الفاشية بين الشاه والولي الفقيه: علام ثار الإيرانيون؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
«علي أصغر حاج سيد جوادي»، الذي وافته المنية في السادس والعشرين من يونيو/ حزيران بباريس عن عمر يناهز 94 عامًا، هو صحفي من المعارضين المعروفين ضد حكومة «رضا بهلوي» في إيران، وعرف برسائله المفتوحة ومقالاته اللاذعة ضد حكومة بهلوي.
مع بداية الثورة الإسلامية وتشكيل حكومة الجمهورية الإسلامية، كان مناصرًا للسيد «الخميني»، كما أنه برر ودافع عن حالات الإعدام في بدايات الثورة، لكن سرعان ما ندم وتراجع عن ذلك ليصبح معارضًا للجمهورية الإسلامية، وفرّ بعدها إلى فرنسا.
رسالته هذه التي كانت في ذات الوقت خطابًا كتبها لـ«آية الله خميني»، هي نموذج من مقولاته ومواقفه التي تشير إلى بعض جذور قضايا اليوم.
نص الرسالة
حضرة آية الله العظمى السيّد خميني..
سمعتُ خطابكَ البارحة على التلفاز، وبتوتر واضح طلبتَ إلى المسؤولين التخلي عن الاختلافات، وطلبتَ إلى الصحف ألا تكتب ما يثير القلاقل والفرقة، وهددت مسؤولي البلاد بألا يفعلوا ما اضطررت أنت إلى فعله. المشكلة في بلادنا هي أن المسؤولين لا يُنتخبون من قبل الشعب، ولا يشعرون بروح المسؤولية تجاه الشعب.
في اليوم الذي قلت فيه في النجف بخصوص ولاية الفقيه أن «قيّمي الأمة لا يختلفون البتة من حيث الواجب والموقع»، بهذا تم وضع حجر الزاوية لنظرة مظلمة ومروعة لمصير الثورة الإيرانية. بالاستناد إلى هذا فإن المسؤولين الرئيسيين في البلاد – وجميعهم من اختياركم ومن تعيينكم وتحت حمايتكم – يعرفون الشعب الذين يُفترض بهم أنهم يطيعون رغباتهم دون إرادة. إن لم تكن قد نسيت فإنك أنت من اعتمدت دستور الجمهورية الإسلامية، ومن خلال اختياركم بشكل مباشر لرئيس المحكمة العليا، والمدعي العام للمحكمة العليا دون التشاور مع مجلس القضاء الأعلى، وبهذا تكون قد خطوت الخطوة الأولى باتجاه تجاوز دستور الجمهورية الإسلامية.
إن كنت تتذكر، فعندما أثيرت قضية ولاية الفقيه ومجلس الوصاية في مجلس النواب، كتبتُ أنه وفي الدستور الملكي، فإن سلطة الشاه وسيادته أيضًا لم تكن أبدًا فوق القانون وخارج سيادة الشعب والأمة، في حين أن دستور جمهورية ولاية الفقيه ومجلس الوصاية، سلطة فوق القانون، وغير مسؤولة في مقابل سلطة الشعب. لقد كتبتُ صراحة أن الوضع العسكري قد منحكَ السلطة الشرعية المطلقة. إذن في المستقبل أين ستأخذ ثورتنا ومجتمعنا؟
في ذات الوقت كتبتُ أن السلطة التي لم يخترها الناس ولا تمثلهم في الواقع، وهي خالية من روح المسؤولية وبعيدة عن المساءلة، فكيف يستطيعون أن يظلوا مرتبطين بمبدأ «وشاورهم في الأمر وأمرهم شورى بينهم»؟ وبصورة أساسية، كيف يمكن لفرد أو أفراد يعتبرون الناس قاصرين ولا يعرفون كيف يرسمون مصائرهم، كيف يمكنهم تحديد مصالح الناس، وحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع؟ واليوم ترى أنه لم يتم حل المسائل والمشكلات الناجمة عن السنوات الطويلة من فساد ونهب عائلة بهلوي، ربما إدراكك لولاية الفقيه تقضي بأن الناس قاصرون وغير مكلفين ومجانين وبلا عقل وشعور.
وضع البلاد ومصائر الناس مشهد للجدال والنزاع بين من نصّبتَهم واخترتهم لتحقيق السلطة المطلقة، وإخلاء الميدان من أي خصم أو معارض، واستغلال أي مناسبة لاستخدام كل وسائل العنف.
كان اليوم الذي كتبتُ فيه بعد انتصار الثورة، أنه لا يمكن إدارة البلاد بأي شكلٍ بنظام أبوي بطريركي، أو على شاكلة زمن الخلافة، تجنبًا للوضع الذي دفع البلاد اليوم نحو الانقسامات والحرب والغوغائية والأكاذيب والفساد ونهب المال العام والتي أغرقت الناس. مَنْ حوّل البلاد إلى ساحة للصراع الداخلي؟
من هم اليوم على رأس كبار المسؤولين في البلاد دون الاعتناء بالناس واحترام حقوقهم القانونية والحريات العامة، موجودون من أجل الاستيلاء على السلطة المطلقة، وقمع حرية العمل، هذا غير التآمر والترويج والدعاية والخطابات، وتجهيز مجموعات قمع سياسية.
من هو الذي بسط بشكل ستاليني حكومة قروسطية كحقبة السلطان «سعيد بن تيمور»؟ من الذي يهمين على مقدرات الناس ويسيطر على المطبوعات والإذاعة والتلفزيون بعصا السلطة الغليظة؟
من الذي قام باسم ولاية الفقيه والحاكم الشرعي بالسيطرة على كل الأنفس وممتلكات الشعب دون أدنى أسف أو ندم، بل وحتى لم يتركوا لهم حق الدفاع والمرافعة عن أنفسهم أمام المحاكم، كذلك أخذت الإدارات الناس الأبرياء إلى المحاكم وأودعتهم السجون؟
من الذي أقام في الدولة الإسلامية جمعيات إسلامية وسلطها من أجل الفصل والطلاق والمنتقمين، وتسوية الحسابات الخاصة حول مصير موظفي مؤسسات الدولة والهيئات والمؤسسات الخاصة؟
من هم الذين احتلوا السفارة واحتجزوا الرهائن، ومهدوا الطريق لإعادة اختراق الإمبريالية الأمريكية، وخسارة مليارات الدولارات من المدخرات الإيرانية في البنوك الأمريكية، وفي النهاية رضخوا للأمريكيين، وقبلوا تسليم الرهائن بصَغَار وذلّ، وهذا التسليم والإذلال بقوة الدعاية والرقابة والقمع والتشنيع للسفارة، أعظم انتصار في تاريخ البشرية! هل قدموها؟
من الذي ذهب لأجل تحقيق رغباته الخاصة للاستئثار بالسلطة، من خلال نفوذه وهالته المقدسة، والتقرب من الناس لتصل لمرحلة الإمامة والنبوة، ووصل به الحد إلى كونه الإله المخلص؟ من استبدل شعار الشاه والأمة – مستخدمًا ذات الأساليب في التملق – بشعار الإمام والأمة؟
لكن ليس هذا ألم المجتمع، أنت بدون ذلك تردد أنهم غير مؤهلين؛ الآن يدعونك إلى التسوية والتنازل عن مؤهلات أولئك الذين هم عند حسن ظنكم وثقتكم، وكانوا أملًا لمصلحة الناس المحرومين في مجتمعنا هذا، لأجل منافعهم ومصالحهم الخاصة ومصالح مجموعاتهم. لكن التنازل عن ماذا؟ إذا كانوا يؤمنون بالثورة وإنجازاتها، وتحرير شعبنا المحروم من ربقة الاقتصاد الإمبريالي، والفقر والبطالة والأمّية واستغلال الدين؛ لذا وحتى انهيار وفناء الثورة واستقلال إيران، وسحق الحقوق القانونية للشعب، وإراقة دماء آلاف الشهداء في طريق الحرية لم يحل أي شيء بينهم وبين الشعب.
عندما احتلوا السفارة الأمريكية واحتجزوا الرهائن، وضعوا سلطتهم الخاصة وقمعوا الثوار الحقيقيين، على حساب القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية للإمبريالية. حتى قبل هزيمة إيران مع العدوان العراقي السافر واستسلام إيران، كما أنهم يؤيدون استقرار سلطتهم المطلقة على المجتمع.
لأجل ذلك، إن كان لديهم أهلية لإدارة أزمة الوطن، لما كانوا سيحملون المؤامرات الصينية والشِقاق وقمع الفكر والتفكير النقدي، واليوم تهددونهم لاستعادة ما أعطيتموهم؛ كل مساعيهم هي استخدام نفوذك وتقديرهم لك، وسوف تتخيل هذه اللحظة أمام عينيك، أن هؤلاء الناس الذين أعدوا بعدك كل خطط التآمر والعدوان فيما يتعلق باستقلال الدولة والحقوق القانونية للناس المحرومين، الذين أملوا جميعًا في انتصار الثورة والإطاحة بنظام الطاغية بهلوي، سيطالبون بماذا؟
والسلام.
هذه الرسالة كتبها الكتاب والصحفي علي أصغر حاج سيّد جوادي بتاريخ 5 فبراير/ شباط 1981، ويعيدُ موقع «آسو» نشرها بمناسبة وفاته بباريس مؤخرًا.