MIT تؤكد: الأخبار الزائفة لها قوة انتشار أكبر على تويتر
يمتاز تويتر بالسرعة الفائقة في تداول الأخبار عبر فضائه الفسيح للتواصل، ولعل هذا أهم ميزاتِه وأسوأ عيوبه في آن. فهذه السيولة الرهيبة لتويتر هي التي جعلتهُ المصدر الأسرع لتلقي الأخبار لدى قطاعاتٍ عديدة، وهي كذلك التي جعلته في السنوات الأخيرة ساحة لنشاط اللجان الإلكترونية المنظمة كما تجلّى مؤخرًا في السجال الدائر في الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا حول التدخل الروسي الإلكتروني في الانتخابات الأمريكية لدعم ترامب، وقيام تويتر بإزالة آلاف الحسابات الروسية الوهمية التي كانت ناشطة في ذلك.
اقرأ أيضا: تويتر يعلن الحرب على اللجان الإلكترونية
كذلك في مصر، حدثت ضجة قبل سنتيْن، بعد كشف وجود شبكة من اللجان الإلكترونية تضم الآلاف من الناشطين، بقيادة الناشط التويتري إبراهيم الجارحي. هذه اللجان تتولى مهاجمة معارضي النظام المصري، وإطلاق شائعات معينة يراد ترويجها عن إنجازات النظام، وعمل هاشتاجات لدعم النظام ودفعها بآلاف التغريدات لتتصدر قائمة الاهتمام (الترند).
العلم يقول كلمته: شعب تويتر ينطلي عليه الكذب
دراسة جديدة قام بها ثلاثة من الباحثين المرموقين بمعهد ماساشوسيتس العريق للتقنية MIT بالولايات المتحدة الأمريكية. ظهرت نتائج الدراسة يوم ٩ مارس/آذار ٢٠١٨، وعنوانها الرئيس هو أن الأخبار الكاذبة على تويتر تحظى بالنصيب الأكبر من الرواج مقارنة بالأخبار الصادقة والحقائق.
واحد من الباحثين الثلاثة الذين قاموا بالدراسة هو البروفسور ديب روي، وقد كان يشغل منصبًا كبيرًا باحثي الميديا في تويتر من 2013 إلى 2017. ولعل هذا الأمر قد ذلَّلَ كثيرًا من الصعوبات في إجراء الدراسة، فقد تعاونت إدارة تويتر بشكل تام مع الباحثين، وسمحت لهم بالاطلاع على كثير من البيانات المسجلة لديها عن اتجاهات المغردين خلال فترة الدراسة.
تعتبر هذه الدراسة الأضخمَ في مجالها، حيث قضى الباحثون ١١ عامًا – من ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٧ – يتتبَّعون سلوك المغردين على تويتر، وردود أفعالهم تجاه مجموعات من الأخبار الصادقة والكاذبة. تتبعت الدراسة حوالي ١٢٦ ألف قصة ما بين زائفة وحقيقية، سرت بين أكثر من ٣ ملايين مستخدم، بأكثر من ٤.٥ مليون تغريدة وإعادة تغريد. ولتحقيق المزيد من المصداقية، استعان الباحثون بست هيئات مستقلة متخصصة في تمييز الأخبار المزيفة من الحقيقية، وظهرت نسبة تطابق في مراجعاتها للأخبار المستخدمة في الرسالة تتراوح بين ٩٥-٩٨٪.
حملت الدراسة كثيرًا من النتائج المثيرة، ولعل في مقدمتها، أنه على عكس المتوقع، فإن أغلب الأخبار الزائفة والإشاعات التي راجت على تويتر مصدرها، وسبب انتشارها هم البشر أنفسهم، وليس التطبيقات المبرمجة bots للتغريد الذاتي، ولإعادة التغريد، كما كان متوقعًا.
الزيف أصدق أنباء من الحقائق
على عكس المبدأ الأخلاقي الذي نتعلمه مذ كنا صغارًا، فالحقيقة ضعيفة، والكذب له صدىً أكبر بكثير في رحاب تويتر للأسف. إذ أوضحت النتائج مثلًا أن الـ ١٪ الأولى في مدى الانتشار، من الأخبار الزائفة التي تعرَّضت لها الدراسة، نجحت في الوصول إلى ما بين ألف ومائة ألف مستخدم، بينما نظيرتها الحقيقية كانت تصل بالكاد إلى فوق الألف مستخدم، وبصعوبة بالغة.
كذلك أظهر التحليل الإحصائي للدراسة أن الأخبار الزائفة تمتلك فرصة ٧٠٪ أكبر الانتشار مقارنة بالصادقة. ولذلك فقدرة الأخبار الزائفة على الوصول لأكثر من ألف ونصف مستخدم أكبر ستة أمثال من نظيرتها الصادقة! وكذلك للشائعات القدرة على الوصول إلى تسارع في إعادة التغريد ١٠-٢٠ مرة أسرع من الحقائق!
يُرجع الباحثون السبب في تلك الحظوة التي تنالها الأخبار السيئة، إلى وتريْن حسّاسيْن يلعب عليهما مصنِّعو ومروجو هذه الأخبار المسمومة. الوتر الأول هو إثارة الفضول بغرابتها وجِدَّتِها، وابتكارها، مقارنة بالحقائق، والوقائع الصادقة (وإن كان بعض ما يحدث حولنا في الواقع الآن أغرب من الخيال!). أما الوتر الثاني، فهو وتر العواطف. فمثلًا عند حدوث واقعة مؤسفة لاستهداف المدنيين، يضع البعض صورًا مفجعة للضحايا قد تكون من أحداثٍ أخرى فيتداولها المغردون بدافع تأثرهم دون تمحيص. ظهرت ظاهرة الاستغلال العاطفي في مواقف كثيرة تناولتها الدراسة، مثل كارثة تسونامي، وزلزال هاييتي 2010، والتفجير الإرهابي الذي استهدف الماراثون في مدينة بوسطن الأمريكية 2013 … الخ.
جاءت الشائعات المتعلقة بالسياسة في المقدمة ضمن ما تمت دراسته، فقد بلغت حوالي 45 ألفًا من أصل 126 ألفًا، وتركَّزت في المواسم السياسية المهمة مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2012 و2016. وقد حظيتْ الشائعات السياسية بنسبة الانتشار الأعلى مقارنة بباقي الشائعات. فمثلًا حققت الشائعات السياسية قدرة 3 أضعاف باقي المجالات في الوصول إلى أكثر من 20 ألف مستخدم.
وكذلك، بالمزيد من التحليل الإحصائي، ظلَّت الشائعات والأخبار المزيفة أكثر حظوة على تويتر على اختلاف أعمار المغردين، ودرجة نشاطهم على تويتر، وعدد المتابعين. أي أن كون أحد ما من كبار المغردين المؤثرين، أصحاب عشرات الآلاف من المتابعين، لا يعني أن يُؤخَذَ كلامُه، وتغريداتُه كلها على أنها مسلَّمات قطعية، إذ قد ينشر أيضًا – بقصد أو دون قصد – شائعات، أو أخبارًا مغلوطة، أو غير دقيقة.
وماذا بعد؟؟
هذه الدراسة الضخمة، وما حملته من نتائج صادمة، جاءت في الوقت المناسب، لتضيفَ – بشكل مباشر وغير مباشر – المزيد من الزخم إلى الحملات الحالية التي تدعو إلى استنقاذ وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر من اللجان الإلكترونيةـ التي أفسدت تلقائية التواصل عبره، من أجل مصالح ضيقة خاصة بمموِّليها، وأفسدت من المصداقية العامة لتويتر لدى كثيرين لمتابعة الأخبار من خلاله.
كذلك أكد الباحثون أن نتائج دراستهم تظهر أن الأمر يحتاج إلى جهدٍ كبير. فلو كانت النتائج أظهرت أن أغلب الزيف مصدره تطبيقات مبرمجة bots، لأمكن التركيز فقط على إجراءات تقنية ليست شديدة التعقيد لضبط الأمور. لكن بما أن النتائج أثبتت مسئولية البشر عن معظم هذا، فالأمر بحاجة إلى جهود سلوكية وتوعوية ضخمة على مستوى الشبكة العنكبوتية وخارجها كذلك. وأيضًا لا بد من إجراءات من إدارة تويتر للتمييز بين من ينشرون الزيف عامدين التضليل، وبث شائعات معينة، ومن ينشرونها بحسن نية، إذ لا يمكن مثلًا حظر الجميع. وأيضًا لا يريد أحد وصول الأمور إلى حد اتهام تويتر بالتسييس، والتضييق على أفكار وتوجهات معيَّنة، باسم مكافحة الشائعات.
يرى الباحثون كذلك أن نتائج دراستهم يمكن أن يستفيد منها باقي مواقع التواصل الاجتماعي سوى تويتر، خاصة الفيسبوك. وهناك نصيحة أخيرة مهمة يوجهها الباحثون الثلاثة للجمهور العام من مستخدي تويتر: التفكير قبل الريتويت!