حقائق وشبه حقائق: ما يعرفه سائق التوكتوك عن مصر
«أنا خريج توكتوك». بهذه الجملة ذات الدلالات المتنوّعة أجاب الشاب سائق التوكتوك على سؤال المذيع عمرو الليثي «إنت خريج إيه؟». حظى الفيديو بتداول يشبه الانفجار عبر شبكات التواصل الاجتماعية المختلفة، ما يُنبئ بأن تعبير «خريج توكتوك» سيصبح تعبيرًا مهنيًا منتشرًا خلال الفترة القادمة. فمتى ظهر التوكتوك الذي سيذكُر الناس تخرّجهم منه؟
ظهر التوكتوك في مصر لأول مرة بعام 2000م، بمنطقة السيمبلاوين (Tastevin 2012)، وبدأ في الانتشار بأغلب محافظات الدلتا حتى وصل القاهرة بعد عام 2005، ووفقا لدراسة «N Gage» وصل عدد مركبات التوكتوك في مصر إلى 500 ألف بعام 2015م، باستخدام يومي يصل إلى 30 مليون شخص، كما أنه وفر 1.7 مليون وظيفة.
و يعتبر لشركة «مجموعة غبور» النصيب الأكبر من حجم الاستثمار في مشروع التوكتوك من حيث الاستيراد من الهند والصين والبيع داخل مصر، حيث كانت تمتلك السوق بنسبة 90%، ويليها في المرتبة الثانية الشركة المصرية للصناعات الهندسية مع بعض الشركات الأخرى، ولا تزيد حصتهم عن 10%. إلى أن أصدر وزير التجارة والصناعة والاستثمار السابق قرارًا في عام 2014م بوقف استيراد التوكتوك، إلا أن الجمارك لا تلتزم كليًا بهذا القرار.
كما نشطت صناعة التوكتوك محليا في السنوات الأخيرة، وهو ما أدى إلى استمرار عمل التوكتوك داخل الدولة، بالرغم من قرارات حظره، و يصل سعر التوكتوك الهندي – الأكثر انتشارًا – إلى 21 ألف جنيه مصري، وفي حالة شرائه مستعملا يكون في حدود 12 ألفًا فقط.
تضمّن فيديو سائق التوكتوك عددًا من المعلومات التي أوردها باعتبارها حقائق تاريخية قاطعة ومؤكدة، فهل كلها كذلك فعلا؟
ابنة عم الصومال
حقيقة. في الصومال مشاهد الفقر والحرب، وفي مصر مشاهد الغلاء والقمع، لكن المشهد الأول جعل الصومال هذا العام تحصل على المركز 76 في تقرير مؤشر السعادة العالمي وكانت في 2014 تقع في المرتبة الأولى بعد المئة عالميا، أما مصر فحصلت هذا العام المركز 120 أي متأخرة عن الصومال بـ 54 دولة.
مؤشر السعادة لا يأخذ معيارًا واحدًا للحكم على الشعوب بل عدة معايير منها الدخل القومي للفرد والدعم الاجتماعي والرعاية الصحية وحرية الاختيار ومستوى الدمار في حالة الحروب وغيرها.
ترتيب مصر بقائمة أعلى الدول في الدين الخارجي حسب تقرير البنك الدولة قبل أن تدخل مرحلة الاقتراض الأخيرة كان 62 أما ترتيب الصومال في نفس الوقت فكان 130، ولكن مصر تفوقت على الصومال في التعليم إذ أتت حسب جودة مؤشر التعليم الأخيرة من ضمن 116 دولة، إلا أن الصومال انضمت إلى دول ليس فيها تعليم يستطيع التقرير الحكم عليه.
كيف كانت حدود مصر
عُرفت مصر بحدودها الممتدة من السودان جنوبا إلى الشام شمالا في التاريخ الحديث بداية من عهد محمد علي باشا، إلا أن تلك القوة الإقليمية التي تشكلت على يد الباشا لم تكن مُحبذة من بريطانيا العظمى والدولة العثمانية، مما أدى إلى تحالف القوتين وإعلان اتفاقية لندن 1840م.
ونصت الاتفاقية على فصل سوريا الكبرى عن مصر – عدا الجزء الجنوبي إلى وفاة محمد علي -، وهو ما يوضح اعتبار فلسطين والساحل السعودي حين ذاك جزءًا من الأراضي المصرية.
بالإضافة إلى نص الاتفاقية على فصل السودان عن مصر بحدود إدارية لتخضع في النهاية لحكم أسرة محمد علي، إلى أن انتهت الملكية بمصر وا ستقلت السودان عنها نتيجة لاستفتاء عامٍّ بعام 1956. كما تنازلت مصر عن «واحة الجغبوب» لليبيا بعام 1925م بعد الخلافات الحدودية بين الدولتين، بالرغم من اعتبار مدينتي برقة وبنغازي جزءًا من الحدود المصرية منذ العصور القديمة.
أكبر احتياطي نقدي بالعالم
ليست حقيقة. لم تكن مصر يومًا صاحبة أكبر احتياطي نقدي بالعالم – حسبما قال سائق التوك توك – في الفيديو المنتشر له مع عمرو الليثي، فمنذ «اتفاقية بريتون وودز وإلغاء قاعدة الذهب» بعام 1944 – بداية احتساب الاحتياطي النقدي حول العالم – ومصر في مراتب متأخرة عن المراتب الأولى في الاحتياطي النقدي. والجدير بالذكر أن مصر تحتل حاليا في امتلاكها للاحتياطي النقدي المرتبة 68 من بين 167 دولة.
ثاني أقدم سكك حديدية
شبه حقيقة. حيث سبقتها سكك حديد بريطانيا والهند، في سياق أغراض استعمارية اعتيادية غير مباشرة، تبدأ منذ الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت على مصر في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي (1798- 1801م)، حيث كان الغزو التقني هو النتيجة غير المباشرة له. بعدها شرع محمد علي وأبناؤه في الاعتماد الكلي على التقنيات الغربية الحديثة لإعادة السيطرة على مصر سيطرة مطلقة، بعدما قضى على النخبة المملوكية العسكرية، وجنّد الفلاحين، وقضى على نظام الالتزام العثماني الزراعي والإقطاعي، وحرص على إعادة ضبط الأرض الزراعية وتطوير وتكثيف حاصلاتها الزراعية خاصة زراعة القطن.
وترسيخًا من الغرب لمصالحه الاستعمارية كان همّ الإنجليز الأكبر تبعية مصر لهم، لكونها الطريق الأساسي الرابط بين بريطانيا ومستعمرتها الكبرى في الهند، وكان محمد علي محتكرًا لوسائل النقل البري والنهري، الأمر الذي حرصت معه بريطانيا على إقناعه مرارًا بإنشاء خط سكة حديد يربط النيل بالبحر الأحمر تسهيلًا وتيسيرًا لحركة البضائع البريطانية أولًا.
على أن هذا المشروع لم يُكتب له النجاح، وظل محمد علي حتى آخر عمره حريصًا على احتكار سُبل النقل البرية والنهرية، المتعلقة بنقل البضائع، وإرسال البريد، ولم يكن يأبه كثيرًا لاعتراضات الإنجليز على تأخير بضائعهم وبريدهم، فقد كان هوى محمد علي وكبار رجال حكومته فرنسيًا.
ومع صعود عباس الأول لعرش مصر بعد وفاة إبراهيم باشا ابن محمد علي في نوفمبر 1848م، أعادت بريطانيا من خلال سفيرها في مصر طرح فكرة إنشاء سكة حديدية من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان وراء إنشاء هذه الفكرة «روبرت ستفنسون» – عضو البرلمان وابن رائد القاطرة البخارية، وأول سكة حديد في العالم سنة 1825م؛ «جورج ستيفنسون» – الذي ألقى بثقله خلف هذا المشروع لعوائده المالية والتجارية الكبرى؛ إذ سيسهل نقل حركة البضائع بين الهند وبريطانيا في الأراضي المصرية.
وبالفعل وافق الخديوي عباس الأول على مقترح الحكومة البريطانية لإنشاء خطين للسكة الحديدية، الأول من القاهرة إلى الإسكندرية وتم قبل وفاة عباس الأول في 1854م، والثاني تم الانتهاء منه في عهد خلفه الخديوي سعيد بن محمد علي في سنة 1858م [1].
عندما اقترضت برطانيا العظمى من مصر
حقيقة؛ وقد عثر الباحث أشرف صبري منذ بضع سنوات على وثيقة في الأرشيف الملكي البريطاني تؤكد اقتراض بريطانيا من مصر مبلغ ثلاثة ملايين جنيه إسترليني خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م)، وأن هذا المبلغ الكبير الذي يعادل اليوم مئات المليارات من الجنيهات المصرية لم يسقط عن كاهل الحكومة البريطانية إلى اليوم، وكشف أن سعد زغلول جاء على ذكر هذا القرض في مذكراته الشخصية [3].
بل وهناك ما هو أكثر من القرض، حيث مارست بريطانيا ابتزازًا استعماريًا على مصر، وذلك حين أجبر المندوب السامي البريطاني في مصر «هنري مكماهون» المصريين على التبرع إلى المجهود الحربي البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى، وفرض الاكتتاب العام على المصريين، وتمكن من جمع مبلغ 112 ألف جنيه مصري بحلول سنة 1916م، وقد قام خلَفُه «ريجنالد وينجت» بجمع مبلغ أكبر في العام التالي سنة 1917م، يُقدر بـ 300 ألف جنيه مصري لصالح بريطانيا، فضلًا عن تسخير كافة الموارد المادية والبشرية لصالح هذه الحرب التي لم يكن لمصر ناقة فيها ولا جمل [2].
كسوة الكعبة المصرية
حقيقة، استمرت عدة قرون. حيث بدأ إرسال كسوة الكعبة من مصر إلى أراضي الحجاز من العصر العباسي، وذلك حين بحث العباسيون عن خير بلد تصنع أجود أنواع الحرير، فوجدوا غايتهم في «مدينة تنيس» المصرية، التي اشتهرت بالمنتجات الثمينة الرائعة، فصنعوا بها الكسوة الفاخرة من الحرير الأسود على أيدى أمهر النساجين، ومنذ ذلك الحين – وليس قبل ذلك – ظهرت الكتابة على الكسوة، وتمّ اعتماد اللون الأسود لونا دائما لها.
وبعد سقوط الدولة العباسية، تابع المماليك ابتداءً من الظاهر بيبرس إرسال الكسوة إلى الكعبة مرة على الأقل كل عام، واشتركت اليمن في بعض السنوات مع مصر في إرسال الكسوة، وفي عهد الصالح إسماعيل ابن قلاوون، جعل 3 قرى (بيسوس وسندبيس وأبو الغيط) من قرى القليوبية وقفًا على كسوة الكعبة المشرفة.
وبعد سيطرة العثمانيين على مصر، وتلقّب السلطان سليم الأول بلقب «خادم الحرمين الشريفين»، استمرّ الاهتمام بإرسال الكسوة، وضمّ 7 قرى إلى الثلاث السابقة، ولم يتوقف إرسالها إلا ستة أعوام على إثر خلاف بين الإمام سعود الكبير مع رعاة المراسم الاحتفالية المصاحبة لتوصيل كسوة الكعبة، فيما عرف بـ«حادثة المحمل». وبعد سقوط الدرعية على يد جنود محمد علي، استكملت مصر دورها في إرسال الكسوة الشريفة.
وظلّت مصر ترسل الكسوة حتى توقف إرسالها نهائيًا في 1962م، بسبب الخلافات الأيديولوجية والسياسية بين النظام المصري والنظام السعودي حينها، ومن ذلك الحين تقوم المملكة العربية السعودية بتصنيع كسوة الكعبة في مصانع خاصة مستقلة بهذا الأمر.
اليابانيون ينبهرون بنهضة مصر
حقيقة. فقد ابتدأت اليابان في فتح أبوابها على العالم الخارجي ابتداءً من عام 1853م، وتدريجيًا بدأ انتقالها من النمط الزراعي إلى النمط الصناعي، وعمدت إلى مزج الروح اليابانية مع التقنيات الغربية، كما يذكر د. عبد الله النفيسي نقلًا عن د. ياسومازا كورود في ورقته (التحديث والإغراب في اليابان)، ولكن كان لا بدّ من محطات وسيطة تصل اليابان بالعالم الغربي، وكانت مصر من بين هذه المحطات.
تذكر مجلة «اللطائف المصوّرة»،رحلة بعثة الساموراي اليابانية إلى مصر عام 1862م، ضمن سلسلة من الرحلات الاستكشافية إلى عدة بلاد للاستفادة من تجربتها في النهضة والتقدّم. نزلت البعثة أولًا في السويس، ولأن قناة السويس لم تكن قد افتتحت بعد، فقد كان لا بدّ لهم من المرور بعرض الأراضي المصرية قبل أن ينتقلوا إلى رحلهتم التالية إلى فرنسا في أوروربا، فانتقلوا بالقطار إلى القاهرة ثم إلى الإسكندرية، وسجّلوا دهشتهم من شبكة السكك الحديدية في مصر، ولم تكن اليابان قد عرفتها بعد، كما سجلوا إعجابهم بالتلغراف وسائر معالم الدولة المصرية الحديثة.
بعدها بدأ توافد عدد من المثقفين اليابانيين إلى مصر، للاستفادة من نظامها القضائي والقانوني، وقد سجّل «هارا كي» هذه الخبرات القانونية في كتابه «المحاكم المصرية المختلطة»، والذي كتبه عام 1889م.
[1] جون مارلو: تاريخ النهب الاستعماري لمصر (1798- 1822م)، ترجمة عبد العظيم رمضان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1976م.[2] ماجدة محمود حمودة: دار المندوب السامي البريطاني (1914- 1924م)، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م.[3] اليوم السابع: «اكتشاف وثيقة تدين بريطانيا بـ 3 ملايين إسترلينى لمصر»، بتاريخ 7 إبريل 2012م.