فيسبوك شوب: حلم زوكربيرج للهيمنة على سوق التجارة الإلكترونية
«هذه أكبر خطوة أخذناها حتى الآن لإتاحة التجارة عبر عائلة تطبيقاتنا»، هذا هو ما قاله مارك زوكربيرج، المدير التنفيذي لشركة فيسبوك في بث مباشر لإطلاق خاصية «فيسبوك شوب» التي ستتيح لأصحاب المشروعات بيع منتجاتها مباشرة عبر فيسبوك وإنستجرام في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، ولم يعلن بعد عن موعد إطلاقها في الدول العربية.
تشكل المشروعات الصغيرة أهمية كبرى بالنسبة لفيسبوك، إذ تمثل حسب موقع فوربس، ثلاثة أرباع الإعلانات، مما يعني بالتبعية أنها مصدر أكبر العائدات للشركة، لذا لا عجب أن تسعى الشركة لدعمها.
كانت فيسبوك قد أطلقت قبلاً تقريرها عن وضع المشروعات الصغيرة في الوباء، الذي استفتت فيه 86 ألف مشروع صغير في الولايات المتحدة الأمريكية، واكتشفت أن 31% من المشروعات الصغيرة توقفت عن العمل نتيجة لتداعيات كورونا، والحل الوحيد في رأي زوكربيرج أمام هذه الشركات هو المضي قدماً في الانتقال للفضاء الإلكتروني.
لماذا تعد المتاجر تجربة بيع مختلفة؟
أشار زوكربيرج في البث المباشر إلى هدف المشروع الجديد قائلاً: «هدفنا هو جعل التسوق سهل وتمكين أي شخص، بدءًا من أصحاب المشروعات الصغيرة، وحتى العلامات التجارية العالمية من استخدام تطبيقنا في التواصل مع العملاء»، ثم بدأ في سرد مميزاته:
1. يسر وسهولة:
تقدم الخاصية الجديدة لأصحاب المتاجر فرصة إنشاء متجر خاص دون مقابل مالي على منصتي فيسبوك وإنستجرام وربط المتجرين معاً بسهولة. إذا زرت أي متجر على فيسبوك سترى كل المنتجات التي يوفرها المتجر وتتمكن فوراً من شراء ما يحلو لك دون الحاجة إلى الخروج من التطبيق، ويجري الآن ضبط الخاصية لتصبح متاحة أيضاً على تطبيقي ماسنجر وواتساب.
2. زر المتجر:
يمكنك «زر المتجر» الذي سيضاف قريباً إلى فيسبوك وإنستجرام في الصفحة الرئيسية، وفي شكل وسم يوضع على الفيديوهات الدعائية والصور، من الضغط عليه مباشرة حتى أثناء بث فيديو مباشر، للوصول فوراً للمتجر الذي يبيع المنتج المعلن عنه.
3. احك قصتك:
عادة تعتبر المشروعات الصغيرة نفسها أكبر من مجرد قائمة منتجات، فخلف كل مشروع توجد قصة، ورؤية، ومهمة، وحاجة يسعى المشروع إلى تلبيتها. وفق خبراء التجارة، هذه القصة هي الأمر الذي يجعل للمشاريع قيمة إنسانية أعلى، ويربط المستهلك بالمنتج والمشروع معاً.
4. المكافآت وتخصيص التجربة للمستهلك:
ستوفر المتاجر الجديدة أيضاً خاصية يمكن للمتاجر من خلالها توفير مكافآت للعملاء الأوفياء. كما ستتمكن تقنية الذكاء الاصطناعي التي تركز عليها فيسبوك بقوة من توفير تجربة تسوق مخصصة لكل مستهلك على حدة، فمثلاً إذا كان المتجر يبيع منتجات للرجال والنساء، ستظهر تلقائياً للنساء المنتجات المخصصة لهن، والعكس صحيح.
كما سيتأثر المتجر بالنشاط الذي تقوم به خارجه، وهو ما تفسره الشركة إذ تقول: «نشاطك داخل تطبيقاتنا سيؤثر على ما تراه في المتاجر، وسيؤثر نشاطك في المتاجر على ما تراه في فيسبوك وإنستجرام، على سبيل المثال، إذا استعرضت الدراجات في المتاجر، سترى محتوى أكبر عنها – بما في ذلك الإعلانات – على الصفحة الرئيسية، والقصص، واستكشف، وأماكن أخرى في تطبيقاتنا».
5- تقنية الواقع المعزز:
ستجعل تقنية الواقع المعزز الخاصة بفيسبوك تجربة الشراء فريدة من نوعها، لأنها تسمح لك بتجربة المنتج قبل شرائه. على سبيل المثال، إذا كنت تشتري قطعة ديكور منزلية لوضعها فوق رف ما، سيتسنى لك توجيه الكاميرا للرف ووضعها عليه لترى إذا كانت مناسبة أم لا. وستحقق هذه الخاصية نجاحاً خاصاً في شراء منتجات التجميل مثل أحمر الشفاه ونظارات الحماية من الشمس.
متاجر فيسبوك: من البيع وحتى التوصيل
في تقريرها العام الماضي، قدرت Shopify أرباح الشركة بـ1.578 مليار دولار ما يحقق ارتفاع بنسبة 47% عن 2018، كذلك زيادة عدد أصحاب الأعمال إلى مليون مستخدم. أما في الأزمة الحالية، يشير توبياس لوتكي المدير التنفيذي للشركة إلى زيادة قدرها في نسبة الأسهم قدرها 7%، وارتفاع المكاسب بنسبة 118%، مما يجعل الأرباح في الربع الأول من العام أكبر بنسبة 47% عن العام الماضي، وفقاً للشركة نفسها.
يوفر Shopify نظاماً كاملاً للبيع، وعلى عكس فيسبوك، تملك الشركة خبرة كبيرة في تجارة التجزئة. بعقد شراكة مع Shopify، وشركات أخرى مثل BigCommerce، وwoo commerce، وChannel Advisor، وCedCommerce، يسعى فيسبوك إلى إقامة نظام تجاري متكامل، والاستفادة من مؤسسات تملك بالفعل أدوات أثبتت فعاليتها وكفاءتها بدلاً من البدء من نقطة الصفر. يمكن لأصحاب المشاريع استخدام هذه المنصات للتحكم في متاجرهم على فيسبوك، وأي إعلانات متعلقة بها، والاستفادة من نظام متكامل يوفر كل الأدوات اللازمة بدءاً من إقامة المتجر نفسه وحتى الشحن والتوصيل.
أكد لوتكي، في البث المباشر مع زوكربيرج أن هدف شوبيفاي طوال السنوات الماضية هو جعل ريادة الأعمال متاحة وسهلة وأكثر شيوعاً، وأن هذه الشراكة مع فيسبوك توفر ما قد يحتاجه الجميع خاصة في هذه الأوضاع الجنونية، كما أن امتلاك هذه الأداة – في رأيه – في فيسبوك بمثابة واقع جديد قوي لكل المنخرطين في سوق التجزئة.
أهمية ما يحدث بين الشركتين، حسب لوتكي، هو أن الشراكة دمقرطة (أي إتاحة المجال وتسهيل الدخول إليه) لمجال ريادة الأعمال وإتاحة الوصول للمستهلكين بسهولة ويسر.
هل خصوصية مستخدمي المتاجر في خطر؟
لطالما كانت العلاقة معقدة بين فيسبوك وأمازون وإنستجرام من ناحية، وبين الجهات الإعلانية من ناحية أخرى، لأن هذه المنصات تحتفظ بالبيانات داخلها مما يجعل الشفافية الكاملة أمراً غير مطروح، وهو النقد الذي لم تسلم منه المتاجر أيضاً، صحيح أن فيسبوك يعد على لسان زوكربيرج في البث المباشر أن يحافظ على خصوصيتك بألا يشي لأصدقائك عما تشتريه، لكن هذا لا يضمن ألا تستخدم هذه البيانات بطرق أخرى.
يقول ستيوارت ماكلينان، نائب الرئيس في شركة ركوتن للإعلانات، على الشركات أن تكون واعية مشكلات الخصوصية، إذ يحصل فيسبوك بهذه المتاجر على المزيد من البيانات المخبئة داخل أسواره.
كما أن هناك أموراً كثيرة مفقودة في إعلان زوكربيرج، النقطة الأهم في رأيه هي هل تتوفر إمكانية أن يرى المعلنون حركة التدفق بين مواقع التجزئة وفيسبوك شوب؟ ويشجع أصحاب المشاريع على التركيز بشكل خاص على هذه النقطة للتيقن من أنها مفيدة بالنسبة لهم.
حلم الهيمنة على سوق جديد
تقدر مبيعات التجارة الإلكترونية عالمياً عام 2019 بـ3.535 تريليون دولار، وتمثل حصة التجارة عبر الإنترنت عام 2019 في أوروبا 621 مليار إسترليني، تملك دول أوروبا الغربية نسبة 66% من هذه الحصة تقريباً. كما قدرت قيمة التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية في السنة نفسها بأكثر من 365 مليار دولار.
لدى شركة فيسبوك عبر منصتها 160 مليون مشروع صغير. تمتلك فيسبوك بهذا الرقم، فرصة عظمى لا يسعها سوى استغلالها، لتوظيف علاقتها بهذه المشاريع الصغيرة كلها، واقتناص ما يمكن اقتناصه من سوق التجارة الإلكترونية.
في بداية عام 2020، لمح زوكربيرج في منشور على حسابه الرسمي إلى رغبات طويلة المدى للشركة، منها آماله في بناء أدوات للتجارة والدفع تتمكن عبرها المشروعات الصغيرة من الوصول لتقنيات كانت حكراً على الشركات الكبرى فقط.
وحسب التقرير الربع سنوي الأول الذي نشرته فيسبوك عن نشاطها، بلغ متوسط عدد مستخدمي فيسبوك النشطين يومياً في مارس 1.73 مليار (بزيادة تبلغ 11% عن العام الماضي)، وعدد المستخدمين النشطين شهرياً 2.60 مليار (بزيادة 10% عن العام الماضي). وأفاد التقرير أن دخل الشركة من الإعلانات ارتفع من 14.9 مليار دولار العام الماضي، إلى 17.4 مليار دولار العام الحالي، بزيادة 17%.
آمنت فيسبوك أن التجارة الإلكترونية منطقة نمو مناسبة لأعمالها. بدأت خطوات اختراق السوق بشراء إنستجرام عام 2012 وتطويره لاحقاً. إذ كانت إنستجرام دائماً منصة مناسبة للتجارة الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في رأي جيمي دوفال، مدير الإنتاج التنفيذي في شركة BigCommerce، وتسخير المنصة لذلك سيغير شكل هذه التجارة. ربما يملك فيسبوك – حسب تعبيره – تحديات عدة لكنه يملك كذلك إمكانيات ضخمة لتطوير إنستجرام.
كذلك قدر محللو بنك دويتشه عام 2019، أن إيرادات التجارة الإلكترونية على إنستجرام وحده ستصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً عام 2021.
لاحقاً، في أبريل من العام الجاري، بعد العمل لعقد كامل في الهند دون مظلة واضحة،استثمرت فيسبوك 7 ونصف مليار دولار لشراء 99% من أسهم منصات Reliance Jio الهندية، التابعة لشركة Reliance وهي أكبر شركات الهند في مجال الاتصالات إذ يبلغ عدد مستخدميها 370 مليون تقريباً. الاستثمار الجديد في الهند حسب زوكربيرج هو التزام من فيسبوك تجاه الهند وفرصة للعمل على مشروعات ضخمة تفتح الباب أمام المشروعات الصغيرة.
خطوات فيسبوك نحو الاستحواذ واضحة، حتى إضافة المتاجر للمنصة كان قيد العمل بالفعل، لكن أزمة كورونا، وفقاً لـتصريح زوكربيرج لصحيفة فايننشيال تايمز، سرعت العملية فحسب. أرادت فيسبوك وضع بصمتها سريعاً، للاستفادة من الوضع الحالي واستغلال نمو سوق التجارة الإلكترونية غير المسبوق.
كما أن الشركة بهذا السعي تفتح أفقاً جديدة لمشروعات على شفا الانهيار في هذه الأزمة الصعبة، إذ يشير زوكربيرج كذلك إلى «استفادة مشروعات جديدة لم يكن لها أي منصة على الإنترنت قط»، ربما تكون هذه المبادرة فعلاً هي القشة التي تنقذ الغرقى، لكنها كذلك خطوة استثمار ذكية، ويتوقع أن تستمر في التطور والنمو حتى بعد انتهاء الأزمة.