تصدير الثورة: إيران وصناعة الجهاد الشيعي في الشرق الأوسط
يتم النظر عادةً إلى الكتلة المذهبية السنية في الشرق الأوسط بوصفها المصدر الرئيس للعنف في الشرق الأوسط المعاصر، إلا أن ملامح وسمات العمل الجهادي المسلح في المنطقة بطابعها الراهن المألوف اليوم، ومن أبرزها استخدام المفخخات وتبني أسلوب العمليات الانتحارية، لا تعود بدايةً وللمفارقة لأعمال حركات جهادية سنية، بل ترجع في المقابل إلى أساليب تنظيمات دينية شيعية كـ«حزب الدعوة» في العراق، وجناحه المسلح المعروف المتمثل في «منظمة بدر»، وحركات شيعية مسلحة أخرى كحزب الله بلبنان، و«حزب الله الحجاز» بالأساس.
«حزب الدعوة العراقي»
وقد تبنى حزب الدعوة نهج العمل المسلح في البداية في هذا السياق، بعد تعرضه لضرباتٍ أمنيةٍ متتالية تم خلالها اعتقال عدد من قادته ومنظريه وإعدام زعيمه محمد باقر الصدر، حيث قررت قيادة الخارج في الحزب آنذاك تشكيل جناحٍ عسكريٍّ مسلحٍ لمواجهة النظام العراقي ورموزه.[[1]]
كما تشير الوثائق والبيانات الصادرة عن حزب الدعوة في ذلك الوقت إلى تشكيل اللجنة الجهادية بقيادة نوري المالكي، الذي غادر سوريا آنذاك متوجهاً إلى إيران الحليف الأبرز للحزب، ومن هناك بدأ العمل على تأسيس معسكر تدريبي في منطقة الأحواز العربية المتاخمة للحدود العراقية الإيرانية.
تلقى خلاله عشرات الأفراد من حزب الدعوة تدريبا مكثفا تحت إشرافٍ إيرانيٍّ مباشر، ليشرع المالكي واللجنة الجهادية لحزب الدعوة بعد ذلك بالتخطيط لضرب المصالح العراقية في الداخل والخارج.[[2]]
وانطلقت أولى عمليات حزب الدعوة في أبريل/ نيسان عام 1980 بالجامعة المستنصرية وسط بغداد بقيام أحد عناصر الحزب بمحاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء العراقي آنذاك «طارق عزيز»، حيث ألقى أحد المنفذين قنبلةً يدوية، تمكن حراس عزيز من تفاديها، إلا أن القنبلة انفجرت وسط عددٍ من الطلاب مما أوقع قتلى وجرحى، ولم يكتف حزب الدعوة بما جرى وقتئذ في تلك العملية، بل قام مسلحون من الحزب بإطلاق الرصاص في اليوم التالي على مشيعي جنازات الطلاب، مما أوقع المزيد من الضحايا.[[3]]
وفي عام 1981 قام الحزب بتفجير سينما النصر وسط بغداد، موقعا عشرات القتلى، وفي عام 1982 قام انتحاري من حزب الدعوة بتفجير مبنى وزارة التخطيط العراقية، وفي العام 1983 تبنى حزب الدعوة عملية تفجير مبنى الإذاعة والإعلام في بغداد بسيارة مفخخة، كل هذا فضلا على انضمام مقاتلي الحزب إلى صفوف القوات الإيرانية خلال الحرب على أكثر من جبهة.[[4]]
وقد نقل حزب الدعوة معركته إلى الخارج، وكانت البداية في هذا الإطار من لبنان الذي كان للحزب حليف استراتيجي فيه، هو حركة أمل، مما سهل من تنفيذ الهجمات في الساحة اللبنانية، وفي يناير/ كانون الثاني 1981 قام حزب الدعوة بتفجير السفارة العراقية في بيروت، على يد انتحاري من حزب الدعوة كان يقود سيارة مفخخة فجرها في قلب السفارة العراقية، مما أوقع أكثر من ستين قتيلا في صفوف المدنيين. وكان من بين ضحايا تفجير السفارة العراقية في بيروت «بلقيس الراوي» زوجة الشاعر السوري المعروف نزار قباني، والتي كانت إحدى الموظفات في السفارة.[[5]]
وتطورت عمليات الحزب خارج العراق بعد ذلك بشكل كبير، وكان من أبرز تلك العمليات عملية محاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ «جابر الصباح»، عبر الهجوم على موكبه بسيارة مفخخة، وبحسب القضاء الكويتي كان المتهم المباشر في التخطيط لتلك العملية وتنفيذها هو عضو حزب الدعوة جمال الإبراهيمي المعروف بأبي المهدي المهندس، القيادي الحالي في قوات الحشد الشعبي العراقي وصديق نوري المالكي ورفيق دربه.[[6]]
«حزب الله الحجاز»: ذراع إيران الضاربة في جزيرة العرب
وفي المسار نفسه الذي انطلق فيه حزب الدعوة، أسس بعض السعوديين الشيعة الذين كانوا موجودين في سوريا خلال تلك المرحلة تنظيما سياسيا معارضا لنظام الحكم الموجود في المملكة العربية السعودية باسم حركة الطلائع الرساليين، تحول فيما بعد إلى منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، وكان للمنظمة جناح عسكري سمي بـ«حزب الله الحجاز»، وافتتحت منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية مكاتب لها في دمشق وبيروت وطهران ولندن وواشنطن.[[7]]
وخلال الأعوام القليلة التي تلت إعلان «حزب الله الحجاز »، تم تنفيذ عمليات عدة بالمنطقة الشرقية، وجرت محاولات اغتيال عدة لعدد من الدبلوماسيين السعوديين بالخارج، بينما تمكنت السلطات السعودية من جهة أخرى من إحباط بعض عمليات الحزب، عبر العثور على قنابل وعبوات ناسفة زرعها الحزب بمصانع وشركات ومواقع حساسة قبل تفجيرها.[[8]]
ويُذكر أن أول حادث تفجير قام به الحزب كان في أغسطس/آب عام 1987، إلا أن الحكومة السعودية رفضت الاعتراف بهذا في ذلك الوقت، وقالت إنه مجرد حادث.[[9]]
وفي مارس/آذار 1988 قام الحزب بتفجير آخر في منشآت شركة صدف البتروكيماوية في الجبيل، وهو تفجير تبناه الحزب وصرح بأن أربعة من عناصره قاموا به، وبعد التفجير الأخير اكتشف حراس شركات البترول والبتروكيماويات في شرق السعودية العديد من المتفجرات في أماكن متعددة، كمعملي التكرير في رأس تنورة، ورأس الجعيمة.[[10]]
وفي 25 يونيو/حزيران 1996 انفجر خزان كبير مملوء بأطنان من مادة تي إن تي بجوار مجمع سكني يقطن فيه عسكريون أمريكيون. حيث قتل 19 أمريكيا، وأصيب المئات من جنسيات مختلفة [[11]]. وقد نفذ ذلك الهجوم «حزب الله الحجاز» علي يد عناصره أحمد إبراهيم المُغسِّل وعبد الكريم حسين الناصر.
و قد احتفى أسامة بن لادن بالهجوم في خطابٍ ألقاه بقندهار في أفغانستان في تلك الآونة، عبر بيت من الشعر قال فيه مادحا إياهم:
ولم تكن تخفي دلالات المفارقة اللافتة هنا آنذاك، في ثناء أسامة بن لادن على منفذي تلك العمليات، الذين كانوا ينتمون بطبيعة الحال إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، حيث كانت تلك الفترة هي الفترة ذاتها التي بدأت خلالها العلاقة الغامضة بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبن لادن وتنظيم القاعدة في التشكل، بعد إقامة الأخير في السودان لفترة، نشأت خلالها وساطة جمعت بين كلا الطرفين، تمت بتدخل من نظام الإنقاذ الحاكم هناك، وسنعود لتناول هذه القضية تفصيلاً، ولكن بعد التعرض في الجزء المقبل لبعض الخلفيات المهمة التي جرت خلال فترة الجهاد الأفغاني ابتداء.
- [[1]] نوري المالكي, برنامج الصندوق الأسود, وثائقى من إعداد قناة الجزيرة الفضائية, تاريخ بث الحلقة: 22/10/2015
- [[2]] المصدر نفسه
- [[3]] المصدر نفسه
- [[4]] المصدر نفسه
- [[5]] المصدر نفسه
- [[6]] المصدر نفسه
- [[7]] عبد العزيز الخميس , حزب الله الحجاز..ورقة سوريا للانتقام من السعودية, تقرير منشور على موقع ميدل ايست أونلاين بتاريخ 18 أغسطس آب 2011
- محمد الطاير, سبق" تروي القصة الكاملة لـ"حزب الله السعودي", تقرير منشور على صحيفة سبق الالكترونية بتاريخ 07 مارس 2014 – 6 جمادى الأول 1435
- [[9]]عبد العزيز الخميس , حزب الله الحجاز..ورقة سوريا للانتقام من السعودية, تقرير منشور على موقع ميدل ايست أونلاين بتاريخ 18 أغسطس آب 2011
- [[10]] المصدر نفسه
- [[11]] المصدر نفسه
- [[12]] ياسين جميل,هذه هي القصة الحقيقة للقبض على مدبر تفجير الخبر بالسعودية, مقال منشور على موقع صحيفة رأى اليوم الصادرة من لندن بتاريخ August 27, 2015