فانتازيا الأفضل: من يستحق ألا يترك الملعب أبدًا؟
الأربعاء 26 سبتمبر/ أيلول عام 2018
مختبر جامعة إلينوي، شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية.
تلك الكلمات هي افتتاحية رواية «انقطاعات الموت» للروائي البرتغالي جوزيه ساراماجو. لكننا لا نقرأها من صفحات الرواية، بل كوشم دقيق كتب فوق الزند الأيسر للطبيب «مو يانج» المسئول الأول عن إنتاج لقاح يهدف بشكل أساسي لجعل الإنسان لا يشيخ أبدًا.
لم يمض سوى دقائق معدودة حتى اهتز العالم بأسره فور إعلان السيد يانج وفريقه نجاح الاختبارات النهائية الخاصة بإنتاج اللقاح المنشود. ربما لهذا السبب تحديدًا قام السيد مو بوشم سطور ساراماجو فوق زنده، حتى لا ينسى أبدًا أن القادم خطير ويحتاج للكثير من الحكمة.
بدأت القصة قبل ثلاثة عقود، حينما قرر العالم الشاب مو يانج أن يكرس كامل حياته لكل ما يتعلق بمسألة تحديد عمر الإنسان البيولوجي وإزالة خلايا الشيخوخة وتحفيز إنتاج أنسجة جديدة. كان كل ما يفكر به هو إنتاج لقاح يجعل الإنسان لا يصاب بالعجز. كان يعلم أنه قادر على النجاح لكنه كان متخوفًا من مصير العالم بعد ظهور هذا اللقاح.
اقترح أحدهم أن يصبح حق الإنجاب للعباقرة فقط، هؤلاء الذين يستحقوا أن يستمر نسلهم لتستفيد البشرية لكن يانج كان يعلم أنه ليس الرب ليحدد من سينجب ومن سيعش حياته دون أبناء.
هل سيحتكر الأغنياء هذا الدواء دون غيرهم فتفنى حياة الفقراء في خدمة قلة من المخلدين أصحاب الثروات الطائلة؟ هذا لا يتوافق ومبادئ السيد يانج لكن في المقابل فإن توزيع لقاح مثل هذا على كل البشر من شأنه أن يشعل حربًا لا نهاية لها، فأعداد البشر ستزداد دون زيادة للموارد وهو ما سيخلق نزاعًا هائلاً دون شك.
انتهى الأمر بوضع السيد يانج لشرط أساسي قبل البدء في العمل على هذا العقار وهو أن تتكون لجنة من عباقرة العالم في جميع المجالات لتختار شخصًا واحدًا فقط في كل مجال يحق له أن يتناول هذا العقار الذي سيتم إنتاج عدد محدود للغاية منه.
تم الاتفاق على ضرورة اختيار المجالات ذات الأولوية من حيث الفائدة التي تعم على الناس، وكانت اللجنة تجتمع لشهور قبل أن تقرر إعلان اسم الرجل الذي لن يشيخ في مجاله.
لكن ومع مرور الوقت وظهور فيروس الكورونا تعالت الأصوات المطالبة بإنتاج العقار للجميع وفي المقابل اكتفى السيد يانج أن تتسع رقعة الاختيار لتشمل كافة المجالات في العالم الذي لا يعرف أحد كيف سيبدو بعد قليل من السنوات.
اعتمدت اللجنة بشكل أساسي على سماع حديث كل شخص متميز في مجاله دون أن ينوب عنه أحد في الحديث ودون حديث مسجل أو مكتوب.
نحن الآن في العام 2020، ينتظر العالم أجمع معرفة لاعب كرة القدم الوحيد الذي لن يشيخ أبدًا. لقد كانت دومًا كرة القدم مجالًا ممتعًا للبشرية، لكنه خضع في كل أوقاته للأهواء والتفضيلات وهو أمر مفهوم ولذا كان عمل اللجنة صعبًا للغاية ربما أصعب من اختيار رجل الفيزياء الأول في العالم.
هناك معلومة تسربت لنا من داخل أروقة اللجنة أن الاختيار انحصر في أربعة أسماء. ولأن لا شيء يمكن إخفاؤه في عالم كرة القدم تحديدًا استطعنا أن نحصل على تلك القائمة القصيرة من الأسماء بل وعلى نص دون به حديث كل شخص مع اللجنة.
ليونيل ميسي: عقل مزدحم بملايين الكادرات
أنا لا أجيد ترتيب الكلمات داخل ذهني. أعي ذلك جيدًا لأنني أجيد في المقابل ترتيب ملايين المشاهد المتعلقة بكرة القدم داخل عقلي.
أرى خصمي الآن محاولًا أن يستخلص الكرة، حسنًا لا يهم سأقترب منه حتى يكاد أن يلامسها ثم سأعبر عن يمينه. هنا سأصبح في مرمى قدم أخرى ممدودة للحاق بالكرة، لمسة بسيطة بوجه القدم لتصبح الكرة أعلى من تلك القدم.
هنا تحديدًا سأصبح حرًا تمامًا لأملك خيارين إما أن أخترق ثلاثة لاعبين آخرين وأسدد الكرة وإما أن أمرر الكرة للاعب من ضمن ثلاثة. أعلم جيدًا أن اللاعب الثالث يتمركز بشكل مثالي في مواجهة المرمى لكن اللاعب الثاني يملك إمكانيات تؤهله للتصرف في الكرة بشكل أمثل. أمرر الكرة ويحرز الرجل الهدف. هذا لم يحدث إلا داخل عقلي لكنه سيحدث قريبًا في الواقع.
أنا لا أتحكم بمرور الوقت كما يبدو للبعض لكنني أعيش داخل ملايين المشاهد دون أن أتحكم في ذلك. لا يتسع عقلي لشيء إلا لتلك المشاهد. أتخيل كل كادر داخل كل مشهد. ألعب مع عقلي لعبة الاحتمالات التي لا تنتهي.
يبدو الواقع كأنه مكرر من قبل حتى وإن اختلف في كل مرة. وفي اللحظات النادرة التي يحمل لي الواقع مشهدًا جديدًا أحفظه جيدًا داخل عقلي وأضمه لملايين المشاهد الأخرى.
في كل مرة أؤكد للجميع أنني لست الأفضل،لأنني ببساطة لا أحتمل الجدال الدائر حول فكرة الأفضلية، يعتقد البعض أنني مصاب بشيء من التوحد فهل أشرح لهؤلاء أنني أعيش داخل مشاهد لا تنتهي من كرة القدم؟
حسنًا، أنا الأفضل. أنا المهارة اللاتينية الخالصة والطابع الأوروبي الملتزم والعقل الذي لا يفقه شيئًا سوى كرة القدم. أنا الأفضل حتى دون لقاح، لكن هذا اللقاح سيضمن لكم أن الأفضل سيستمر دون شك.
رونالدو: الإيمان بالفكرة قبل أن توجد
لماذا أنا الأفضل؟ لأنني تخليت عن كل ثانية من المتعة من أجل أن أبقى الأفضل. قبل أن يقرر أحدكم أن يتحدى العمر والشيخوخة كنت أتحداها أنا في كل ثانية من عمري.
لقد قتلت كل رغباتي منذ زمن. يقرر المختصون ما هو أكلي المناسب ومتى أستريح وكيف أقضي إجازتي. أنا على تمام التأكد أنني تعاملت مع بعضكم من قبل دون أن أعلم شيئًا عن هذا اللقاح. أنا أكثر شخص يؤمن بكم في العالم وأكثر شخص يؤمن بفكرة هذا اللقاح قبل أن يوجد.
أنظروا إلي جيدًا، لا يبدو علي أي من علامات السن. أنا العنصر المثالي المعد خصيصًا لاستثمار فكرتكم المتعلقة بالشباب الدائم. قد يمل ميسي من الكرة حتى وإن لم يشِخ لكنني لا أمل أبدًا. أنا أكثر من آمن بكم والأحق بثمرة هذا الإيمان أكثر من أي شخص.
إبراهيموفيتش: فرصة لم يحظ بها أبدًا
حسنًا، أرجو ألا يؤثر شيء من تاريخي بخصوص قراركم. يراني الجميع شخصًا مغرورًا لا أملك مشاعر طيبة بينما يتشدق الكثيرون بتلك المشاعر دون فعل.
حسنًا أنا لست مغرورًا لكنني أرى نفسي نبيًا أتى في الزمن الخطأ. زمن ميسي ورونالدو فقط. أنا لا أنكر على أحد ما يمتلكه لكن أتمنى فقط لو غاب أحدهم عن المشهد.
لو تأخر أحدهم عن الظهور فقط عدة سنوات لكنت أنا أحد طرفي صراع الأفضل دون شك. أنا أنتزع الأهمية التي أستحقها فقط لا أكثر. لماذا أطير في الهواء مقدمًا للجميع مشهدًا لن يروه في ملاعب كرة القدم إلا إذا قرر جاكي شان أن يحترف اللعبة ثم أجد نفسي خارج سباق الأفضل في كل مرة؟
أنا الأفضل لأنني لست استثنائيًا بشكل مريب، أنا الأفضل من لاعبي كرة القدم الحقيقيين. أنا لست ممسوسًا مثل ميسي ولا يسيطر علي هاجس الأفضل مثل رونالدو.
العدل أن أكون أنا الأفضل، العدل أن يأتي الناس لمشاهدتي دون مقارنات مع ميسي ورونالدو. العدل أن أحظى بفرصة تصدر المشهد الذي حرمت منها لأنني لست غريب الأطوار.
نيمار: أفضل من يستحق فرصة أخرى
أنا لا أعلم لماذا أتواجد أمامكم. لا يؤمن أحد بأنني الأفضل إلا أنا. الآن يُطلب مني أن أقنعكم بأنني الأفضل!
حسنًا أنا رجل الفرصة الضائعة، إن كان هذا العقار سيطيل عمر متناوله داخل ملعب كرة القدم فأنا الأحق دون شك. لا لأنني الأفضل لكن لأنني كنت أستطيع أن أصبح الأفضل وأضعت كل الفرص، فلعلها تصيب تلك المرة.
هذا اليقين الذين تبحثون عنه هو ما أضاع حياتي بأكملها، اليقين بأنك تملك ما لا يملكه الآخرون، لكن ماذا لو اعتقد الجميع أن ما تملكه وإن عظم لن يجعلك الأفضل أبدًا؟
ربما ترحل إلى مكان آخر تثبت من خلاله أنك أفضل لكنك تتفاجأ بأنك أضعت شغف الكرة الذي كان يجعلك عينيك تلمع في نجابة قبيل كل مباراة. أنا أريد البقاء داخل الملعب لأنني أضعت حياتي الماضية هباء، إذا كنتم تعتقدون في الفرصة الثانية فأنا أفضل من يحصل عليها دون شك.
حسنًا، كان ذلك نص ما تحدث به اللاعبون الأربعة، يبدو أن لكل رجل وجهة نظر لها وجاهتها لكن أيًا من وجهات النظر تلك كان متوافقًا مع قرار ورؤية اللجنة. لا أحد يعرف.
المقدمة مستوحاة من الجزء الأول للفيلم التسجيلي العام مليون والذي أنتجته شركة ناشيونال جيوغرافيك.