«فرج عامر»: لا تنخدع بسذاجة الفيسبوك
في منتصف الستينيات، نُشر مقال للكاتب المصري المعروف «أنيس منصور»، أكد خلاله أن نادي سموحة، الذي يقع في أحد أعرق بقاع الإسكندرية، هو أكبر نادٍ في العالم من حيث المساحة -«500 فدان». في ذلك الوقت، لم يكن يعرف منصور أن أحدهم سيتولى رئاسة هذا النادي بعد حوالي 30 عامًا من تاريخ المقال، ليكون الشخصية الرياضية الأبرز في مصر.
في فبراير من عام 1997، أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري آنذاك، كمال الجنزوري، قرارًا بحل مجلس إدارة نادي سموحة، وتعيين المهندس محمد فرج عامر، رئيس مجموعة «فرج الله» الصناعية، أو كما وصفته شبكة سكاي نيوز أنه قطب الطعام المصري.
لم يستغرق الأمر طويلًا حتى تم حل لجنة عامر المؤقتة بحكم قضائي، لكنها لم تكن إلا بداية لتاريخ طويل مع النادي السكندري، يمكن أن نعتبره تاريخًا موازيًا وواصفًا لأحداث الرياضة المصرية خلاله. لكن كيف تكونت أسطورة فرج عامر الرياضية؟
تاريخ مجهول اعتيادي
لا يملك فرج عامر أي تاريخ كروي، حاله كحال كل رجال الأعمال الآخرين الذين اقتحموا كرة القدم في مصر، بينما يحكون، عوضًا عن ذلك، أي ارتباط رياضي عادي، يخص رياضة غير شعبية ولا تحصل على صدى واسع من المتابعة، حتى لا يكون هناك داعٍ لأن تبحث وراء هذه المعلومة للتأكد.
لم يخرج تاريخ عامر الرياضي عن كونه لاعبًا، أو بالأحرى بطلًا، بألعاب القوى في فترة الستينيات، وهي لعبة صاحبة شهرة شحيحة في الأوساط المصرية، وذلك قبل أن يقتحم المجال الصناعي في مصر مطلع السبعينيات.
يكفيك أن تعرف أن «مرتضى منصور»، أحد أشهر من تناوبوا على رئاسة نادٍ بحجم الزمالك، قد اكتفى بذكر أنه كان «كابتن» فريق الجامعة حينما كان طالبًا في كلية الحقوق. ويفترض أن يكون ذلك كافيًا لدفع شخص متخصص في القانون والقضاء لاقتحام كرة القدم بدون مقدمات إطلاقًا لتكون شغله الشاغل بدون مقدمات.
لكن ماذا عن كرة القدم؟ الحقيقة أنه لا شيء إطلاقًا يخصها في حياة عامر، غير أنه قرر بعد مدة من توليه رئاسة سموحة، أن يزيد اهتمامه بفريق كرة القدم بالنادي من أجل إبراز مجموعة إنجازاته في النادي.
الأمر ذاته يتكرر مع عامر لكنه يحدث بهدوء وتصاعد هادئين، بشكلٍ يجعله يستحق أن يكون أبرز ممثل عن الرياضة المصرية بدلًا من منصور الذي لا يستطيع لعب هذه اللعبة بإتقان ،بجانب إدارة مجموعة اقتصادية بحجم مجموعة «فرج الله».
لكن على ذكر مجموعة فرج الله ونجاحها الهائل اقتصاديًا، ألا تشعر بأي تقارب بين ما تُقدمه هذه المجموعة مع ما يُقدمه فرج عامر في كرة القدم المصرية؟ أو لنكون أكثر دقة، مع ما تقدمه كرة القدم المصرية للجميع أصلًا؟
كيفية بيع «الهوا»
اندرج عامر من عائلة ميسورة الحال، والده كان وكيلًا لوزارة الصحة، وامتلك جده لأبيه عدة مطاحن وله باع في العمل الصناعي، لكن فضّل المهندس محمد الاستقلال عن عمل العائلة لسبب هام.
يؤكد عامر أنه كان يحب الحصول على مقابل نظير الاجتهاد في العمل، وكلما تضاعف الجهد يُضاعف المقابل والعكس صحيح، لكنه لم يجد ذلك في عمل العائلة ولا في الهندسة، فقرر تكوين عمله الخاص. والبداية كانت بيع منتج من الخردة المهملة لأحد أساتذته في كلية الهندسة مقابل 45 جنيهًا مصريًا، منجزًا أول استثماراته. ربح عامر من هذه العملية 45 جنيهًا، لأنه ببساطة حصل على الخردة مجانًا.
يتبع عامر سياسة بيع الهوا في كل عمله الاقتصادي تقريبًا، يكفيك أن تُدرك أن منتجًا مثل «برجر فرجللو»، الذي لا يملك سمعة جيدة كافية عند المستهلك المصري، هو المنتج الأول والأساسي لسلسة مطاعم عالمية مثل «ماكدونالدز».
يتبع عامر نفس السياسة فيما يخص لاعبي نادي سموحة. فلا يمكن أن يطلب أي نادٍ مصري أي لاعب في النادي السكندري دون أن يُغالي فيه فرج عامر بشكل مُبالغ فيه، والعجيب أنه ينجح في هذه المُغالاة ويحصل على ما يُريد بلا سبب واضح. المغالاة دائمًا ما تكون في إطار حب عامر الشديد لهذا اللاعب وتمسكه به بشكل لا يمكن كسره بالتفريط، والنتيجة نعرفها جميعًا.
وفقًا لموقع ترانسفير ماركت، فإن نادي سموحة قد حصل على ربح صافٍ بقيمة 47 مليون جنيه مصري تقريبًا من عمليات بيع وشراء لاعبيه بداية من موسم 2015/2016 وحتى موسم 2020/2021. وفقًا لنفس الموقع، فإن الأهلي تخطت خسائره الـ100 مليون جنيه، بينما يقترب الزمالك من خسارة نحو 70 مليون جنيه.
منتج نادي سموحة من اللاعبين ليس بالجودة الكافية، ولا يملك حظوظ بيع لاعبيه للخليج كما فعل الأهلي والزمالك خلال السنوات الأخيرة، لكن يستطيع فرج الحصول على أعلى قيمة ممكنة من منتج ليس بالجودة الكافية. ألا تعتقد أن الدوري المصري بأكمله لا يملك الجودة الكافية ويحصل على قيم لا يستحقها على الإطلاق؟
الورق يأتي أولًا
لا يخفى على أي مواطن مصري حقيقة أن بلده يعيش على تبادل الأوراق الرسمية. ترتيب الأوراق في مصر يأتي أولًا وقبل كل شيء، ولا يمكن بأي شكل إنكار إتقان فرج عامر للأوراق وترتيبها.
يحكي عامر عن فترته الأولى في الاستثمار والاستيراد والعمل العام، أنه كان قاب قوسين أو أدنى من أن تنتهي أسطورته قبل أن تبدأ، حيث اتهم ببيع منتجات لحوم مجمدة أعلى من التسعيرة الجبرية الموضوعة من الحكومة المصرية برقم ضخم، إذ خرجت فواتير من مصانعه تفيد بأن الكيلو يقدر بـ15 جنيهًا، بينما التسعيرة كانت 175 قرشًا.
كان عامر آنذاك شابًا يملك الجودة الفنية والذكاء ولكنه لا يملك القدرة على ضبط أوراقه -على حد وصفه- إلا أنه استطاع النجاة من هذه الواقعة بسبب بند واحد في قانون التسعيرة الجبرية. أزمة ترتيب الأوراق كادت أن تودي بحياته الاقتصادية، والمؤكد الرياضية أيضًا، لكنه نجا أيضًا بفضل ترتيب الأوراق.
منذ أن تولى عامر مسؤولية نادي سموحة، لم تفتح أي تحقيقات بشأن التعامل المادي والاقتصادي في النادي، بالرغم من الموارد الشحيحة للنادي وقت توليه المهمة، بدرجة جعلته يؤكد أن النادي من قبل كان «خرابة»، والآن يمكنك أن تشهد الفارق الضخم، لكن الأكيد أنك لا تحتاج للبحث وراءه، لأنك تعلم أن الأمر سيكون مُرتبًا قانونيًا، والأهم أن ذلك الترتيب القانوني مدعوم بغطاء للتمويه على مواقع التواصل الاجتماعي.
أسباب تجعلك تحب «فيسبوك»
هل تتذكر آخر مرة كان هناك مسؤول رياضي مصري يعرف كيفية ترتيب الكلمات؟ لا تسقط منه تصريحات لا يمكن أن تخرج عن أي مسؤول في أي مجال؟ قد لا تتذكر الكثيرين لكن الأكيد أنك لن تُسقط من ذاكرتك اسم فرج عامر.
يتسابق فرج عامر على المركز الأول في التصريحات والمنشورات غريبة الأطوار، لكنه لا يكتفي بالحكم والجمل الغريبة فقط، بل يتسابق أيضًا على وضع تصنيفات لا يعرف أحد طريقًا لها، مثل إشادة الفيفا بلاعبي سموحة أو أن رئيس نادي بورتو البرتغالي قد أشاد به شخصيًا.
يتبع أغلب العاملين في الدوري المصري هذه الطريقة من أجل الظهور بين الحين والآخر، لكن العجيب أن عامر لا يعرف انقطاعًا عن هذا الأسلوب وهذه المنشورات، فهو يقوم بذلك باستمرار. والأكيد أيضًا أن عامر لا يقوم بمثل هذه المنشورات بلا هدف أو سبب.
نشر فرج ذات مرة، قبل كأس العالم 2018، أن المحترف المصري محمد صلاح قد نشر على صفحته عبر فيسبوك أنه لن يغادر ليفربول بناء على تعليمات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمؤكد أنه لا دليل واحد على ذلك لكن ظل عامر مُصممًا على ذلك بإصرار ليس غريبًا عليه.
حصل عامر في عام 2018 على جائزة أفضل شخصية رياضية مُقدمة من مؤسسة الأهرام، وربما تزيد قيمة عامر يوميًا في الرياضة المصرية، ليس لأنه يصنع المستحيل وليس لأنه يقوم بما هو يستحق الثناء رياضيًا، لكنه فقط يتشابه تمامًا مع كل شيء يخص الكرة في مصر، سنوات من اللا شيء كرويًا، وبيع هواء مُعلب على هيئة دوري مصري، بترتيب أوراق مُتقن بعناية، يُكتب بداخله «الإدارة زي الطبخ تمامًا، نفَس».