فرجاني ساسي: لماذا لا يكون الزمالك بمن حضر؟
حين تذكر اسم «فرجاني ساسي» في هذه الأثناء فهذا يعني أنك تغرس قدمك في بحر من الرمال الملغمة. ليس بسبب قيمة لاعب الزمالك التونسي الفنية في كرة القدم، لأنه حتى «ليونيل ميسي» يمكن أن يقع تحت النقد. يكمن الأمر في كون لاعب الزمالك التونسي قضية جماهيرية من طراز فريد. كيف؟ دعني أشرح لك.
من الوهلة الأولى للتونسي في الأراضي المصرية والجميع يشعر بأنه غريب عن تلك الأرض، إما أن البعض يعتقد في إمكانياته الفنية النادرة في الملاعب المصرية، أو في سلوكه المختلف كلاعب محترف تجاه زملائه الصغار، أو في قيمة ما يتقاضيه ويحصل عليه من حب جماهيري، أو من مال كراتب خارج عن حدود المعتاد في مصر.
لكل فعل رد فعل
دعك من اسم فرجاني نفسه، وقيمته الفنية، ودعنا ننظر أولًا لما يحصل عليه من حب جماهيري. في بطولة أمم أفريقيا التي أقيمت في مصر عام 2019، ظهر تواجد جماهيري مصري في كل لقاءات منتخب تونس تقريبًا، وذلك سعيًا لدعم نجم الزمالك حينها، فرجاني ساسي، كمظاهرة في حب ذلك المحترف بميت عقبة.
الأكيد أن نسبة كبيرة من أولئك الذين قرروا دعم منتخب نسور قرطاج من أجل لاعب لم يكمل 5 أعوام وهو يدافع عن ألوان الأبيض، لم يتخذوا القرار نفسه في حالة لاعبين آخرين لعبوا قبل ذلك للقلعة البيضاء، بالرغم مما ملكوه من قيمة كبيرة لمنتخب بلادهم ونادي الزمالك. قيمة تفوق في الجانبين ما يملكه ساسي، سواء في الزمالك أو في منتخب تونس، لكن لأن تلك الحالة تعود لسلوك لا واعٍ من الجماهير في المطلق.
يقول «غوستاف لو بون» مؤلف كتاب سيكولوجية الجماهير في تحليل سلوك الجماهير سريعة الانفعال، إن الجماهير التي تمثل لعبة واقعة تحت تأثير كل المحرضات الخارجية، تتأثر بلا شك بكل تلك المحرضات الخارجية وتتسبب في تغير انفعالاتها واتجاهاتها الفكرية بشكل سريع.
ولإقرار ذلك، تجد جماهير الزمالك اختارت أن تدعم فرجاني ساسي الذي غاب عن نهائي الكونفدرالية، وهي بطولة قارية لم تدخل النادي لأكثر من عقدٍ كامل. دعمته بالهتاف الذي رج ملعب برج العرب رجًّا، لتأكيد حبها وتذكرها للاعب لن يشارك في النهائي الذي كان سينطلق بعد دقائق معدودة.
اتخذت جماهير الزمالك دعم فرجاني ساسي في اتجاه مختلف عن حبها للاعب في الفريق، بل كاتجاه الكفر المواجه للتشدد الفكري تجاه لاعب وجد هجومًا لا يتناسب مع أفعاله من عناصر مختلفة تحيط باللعبة في مصر، سواء من جماهير الخصم أو من لاعبين قدامى لنادي الزمالك، ولاعبين قدامى للنادي الأهلي، وأفراد مختلفة في الإعلام المصري.
لا يمكن أن تجد سببًا واحدًا لكل الرؤى المهاجمة لفرجاني ساسي، كل له مذهبه، حتى بلغ أحدهم التشدد، وهو رئيس سابق لاتحاد الكرة، مطالبًا بترحيله من الأراضي المصرية لاعتراض غير لائق على حكم مباراة ما بالدوري المصري. كلها مظاهر دفعت جماهير الزمالك لحالة من التصرف غير الواعي في حب ساسي.
إذا كان رب البيت شيكابالا
كلما طرأت أمامي معضلة تجديد فرجاني مع نادي الزمالك، أتذكر مشهدًا من الفيلم المصري «كلمني شكرًا». يجتمع شاب حاقد على بطل الفيلم «إبراهيم توشكا» بأحد رجال الشرطة، في لقطة متكررة لمحاولة الإبلاغ عن أفعال البطل غير القانونية.
يحاول ذلك المشهد إبراز فشل كل محاولات ذلك الحاقد في إيقاف البطل عن أفعاله، وذلك بسبب دعم أهل المنطقة لبطل القصة، ليأتي رد رجل الشرطة في المشهد نفسه: «يبقى حلال عليه القرشين، طالما شاطر والناس بتحبه».
معضلة الزمالك الدائمة في رواتب لاعبيه تكمن في «القرشين الزيادة» وأن «الناس بتحبه». الأزمة لم تكن في ساسي وحده، من قبله كان طارق حامد مثلًا، ومن قبلهما كان «محمد إبراهيم»، ثم من قبل الجميع كان الأسطورة «شيكابالا».
يعد الفتى الأسمر هو الابن المدلل لكل جماهير الزمالك، كانت معضلة رحيله عن الفريق دائمًا كارثة تهدد جماهير النادي خاصة في الأيام الصعبة التي عاشتها الجماهير متمسكة بالفن الآخاذ الذي يقدمه ذلك الساحر الأسمر بقميص الزمالك.
كانت تلك العلاقة فرصة دائمة لوكيله لاستقطاب أكبر قدر ممكن من المال عند تجديد تعاقده مع النادي، وفي كل مرة كانت ترضخ الإدارات البيضاء باختلاف أسمائها، لأنه لم يكن لأي شخص أن يتحمل عبء رحيل شيكابالا عن النادي تحت ولايته أو مسئوليته، فكانت الموافقة دائمًا حاضرة بحب الجماهير.
الآن ساسي يعيد نفس النموذج بالضبط، لا يمكن الإقرار إن كان ذلك عن عمد أو تكرار بالصدفة، لكنه تكرار يمكن وصفه بالتكرار الحرفي للمشهد. فمظاهر حب التونسي للزمالك تتكرر في كل لقطة على مواقع التواصل الاجتماعي، تمامًا كما كان يفعل شيكا مع جماهير الفريق في المدرجات، والتصريحات والدفاع الدائم المقدم من المقربين من المشهد الأبيض عن حب هؤلاء للزمالك والذي يدغدغ مشاعر الجماهير نحو تصرف غير واعٍ.
لا يقصد بالوعي هنا تحديد قيمة ما يعطيه ساسي للزمالك، فهو ليس محل الجدال من البداية، لكن كان دائمًا في قيمة ما يطلبه التونسي مقارنة بإمكانيات نادٍ شحيح الإمكانيات أصلًا، لكن كيف بلغنا تلك النقطة المادية؟ إنها الآثار الجانبية لـ «محاولة أكل الأيس كريم بالعيش».
ما فعله بنا تركي آل شيخ
يشرح المعنى السابق من فيلم «محامي خلع» حالة الإدارات المصرية مع لاعبين بمرتبات خيالية مثل فرجاني ساسي. تلك التي دخلت السوق المصري في ظروف استثنائية تمامًا. وذلك بفضل المستشار السعودي «تركي آل شيخ»، الذي أحدث ثورة مادية ضخمة في الدوري المصري.
فمثلًا، في الجانب الأحمر من القاهرة قام باستقطاب شاب صغير يسمى «صلاح محسن» بما قيمته تقريبًا 40 مليون جنيه مصري. هذه الأرقام لم تكن معتادة في الدوري المصري، لكنها تزامنت مع ارتفاع مجمل في أسعار اللاعبين في مصر وقت أن تأسس نادي بيراميدز بملكية المستشار السعودي.
إذ كان لا بد من رفع المقابل المادي لأنه كان يرغب في تكوين قوام فريق قوي بشكلٍ سريع للمنافسة، وعليه، كان يغري الأندية المصرية بأرقام فلكية.
وعلى نفس السياق، كان عليه دعم قوامه بنوعية مختلفة من اللاعبين الأجانب، غير المعتادين في الدوري المصري، كان على رأسهم المحترف البرازيلي «كينو»، وكذلك ساسي أيضًا، الذي كان مقدرًا له أن ينضم لبيراميدز لولا أن توقفت الصفقة في اللحظة الأخيرة.
تحمل آل شيخ قيمة انتقال التونسي إلى القاهرة بما يساوي 4 ملايين يورو تقريبًا، وذلك وفقًا لتصريحات رئيس الزمالك السابق، «مرتضى منصور»، وأيضًا راتبه بالكامل والبالغ 3 ملايين دولار في الموسم الواحد. ذلك الراتب الذي يعانيه الزمالك حاليًّا، لكنه كان ضمن صفقة إغراء الزمالك بالاستغناء عن عدد من لاعبيه الدوليين أمثال «أحمد الشناوي» و«علي جبر» و«أحمد توفيق».
ليكون الزمالك هو الضحية الأكثر تأثرًا، أو على الأقل، الأطول في مدة التأثر بتواجد تركي آل شيخ داخل الكرة المصرية والنقلة النوعية في لاعبي الدوري المصري ورواتبهم، لكنه لم يكن ضحية جديدة، المسبب مختلف، لكن السبب يبدو واحدًا في كل الأوقات.