لطالما أحببت أن أكون رقم واحد، ربما لم أنجح في عزف البيانو ولم أفلح في رياضة التنس لأنني ركزت جهدي كله في إنشاء المجموعة الأولى عالميًّا في قطاع السلع الفاخرة.
الملياردير الفرنسي برنارد أرنو.

بصفقة رابحة وحسابات دقيقة تمكن «الذئب الفرنسي» برنارد أرنو، رئيس مجلس إدارة شركة «إل في إم إتش» للأزياء والسلع الفاخرة، من أن يصبح ثاني أغنى رجل في العالم بثروة قدرها 108 مليارات دولار.

وذلك بفارق ليس ببعيد عن مؤسس شركة أمازون «جيف بيزوس» الذي بلغت ثروته 110.5 مليار دولار وفقًا لقائمة فوربس لأغنى أثرياء العالم. وبذلك يكون قد احتل أرنو محل «بيل غيتس» مؤسس شركة مايكروسوفت، الذي بلغت قيمة ثروته الصافية نحو 107 مليارات دولار.

حدث ذلك جراء إقدام شركة إل في إم إتش، التي يمتلك أرنو وعائلته أكثر من 47% من أسهمها، على الاستحواذ على دار مجوهرات تيفاني. فبفضل تلك الصفقة، قفزت ثروته الصافية نحو 3% في ذات اليوم.

تلك الثروة الهائلة التي حققها أرنو من قطاع الأزياء والسلع الفاخرة يطرح تساؤلًا مهمًّا وهو: إلى أي مدى تعد صناعة الموضة والأزياء مربحة؟ وكيف تؤثر في الاقتصاد العالمي؟ وما حجم أرباح الشركات الكبرى العاملة في تلك الصناعة؟

 كيف تطورت صناعة الموضة والأزياء؟

كانت الأناقة والموضة هي هواية أسلافنا، لكن الفارق الآن أننا أضفنا إليها المزيد من العلم.
من مجلة «دايلي ومينز ويير»، في عددها الصادر في 16يوليو/تموز 2001.

ظهرت فكرة الموضة والأزياء لتلبية احتياج مُلح لدى الناس وهو الرغبة في تقدير الذات والحصول على التقدير من الآخرين من خلال الظهور بمظهر لائق.

غير أن الموضة لم تصبح صناعة راسخة بالمعنى المؤسسي حتى بداية القرن العشرين. وذلك عندما تطورت محال الخياطة وتحولت إلى شركات تصنيع.

بدأت القصة مع اكتساب بيوت الأزياء الفرنسية سمعة دولية في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك في أعقاب الأساليب الجديدة التي أدخلها مصممو الأزياء الفرنسيون في تلك الفترة على صناعة الملابس من أمثال «لويس فيتون» و«شانيل» و«كريستيان ديور».

فقد بدأ المصمم الفرنسي «لويس فيتون» عمله بورشة صغيرة لصناعة الحقائب عام 1854، وتمتعت أساليبه الجديدة بشعبية كبيرة وسط المجتمع الراقي في باريس. ومع نجاح تصميماته، توسع إطار عمل فيتون وبدأ بطباعة ملصقات باسمه على الحقائب منعًا لمحاولات التقليد. وعند وفاته في عام 1892، ترك فيتون إرثه لابنه جورج الذي قاد العلامة التجارية إلى المزيد من الشهرة والنجاح.

وفي بدايات القرن العشرين، أحدثت غابريل شانيل الفرنسية ثورة في عالم الأزياء آنذاك، وذلك من خلال إدخالها مجموعة من الملابس الأنثوية وعلى رأسها الفستان الأسود القصير، مع إضافة القبعات إلى الفساتين لتمنحها بذلك رونقًا مميزًا. تلك الإضافات جعلتها واحدة من أشهر مصممي الأزياء في ذلك الوقت، خاصة وقد جعلت من اللون الأسود رمزًا للأناقة، وغيرت رأي الناس فيه بعد أن كان لونًا بائسًا يُرتدى في الجنازات فقط.

وفي عام 1928، افتتح المصمم الفرنسي كريستيان ديور معرضًا فنيًّا بعد تخرجه، ثم عمل كرسام في مجلة فيجارو وتم التعاقد معه لاحقًا كمساعد تصميم لـ «روبرت بيويت» ثم «لوسيان ليلونج». وفي عام 1945، أنشأ دارًا بمشاركة المصمم «مارسيل بوساك» الذي آمن بموهبته. تميزت تلك الدار بإبداعاتها الملونة وأصبحت تتمتع بشعبية كبيرة بعد أول عرض أزياء لها.

وفي تلك الأثناء بدأت ماركات عالمية جديدة في الظهور والانتشار كـماركة «أديداس» الشهيرة، التي حصل مؤسسها، الألماني أدولف داسلر، على ثقة اللاعبين عندما صمم أحذية رياضية خفيفة لبى بها احتياجاتهم.

وتنامت الثقة فيه بعدما فازت الرياضية لينا رادك بذهبية عام 1928 في الألعاب الأوليمبية في أمستردام، وكانت ترتدي حذاءً من صنعه. وفي عام 1949، سجل داسلر «أديداس» كماركة معترف بها وافتتح مصنعًا مكونًا من 47 عاملًا فقط سرعان ما تمدد ليغطي العالم أجمع.

كيف تؤثر صناعة الموضة والأزياء في الاقتصاد العالمي؟

عرض أزياء الموضة الاقتصاد العالمي اقتصاد
 

تحتل صناعة الموضة والأزياء مكانة كبيرة في الاقتصاد العالمي، نظرًا لامتلاكها واحدة من أكبر سلاسل التوريد العالمية وأطولها وأكثرها تعقيدًا. إذ يمثل الاستهلاك العالمي للأزياء نحو 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يعادل 1.8 تريليون دولار أمريكي.

كما تشكل الملابس والمنسوجات نحو 4% من إجمالي تجارة البضائع العالمية في عام 2018، وهو رقم يتزايد باستمرار.

وعلى الرغم من أن معظم الإنتاج العالمي من المنسوجات والملابس الجاهزة مصدرها العالم النامي، إلا أن معظم مبيعات الأزياء تكون لصالح الدول المتقدمة.

تبلغ القيمة السوقية لصناعة الأزياء في الولايات المتحدة حوالي 406 مليارات دولار. كما يبلغ حجم الصادرات الأمريكية من الأزياء والملابس نحو 22.9 مليار دولار.

وهي بذلك تتفوق على فرنسا، الرائدة الأولى في هذا المجال، إذ بلغت القيمة السوقية لها في مجال الأزياء نحو 43.3 مليار دولار، وفي عام 2019 وحده بلغت إيرادات قطاع الأزياء الفرنسية نحو 13.877 مليون دولار.

إضافة إلى ذلك، فإن صناعة الأزياء قادرة على خلق فرص عمل لما بين 60 إلى 75 مليون شخص حول العالم.

ففي الولايات المتحدة وحدها، هناك نحو 1.8 مليون شخص يعملون في صناعة الأزياء. ويتراوح متوسط الأجور السنوية للعاملين في الأزياء بين 26.4 ألف دولار للعاملين في صباغة المنسوجات و 84.6 ألف دولار لمديري التسويق والمبيعات.

أما الهند، فهناك نحو 45 مليون شخص يعملون بوظائف مرتبطة بهذه الصناعة، إذ يعد قطاع صناعة الملابس هو ثاني أكبر مصدر لجذب العمالة بعد قطاع الزراعة في الهند.

وبذكر الزراعة، فإن صادرات القطن تحديدًا تلعب دورًا حيويًّا في العديد من الاقتصادات الفقيرة والنامية، فهي تمثل حوالي 80 % من حصيلة الصادرات في دولة بنين (في غرب أفريقيا)، و 50% من صادارت دولة مالي، و 40 % من صادرات بوركينا فاسو، وما بين 10 و 20 % من حصيلة صادرات تشاد وتوغو.

كما تمثل صادرات المنسوجات والملابس أكثر من 75٪ من إجمالي صادرات البضائع البنغلاديشية.

إيرادات وأرباح كبرى شركات الموضة 

من الصعوبة بمكان تحديد متوسط إيرادات شركات الموضة والأزياء بدقة، إذ تختلف الإيرادات بشكل كبير بحسب سعر وجودة المنتجات التي تقدمها كل شركة. لكن إجمالاً، بإمكاننا رصد إيرادات بعض الشركات والماركات الكبرى في هذا المجال.

شركة نايكي

في عام 1967، تأسست شركة نايكي في ولاية أوريغون الأمريكية وأقحمت نفسها في سوق مشبعة بالمعدات والملابس الرياضية. وبالرغم من ذلك تمكنت الشركة من أن تصبح واحدة من أكبر شركات السلع الرياضية في العالم، والفضل في ذلك يرجع إلى حد كبير إلى حجم إيراداتها التي تجنيها من السوق الأمريكية، والتي تمثل حوالي 46% من إجمالي إيرادات الشركة.

ووفقًا لتقرير شركة «نايكي» السنوي لعام 2018، فإن الشركة حققت حوالي 36.4 مليار دولار من العائدات، بزيادة بنسبة 6% عن إيرادات عام 2017.

ولعل الجزء الأكبر من تلك الإيرادات يأتيها من مبيعات الأحذية الرياضية التي بلغت في عام 2018 وحده نحو 22.2 مليار دولار، بينما حققت مبيعات الملابس نحو 10.7 مليار دولار من العائدات.

ظاهرة زارا

بدأت زارا نشاطها في عام 1963 كمحل لخياطة الملابس، وبعد مرور اثني عشر عامًا، تم افتتاح أول متجر للبيع بالتجزئة في إسبانيا على يد مؤسسها الملياردير الإسباني الشهير أمانسيو أورتيغا.

وبحلول عام 1984، حققت الشركة نجاحًا كبيرًا وتوسعت نشاطاتها بعد ذلك إلى البرتغال والولايات المتحدة وفرنسا.

وشهدت في التسعينيات توسعًا سريعًا في الأسواق الأخرى بما في ذلك المكسيك واليونان، واعتمدت في تصميماتها وإنتاجها السريع على اتجاهات وطلبات العملاء. وباتت الشركة الأم إنديتيكس تمتلك ثماني علامات تجارية بما في ذلك زارا، وأكثر من 7500 متجر حول العالم.

جدير بالذكر أن مؤسس زارا حقق من خلال أرباح شركته ثروة طائلة، حتى إنه تمكن من أن يصبح لفترة وجيزة أغنى رجل في العالم في عام 2015 قبل أن يتراجع إلى المركز السادس في 2019.

وتحقق زارا مبيعات سنوية بقيمة 20 مليار دولار، ويبلغ عدد مصمميها نحو 300 مصمم أزياء وخلال العام الواحد يتم إنتاج 12 ألف تصميم جديد.

وقد حققت شركة إنديتيكس المالكة لزارا ربحًا صافيًا قدره 3.4 مليار يورو في سنة 2018.

شركة إل في إم إتش

تعد شركة «إل في إم إتش» التي أسسها الملياردير الفرنسي برنارد أرنو هي رائدة الأزياء الراقية، والتي تمكنت من أن تهيمن في جميع أنحاء العالم نظرًا لضمها نحو 17 من أشهر العلامات التجارية في مجال الأزياء مثل كريستيان ديور، سيلين، جيفنشي.

كما تضم ست شركات مجوهرات فاخرة، وأكثر من 24 شركة بارزة، في مجالات متنوعة بما في ذلك السفر والطباعة ومستحضرات التجميل.

بلغت إيرادات الشركة لعام 2018 نحو 46.8 مليار يورو، كما بلغت حصة المجموعة من صافي الربح نحو 6.4 مليار يورو، بزيادة 18 % عن عام 2017.

إجمالاً، باتت صناعة الأزياء والموضة الباب الذي تُجنى منه الثروات، ومصدرًا كبيرًا للدخل ليس فقط للمستثمرين بل والعاملين في تلك القطاعات.