أخيرًا فعلناها؛ بعد 27 عاما من الإخفاق واختبار كل تلك المعوقات التي وقفت كحائط صد منيع بين أجيال من لاعبي منتخب مصر وبين البطولة الأهم، وبعد إخضاع تلك المعوقات للبحث تارة والتدقيق تارات للوقوف علي أسباب عدم التأهل الملازم لعملاق القارة الإفريقية ليختلف الجميع على حقيقة تلك الأسباب ويتفقون على النحس، بعد السقوط أمام غانا، والجزائر، وساحل العاج، والمغرب، وأحيانًا زمبابوي وليبيريا، ها نحن نفك النحس، أو بالأحرى نقتله!

أي فارق ذلك الذي يصنعه 27 عاما؟! يكفيك أن تتأمل وجوه لاعبي مصر لتكتشف أن أغلب نجومها ولدوا فعلًا بعد مونديال 90 أو قبله قليلًا، كلهم تقريبًا مثلنا لم يصدقوا أننا لم نتأهل ذات مرة بسبب طوبة، ومثلنا أيضًا تجرعوا أمام الشاشات الصغيرة مرارة مقصية «مصطفي حجي»، وفي الغالب يتبادر لذهنهم فرصة «محمد عمارة» كلما وقع اسمه على مسامعهم أو ينتاب أحدهم قشعريرة حين ينفرد بحارس المرمى مخافة اللحاق بمصير «طارق السعيد»، وبالتأكيد كلهم مثلنا أرادوا رؤية «تريكة وزيدان» في المونديال!

لكن كل ذلك بات من الماضي، لم نعد بحاجة لتصوّر ماذا كان سيفعل منتخبنا لو حظي ببطاقة التأهل بدلًا من بلد آخر، ولن يعكر الندم على فرصة هدف ضائع صفو التمتع بمنافسات كبرى منتخبات العالم، سنتلو نحن الحكايات بدلًا من الاستماع لذكريات الأجيال الأكبر عن حارس هولندا ومدرب إيرلندا، واليوم نحن نصنع الحدث؛ من النهاردة مفيش «مصطفي حجي».. إحنا «مصطفي حجي».

في هذا المقال نخوض رحلة خيالية لرسم سيناريو مستشرفين مسيرة منتخب مصر خلال مونديال روسيا 2018 بإطار فانتازي لا يستهدف أبدًا الانتقاص مما فعله لاعبو منتخبنا أو التقليل من فرح المصريين، بل هو بالتأكيد إحدى صور تلك الفرحة.


مقعد أمام الشاشات

لطالما كانت قرعة المونديال محطة يجتنبها كثير من المصريين، فالأمر لا يقف فقط عند عدم وجود اسم مصر داخل إحدي تلك الكرات البلاستيكية التي يلتقطها عادة أحد نجوم اللعبة لتوزيع المنتخبات على مجموعات البطولة، ولكن لشعور المصريين باستحقاقهم اللحاق للبطولة الأهم في ظل تفوق قاري وتاريخي، وبالتالي من غير المنطقي خسارة بطاقة التأهل للمونديال أمام نفس المنتخبات التي تفوز عليها مصر بسهولة ببطولة الأمم، لكن غير المنطقي هو ما يحدث بكل مرة بل إن المونديال تمنّع عن مصر وفتح ذراعيه لمنتخبات كجاميكا وترينداد!

عمومًا سيتغير ذلك عندما يقترب موعد القرعة القادمة، بل سيصبح حفل القرعة أكبر حدث مرتقب في ظل تخمينات حول مجموعتنا ستغمر نقاشات الشارع ووسائل المواصلات قبل أن يهرع مقدمو البرامج التلفزيونية لاستضافة خبراء الفلك لاستكشاف نجم «كوبر» وربما يظهر على شاكلة الأخطبوط «بول» حيوانات أخرى تتنبأ بمواجهاتنا في موسكو.

أخيرًا سيكون لمصر مقعد بحفل القرعة، سيدخل «كوبر» قاعة الفيفا بابتسامة تخلو من الأعصاب المتوترة ولا تعرف الحسابات المعقدة لينتظر نجم الحفل الذي سيتولى مهمة اختيار كرات القرعة، لم يكن ذلك سوى ملك روما «فرانشيسكو توتي» الذي أعاد بمجرد ظهوره طيفًا من الذكريات للأرجنتيني عن فترة تدريبه للإنتر.

سيدخل «كوبر» قاعة الفيفا بابتسامة تخلو من الأعصاب المتوترة ولا تعرف الحسابات المعقدة لينتظر نجم الحفل الذي سيتولى مهمة اختيار كرات القرعة

ساد القاعة صمت دام 5 ثوانٍ بعد تصفيق حاد للملك، عندها تمنى الأرجنتيني لو أن مالك النياتسوري السابق «ماسيمو موراتي» حاضر بالحفل لأي سبب فقط لينهي معه ثأرًا قديمًا، ودّ «كوبر» أن يذكره بكلماته بآخر صدام عنيف دار بينهما قبل 14 عاما، أن رد له كل كلمة قاسية ونظرة ساخرة؛ لكن «توتي» أنقذ رقبة ابن جلدته على كل حال قاطعًا وصل تلك الأفكار الانتقامية وبدأ بسحب الكرات.

تُرى من يكون صاحب التصنيف الأول بمجموعتنا؟!

فرنسا مثلًا؟ ذكرياتنا مع مواجهة «سيسيه» و«بشير التابعي» لا تدفعنا بالترحيب بـ«جريزمان» وأصدقائه، هل من الممكن البرازيل؟! لا بكل تأكيد لا، ليس خوفًا من «نيمار» بالطبع وإنما لأن «المحمدي» لن يسلم مرة أخري من تقنية الكاميرات الحديثة، بولندا إذن؟! صحيح ربما يعاني «الحضري» أمام «ليفاندوفسكي» لكن «صلاح» يعرف دومًا الطريق لمرمى «تشيزني»؛ ياريت بولندا!

عمومًا «توتي» كان له رأي آخر عندما رفع اسم البرتغال ثم المكسيك قبل مصر وختمها بكوريا الشمالية، بالطبع مواجهة «رونالدو» ليست سهلة ولكنها أرحم من مواجهة «رونالدو» ثم الاصطدام بـ«سانشيز» مثلًا، ومن هنا طبعًا سيطفو السؤال السريالي: من سيتولى رقابة الدون؟! «إسلام جمال» موجود؟!


رونالدو وصلاح وكيم يونج

حاولت الفيفا تفادي الأزمة التي وقع فيها منتخب كوريا الشمالية بمونديال جنوب أفريقيا 2010 عندما اختفى 4 من لاعبيه أو بالأحرى هربوا من معسكر الفريق بسبب أوضاع بلادهم الخانقة، لكن الفيفا فشلت بعد تفاقم الصدام بين السيد «كيم يونج» من ناحية والسيد «دونالد ترامب» من ناحية أخرى ليصحو رئيس الاتحاد الدولي «جياني إنفانتينو» ذات يوم بعد انطلاق المسابقة على خبر كابوسي باختفاء 15 لاعبا كوريا رفقة المدير الفني ومساعده من المعسكر بأرجاء روسيا.

الخبر الصاعق والحيز الزمني الضيق ضاعف من صعوبة الأمر وأثقل حركة «جياني»، فالمتبقي من قوام البعثة الكورية لا يكفي أصلًا لدخول المنافسات ولا يملك أحد وقت للتفاوض بشأن إرسال دفعة أخرى من اللاعبين لسد العجز ناهيك عن التخوف من اتهامات خرق القوانين مبكرًا؛ لكن كوريا نفسها هي من أنهت الصداع الذي احتل رأس «جياني» عندما بادرت قبل سويعات من مباراتها مع البرتغال بالانسحاب النهائي من البطولة.

تلك المتغيّرات دفعت «كوبر» للتركيز على مواجهة المكسيك، أولوية الأرجنتيني ستتمثل بعدم تلقي أي أهداف مهما كلفه ذلك من تراجع وتمترس حول المرمى، والتخلي أيضًا عن بعض الطموح الهامشي كالتسجيل بمرمى الخصم مثلًا، سيحافظ منتخبنا على تنظيمه الدفاعي محاولًا إغلاق كل ثغرة بوسط ملعبه. لن يتأثر الأرجنتيني عندما يبدأ مدرب المكسيك بالدقيقة 65 بالصراخ بالإسبانية: «ما كل هذا الكاتيناتشو بحق الجحيم؟! اللعنة اللعنة! لقد نالوا منا كما فعلوها أمام الأيرلنديين!»

لم يصدق المكسيكي «خوان أوسوريو» ما حدث إلا بعد أن أطلق الحكم صافرته معلنًا التعادل وظفر الفراعنة بالنقطة، حتى أنه تلفظ بالمؤتمر الصحفي بكلام مشين اعتراضًا على ما حدث لتصدر الفيفا قرارًا باليوم التالي بإيقافه عن مباراة البرتغال؛ خطة في منتهى الذكاء يا أبو كوبر.

بينما كان المكسيكيون يضعون «كوبر» برأسهم، كان هو يضع البرتغال نصب عينيه، فقط لأنه يعلم أن المنتخب الأوروبي يمتلك مدربا عاقلا، حكيما كـ«فيرناندو سانتوس» لا ينجرف خلف تلك الدعوات السافرة بالهجوم تحت مسمى الكرة الجميلة، ويلجأ لتكتيك التكتل وإرسال المرتدات القاتلة، نفس الخلطة السحرية التي نعرفها.

لن يدفن الثعلب الأرجنتيني رأسه بالرمل، سيضيف فقط حسام عاشور بجوار النني، وطارق، وسيتخلى عن لاعب طرف لصالح مسّاك جديد بجوار ربيعة، وحجازي

عمومًا لن يدفن الثعلب الأرجنتيني رأسه بالرمل، سيضيف فقط «حسام عاشور» بجوار «النني، طارق» وسيتخلى عن لاعب طرف لصالح مسّاك جديد بجوار «ربيعة، حجازي»، بعض التهور الدفاعي بالتأكيد لا يضر بمواجهة «رونالدو»، لكن للأسف فروق الإمكانيات ستتحكم.

فبعد أن أجهد خط دفاعنا الدون كما لم يجهده الأتليتي سينجح بالتسجيل قبل نهاية الشوط الأول من عرضية، ثم سيتمكن من مضاعفة النتيجة من ركلة جزاء ظالمة بالشوط الثاني، قبل أن ينجح «تريزيجيه» بممارسة هوايته باصطياد الأخطاء الدفاعية مانحًا «صلاح» ركلة جزاء بالدقيقة 92؛ جووووووووووووول! بالطبع سيخرج بعدها البلدوزر «عبدالغني» للتصريح بأن تسجيل ركلة جزاء أمام هولندا 90 قطعًا أصعب من البرتغال 2017؛ لا بأس.

بالطبع أنت تعرف استكمال القصة، ستخسر المكسيك بغياب المدرب 1/3 لنتأهل رفقة البرتغال بفارق الأهداف، ولعشّاق الإحصائيات والخرائط الحرارية الصورة القادمة ستكشف بعض التفاصيل الفنية التي سنعتمد عليها بدور المجموعات.

خريطة حرارية مُتوقعة لمنتخب مصر في دور المجموعات بكأس العالم،

أوعى يجيلك حمص

ينتقد بعض الخبثاء اعتماد «كوبر» على مجموعة معينة من اللاعبين لا تتغير أمام أي خصم وخلال أي ظرف وتحت أي ضغط، مساكين لا يعون لحجم التفاصيل التكتيكية التي يعتمد عليها الأرجنتيني، عمومًا مواجهة دور الـ16 ستكشف زيف ادعائهم.

فقد قُدِر لنا مواجهة الأوروجواي، المنتخب اللاتيني المعروف بقدراته الهجومية، لذلك سيتفتق ذهن «كوبر» لحيلة تكتيكية فريدة لعرقلة الخصم، الحيلة تقوم على تحميل «طارق حامد» عبء مراقبة أو بالأحرى مطاردة «سواريز» طوال الـ90 دقيقة وجرّ مهاجم برشلونة للاستفزاز! تفهم «طارق» أن عليه القيام ببعض التضحيات البدنية لمجاراة أسلوب لعب الأوروجواي، وقد نجح فعلًا باستدراج «لوزيتنو» للتلاسن أثناء المباراة، قبل أن يتحقق له ما أراد بالدقيقة 60.

ضاق الأوروجواياني بمطاردة «طارق» ذرعًا ليستغل أحد الالتحامات وينقض على كتفه ويعضّه على طريقة كيلليني، هذه المرة لم يسلم من الكارت الأحمر ولا مكر المصريين. صدمة المنتخب السماوي قابلتها حيوية على دكّة الفراعنة، فقد نزل «عبدالله» بديلًا لـ«رمضان»، لتتحول صدمة اللاتينيين لاحقًا لإصرار على الهجوم تاركين خلفهم مساحات شاسعة، استغلها «السعيد» بهجمة عنترية وبسرعة جنونية راوغ ثلاثة لاعبين ليسجل هدفه المونديالي الأول ويطير بنا لدور الـ8

الحلم الرومانسي الجميل كان له أن يصطدم لاحقًا بالطليان، المنتخب صاحب التاريخ المونديالي والأسماء الكبيرة كـ«بوفون، روسي، إيموبيلي» فيما دخل منتخبنا المباراة بغيابات أقلها إصابة «طارق حامد» وإجهاد «السعيد»، لكن كوبر توقع تلك المفاجآت غير السارة وأعد عدته؛ وكأنه يقرأ الطالع. فقد نجح قبيل البطولة بإقناع عازف السمسمية المعتزل «محمد حمص» بالعودة للملاعب بعد أن شاهد ملخصا لأدائه ولاحظ قدرته على مباغتة دفاع إيطاليا بكأس قارات 2009، وها قد جاءت الفرصة ثانية بالدقيقة 30 من ركنية أرسلها «صلاح» لينهي الأسمر على مسيرة «بوفون» ويحظى «الحضري» بقميصه الأخير!


ميسي؟

الحلم الرومانسي الجميل كان له أن يصطدم لاحقًا بالطليان، المنتخب صاحب التاريخ المونديالي والأسماء الكبيرة كـ«بوفون»، «روسي»، «إيموبيلي»

لأن كل ما فات كان شئيا والقادم شيء آخر، فقط أذكرك، عزيزي القارئ، بالإطار الفانتازي الذي اتفقنا عليه في البداية، خلال ذلك الإطار ولا غير ستتقبل ما سأخبرك به الآن من أن طرفي نهائي مونديال روسيا سيكونان: مصر والأرجنتين.

هناك 3 نصائح رئيسية وجهها «كوبر» لرجاله قبل المباراة المرتقبة، أولًا: لا تخشوا من أي انفراد لأي مهاجم أرجنتيني، مستندًا علي القاعدة الثابتة التي لا تتغير بأي نهائي خلال 3 سنوات فائتة.

ثانيًا: إدخار الجهد وعدم الضغط على أي لاعب وسط أرجنتيني عند التمرير لأن وجهة تسليمه للكرة معروفة وهي «ميسي»، وبالتالي الإنشغال بالضغط الخماسي على الأخير أفيد من تشتيت الجهود الجماعية.

وثالثًا وهو الأهم: التركيز على العرضيات، ليس لأن «كوبر» سيعتمد على «عمرو جمال»، ولكن لأنه سيعتمد على «ماسكيرانو»، نعم «ماسكيرانو»! فمدافع البلوجرانا مشهور بتسجيله الأهداف العكسية وبالأخص أثناء العرضيات، حيث دائمًا يلجأ للتشتيت بمرماه.

الهدوء والثقة هي كل ما يحتاجه زملاء «النني» الآن بجانب منع «ميسي» ولو بالعنف الاقتراب من منطقة جزاء «الحضري»، مهمة صعبة بالتأكيد لكن مع الأرجنتين لا يوجد مستحيل كما نعلم.

دارت المباراة بنسق واحد، استحواذ أرجنتيني واستبسال مصري، توتر لـ «سامباولي» من كابوس آخر وعدم اكتراث لـ«كوبر» بعد خسارة نهائيات كافية، لكن «ماسكيرانو» سيحل الموقف المتأزم بالدقيقة الـ80 من صاروخية عرضية لـ«أحمد فتحي» وجدت قدم الأرجنتيني اليسرى لتسكن مرمى «روميرو» قبل أن يبدأ «ميسي» بالصراخ بلغة غير مفهومة ويهم بالركض خارج الملعب وخارج الإستاد بحثًا عن عالم أقل قسوة.

ردود الأفعال ستتباين بعد التتويج المصري، «سميوني» مثلًا سيكون أول المهنئين لـ«كوبر» على ما فعله بالرغم من مرارة الخسارة، «مورينهو» سيصرح بأن على «جوارديولا» اعتزال التدريب لأن أسلوب عمل «كوبر» كشف أن الكتالوني يعيش الوهم، فيما سيطلب الكتالوني من إدارة ناديه شراء 3 مدافعين جدد بقيمة مليار يورو ردًا على اتهامات إهماله للدفاع، فيما ستندثر خطط كـ4/3/3 و3/4/3 للأبد لتسطع من جديد 4/4/2 الكلاسيكية.