تصميم الأزياء: إن لم تستحِ فاسرق ما شئت
مخطئ من يعتقد أن عالم الأزياء والموضة هو عالم وردي ناعم، تحلق فيه الفراشات، وتسير فيه العارضات على المخمل الناعم، يُدللن ويعاملن معاملة الملكات، فيه يجلس المصممون في إستوديوهات فنية مع الموسيقى الحالمة، يمارسون عملهم في أجواء خيالية.
الحقيقة أن العكس تمامًا هو الصحيح، عالم الأزياء واحد من أقسى عوالم التجارة والبيزنس في العالم، إنه أقرب لعالم آخر قاسٍ هو عالم البورصة، من حيث التوتر والضغط والإيقاع السريع اللاهث، هناك نظم وبروتوكولات لا يمكن تخطيها، هناك برنامج محدود يجب العمل على أساسه، هناك اتجاه عام يفرض على الموضة في العالم من قِبل أشخاص ذوي سلطة، المصممون شياطين مرعبة تأمر وتنهى، العارضات مسكينات يعشن حياتهن وفقًا لمزاج شخص آخر، حتى محررات الموضة يخضعن لسلطة رؤساء تحرير أقوياء، يعاملونهن بصرامة، ليلهثن لتغطية العروض والدخول وسط الكواليس المرعبة، لاكتشاف الجانب القبيح المخفي خلف الديكورات والابتسامات والملابس الفخمة.
من بين المواضيع الشائكة المستمرة دائمًا في عالم الموضة هو سرقة التصاميم، الأمر ليس محليًا ولا هو مقتصر على الدول العربية فقط بسبب فقر مصمميها الواضح من حيث الإبداع، لكنه موجود في كل مكان، ولقد اعتادت المصممة الأسطورة «كوكو شانيل» على سرقة تصاميمها حتى أنها استسلمت للأمر تمامًا بعد حين، لتقول مقولتها الشهيرة، «التقليد ضريبة النجاح».
كما اتهم المصمم الإيطالي الأشهر «روبرتو كافالي»، المصمم الأمريكي «مايكل كورس» مرتين بالاقتباس منه، أما بالنسبة للمصممين العرب فالأمر يتطور ليصبح سرقة واضحة وليس مجرد اقتباس.
«هاني البحيري»: الأكثر إثارة للجدل
المشكلة في العالم العربي أن مهمة مصمم أزياء لا تزال غير واضحة المعالم، فنحن لا نملك مصممًا شهيرًا عالميًا ذا بصمة أصيلة مثل «إيلي صعب» أو «زهير مراد»، الأمر في مصر تطور من مهنة «خياط سيدات»، وهو الشخص الذي يخيّط للمرأة فستانًا تختاره بنفسها من موديل جاهز لمصمم آخر، إلى مهنة «مصمم» التي لم تختلف كثيرًا عن ذلك، رغم ضخامة الفارق بين المهنتين.
بالتأكيد البيئة في مصر لا تسمح بمثل هذا الترف. وعلى الرغم من ذلك، نحن نملك مصممين محليين موهوبين معروفين في نطاق ضيق مثل «ندى أكرم» و«مهند كوجاك» الذي شارك في برنامج «Project Runway Middle East»، لكن الاسم الأشهر هو «هاني البحيري»، الذي وعلى الرغم من اتهامه بسرقة التصاميم عدة مرات، إلا أنه لا يزال معروفًا بمصمم مصر الأول ومصمم النجمات المفضل.
فستان نادية الجندي
من بين المرات التي لوحظت فيها بقوة سرقة البحيري لتصميم فستان، كانت في عام 2014 في مهرجان الإسكندرية السينمائي، عندما ظهرت الممثلة «نادية الجندي» في حفل الافتتاح بفستان أبيض مكشوف وجريء للغاية، لكن جرأته لم تكن المشكلة، المشكلة أن الممثلة فيكتوريا بونيا كانت قد ظهرت قبلها مباشرة بنفس الفستان الذي حمل توقيع المصمم العالمي «ستيفان رولان». لم يعلق البحيري وقتها بأي شيء؛ لأن انتشار الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن قويًا مثل اليوم، فمر الأمر دون مشاكل.
حظ هاني البحيري أنقذه من هذا الموقف خاصة وأن ستيفان رولان بات متابعًا قويًا للنجمات العربيات بعد تعامله مع عدد منهن، ليكتشف بداية هذا العام سرقة تصميم آخر له على يد المصمم اللبناني «عقل فقيه»، الذي وضع توقيعه على فستان ارتدته الممثلة السورية «ديمة قندلفت» في حفل الموريكس دور، ليراه رولان على موقع «إنستجرام»، ويتهم فقيه بالسرقة في منشور له على موقع «إنستجرام» كتب فيه؛«من جديد… أتعرض للنقل والاقتباس، أرجوكم توقفوا عن ذلك، أرجو أن تكونوا أكثر إبداعًا».
وإن كان هاني البحيري مر من الموقف الأول مع ستيفان رولان، إلا أنه لم يمر من مواقف أخرى كثيرة، مثل اتهام المصممة الإماراتية «منى المنصوري» له بسرقة فستان «ليلى علوي» في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي عام 2015، والذي حمل توقيعه، من تصاميمها، كما اتهمته بأنه دائم الاقتباس منها لكنها لم تتحدث مجددًا عن الأمر.
أما المرة الثانية، فأحدثت الكثير من الضجة، عندما ظهرت «دنيا سمير غانم» في حفل زفاف شقيقتها «إيمي»، بفستان باللون الموف، حمل توقيع البحيري، رغم أنه مقتبس بوضوح -ورداءة أيضًا- من دار «رالف أند روسو». وقتها وبسبب التطابق التام بين الفستانين مع اختلاف الجودة والخامة، رد البحيري معترفًا بالسرقة أو الاقتباس كما أسماه، معللاً بأن هذا تم بطلب من دنيا نفسها، التي تواصلت مع دار رالف أند روسو وفوجئت بالسعر الخيالي للفستان، لتطلب منه خياطة فستان مشابه.
فستان «يسرا»
الأزمة الأخيرة في عالم الموضة كانت من نصيب البحيري أيضًا، الذي نشر صورة تجمعه مع الفنانة يسرا في حفل افتتاح مهرجان دبي السينمائي، ليعتقد الجميع أنه يعلن بأن الفستان الذي ارتدته من تصميمه، رغم أنه لم يكتب ذلك. والحقيقة أن الفستان بالفعل من دار أزياء «ألكسندر ماكوين» العالمية. يسرا معتادة على ارتداء الفساتين بتوقيع كبار المصممين، وليس مستغربًا أن ترتدي فستانًا أصليًا، لكن سمعة البحيري سبقته، وجعلت الجميع يفكر فورًا بأن الفستان مسروق، خاصة أن النجمة «نيكول كيدمان» قد ارتدته من قبل في حفل سابق.
هناك بالتأكيد تفاصيل لا يمكن تقليدها أو اقتباسها تجعل أي محررة موضة تدرك فورًا أن الفستان أصلي أو مقلد، منها عدم إمكانية تطابق الخامة، أو النقوش والترصيعات والطبعات بهذه الدقة، حتى لو تم تعديله بناء على رغبتها في البوتيك الخاص بالعلامة، كما فعلت يسرا فغطت الفتحات على البطن وأسفل الصدر.
أما فكرة أن نيكول كيدمان ارتدته مسبقًا فهذا لا يعني شيئًا، العديد من النجمات يرتدين نفس الفستان لنفس المصمم في المناسبات المختلفة، لعل أشهرهن هيفاء وهبي، التي تظهر دومًا بفساتين ارتدتها جنيفر لوبيز، خاصة لو حملت توقيع المصمم زهير مراد أو شربل زوي.
أخيرًا، كان هاني البحيري على الجانب الصحيح في هذا الموقف؛ لذا لم يتوانَ عن اتخاذ قراره بمقاضاة جميع من اتهموه بالسرقة دون تأكد، فنشر صورة الفستان الأصلي ليسرا، مؤكدًا بأنها ابتاعته من البوتيك الخاص بالعلامة، وأنه لم يقل أبدًا بأن الفستان من تصميمه، وبأنه سيقاضي جميع من قال ذلك.
الحقيقة أن الاتهام بسرقة تصاميم الأزياء ليس أمرًا تافهًا كما يعتقد البعض، المصممون يتعاملون مع إبداعاتهم بحرص وكأنها أطفالهم المدللون، إنها كنزهم الحقيقي وعملهم الثمين وبصمتهم الخاصة، التي لا يتهاونون أبدًا في سرقتها أو اقتباسها.
أما مشكلة البحيري وغيره من المصممين الذين يتم اتهامهم دومًا بالسرقة، فهو اعتقادهم أن العالم لا يزال كما هو، رغم أن الانفتاح الثقافي الكبير جعله محدودًا للغاية، كل شيء يحدث في أي مكان في العالم يتم معرفته في دقائق بفضل مواقع التواصل الاجتماعي. هذا الانفتاح وهذه المحدودية، يؤثران في كل شيء من حولنا، حتى لو كان بصغر تقليد فستان لنجمة على البساط الأحمر. الحل الوحيد للنجاة والنجاح في هذا العصر القاسي سريع الإيقاع هو الالتزام بالأصالة، والحفاظ على الشخصية، والعمل على ترك بصمة واضحة وخاصة.