تجربة النقاب: كيف تبدو لفرنسيات مسلمات خلعن حجابهن؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
لا تزال أوشحة الرأس الإسلامية والحجاب موضوع نقاش حاد في أوروبا. تتراوح اتجاهات البلدان حول البرقع والنقاب -اللذين يغطيان الوجه- بين التسامحفيالمملكةالمتحدة و الحظرالمفروضفيفرنسا. تنوعت ردود أفعال المسلمات حول القيود، احتج البعض وأبدى آخرون موافقة مترددة، في حين دعم بعضهم الحظر.
لكن، ما الذي يحدث إذا ما اتخذت إحدى النساء اللواتي ارتدين النقاب – ربما لسنوات – قرارًا بخلعه؟
وُلدت كل من «حنان» و«أليكسيا» -أسماء مستعارة لحمايتهما – في فرنسا. نشأت حنان في أسرة مسلمة متحررة، في حين اعتنقت أليكسيا الإسلام في سن الـ 22. ارتدت كلتاهما النقاب لخمس سنوات. أولهما حنان عام 2009، فقط قبل أن تحظر فرنسا الحجاب الكامل للوجه، بينما ارتدته أليكسيا في وقت لاحق. وبمجرد أن دافعت المتحمسات عن حقهن في ارتداء النقاب؛ تخلّيتا عنه تمامًا. لكن التحول حدث تدريجياً، مصحوباً بابتعاد متنام عن الأيديولوجيةالسلفية المتطرفة.
العودة إلى الحياة
في 10 يناير/كانون الثاني 2018، خلال تخفيضات العام الجديد في فرنسا، قابلتُ أليكسيا بالقرب من محطة قطارات «جاري دو نور» في باريس. حيث قصدت شراء الملابس والعودة إلى الحياة. فاشترت من المتجر الأول أربعة أزواج من السراويل الضيقة وسترة مزركشة. ثم جربت بعض الملابس النيبالية المصممة للأذواق الغربية؛ السُتر الملونة والسراويل التي يشبه أسفلها الجرس الضخم (سراويل شارلستون).
عندما خرجت من غرفة الملابس، قالت أليكسيا أثناء وقوفها أمام المرآة: «هذه أنا بالفعل، أخيرًا أرى نفسي ثانية بعد سنوات من سجنها». يزيّن الشعر وجهها، بدت امرأة عصرية، مفعمة بالحياة. دُهشت بتحولها: من الصعب تخيل أنها كانت ترتدي النقاب لخمس سنوات وكانت واحدة من أكثر النساء اللواتي قابلتهن تطرفًا.
قابلت أليكسيا في أغسطس/آب 2011 أثناء بحثيعنالحجابالكامل خلال مظاهرة للجماعة السلفية «فرسانالعزة» في مدينة بالقرب من باريس. كانت ترتدي النقاب وقدمت نفسها كزوجة أحد قادة المجموعة.
تتذكر أليكسيا ذلك الوقت:
تتفاوت التقديرات بشدة حول أعداد النساء اللواتي يرتدين النقاب، من بضع مئات إلى عدةآلاف. أما من حيث عدد السكان المسلمين في فرنسا، فالنسبة ضئيلة.
«كان النقاب يحميني»
عرفت حنان منذ وقت أطول من أليكسيا. التقينا في يناير/كانون الثاني 2010 خلال مظاهرة لنساء منتقبات في ساحة «الجمهورية» في باريس ثم أمام «الجمعية الوطنية». كانت وأخريات يحتججن على إجراء مقترح من شأنه أن يجرمإخفاءالوجهفيالعلن.
في بداية عام 2017، خاطبتني حنان لطلب مساعدتي في كتابة سيرتها الذاتية. لا تريد فيها استنكار النقاب، بل أن تروي قصة عمليات الاغتصاب التي تقول إنها ارتكبت مرارًا من والد زوجها. فبالنسبة لها، يساعد هذا في تفسير انضمامها للسلفية.
على عكس أليكسيا -التي قررت بنفسها أن ترتدي الحجاب ابتداءً، تتذكر حنان تأثير دائرة مجتمعها في ذلك الوقت:
في 9 يناير/كانون الثاني 2015، هاجم «أحمدي كوليبالي»متجر «هايبركاشير» بالقربمنباريس. وكانت بومدين قد غادرت باريس قبل ذلك بأسبوع، ورُصدت في مطاراسطنبول، وما تزال طليقة. قتل كوليبالي خمسة أشخاص أثناء هجومه، ومات أثناء هجوم الشرطة على محل البقالة الذي كان يحتجز فيه الرهائن.
«شعرت وكأني أخرج من السجن»
عندما حظرت فرنسا النقاب الكامل عام 2010، تحولت بعض النساء اللواتي ارتدين النقاب إلى الجلباب، الذي يغطي الجسم كله عدا الوجه، في حين استسلمتأخرياتللضغوطالعامة وتوقفن عن ارتدائه. تختلف كل من أليسكيا وحنان: يقولان إنهما قلبا الصفحة تماماً.
أصبحت أليكسيا معارضة شرسة للحجاب الإسلامي والسلفية. وتواصل تعريف نفسها كمسلمة لكنها تقرأ النصوص بعين ناقدة. تعترف حنان بأنها أصبحت أقل مواظبة على طقوسها: «غالبًا ما أفوت الصلوات أو أُؤخرها. وفي بعض الأيام لا أجد وقتًا للصلاة. عندما ارتديت النقاب، كنت أكثر انتظاماً، رغم أنني كنت أتأخر».
تقول كلاهما إنهما وضعتا جانباً النصوص الأكثر تطرفاً التي كانتا تفضلانها في السابق، ولم تعودا للمواقع الإلكترونية المتعصبة. لكن هذا لم يحدث مرة واحدة – فقد استغرق الأمر عدة أشهر. تقول أليكسيا إنها قررت خلعت النقاب بناء على نصيحة الرجل الذي شاركها حياتها في ذلك الوقت. والذي اعتنق الإسلام والسلفية، وكان مؤيدًا للباس المحافظ للنساء، لكنه اقترح أن تتوقف عن ارتداء النقاب:
تخلت حنان عن حجابها بعد الهجمات على المجلة الفرنسية الساخرة «شارليإيبدو» في عام 2015، لأنها كانت تخشى على سلامتها، وتواجه المزيد من الإهانات في الشارع. وقالت إن الجزء الأصعب هو إقصاؤها من دائرتها الاجتماعية:
بعد فترة طويلة، ارتدت أليكسيا حجابها مرة أخرى عند عودتها إلى حيها القديم شمال شرقي باريس، حيث المحافظة الاجتماعية والدينية قوية. ثم في النهاية غيرت حياتها.
قابلت في عملي هذا الرجل الذي تزوجته. والذي لم يكن مسلمًا، وحدث الزواج المدني في قاعة المدينة، وهو خيار لا يمكن تصوره لهذه المرأة التي كانت تكره المؤسسات الفرنسية ذات يوم.
مذاق مر
بعد إدراكٍ متأنٍّ، لم تتحدث أليكسيا ولا حنان عن «الهروب» من النقاب كتحرر. بدلاً من ذلك، تركت التجربة لهما مذاقًا مرًا. تقولان إنهما كانتا مقتنعتيْن في مرحلة ما من حياتهما بأهمية ارتداء الحجاب الكامل: اعتقدت أليكسيا أنها حققت الإسلام الكامل وأعطت معنىً لحياتها، فقد تخيلت مقابلة رجل تقي وفاضل من شأنه أن ينقذها من حياتها كأم عزباء. أما حنان فكان هدفها شفاء جروح المراهقة التي مزقتها الصدمات العائلية ورعاية التبني.
تشعر أليكسيا الآن أن هذه الفترة كلفتها سنوات من حياتها، وتعبر عن غضبها من الدعاية القادمة من المملكة العربية السعودية. وتلوم كامل النظام الذي يلقنها، على الرغم من أنها تعترف أنها كانت بشكل ما طوعية. وفقاً لها، تستفيد الدولة الإسلامية من سذاجة أولئك الذين يعتقدون أنهم ملتزمون بالسلفية لأسباب مشروعة.
حتى لو تخلين عن النقاب، فلا حنان ولا أليكسيا تدعمان حظر 2010. أخبرتني حنان مؤخراً: «يأتي القانون بنتائج عكسية. والسبيل الوحيد للخروج هو أنت. هذا الحظر لن يقنع أبداً أي امرأة بخلعه». لدى أليكسيا رد الفعل نفسه، قائلة إن القانون دفع بعض النساء إلى فصل أنفسهن عن المجتمع، وقد يعتبره البعض إشارة تمرد.
شهادات أولئك اللواتي اخترن «خلع النقاب» نادرة. وعدد النساء اللواتي ارتدينه منخفض للغاية، وكثيراً ما يتوجب على من اخترن خلعه إنهاء علاقاتهن القديمة وتبني ما هو في أحياناً هوية جديدة – يغيّرن عناوين بريدهن الإلكتروني وأرقام هواتفهن. أصبح الحجاب الكامل لهن شيئاً متأصلاً في الماضي، ممثلاً لمرحلة انتقالية في حياتهن.