كرة القدم ورمضان: الصيام بين الرادع الديني والتوصيات الطبية
على الرغم من غياب البطولات الدولية الكبرى هذا العام، مثل كأس العالم والأمم الأوروبية، فإننا على موعد مع بطولة مصغرة، هي كأس القارات التي تعد تحضيرية لكأس العالم للوقوف على جاهزية الدولة لاستضافة الحدث الأكبر، ولكن رغم صغر حجم البطولة وقلة المنتخبات المشاركة فيها، فسيكون هناك اهتمام جدي بسبب مسألة تطرح العديد من علامات الاستفهام حول قضية كانت وما زالت تشغل بال الأندية واللاعبين والمهتمين بكرة القدم، والسؤال دائمًا كيف يمكن حل اللبس الذي يتعلق بصيام شهر رمضان بالنسبة للرياضيين المسلمين المحترفين في أوروبا، أو الذين يلعبون في الدوريات المحلية في الدول العربية والإسلامية.
فالجدال حول هذه القضية يتسع ويأخذ أبعادًا كثيرة لاختلاف الآراء، وبسبب تعلقه بجوانب عديدة منها الصحة الجسمانية للاعب والمشورة التي يتلقاها من الكادر الطبي للنادي، بالإضافة إلى رغبة المدرب في رؤية لاعبه بأتم الجاهزية البدنية والفنية وقلقه على لياقته في المقام الأول. وأيضًا إرادة اللاعب أداء شعائر دينه وخاصة لأن الشهر الفضيل بمثابة تصفية للنفس وتطهير للروح، وأخيرًا الرادع الديني الذي يلين في بعض الحالات ويتشدد في أخرى. في هذا الموضوع سنسلط الضوء على التباين في المواقف بين علماء الدين، واختلاف التقييم بين الأطباء، وبعض أشهر الآراء والمواقف من قبل اللاعبين.
خلاف حاد بين المؤسسات الدينية
دائمًا ما واجه الرياضيون المسلمون تحديات صعبة في رمضان بسبب صعوبة اللعب خلال الصيام، وخاصة بالنسبة للرياضيين الأفارقة أو الخليجيين، لأن اللعب في درجات حرارة مرتفعة سيؤثر على أدائهم ولياقتهم وربما يتسببب بمضاعفات خطيرة؛ لأن الرياضي يتجنب شرب الماء وتناول الطعام خلال فترة الصيام. ولهذا السبب يلجأ بعض المسئولين في الأندية والمنتخبات والاتحادات الكروية إلى دُور الإفتاء من أجل الحصول على فتوى تبيح للاعبين الإفطار خلال المباريات. دار الإفتاء المصرية كانت قد أصدرت فيما سبق فتوى تبيح إفطار اللاعبين في أيام المباريات ورفضت إباحة إفطارهم في أيام التدريبات، وكذلك الأمر في دول المغرب العربي، مثل المغرب والجزائر، لكن استمر الجدال وتضارب الآراء حول هذا الموضوع.
سفر وعمل شاق
دار الإفتاء المصرية وبعض علماء الدين المغاربة أباحوا إفطار اللاعبين خلال أيام المباريات، واستندوا في فتواهم إلى مرتبة اللاعب الذي يعد بمثابة المسافر أو الأجير الذي يكسب رزقه من هذا العمل، وخاصة إن كان العمل الذي يؤديه شاقًا ويتطلب جهدًا بدنيًا.
لهو ولعب
بعكس دار الإفتاء المصرية، كان للأزهر وبعض العلماء الآخرين موقفًا قطعيًا رافضًا من مسألة الإفطار بهدف لعب المباريات، وأكد الأزهر أنه من حق الجميع اللعب، لكن على أن يكون ذلك ترفيهًا، وليس كامتهان أو وظيفة.
الطب على خطى الدين
كما الخلاف الحاصل في الشق الديني، كان هناك تباين في آراء الأطباء بخصوص مسألة الإفطار من عدمها، فبعض الدراسات أثبتت عدم خطورة الصيام على الصحة الجسمانية للاعبين وبأن اللاعبين في مأمن من التأثيرات السلبية للامتناع عن الطعام والشراب، وآخرون أقروا بأن التعميم خاطئ ومن المحتمل أن يكون اللاعبون عُرضَة للآثار السلبية نتيجة الابتعاد عن الشراب والطعام وممارسة الجهد البدني في الوقت ذاته.
اختلاف العادات المحلية يؤثر بالإيجاب
بطبيعة الحال صيام رمضان لا يؤثر كثيرًا على الرياضيين في الدول العربية، لأن أغلب الدول تغير من نشاطاتها المجتمعية خلال الشهر، ويتم ترحيل كل الفعاليات إلى الفترة المسائية، وهذا لا يسبب مشاكل للاعبين، بينما في العالم الغربي يبقى الروتين اليومي كما هو في الأشهر الأخرى، لذلك من يعاني هم المحترفون في الخارج، أو المشاركون في البطولات الدولية التي تتصادف مع الشهر، مثل بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل والتي تتميز بمناخها الحار ورطوبتها العالية، وكانت الصعوبات كبيرة لعدد لا يستهان به من للاعبين المسلمين المشاركين مع منتخبات «الجزائر – إيران – البوسنة والهرسك – ساحل العاج»، بالإضافة لمنتخبات إفريقية أخرى وبعض المسلمين في المنتخبات الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا.
الهدف توعوي وليس تدخلا شخصيا
لا يوجد حقيقة ثابتة أو متفق عليها بخصوص الصيام، لأن تقييم الحالات يتغير باختلاف الظروف الجسمانية لكل شخص، وباختلاف أوقات اللعب ومدة الصيام والطقس المناخي، لذلك لا يمكن الجزم بوجوب إفطار الرياضي خلال الشهر، أو إمكانية الالتزام بالصيام والاستمرار بتقديم أداء بدني مماثل خلال الإفطار. والأطباء بشكل عام ينصحون بهدف تعريف اللاعبين بما يحصل خلال الصيام، و لا يسعون للتدخل في قراراتهم وإجبارهم على أمور معينة.
كبير الأطباء في الاتحاد الدولي لكرة القدم «جيري دفوراك» قال بأن صيام اللاعبين المسلمين المشاركين بنهائيات كأس العالم في شهر رمضان لن يعرضهم لتدهور في حالتهم البدنية. واستشهد بالرياضيين المسلمين المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية والذين لم يتأثروا سلبيًا بالصيام.
جيري دفوراك – كبير أطباء الفيفا السابق
بينما يرى الطبيب «حكيم شلبي» والذي كان مسئولا عن الطاقم الطبي لنادي باريس سان جيرمان، ويعمل حاليًا في مشفى سبيتار المتخصص في الطب الرياضي، بأن تقييم الحالات يختلف من شخص لآخر لأسباب كثيرة، ومن الممكن أن تزداد مخاطر الإصابة في المفاصل والعضلات بسبب الجفاف وليس بسبب نقص الغذاء.
احترام للمعتقدات وتذمر من المستوى البدني
على الرغم من صعوبة تحمل مشقة الصيام في الكثير من الأحيان، يصر العديد من اللاعبين على إكمال الصيام مهما اختلفت المعطيات وساءت النتائج، وهذا يؤدي إلى صدامات عديدة مع مدربيهم بسبب عدم تلبية بعضهم المتطلبات البدنية بالشكل الكامل الذي يريده المدرب، ولعل المثال الأفضل على ذلك هو التبديل الذي أجراه جوزيه مورينيو خلال مباراة فريقه إنتر ميلان أمام باري عام 2009، حيث قام البرتغالي بسحب لاعب الوسط سولي مونتاري بعد بداية المباراة بنصف ساعة فقط، وذلك بسبب معاناة اللاعب بسبب حرارة الطقس. القضية حصلت على الكثير من الاهتمام في إيطاليا، وخاصة بعد تدخل محمد نور داشان رئيس الجاليات المسلمة في إيطاليا وقوله بأن مورينيو لا يفهم الإسلام بشكل صحيح بعد قول الأخير بأن شهر رمضان لم يأتِ في الوقت المناسب بالنسبة لمونتاري.
بينما كان اللاعب متفهمًا لقرار مدربه لأنه كان يعلم أن البرتغالي لم يعجب بأدائه البدني وليس معتقداته الدينية، مونتاري أكمل بقية الشهر على مقاعد البدلاء، وأنهى الجدل بعودته للتشكيلة الأساسية بعد انتهاء رمضان.
أما مدرب المنتخب الفرنسي «ديديه ديشامب» فأكد خلال منافسات كأس العالم 2014 ضرورة احترام المعتقدات الدينية لكل لاعب مهما كانت ديانته، وترك الأمر للاعبين في اختيار الأنسب لهم وما يحلو لهم. واتفق معه كل من كارلوس كيروش مدرب المنتخب الإيراني ووحيد خليلوزيتش مدرب الجزائر من حيث وجوب احترام قرار الجميع.
ديديه ديشامب – مدرب المنتخب الفرنسي
القرار الشخصي هو الفيصل
كما قال الأطباء، تختلف المعطيات من لاعب لآخر، ويتعلق الأمر بالطبع بقرار اللاعب نفسه ومدى تمسكه بأداء فرائض دينه ورغبته في عيش هذه التجربة الروحانية، وبكل تأكيد فإن الاختلاف في القدرات البدنية والطبيعة الجسمانية سيحدد إن كان بإمكان اللاعب الصيام واللعب أم لا، والأمر عائد إلى اللاعب نفسه الذي يعرف نفسه وجسده أكثر من الآخرين.
العاجي «يايا توريه» قال خلال مباريات كأس العالم في البرازيل بأنه من الممكن أن يفارق الحياة إن لعب في طقس حار ورطب كهذا، والأمر ذاته بالنسبة لـ«مسعود أوزيل» الذي قرر عدم الصيام خلال منافسات أمم أوروبا 2016، وبرر ذلك بحدة التدريبات وكثافتها، وحرارة الجو، وقال بأنه لن يتمكن من القيام بذلك رغم رغبته في الصيام.
أما المغربي «نور الدين نايبت» لاعب توتنهام فكان يتمسك بصيام الشهر لأنه لا يريد مخالفة معتقداته، حتى لو كان هذا الأمر سيؤثر على مستواه الفني والبدني، وتمنى خلال مقابلة مع «BBC» ألا يتأثر مستواه بسبب ذلك، واعترف بأنه يشعر في بعض الأحيان بانخفاض في المستوى عند الصيام.