هل يصلي المصريون الفجر في موعده الصحيح؟ علم الفلك يجيبك
غالبًا ما تبدأ المشكلة من أحد منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، منشور بسيط مكتوب ربما في مائتي كلمة يتحدث أن أحدهم، ببساطة، قد أخطأ وتسبب في مائة عام من الصلاة الباطلة للمسلمين في مصر والوطن العربي، في حالات كتلك تشتعل الأجواء بالطبع، وترتفع نسبة المشاركات بشكل جنوني، سواء لأن الجميع يصدق ما يحدث، أو على الأقل يتشكك، ومن منّا لا يتشكك – هذه الأيام – في كل شيء، لكن هل هذا الشك مبني على ادعاءات حقيقية؟
إذا كنت تقصد ذلك السؤال الذي سببته وسائل التواصل الاجتماعي، فالإجابة هي قطعًا «لا»، الأمر معقد بالفعل، لكن ليس بتلك الصورة التي عرضتها منشورات وسائل التواصل، وسوف يتضح ذلك بعد قليل، لكن دعنا نبدأ بفهم بعض الاصطلاحات والمفاهيم قبل توضيح المشكلة، لأن ذلك هو ما سوف نعتمد عليه لتوضيح سبب تلك الإجابة السابقة، كل ما أطلبه منك الآن هو أن تخرج لسطح المنزل الخاص بك، وتنظر لسماء الليل، تلك التي تبدو لنا كأنها قبة أو نصف كرة منطبقة على الأفق من كل النواحي، تبدو السماء كذلك لأن نجومها بعيدة جدًا جدًا عنّا بحيث لا يمكن أن نعرف أي نجومها أقرب لنا من الأخرى، فتبدو لنا كأنها تقع بجوار بعضها البعض.
ما هي الدرجة؟
ولأن السماء تبدو ككرة ضخمة نقع في مركزها، يقيس الفلكيون المسافات في سماء الليل بالدرجات القوسية، وليس بالسنتيمترات أو الأمتار، تخيل مثلًا أننا كمركز منقلة هندسية ضخمة، لذلك فكل نقطتين في سماء الليل، كل نجمتين، يمكن قياس المسافة بينهما بدرجات تلك المنقلة، بل يمكنك بشكل تقريبي قياس المسافات بين النجوم أو أي من الأجرام السماوية الأخرى عبر مد يديك أمامك ثم توجيهها للسماء واستخدام أي من الأشكال المرافقة في المقال، قد تقول إن أذرع البشر تختلف في الطول، لكن الفكرة هنا أن الشكل تقريبي.
لذلك فحينما نقول إن الشمس تقع الآن فوق الأفق بـ30 درجة، على سبيل المثال، فإن ذلك يعني أنه حينما تضع منقلة بسيطة أمامك بحيث يشير الصفر إلى الأفق ستكون مرتفعة الشمس عند رقم 30 على المنقلة، وهكذا يمكن أن نتحدث بلغة الدرجات عن المسافات بين الأجرام وبعضها البعض، أو بين الأجرام والأفق، لكن، في تلك النقطة، نحتاج أن نعرف، ما هو الأفق؟
يمثل الأفق منطقة انطباق السماء على الأرض أمامك في كل الاتجاهات، بينما أنت واقف على سطح المنزل مثلًا، لكن هذه الكرة السماوية تمر تحت الأفق ليراها سكان الأرض الآخرون أيضًا، الكرة الأرضية كبيرة جدًا لا يمكن لنا الشعور بحجمها، نحن فقط نرى الجزء من تلك الكرة الذي يقع فوقنا تمامًا، لذلك حينما تغرب الشمس مثلًا، وذلك ينطبق على كل جرم سماوي آخر، فإنها تكون تحت الأفق بالنسبة لنا، وقبل أن تشرق الشمس فهي أيضًا تحت الأفق بالنسبة لنا، نحن فقط ندور ناحيتها فتظهر لنا بعد قليل، بينما هي، بشكل ما، ثابتة لا تتحرك.
الكاذب والصادق
يعني ذلك أنه يمكن لنا تحديد مكان الشمس تحت الأفق بالدرجات أيضًا، فيمكن مثلًا أن نقول إن الشمس تقع الآن تحت الأفق بمقدار 30 درجة، ما يعني أن المسافة بين الأفق والشمس التي تقع أسفله هي 30 درجة، بالضبط كما قلنا منذ قليل إن الشمس تقع أعلى الأفق، وقمنا بحسابها عبر المنقلة، لكن المنقلة الآن مقلوبة للأسفل.
اقتربنا كثيرًا من فهم الإشكال القائم، لكن علينا أولًا أن نتعرف على اصطلاحين جديدين، الأول هو الفجر الكاذب، وسمي كذلك لأنه ببساطة «كاذب»، أي أنه ضوء أبيض خافت يظهر في الأفق قبل الفجر الحقيقي بساعة أو ساعتين، مصدر هذا الضوء ليس اقتراب الشمس تحت الأفق من الشروق، ولكنه انعكاس أشعتها على الغبار الموجود بين الشمس والكواكب، ويظهر الفجر الكاذب، ويسمى أيضًا الفجر البروجي Zodiacal Light، في صورة مثلث أو قطع مكافئ قاعدته إلى الأسفل على الأفق وتضيق مساحته كلما ارتفعنا لأعلى.
من جهة أخرى فإن الفجر الصادق هو ما يحدث حينما تقترب الشمس أسفل من الأفق بحيث يظهر أول ضوء خاص بها على الأفق، هنا يظهر هذا الضوء كخط رفيع ممتد على الأفق يمينًا ويسارًا ولا يصعد لأعلى كما في الفجر الكاذب، وفي تلك النقطة يجب توضيح أن الفجر الكاذب لا يظهر ويختفي، بل يظل حتى يأتي الفجر الصادق بعده ويخفيه شيئًا فشيئًا مع ارتفاع إضاءة السماء باقتراب قدوم الشمس، الفجر الصادق هو المؤشر الذي يستخدمه المتخصصون للقول إن صلاة الفجر قد حانت.
حساب الصدق
هنا تبدأ المشكلة، لكن قبل الوصول لها دعنا نفند أولًا الادعاءات الشهيرة، تلك التي تقول إن المشكلة التي يواجهها المتخصصون هي أن البعض لا يمكنه التمييز بين الفجرين الصادق والكاذب، ولكن ذلك غير صحيح. يخرج الفجر الكاذب قبل الصادق بساعة، وفي بعض الأحيان بساعتين، لذلك فإن المتخصصين في هذا الشأن، والهواة كذلك، يستطيعون بسهولة التمييز بينهما، والفكرة أن هناك من يحاول لأول مرة أن يراقب السماء، وهو لا يعرف أن هناك ما يسمى بالفجر الكاذب، فيرى الضوء الكاذب ويظن أن الفجر قد حل.
جميل جدًا، إذن كيف نحدد الفجر الصادق؟ يحتاج الأمر أن نخرج إلى مكان ناءٍ في الصحراء بعيدًا تمامًا عن أضواء المدينة، مع سماء صافية، وننتظر ظهور الفجر الكاذب بصفاته التي شرحناها منذ قليل –والذي سيعني أن الظروف مواتية للرصد- ثم الفجر الصادق من بعده، للوهلة الأولى تبدو مهمة سهلة، لكن المشكلة أنها تتأثر بظروف عدة، منها ظروف الطقس، كالحرارة والرطوبة، كذلك تتأثر نفسيًا بالتوجهات الشخصية، بل قد يخرج مجموعة من الأشخاص لرصد الفجر الصادق ويعطي كل منهم وقتًا مختلفًا، لذلك يفضل دائمًا أن يترك الخارجون لمراقبة الفجر الصادق ساعاتهم جانبًا ويستخدموا Stopwatch للحساب.
وحينما نرصد الفجر الصادق نسجل البيانات ثم نقوم بتحويلها حسابيًا للوصول إلى الزاوية التي كانت عندها الشمس تحت الأفق لحظة ظهوره، ونجد مدى واسع من الآراء هنا، وتختلف كلها أو تتفق للأسباب السابقة المتعلقة بالقياس، والتي تقول إنه ليس من السهل تحديد الموعد بدقة، مع دخول متغيرات عدة أثناء الرصد. فمثلًا يأخذ معيار رابطة العالم الإسلامي بالقول إن الفجر الصادق يظهر حينما تكون الشمس تحت الأفق بـ 18 درجة، أما معيار أم القرى فيأخذ بالتوجه القائل إنها عند 18.5، وفي مصر أقرّت هيئة المساحة المصرية أكبر تلك الزوايا، وهي الزاوية 19.5.
لكن ماذا يعني هذا الفارق؟ يعني اختلافًا في موعد صلاة الفجر، لأن ذلك يعني بالتبعية أماكن عدة للشمس تقف بها، وكل منها أعلى أو أسفل من الآخر، ما يعني أن الشمس سوف تأخذ وقتًا أطول كي تصل للأفق لو كانت بالأسفل عند 19.5 درجة مثلًا منها لو كانت عند 17 درجة، والدرجة تساوي حوالي أربع دقائق، ولكنها تختلف من منطقة لمنطقة، ومن فصل لفصل، فإن أخذت مكة مثلًا على 18.5 درجة وأخذت القاهرة على 19.5 درجة، كان الفارق بين الأذانين، بالإضافة إلى فارق التوقيت طبعًا، هو حوالي خمس دقائق إلى ست.
الآن نفهم أين تقع المشكة: على أي زاوية تحت الأفق تقع الشمس؟ هنا دعنا نبدأ بتوضيح المشكلة المصرية تحديدًا، والتي بدأت من ادعاء باحثين في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بأن قياسات الفجر في مصر غير صحيحة وليست عند الزاوية 19.5، ولكنها عند 14.7 درجة حسب نتائج العديد من الأبحاث، ما يعني أن صلاة الفجر تتم في موعد مبكر عن حقيقة موعدها بحوالي 23 دقيقة، وصدرت تصريحات من المعهد القومي للبحوث الفلكية أنه تم شراء جهاز فوتوميتر ضوئي لتحقيق رصد دقيق للفجر الصادق بمبلغ مليون ومائتين وخمسين ألف جنيه، وكان من المفترض أن يبدأ عمله في العام السابق 2017.
دعنا هنا نضيف أن جميع تقاويم الدول الإسلامية، حسب تصريحات المركز الفلكي الدولي، تجعل صلاة الفجر على زاوية بين 19.5 و 18، فمصر تعتمد الزاوية 19.5، والمغرب تعتمد الزاوية 19، والسعودية تعتمد الزاوية 18.5، في حين تعتمد الزاوية 18 كل من: الأردن وفلسطين والكويت وسلطنة عمان والبحرين وقطر والعراق واليمن والسودان وتونس والجزائر وتركيا وغيرها من الدول الإسلامية، ويدفعنا ذلك إلى نقطة أخرى مهمة لها علاقة بأنواع الفجر.
الأول هو الفجر الفلكي Astronomical dawn ، ويعني أول ضوء شمس يظهر في السماء قبل الشروق، وعنده لا يمكن للشخص العادي بسهولة تحديد الأشياء في الظلام، ويُحدد عالميًا على أنه يقع عند 18 درجة، يليه الشفق الفلكي Astronomical twilight، وهو الشفق الذي يمتد في السماء بعد الفجر الفلكي عندما تكون الشمس عند 18 درجة أسفل الأفق صعودًا إلى 12 درجة، هنا يحين الفجر البحري Nautical dawn، والذي يعني أن تضاء السماء قليلًا فيتمكن البحارة من رؤية الأفق واضحًا ويبدءون عملهم، يليه الشفق البحري Nautical twilight والذي يظهر من وجود الشمس تحت الأفق عند 12 درجة صعودًا إلى 6 درجات، هنا يحين الفجر المدني Civil dawn، والذي يعني وجود الضوء في السماء بوضوح بحيث يسمح ذلك بنشاط الناس، ويكون حينما تكون الشمس تحت الأفق عند 6 درجات فقط، أما الشفق المدني Civil twilight فيليه حتى طلوع الشمس.
ولذلك فإن الزاوية 18، والتي تمثل الفجر الفلكي، تستخدم على نطاق واسع عالميًا على أنها الفجر الصادق لأن ذلك هو – ببساطة – تعريفه، والفكرة هي أن هناك الكثير من القياسات التي قد تصل بالأعلى إلى 20 درجة، وبالأسفل إلى 14.7، ولكن في الأغلب يستخدم نطاق ما بين 18 درجة و19.5، ومستخدمو النطاق الأعلى، مصر مثلًا، يقصدون التحوط من أجل الصيام، بمعنى أنه عند الزاوية الأكبر سوف تصوم فجرًا بشكل أبكر، ما يمنعك من الوقوع في خطأ الإفطار إن كان الفجر عند زاوية أصغر من ذلك.
نقطة أخرى مهمة وهي أن الخلاف يكون في بعض الأحيان ذا طابع شرعي، فمثلًا لا يتضح المعنى المقصود من كلمات كالإسفار، أو الغلس، أو تبين الخيط الأبيض من الأسود، ولِمَ تم استخدام لفظ «تبيّن» وليس «يبين»، فيقول البعض إن ذلك يعني أن تتعمد الخروج للبحث عن الفجر لا أن تراه فقط، أضف لذلك جدلًا آخر حول الأدوات، فيقول البعض إن رصد الفجر الصادق يكون بالعين المجردة، ويصر البعض على الدقة باستخدام الأدوات. قام المعهد القومي – مثلًا – باستخدام كاميرات وفلاتر، أضف لذلك خلافًا آخر يتعلق بقياسات تاريخية، للبيروني مثلًا أو ابن الهيثم أو الخوارزمي، وكلهم يتفقون على 18 درجة، هنا يرى البعض أن نأخذ برأيهم، والبعض الآخر يرى أن الظروف المناخية وقتها كانت مختلفة، واختلفت على ذلك قياسات الفجر،إلى آخر هذا الجدل.
مشكلة مكة وهراء الإنترنت
دعنا الآن نترك كل هذا جانبًا ونوضح نقطة مهمة، إنها «أزمة مكة»، تلك التي أثارها البعض حينما شكك في مواعيد الصلاة بمصر، فصلاة الفجر في مكة تؤذن تقريبًا بنفس الموعد بمصر، لكن المشكلة هي أن البعض ألصق ذلك بمشكلة الدرجات الخاطئة والصحيحة، وهنا يحدث الخطأ، فمدينة مكة تقيس الفجر بتوقيت أم القرى، أي عند 18.5 درجة، عند النطاق الطبيعي الذي تقيس به الدول العربية، أي من 18 إلى 19.5 درجة.
ما المشكلة إذن؟ مكة مختلفة عن مصر بفارق في التوقيت، لماذا إذن تصلي معنا في الفجر فقط لا في باقي الصلوات؟ هنا نحتاج أن نتعلم قليلًا عن ميل الأرض، فكلما كانت مائلة ناحية الشمس أكثر، في الصيف، كان النهار أطول وصعدنا لأعلى في دوائر الأرض ناحية القطب الشمالي، ما يعني أن نهار مدينة القاهرة أطول من نهار مدينة مكة في الصيف، وكلما صعدنا لأعلى كان النهار أطول، وكلما انخفضنا لأسفل كان النهار أقصر، لذلك يمكن لنا تنفيذ تمرينين بسيطين للتأكد.
الأول، ادخل على أي من مواقع مواقيت الصلاة، وقارن بين موعد صلاة الفجر في مكة وفي القاهرة في شهر يناير مثلًا، ثم شهر يونيو، ماذا تلاحظ؟ سوف ترى أن هناك فارقًا واضحًا في الصلاة بين القاهرة ومكة شتاء، لكن هذا الفارق يزول بالتدريج كلما انتقلنا من يناير إلى يونيو، وذلك لأنه في الشتاء يحدث العكس، يكون الليل أطول كلما تقدمنا شمالًا، مع الحفاظ على فارق التوقيت الخاص بخطوط الطول.
أما الثاني، فيمكن لك تأمل موعد صلاة الفجر هذه الأيام في مدينة تقع شمال المملكة العربية السعودية، تبوك مثلًا، هنا سوف ترى أنها تصلى هناك بفارق واضح عن القاهرة، ذلك لأنها تقع معنا على نفس خط العرض بشكل تقريبي، لذلك يظهر فارق التوقيت فقط، خمس دقائق من وقتك فقط ستعرفك أن موضوع مكة، الذي ارتبط بشكل غريب بهذا الجدل، لا علاقة له بمشكلة الفجر أصلًا ولا قياسات الفجر الصادق، نهائيًا، فهي تحسبها بنفس طريقة مصر تقريبًا.
المشكلة البسيطة إذن هي خلافات بين عدة هيئات، بعضها فلكي وبعضها ديني وبعضها ممتزج، حول زوايا القياس، وهي جميعًا لا تؤثر في صلاة الشخص العادي بشيء واضح، خاصة أن الإقامة تتم بعد الأذان بدقائق أصلًا، ولو قررنا أن تكون صلاة الفجر معتمدة على قياسات يومية للفجر الصادق لصلى الناس الفجر في موعد مختلف كل يوم، لكن في النهاية لا يمكن بحال أن يتحدث أحد عن «بطلان» صلاة الآخرين، أو يدعوهم للصلاة منفردين، وكأن هذا هو انشقاق واجب عن «خطأ» الجهات المختصة.
الاختلاف طبيعي ولا مشكلة في ذلك، يساعد على وجوده ظروف الطقس والراصدون الذين يقرءون قياسات مختلفة حتى في نفس الجلسات، اسأل نفسك: لماذا لا يثار هذا الجدل بتلك الحالة في صلاة العشاء رغم أنها نفس المشكلة بالضبط؟ نعم، ما يحدث في الفجر هو معكوسه في العشاء، وزوايا الفجر تحدد زوايا العشاء، لماذا إذن لا يختلف أحد على مشكلة العشاء رغم أنها موضع اختلاف بين أهل الفلك والدين؟ لماذا لا يحدث هذا الجدل العظيم في أثناء حاجتنا لتحديد رؤية هلال رمضان، والتي لها جانب شرعي وآخر فلكي وتجد خلافًا بين المتخصصين؟ الفكرة إذن في كلمة نعرفها جميعًا نحن أهل الفيس بوك، حتى أننا نستخدمها بدون ترجمة، فنقول «الترند».