغلب الكرات التي وصلت إليه، لنجد أن كلوب يعني فعلًا ما يقول ولا يجامل دانيال الذي إن أحسن اللمسة الأخيرة لربما سجل هدفين آخرين!
التماهي مع الفشل
وكما أثر غياب فيرمينو عن التشكيل الأساسي للريدز، تجدر الإشارة إلى تأثير غياب فيراتي عن الضيوف. لكن هل يمكن إرجاع المعاناة التي ظهرت على ثلاثي وسط باريس أمام سيطرة وضغط ثلاثي ليفربول: ميلنر، هيندرسون، فينالدوم فقط لغياب فيراتي؟
صحيح أن أهم ما يميز ماركو هو الخروج السليم بالكرة، والمساهمة الممتازة في بناء الهجمة، لكن هل يعني غيابه أن تخرج المحصلة النهائية لثلاثي وسط الملعب بصفر مراوغة ناجحة؟ وصفر تمريرة مفتاحية؟ وتسديدة وحيدة على المرمى؟
في الحقيقة أخفق توخيل من البداية في اختيار ثلاثي وسط ملعبه؛ ماركينيوس ظهر تائهًا ولا يعرف أدواره بدقة، دي ماريا عانى من رتم المباراة العالي، ورابيو هبطت فاعليته. لكن بصورة أعمق يبدو إخفاق الألماني أكبر من مجرد مباراة.
في يناير، نشرنا تقريرًا عن أهم الأسباب التي قد تمنع باريس من الفوز بالتشامبيونزليج الموسم الماضي؛ أهمها سوء مستوى قلوب الدفاع خصوصًا في التعامل مع العرضيات، وشخصية الفريق التي تهتز سريعًا تحديدًا خارج العاصمة الفرنسية، وفردية نيمار الهائلة، وإنعزال كافاني إذا غاب دعم نيمار أو مبابي أو كليهما.
المثير أن كل تلك الثغرات قد تكررت ليلة أمس، بل إنها مستمرة منذ مباراة برشلونة في الكامب نو، وهو ما يعني أن توخيل لم يتدخل حتى الآن لعلاجها. يدفعنا ذلك للتساؤل: إلى متى تستمر تلك الحالة من التماهي مع الفشل الأوروبي داخل أركان باريس الموازي لصرف مبالغ هائلة بلا طائل؟
نيمار فقد الكرة 6 مرات خلال المباراة.
صلاح وماني ولعبة العروش
هناك قاعدة أسسها يورجن كلوب في ليفربول، وهي عدم وجود بطل دائم للفريق، إذ يعتمد أمر البطولة في الأنفيلد على مدى قدرة اللاعب على خدمة أهداف ليفربول وليس العكس. لذلك ستجد أن «كوتينيو» كان نجم الفريق في فترة ما، ثم صار ماني، قبل أن يحل صلاح محله ويؤدي موسمًا استثنائيًا.
ما يحدث اليوم بشكل واضح هو محاولة ماني استرداد عرش البطولة، وهو أمر لا يعيبه في حد ذاته، لكن ما يعيبه ويضر بمصلحة الفريق مباشرة هو أنانيته المفرطة في إنهاء الهجمات، ورغبته في الاحتفاظ بالكرة وقت أطول من ذي قبل. وتلك الأمور ظهرت بشكل لا يخفى على أحد ليلة أمس.
يهدر ماني الفرصة، ليحوّل مخرج المباراة الكادر على يورجن كلوب. الرجل استشاط غضبًا خلال مباريات الدوري من الإنهاء السيئ للهجمات، وأصابته دهشة كبيرة عندما قرر ساديو التسديد من أضيق زوايا مرمى أريولا بدلًا من التوزيع.
بلا أي شك، يعرف يورجن ما يدور الآن في خط هجومه، وهو مسئول عن علاجه في أسرع وقت قبل أن يتسبب ذلك في خسارة نقاط. أما فيما يخص صلاح، فدعونا نكون صرحاء، لاعبنا العربي قدم واحدة من أسوأ مبارياته على الإطلاق أمام باريس. مباراة انعدم فيها تأثيره، وكاد يتسبب في خسارة الفريق لنقاطها أصلًا، بل وحصل على أقل تقييم في الفريقين.
يمر أبو مكة بفترة صعبة للغاية، إذ تنهال عليه الضغوط من كل زاوية وركن، ضغوط من الصحافة الإنجليزية وجمهور ليفربول بتكرار ما قام به الموسم الماضي، وضغوط من داخل الفريق تزاحمه على لقب الرجل الأول، وضغوط من الجمهور المصري الذي يأمل بالفوز ببطولة قارية، وضغوط وتعقيدات ومشاكل وعِند ولامبالاة من الاتحاد المصري لكرة القدم.
صلاح يمر بحالة نفسية وفنية ليست الأفضل، وقد انعكست بوضوح على أدائه، لكن لحسن الحظ يحظى بالتدريب تحت قيادة مدرب يستأسد في الدفاع عن لاعبيه في أسوأ مراحلهم، ولا يمل أو يخجل من دعمهم في مواجهة الجماهير والصحافة، ولابد أنه سيعقد معه الجلسات ويمنحه رعاية خاصة في الأيام المقبلة.
لكن تبقى المسئولية الأهم على صلاح نفسه، ينبغي عليه عزل نفسه من كل تلك المؤثرات، واستعادة كامل تركيزه في أقرب وقت والتحلى بالهدوء حتى لو تأخر هدفه القادم، لأنه قادم لا محالاة.
الأربعة المذهلون
تصريح ريو فيرديناند بعد المباراة
ثمة أمور تغيرت في ليفربول هذا الموسم، البعض يتحدث عن رغبة أكبر في تحقيق الفوز، آخرون يتناولون التدعيمات التي ستمنح كلوب خيارات أكثر، وبالطبع خط دفاع الفريق الجديد.
لا أذكر آخر مرة امتلك فيها ليفربول رباعيًا دفاعيًا بهذا القدر من التكامل دفاعيًا وهجوميًا، بدأ الأمر مع فان ديك الذي رفض كلوب التعاقد مع أي مدافع غيره، وأصر على انتدابه مهما كان الثمن. أضاف الهولندي شخصية قوية جدًا لخط الدفاع وأنسى جمهور الريدز رعب الكرات الهوائية الذي عرفوه مع لوفرين وماتيب.
إلى جانب فيرجل يلعب جوميز، الذي أثبت من قبل موهبته الكبيرة، واليوم يثبت جدارته وشجاعته رغم صغر سنه. أما روبيرتسون، الذي أتى مغمورًا من هال سيتي، فلا يتوقف عن الركض إلا لإرسال العرضيات الخطيرة، ويتم تصنيفه اليوم كأحد أفضل ثلاثة أظهرة في البريمرليج. في الجانب الآخر يلعب أرنولد الذي عالج كثيرًا من مشكلاته الدفاعية للدرجة التي جعلته يلعب بثقة أمام نيمار.
لماذا لم نذكر ميلنر معهم رغم أنه قدم مباراة رائعة؟ ببساطة لأن جيمس ليس مذهلًا وحسب، إنه خارق. اللاعب الذي يتمكن من الركض 34 كم في سن الـ32 عامًا هو بالقطع خارق.