محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/10/03
الكاتب
أندرو بونيل

تأتي هذه المقالة ضمن سلسلة «السياسة للمبتدئين»؛ سلسلة مترجمة نُشرت لأول مرة باللغة الإنجليزية في موقع «the conservation»، نقلتها للعربية شفاء ياسر، وتهدف هذه السلسلة لتقديم الأحداث السياسية الكبرى في صورة مبسطة وواضحة لغير المختصين بالعلوم السياسية.


منذ ما يقرب من 30 عامًا، في ليلتي التاسع والعاشر من نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1989، فتحت الشرطة الحدودية على حدود ألمانيا الشرقية بوابات العبور، ما سمح لحشود من سكان شرق برلين بالمرور دون عائق. بدأ ذلك بليلة احتفالات كبيرة، عبَر الناس بحرية، ذهابًا وإيابًا، من خلال حاجز الحرب الباردة وتسلّقوه، بل ورقصوا وتجمعوا فوقه.كانت الإشارة إلى الخرق الجماهيري للجدار الذي كان يخضع لحراسة مشددة سابقًا، من خلال إعلانٍ متخبط في مؤتمر صحفي عقده غونتر شابوفسكي رئيس حزب «الوحدة الاشتراكية» في برلين. أدى إعلانه عن رفع القيود المفروضة على سفر المواطنين الألمان الشرقيين إلى تهافت الآلاف منهم على نقاط العبور في الجدار، حيث فسروا الإعلان كإشارة بحرية الحركة الفورية إلى الغرب.

ماذا حدث في ذلك اليوم؟

جدار برلين

أثار فتح جدار برلين سلسلة من الأحداث التي أدت إلى توحد سريع ومفاجئ لجمهورية ألمانيا الاتحادية «ألمانيا الغربية» وجمهورية ألمانيا الديمقراطية «ألمانيا الشرقية» في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول لعام 1990.لكن لفهم حقيقة الأمر، نحن بحاجة إلى النظر في توقيت وسبب بناء جدار برلين في المقام الأول. بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، قُسمت الدولة بين المنتصرين، فتحولت مناطق احتلال الحلفاء الغربيين إلى الجمهورية الفيدرالية عام 1949، بينما أعيد إنشاء المنطقة السوفييتية باسم جمهورية ألمانيا الديمقراطية بعد ذلك بوقت قصير. كذلك قُسِّمت برلين عاصمة ألمانيا إلى نصفين. وبَنَت قيادة ألمانيا الشرقية الجدار في أغسطس/ آب 1961 لوقف تدفق المواطنين من الشرق إلى الغرب، مكملةً الحدود المغلقة التي تمتد في أماكن أخرى على طول الحدود بين الدولتين الألمانيتين.كان فتح الجدار نتاج عمليتين حدثتا خلال النصف الثاني من العام 1989: المظاهرات السلمية والمسيرات الاحتجاجية لعدد من منظمات حقوق الإنسان في ألمانيا الشرقية التي شُكلت حديثًا، والعدد المتزايد من مواطني ألمانيا الشرقية الذين غادروا من أبوابها الخلفية.حدث هذا الأخير غالبًا عبر المجر، التي فتحت حدودها مع النمسا في مايو/ أيار. استفاد عدد كبير من الألمان الشرقيين في المجر من فرصة الهجرة إلى ألمانيا الغربية في العطلات. وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، صار الجدول الذي صنعه الألمان الشرقيون فيضانًا، حيث ذهب الآلاف يوميًا إلى الغرب بحلول الأسبوع الذي فُتح فيه الجدار.علاوة على ذلك، ازداد تراجع قيادة حزب الوحدة الاشتراكية في شرق ألمانيا منذ بدأت المظاهرات السلمية، متبوعة بانتخابات الحكومة المحلية التي تم التلاعب بها في مايو/ أيار 1989. ومع بداية أكتوبر/ تشرين الأول، خرجت مسيرات احتجاجية منظمة ليلة الإثنين في مدينة لايبزيغ ومدن أخرى في شرق ألمانيا. بدايةً، كانت هناك مخاوف من قيام قيادة حزب الوحدة الاشتراكية بقمع هذه الاحتجاجات بالعنف.كانت الاحتجاجات في ساحة تيانانمن وما أعقبها من عمليات قتل جماعي في بكين في يونيو/ حزيران 1989 جديدة على أذهان الكثيرين. لكن بعد السماح بمظاهرة ضخمة ليلة الإثنين في لايبزيغ دون اعتراض مسلح من الشرطة وأجهزة الأمن في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول، اكتسبت المعارضة الشجاعة والزخم، وتجمع ما يقدر بنحو نصف مليون متظاهر في ميدان ألكسندر بلاتس في برلين قبل أيام قليلة من فتح الجدار، داعين إلى الإصلاح الديمقراطي لألمانيا الشرقية.كان هناك بالطبع سياق أوسع لهذه الأحداث، فبحلول عام 1989، اقتنع الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف بالحاجة إلى تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي، واعتبر نزع السلاح وتقليص المواجهة في الحرب الباردة في أوروبا شرطًا أساسيًا لمثل هذه الإصلاحات. على عكس القادة السوفييت السابقين، أشار غورباتشوف إلى موقف متسامح تجاه الإصلاحات في الدول الأعضاء في حلف وارسو، شاملًا تخفيف الرقابة والسيطرة المركزية على الأمور الاقتصادية.بالفعل، بدأ غورباتشوف في تشجيع استبدال الجيل الشيوعي القديم المتشدد بالقادة الإصلاحيين الأصغر سنًا، ورحب به المتظاهرون الشباب عندما زار برلين الشرقية للاحتفال بالذكرى الأربعين الرسمية لتأسيس جمهورية ألمانيا الديمقراطية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 1989، ورأوا زيارته كإصلاحات واعدة قاومها كبار السن من قيادة حزب الوحدة الاشتراكي تحت حكم إريش هونيكر. في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، اضطر هونيكر إلى التنحي لصالح رفيقه الأصغر إيجون كرينز. مع ذلك في الأسابيع التالية، على الرغم من الفتح غير المقصود تقريبًا لجدار برلين، فشل كرينز في مواكبة الضغط الشعبي المتصاعد من أجل التغيير.

تأثير سقوط جدار برلين

شهد الانفتاح الجديد على الإصلاح فيما كان لا يزال يعرف بـ «الكتلة السوفييتية» بالفعل انتخابات محل نزاع في بولندا في مايو/ آيار 1989، وإصلاحات سياسية واقتصادية في المجر. كانت هذه العوامل حافزًا للتغييرات في ألمانيا الشرقية «لا سيما أحداث كـ «فتح المجر لحدودها الغربية».وفي الأسابيع التالية لفتح جدار برلين، كان هناك انتقال سلمي إلى الحكم الديمقراطي في تشيكوسلوفاكيا، وتغييرات أقل سلمية للنظام في رومانيا وبلغاريا، حيث اتضح أن الاتحاد السوفييتي لم يعد مستعدًا لدعم الحكومات الشيوعية المتشددة في أوروبا الشرقية.

ماذا بقي اليوم من إرث برلين؟

كانت العواقب المستديمة لسقوط جدار برلين بالغة الأهمية.
على الرغم من وجود مئات الآلاف من قوات الجيش السوفييتي في خط الجبهة الأمامي للحرب الباردة في ألمانيا الشرقية، وافق غورباتشوف في المفاوضات مع رئيس الولايات المتحدة جورج بوش والمستشار الألماني الغربي هيلموت كول على السماح بتوحيد سريع للبلدين. حدث هذا بالكامل تقريبًا وفقًا لشروط ألمانيا الغربية.ترك الانهيار السريع للاقتصاد الألماني الشرقي في منتصف عام 1990 قادة ألمانيا الشرقية – المنتخبين بشكل ديمقراطي – مع القليل من النفوذ. وبمجرد دخول العملة الألمانية الغربية – المارك الألماني – إلى الشرق في اتحاد نقدي في يوليو/ تموز 1990، كانت الشركات الألمانية الشرقية التي كشفت بالفعل عن تفكك الكتلة السوفييتية غير مستعدة بشكل كبير للمنافسة.على مدى قرنين، دار التاريخ الأوروبي الحديث حول «القضية الألمانية»: ما هي الحدود الخارجية للدولة الألمانية؟ وما هو النظام السياسي الذي سيسود في هذه الدولة المركزية في أوروبا الوسطى؟ بدا أن التوحيد السلمي والديمقراطي لعام 1990 يقدم إجابة محددة ودقيقة.يتطلب توفير وحدة حقيقية بين ألمانيا الغربية والشرقية تحويلات مالية ضخمة من الغرب إلى الشرق. أدت عملية التحول الشرقي في الواقع إلى تفكك اقتصادي واجتماعي كبير. فبينما أدخل الألمان الشرقيون تعديلات هائلة في حياتهم، كان أبناء عمومتهم الغربيون يدفعون ضرائب أعلى قليلًا لتغطية تكاليف الوحدة.على الصعيد العالمي، كان سقوط جدار برلين بمثابة نهاية رمزية للحرب الباردة. كانت برلين منذ فترة طويلة قمرة القيادة لمواجهات الحرب الباردة، وأصبحت الآن كأس المنتصرين. أعلن أحد محللي السياسة الأمريكية قبل الأوان «نهاية التاريخ»، حيث إن التاريخ كان صراعًا بين الأوامر السياسية الرئيسية، وفازت الديمقراطية الغربية والرأسمالية.لكن منذ عام 1989، تبعت العديد من خيبات الأمل النشوة الأولى. كانت «فوائد السلام» أمل الملايين، ولم تبرز صحوة غورباتشوف الغامضة والغنية بالتعايش السلمي في «بيت أوروبي مشترك». وبدلًا من ذلك، نصب حلف شمال الأطلسي المنتصر خيامه داخل حدود الاتحاد السوفييتي القديم، واستجابت روسيا المليئة بالاستياء لمواجهة حافة الهاوية والتحدي.بعد انتهاء الحرب الباردة، سعت إدارات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة إلى وضع طابعها على العالم، وأدت «الانتفاضة» إلى فوضى في أغلب الشرق الأوسط وتنبؤات من مؤسسة فكرية حول «صدام بين الحضارات».اقتصاديًا، أصبحت الرأسمالية النيوليبرالية محل تساؤل، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. لكن من المهم ملاحظة أنه منذ انهيار اشتراكية الدولة، التي يرمز إليها سقوط الجدار، أصبح من المستحيل تقريبًا تمييز ملامح نظام اجتماعي بديل.