محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2017/12/04
الكاتب
جيرارد دي تروليو

في الثاني عشر من سبتمبر/أيلويل العام الماضي،احتل عدد من الناشطين بمدينة فانكوفر بنك «تي دي كندا تراست/ TD Canada Trust»، تضامناً مع الاحتجاجات ضد مشروعخطأنابيبداكوتا، إذ يُعد البنك إحدى المؤسسات المالية المتعددة التي تدعم المشروع.

ولا يُفترض أن يبدو دعم بنك «تي دي تراست» للمشروع مفاجئًا. فالاعتماد الكبير للاقتصاد الكندي حاليًا على قطاع التمويل وصناعات الاستخراج، جعل العديد من الشركات تنخرط باستثمارات في مثل هذه المشروعات الدولية. ويشهد التاريخ الحديث لبنك «تي دي تراست» على هذا التوجه، ففي عام 2004 توسع البنك داخل الولايات المتحدة ويحتل حاليًا المركز 19 ضمن قائمة أكبر البنوك في العالم. وتتبع العديد من الشركات الكندية الكبرى قيادة البنك، وهي تعيث فساداً في جميع أنحاء العالم الآن.

منذ بدء الحقبة النيوليبرالية، أصبحت كندا مهيمنة في العديد من الصناعات المُدمرة للبيئة، وهو ما يُنهي التحليل اليساري التقليدي للاقتصاد الكندي بوصفه مجرد تابع منبطح للولايات المتحدة. لقد بدأ الناشطون الكنديون في الحشد ضد هذه الأطراف وعلى الناشطين حول العالم اتباع نفس النهج.


كندا: قوة إمبريالية؟

في السبعينيات، هيمن على اليسار الكندي أيديولوجية قومية شملت مجمل الطيف السياسي بدءًا من الحزب الليبرالي الحاكم الذي يرأسه بيير ترودو ووصولاً إلى المذاهب المادية الصغيرة التي انضمت إلى الحركة الشيوعية الجديدة. ولكن هذا التوجه التاريخي لا يُمد الناشطين اليوم بما يعوزهم لمحاربة نفوذ الشركات على نطاق دولي.

ويُجادل الموقف القومي المتطرف بأن كندا لم تكن قوة مُستعمَرة لجلب الموارد أو تابعة للولايات المتحدة. في حين ذهب البعض إلى حد تصنيف كندا ليس بوصفها إحدى بلاد المركز، بل كدولة تكاد تسقط في نطاق الهامش. وقد استخدم بعض النقاد عبارات مثل «المستعمرة الأغنى» و«التابع الغني» لوصف البلاد. كما جادل آخرون بأن التنمية الاقتصادية في كندا تعاني من التقزم في التصنيع، وتعتمد على واردات الولايات المتحدة المصنعة من مواردها، وتعجز عن اختيار مصيرها الاقتصادي.

اقرأ أيضًا:7 قصص ترسم لك الوجه «القبيح» لجاستن ترودو

وقد سنت الحكومة الليبرالية عددًا من السياسات الاقتصادية في السبعينيات لتحسين صورة كندا على الساحة العالمية. وحاولت تحفيز الملكية الكندية في صناعة النفط، وأنشأت شركة «بترو-كندا» المملوكة للدولة، كما أنشأت أيضًا وكالة مراجعة الاستثمار الأجنبي لضمان الاستفادة من هذه الاستثمارات. أدت هذه السياسات إلى إبعاد عدد من الملكيات الأجنبية، وقد بلغت هذه السياسات ذروتها في عام 1970.

ولكن في ثمانينات القرن العشرين، تعرضت هذه النظرة اليسارية القومية لمزيد من التدقيق. ويُظهر كتاب بول كيلوغ الأخير «الهروب من المصيدة المُستحكمة»، أنّ كندا كانت منذ فترة طويلة لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي ودولة إمبريالية بحد ذاتها.

دائمًا ما كانت القومية اليسارية محض سراب. إذ إنَّ كندا دولة استعمارية مستوطنة تضم سكانًا أصليين جرى إخضاعهم. ولذلك، لا تصلح السردية القومية القديمة للتعامل مع دولة إمبريالية تستغل الجنوب وتشارك خارجيًا في المغامرات العسكرية تحت لواء الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي/الناتو.


الاقتصاد الكندي: متطفل أم مستقل؟

في الواقع، وكما يقول كيلوغ، اعتمد رأس المال الكندي على استراتيجية تطفل عسكري للاستفادة من العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة. وقد سمح ذلك لكندا بالاستفادة من النظام العالمي لرأس المال الذي يحيمه الجيش الأميركي في مقابل أقل تكلفة ممكنة. فحتى مع زيادة رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر للإنفاق العسكري، أظهر تقرير صدر مؤخرًا عن حلف شمال الأطلسي/الناتو، أن كندا تنفق فقط 0.98% من الناتج المحلي الإجمالي على جيشها، وهي صفقة لضمان التمتع بغنائم الهيمنة العسكرية الأميركية.

وتُظهر دراسة تاريخ كندا الاقتصادي أنه لم يكن أبدًا معتمدًا على الولايات المتحدة. فبعد اتحادعام 1867، أصبحت السياسة الوطنية، التي تهدف إلى تقليل اعتماد البلاد على الولايات المتحدة، هي خطة التنمية التي تحظى بالأولوية. وفي انتخابات عام 1878، شن السياسي المحافظ جونماكدونالد حملة لدعم هذه السياسة وهزم الليبراليين مؤيدي التجارة الحرة. ورغم بعض الاحتجاجات من المزارعين وأصحاب المصالح الإقليمية، وضعت السياسة الوطنية تعريفية مرتفعة لحماية الصناعة المحلية. كما أكملت الحكومة سكة حديد عابرة للقارات لربط كولومبياالبريطانية بشرق كندا.

وقد جرى السيطرة على أراضي البراري الكندية من خلال إبادةجماعيةبحقالسكانالأصليين. لم تختلف هذه السياسة كثيرًا عن استراتيجيات التصنيع الأميركية، والتي تنحدر من أفكار ألكسندر هاملتون، ما كان مختلفاً هو اندماج كندا في النظام التجاري التفضيلي للإمبراطورية البريطانية. واستغرق الأمر حتى عام 1930 لتصبح الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لكندا.

وعلاوة على ذلك، يُمكن القول بأن كندا قد شهدت أول اقتصاد في العالم تغزوه الشركات متعددة الفروع. فحتى تتجنب الشركات الأميركية التعريفات الجمركية، أنشأت فروعًا لمصانعها في كندا لتنتج للاقتصاد المحلي، بما يخدم مصالح البلدين.

إذ إنّ فروع شركات جنرال موتورز وفورد وكرايسلر حول تورونتو وفي جنوب غرب أونتاريو – التي تفصلها مسافة قصيرة عن الحدود – هي إرث السياسة الوطنية، والتي جرى تفكيكها ببطء بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبحت صناعة السيارات متكاملة تمامًا في عام 1965، وفي عام 1988 وافقت الدولتان على اتفاقية كاملة للتجارة الحرة.

غير أن هذه الاتفاقية لم تعنِ قبول كندا لجارتها الأقوى. وقد دفعت البورجوازية الوطنية بشدة لتحقيق ذلك. وفي أثناء الركود التضخمي بسبعينيات القرن الماضي، شُكِلَ ما بات يُعرف اليوم بمجلس أعمال كندا، في مُحاكاه مباشرة لطاولة الأعمال الأميركية المستديرة «US Business Roundtable».

لعب مجلس الأعمال دورًارئيسيًا عندما تابعت حكومة المحافظين التقدمية يقيادة براين مولروني تنفيذ اتفاق التجارة الحرة الأول مع الولايات المتحدة. بدا واضحًا أن البرجوازية الكندية كانت قادرة على التعبير عن مصالحها الخاصة، والتي ستتأثر سلبًا إذا تحولت كندا إلى مُستعمَرة لجلب موارد أو إلى تابع للولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن الشعور بالنقص الاقتصادي في كندا قد توارى. كما أن عددًا قليلًا من العلامات التجارية الشهيرة عالميًا تتبع كندا. ورغم إنتاج عدد ضخم من السيارات، لم تطور كندا صناعة سيارات وطنية خاصة بها، خاصة وأن البلدان الصغيرة مثل السويد قد أنتجت أكثر من سيارة.

فعلى سبيل المثال، تبيع شركات الطيران والنقل الكبرى مثل بوينغ وشركة إيرباص منتجاتها في جميع أنحاء العالم. في حين تحتاج بومباردييه كندا – والتي نُشر عنها مؤخرًا تقارير صحفية تنتقدها بسبب تأخر تسليم ترام تورونتو الجديد – إلى مساعدات حكومية كل بضع سنوات. لكن الشركات العالمية الأكثر قوة في كندا، تميل إلى أن تكون نوعاً من المؤسسات التي لا يتفاعل الناس معها مباشرة. فنظرة سريعة على بورصة تورونتو للأوراق المالية، سوف تظهر مدى المعاناة والتدهور البيئي الذي تسببه هذه الشركات عالميًا.


دمار عالمي

تضم بورصة تورونتو للأوراق المالية، ثامن أكبر بورصة في العالم، العديد من شركات النفط والغاز والتنقيب عن الذهب أكثر من أي دولة أخرى. وتعد كندا المقر الرئيسي لأكثر من نصف شركات التعدين في العالم.

تعد شركة «باريك جولد» التي تتخذ من تورونتو مقرًا لها، أكبر شركة تنقيب عن الذهب في العالم وأكثرها فسادًا. ففي عام 2011، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا يزعم أنّ أمن شركة باريك في مناجم بابوا غينيا الجديدة، قد ارتكب أعمال اغتصاب جماعي وغيرها من الاعتداءات العنيفة. وفي عام 2015، دفعت الشركة تعويضًا لإحدى عشرة امرأة، وفي وقت لاحق من نفس العام ظهرت ادعاءات جديدة بالاغتصاب.

إنَّ الاغتصاب الجماعي عادة ثقافية. بالطبع، يُعد ذلك فجًا ولا يصح قوله. إذ إن عليّنا الإدعاء بأننا متشابهون وأنّ الثقافات لا تهم. ولسوء الحظ، لا تجري الأمور على هذا النحو.
بيتر مونك، مؤسس ورئيس شركة باريك.

لا تُلقي (باريك) بالًا لحقوق السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية، وتجني الأرباح من ظروف العمل غير الآمنة من بيرو إلى روسيا، وتُسبب أضرارًا بيئية كبيرة. ففي شهر سبتمبر من العام الماضي، أفادت التقارير في تنزانيا قتل الشرطة 65 شخصًا وإصابتها 270 آخرين فى المنطقة المحيطة بمنجم باريك للذهب شمال منطقة مارا.

وليست (باريك) سوى إحدى هذه الشركات الفاسدة. فقد رُفعت مؤخرًا دعوى قضائية ضد شركة (نيفسون للموارد) في فانكوفر، بزعم أنها استخدمت العمل الجبري في منجم ذهب بإريتريا. وجدير بالذكر أن الديكتاتورية الوحشية التي تغاضت عن هذه الممارسات، تمتلك حصة في المنجم تبلغ حوالي 40%. ويُعد التآمر مع الأنظمة العنيفة ممارسة صناعية ممنهجة. فعلى سبيل المثال، استفادت شركة الموارد الكندية (تاهو) من «تهدئة»الحكومةالغواتيماليةللقرى المحيطة بمنجم اسكوبال التابع لها.

ولم تُصدر كندا بالطبع أي تشريعذيمغزى للتعامل مع انتهاكات هذه شركات، وقد واجهت انتقادات من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة نتيجة لذلك. لكن التصدي لشركات التعدين الكندية لا ينبغي أن يكون أولوية أوتاوا الوحيدة، بل يجب أيضًا كبح جماح صناعة النفط. إذ تتمتع شركات النفط الكندية بقدر كبير من القوة. ويتجاوز الضغط الذي تمارسه هذه الجماعات في أوتاوا كل الصناعات وجماعات المصالح الأخرى. تبذل جماعات الضغط تلك جهوا ضخمة لتوعية الجمهور بأن ألبرتا تنتج «نفطًا يراعي المعايير الأخلاقية».

ومن خلال وضع الديمقراطية الكندية في مقابلة مع سجلات حقوق الإنسان لكلٍ من المملكة العربية السعودية وإيران، تحاول شركات النفط الكندية صرف الانتباه عن الآثار البيئية الكارثية التي يُخلفها النفط الرملي. وتشير التقارير الجديدة إلى أن الاستغلال الكامل لهذا المورد سيجعل تغير المناخ أمرًا يتعذر علاجه.

وقد بدأت مجموعات من السكان الأصليين والعمال وحقوق الإنسان تدعو الحكومة إلى إدانة مثل هذه الممارسات. وفي وقتٍ سابقٍ، طالبت خمس وثمانون قبيلة وبعض جماعات السكان الأصليين جاستن ترودو رئيس الوزراء، بإدانة مشاركة شركة (إنبريدج) في مشروع خط أنابيب داكوتا. ورغم وعود الحملة الانتخابية، لا يبدو أنّ الليبراليين يهتمون بإنشاء هيئة للرقابة على ممارسات الشركات الكندية.


المعارضة وسحب الاستثمارات

يتوجب على الناشطين الكنديين دفع الشركات الكندية إلى تحمل مسؤولية جرائمهم المرتكبة على نطاق دولي. كما أنهم بحاجة إلى مزيدٍ من الحشد عالميًا ضد هذه المؤسسات.

ويدعي كلٌ من حزب جاستين ترودو الليبرالي وحزب ألبرتا الديمقراطي الجديد ورئيسته راشيل نوتلي، أنهما يُمثلان سياسات حكومية رشيدة من شأنها أن تزيد القواعد التنظيمية، وذلك في حين يتواصل بناء خطوط الأنابيب. ولن تفشل هذه الاستراتيجية في السيطرة على انبعاثات الكربون فحسب، بل إنها تمثل وهمًا اقتصاديًا في وقتٍ يشهد انخفاض أسعار النفط العالمية. ومن شأن الضغط الدولي أن يعزز عمل الناشطين المحليين كثيرًا، خاصة في أعقاب الجدل الأخير حول مبيعات الجيش الكندي العسكرية للمملكة العربية السعودية.

وبعد ضغط الناشطين، انسحب صندوق التقاعد الحكومي النرويجي الذي تبلغ قيمته حوالي تريليون دولار، وشركة ستاتوال النفطية التابعة له والمملوكة للدولة، من عدة مشاريع للطاقة سيئة السمعة، بما في ذلك مشروع النفط الرملي في ألبرتا.

وهذا نوع من العمل الدولي الذي يتعين اتخاذه ضد شركات الموارد الكندية. ولا تتحدى مثل هذه المُمارسات قوة الشركات والعولمة النيوليبرالية فحسب، بل إنّ بقاءنا يعتمد عليها. وعليّنا أن ندرك الدور الذي يلعبه رأس المال الكندي في النظام الاقتصادي العالمي، ونخلق طرقًا للنضال ضده.