إدارة الغذاء والدواء الأمريكية: لا للصابون المضاد للجراثيم
يعتبر الخوف واحدًا من أكبر الأدوات التسويقية فعالية، ويمكننا ملاحظة ذلك في الحملة التسويقية التي قامت بها شركة «ليسترين» في عشرينات القرن العشرين، تلك الحملة التسويقية التي حولت رائحة الفم الكريهة إلى مرض يستلزم العلاج، وما تبعه ذلك من بيع كميات عملاقة من غسول الفم الذي تنتجه تلك الشركة. كذلك كان الصابون والسوائل المطهرة المضادة للجراثيم، التي أدى وجودها إلى خوف دائم من البكتيريا المسببة للأمراض الموجودة على الأسطح المختلفة في منازلنا وأماكن عملنا، كما ارتفعت مبيعات الصابون المضاد للجراثيم بصورة كبيرة جدًا في ضوء انتشار فيروس H1N1، وبقيت تلك المبيعات مرتفعة منذ ذلك الحين، خاصة مع قيام الشركات المنتجة بالترويج لتلك المنتجات كما لو أن هناك أدلة علمية كافية تؤيد أنها أكثر قدرة على حمايتك، مقارنة بالمنتجات التي اعتدنا على استخدامها في حياتنا العادية.
المشكلة الحقيقة أنه لم يكن هناك أي دليل علمي قاطع في أي وقت من الأوقات ليدعم ذلك التوجه، وقد ظل الباحثون لسنوات يحاولون إقناع المستهلكين بأن الصابون العادي والماء قادران على حمايتنا بنفس المستوى الذي تقدمه المنتجات المضادة للجراثيم!. الأسوأ من ذلك، أن بعض المواد في تلك المنتجات المضادة للجراثيم لها بعض الآثار الضارة المثبتة على صحة الإنسان، حيث تساعد تلك المنتجات في تطوير قدرة البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية، كذلك تقوم بالقضاء على بعض أنواع البكتيريا المفيدة التي تعيش على أجسادنا مما قد يتسبب في إصابتنا ببعض الأضرار، كما أن بعض تلك المواد له القدرة على تعطيل بعض الهرمونات في أجسادنا، كما تتسبب في الكثير من الأضرار للبيئة بعد استعمالها.
حكم/قرار نهائي
في الثاني من سبتمبر/أيلول لعام 2016م، قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بإصدار حكم/قرار نهائي يهدف إلى حماية الشعب الأمريكي من هذه المواد الكيميائية والجهات التي تقوم بتسويقها بادعاءات كاذبة حول فعاليتها وجدواها، فمن الآن فصاعدًا لن يُسمح للشركات التجارية أن تقوم بتسويق أي من المنتجات التي تقدم حاليًا تحت عنوان أنها مقاومة للجراثيم والتي تحتوي على واحدة أو أكثر من بين 19 عشر مادة فعالة تم فحصها، ويتيح القرار الجديد (والذي تم طرحه للنقاش للمرة الأولى في عام 2013م) للشركات فترة سماح مقدارها عام واحد للقيام بتطوير تركيبات جديدة للمنتجات الخاصة بهم.
وتقول د. جانيت وودكوك، مديرة مركز تقييم الأدوية والأبحاث في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، في بيان صحفي نشرته الإدارة:
وتضم قائمة المواد المحظورة مادتين تقول منظمة الغذاء والدواء الأمريكية أنهما الأكثر استعمالاً في المنظفات المضادة للبكتيريا: الـ تريكلوسان والـ تريكلوكربان. ويعتبر التريكلوسان على وجه الخصوص أحد المركبات التي تسببت في الكثير من المتاعب للمهتمين بالصحة العامة لسنوات عديدة، ويعود النقاش العلمي حول التريكلوسان إلى عام 1978م، وتشير بعض الدراسات التي أجريت على حيوانات التجارب أن تلك المادة يمكنها أن تحدث خللًا في هرمونات الجسم؛ مما قد يؤدي إلى عدد كبير من المشاكل كالعقم أو اختلال النمو العقلي واختلال وظائف القلب.
البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
ربما يكون أكثر ما يثير القلق بخصوص الاستخدام المفرط لهذه المواد الكيميائية هو أنها قد تساعد على ظهور أنواع جديدة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وتبعًا لتحديث معلومات المستهلكين الذي تم إصداره من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، فإن الدراسات المخبرية/المعملية أشارت إلى إمكانية أن يساعد التريكلوسان في جعل البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، وتشير بعض البيانات أن تلك المقاومة التي تكتسبها البكتيريا قد يكون لها تأثير كبير على فعالية بعض الأدوية المقاومة لها. يأتي هذا في ظل تنامي الأخطار الناتجة عن تطوير البكتيريا لطرق جديدة لمقاومة أقوى المضادات الحيوية التي أنتجها البشر حتى الآن نتيجة لسوء استخدام الأدوية؛ مما أدى لظهور بعض أنواع العدوى البكتيرية غير القابلة للعلاج بأي دواء معروف، مع عدم وجود حلول قريبة لتلك المشكلة، التي كان أحد أهم أسبابها هو حماقة البشر لا أكثر.
ولا يشمل القرار الحالي مطهرات الأيدي أو المناديل المطهرة التي أصبحت منتشرة في كل مكان، حيث أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أنها بحاجة للمزيد من المعلومات حول تلك المنتجات قبل أن تكون قادرة على الوصول إلى قرار نهائي.