إبادة الإيجور: تحركات غربية وابتزاز صيني للجيران
شهدت الفترة الأخيرة تحركات غربية نشطة على مستوى الحكومات والبرلمانات للتصدي لسياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها الصين ضد أقلية الإيجور. ففي 8 يوليو/تموز 2021، صوّت البرلمان البلجيكي بأغلبية 125 صوتًا ودون معارضة أي عضو، على مشروع قرار يُحذّر من خطر الإبادة الجماعيّة الذي يتهدد الإيجور، لتصبح بلجيكا سادس دولة يندّد برلمانها بما تتعرّض له هذه الأقلية المسلمة، ويتجاهل كل التهديدات التي أطلقتها بكين لمنع هذه الخطوة.
كما أصدرت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني تقريرًا يحمّل الحكومة الصينية مسؤولية «الاعتقال الجماعي لأكثر من مليون من الإيجور، وإجبارهم على العمل القسري، ومحاولة إبادتهم والقضاء على الثقافة الإسلامية في المنطقة من خلال التعقيم الإجباري للنساء، وتدمير المواقع الثقافية، وفصل الأطفال عن عائلاتهم».
ودعا التقرير الذي صدر الخميس الحكومةَ إلى منع شركات التكنولوجيا الصينية التي تدعم حملة القمع من دخول بريطانيا، وحظر استيراد المنتجات من مقاطعة شينجيانغ الصينية موطن الإيجور كالقطن والألواح الشمسية وغيرها من المنتجات التي يعمل فيها أبناء الأقلية المضطهدة بالسخرة، وتوفير اللجوء السياسي لهم بشكل عاجل.
جدير بالذكر أن أكثر من 80% من القطن الصيني يأتي من شينجيانغ، وتوفر الصين ربع منتجات القطن في العالم، كما أن 40% من الألواح الشمسية في المملكة المتحدة بها مواد مصنعة قادمة من شينجيانغ.
وفي خطوة دبلوماسية هامة، أقر البرلمان الأوروبي الخميس الماضي أيضًا بأغلبية ساحقة قرارًا يدعو الدبلوماسيين في الدول الأعضاء إلى مقاطعة أولمبياد بكين الشتوي العام المقبل ردًا على انتهاكات نظام الحزب الشيوعي الصيني لحقوق الإنسان.
كانت نحو 200 منظمة لحقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم، أطلقت في وقت سابق من العام الحالي دعوات لمقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية المقرر أن تستضيفها بكين في الفترة من 4 إلى 20 فبراير/شباط 2022، بسبب اتهام النظام الصيني بممارسة قمع «هائل» في شينجيانغ، وانضم للحملة سياسيون من كندا والولايات المتحدة والنرويج، وأعلنت الإدارة الأمريكية في أبريل/نيسان أنها تبحث مع حلفائها خيار المقاطعة الجماعية للحدث مما دعا الصين للتهديد بـ«رد قوي» حال حدوث ذلك.
وتولي واشنطن هذا الملف أهمية كبيرة في سياق التنافس الدولي مع بكين، إذ التقى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، في 6 يوليو /تموز الجاري، بمعتقلين سابقين في معسكرات شينجيانغ وأقارب أفراد محتجزين من أجل تأكيد التزام الولايات المتحدة بدعم هذه الأقلية ضد الممارسات الحكومية الصينية.
وعلى خلفية ما يحدث في شينجيانغ، فرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا العديد من العقوبات المحدودة خلال الأشهر الماضية على شركات ومسؤولين كبار في الصين التي ردت بعقوبات مماثلة، وكان أحدث تلك العقوبات يوم الجمعة الماضي عندما حظرت الولايات المتحدة، التعامل مع 14 شركة وكيانًا صينيًا تورطوا في قمع الإيجور.
وبدأت الدول الأوروبية في البحث عن حلول أكثر عملية، فبعدما تعرض عدد من الشركات التجارية الغربية لخسائر كبيرة في السوق الصينية بعد انتقادها لاستخدام السخرة في إنتاج القطن، بدأت منظمة Euratex التي تمثل صناعات المنسوجات والملابس في الاتحاد الأوروبي تفضل الاتجاه إلى الاستيراد من تركيا ومصر والبلدان الأفريقية، بدلاً من الاعتماد على القطن الصيني المنتج في إقليم شينجيانغ أو “تركستان الشرقية” كما يسميها السكان المحليون.
وتقارن الدوائر الغربية حملة الإبادة التي ينظمها النظام الصيني بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في الثمانينيات عندما قرر العالم مقاطعته مما أدى إلى إضعافه وسقط في النهاية، لكن الوضع مع الصين يختلف تمامًا عن هذا المثال فهي اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم ولا تزال جهود المقاطعة ضدها ضعيفة جدًا.
تعذيب يذهب العقول
تعاني عرقية الإيجور (أو الأويغور) أوضاعًا صعبة منذ قضت بكين على محاولتهم للاستقلال عام 1949، لكن الأمور ازدادت سوءًا بشكل دراماتيكي بداية من عام 2016 إذ تم اتباع سياسة إبادة ممنهجة، وبحسب لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة فإن عدد المحتجزين بشكل غير قانوني وصل إلى نحو مليون شخص على الأقل أغلبهم من الإيجور، وأنكرت الصين في البداية وجود معسكرات اعتقال قبل أن تعترف بها عام 2018، لكنها وصفتها بأنها “مراكز إعادة تأهيل” تهدف لمحاربة التطرف الإسلامي ومساعدة النزلاء على إيجاد فرص عمل.
ويُجبر نزلاء معسكرات إعادة التأهيل على اعتناق أفكار الحزب الشيوعي وحفظ خطب الرئيس الصيني شي جين بينج كلمة كلمة، ويقضون ساعات طويلة في ترديد الأناشيد الوطنية ومشاهدة فيديوهات تمجد الزعيم ويُحظر عليهم ممارسة أي عبادات أو طقوس إسلامية ويُرغمون على تناول لحم الخنازير، وتتعرض الفتيات لعمليات تعقيم إجباري وعمليات اغتصاب جماعي ممنهج فضلًا عن تعرضهم للتعذيب الوحشي حتى «فقد الكثير من النزلاء عقولهم» بحسب شهادات موثقة.
وتدير المعسكرات مؤسسة تُدعى فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء (XPCC) التي تستغل المعتقلين في العمل لإنتاج القطن وإنتاج مواد الألواح الشمسية ونشاطات أخرى، كما تقوم بنقل الصينيين إلى الإقليم لتغيير تركيبة السكان بحيث لم يعد مسلمو الإيجور يشكلون الغالبية العظمى في مناطقهم.
ولا يقتصر الاضطهاد على نزلاء “إعادة التأهيل” بل يُحظر على السكان ممارسة الشعائر الدينية كارتداء الحجاب أو اقتناء مصحف أو سجادة صلاة كما تم تدمير آلاف المساجد وحظر صيام الموظفين والطلبة في شهر رمضان.
وخلال فترة انتشار فيروس كورونا المستجد صعّد الحزب الشيوعي من حملته تحت ذريعة مكافحة الوباء باستخدام تقنيات المراقبة الرقمية فضلاً عن المخبرين العاديين، ناهيك عن إلزام السكان أنفسهم بإبلاغ المسؤولين الحكوميين عن خط سيرهم بشكل منتظم وعدم مخالفة ذلك وإلا يتم اعتقالهم، في أكبر وأقسى حملة مراقبة في العالم «ينبغي أن يهتز لها ضمير البشرية» على حد وصف الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار.
الابتزاز الصيني
في المقابل تمارس الصين ضغوطًا اقتصادية هائلة على دول العالم لمنعها من إدانة حملة الإبادة الجماعية ضد الإيجور، فمبادرة الحزام والطريق تستخدم كوسيلة للضغط على العديد من الدول لاسيما الإسلامية منها لعدم التحدث عن فظائع معسكرات شينجيانغ.
فعلى سبيل المثال كانت باكستان ذات يوم طريق الهروب المفضل لمسلمي الإيجور هربًا من الاضطهاد الديني حتى عاش الكثير منهم فيها وامتزجوا بسكانها لا سيما في جيلجيت بالتستان المحاذية لحدود شينجيانغ، لكنهم أصبحوا اليوم يخشون على حياتهم بسبب تعاون إسلام أباد مع الحزب الشيوعي وتسليمه عددًا منهم. وفي عام 2018، نظم رجال باكستانيون احتجاجات بسبب احتجاز زوجاتهم الإيجوريات في معسكرات الاعتقال الصينية، لكن السلطات المحلية هددت المحتجين وأجبرتهم على السكوت.
وبرز هذا التوجه بعد إطلاق مشروع الممر الاقتصادي في باكستان وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأصبح هذا المشروع أداة تأثير كبيرة على إسلام أباد. فعلى الرغم من الدعم الصريح لرئيس الوزراء الباكستاني لعدد من القضايا الإسلامية ككشمير وفلسطين وحتى المسلمين في الغرب، فإن عمران خان صرح في مقابلة له مع قناة الجزيرة عام 2019، بأنه «ليس على دراية» بما يحدث لمسلمي الإيجور.
كما أن أوكرانيا بعدما انضمت إلى البيان الموقع من أكثر من 40 دولة، وتقدمت به كندا إلى مجلس حقوق الإنسان في يونيو/حزيران الماضي، والذي يدعو بكين للسماح بدخول مراقبين دوليين مستقلين إلى شينجيانغ فورًا، هدد الصينيون كييف بحرمانها من نصف مليون جرعة لقاح لكورونا، مما دعا الأخيرة لسحب توقيعها على البيان.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، فإن الحكومة الصينية، تحت قيادة الرئيس شي لم تَعُد تكتفي بمُجرد إعفاء نفسها من المساءلة، بل تسعى إلى دعم الدول الأخرى على تأكيد حقها في قمع الحريات.
فقد غيرت أسلوبها في التعامل مع الاتهامات الدولية متخلية عن نهجها السابق باعتبار الموضوع شأنًا داخليًا بل أضحت تجاهر بحقها في قمع السكان داخل حدودها، وتلجأ إلى معايرة الدول المنتقدة لها بما ارتكبته من أخطاء في الماضي؛ فحين نددت كندا في الأمم المتحدة باسم أربعين دولة بوضع حقوق الإنسان في الصين، قدّم ممثل الأخيرة بيانًا مشتركًا مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا وبيلاروس وفنزويلا وسريلانكا، أعربوا فيه عن قلقهم البالغ من «الانتهاكات الخطيرة لحقوق السكان الأصليين في كندا».
وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إبطاء نمو الصين التي أصبحت أقوى منافس على الزعامة العالمية، وتتخذ الدول الغربية من قضايا حقوق الإنسان ستارًا لتمرير الضغوط الاقتصادية على بكين وحلفائها، ولولا احتكاك هذه الدول بعضها ببعض لغُيـِّبَت قضية الإيجور وغيرها من قضايا الأقليات المضطهدة التي تعود إلى غياهب النسيان حين تتحسن العلاقات بين الدول الكبرى.