تطور المرجعية الشيعية: من الغيبة لولاية الفقيه
مما لا شك فيه، أن التاريخ الإسلامي قد عرف تماهياً واضحاً بين السياسة والدين، الأمر الذي يمكن تبينه من خلال دراسة ظروف تأسيس وتشكل المذاهب السياسية في الإسلام. في هذا السياق كتب الباحث اللبناني، الدكتور هيثم مزاحم كتابه المهم، والمعنون بـ «تطور المرجعية الشيعية من الغيبة لولاية الفقيه»، والذي رصد فيه أهم مراحل تطور الفكر السياسي الشيعي على مدار ما يزيد عن الألف عام، موضحاً كيفية تغيّر الذهنية الشيعية الجمعية من ميلها الأول للتذرع بالتقية والبعد عن السلطة الحاكمة إلى تقبلها الحالي لفكرة نائب الإمام الذي يحل محل المهدي زمن غيبته.
كيف ظهر التشيع؟
في الفصل الأول من كتابه، يناقش الباحث اللبناني، الدكتور هيثم مزاحم، الآراء المختلفة حول كيفية ظهور المذهب الشيعي، فيؤكد على أن الباحثين والعلماء قد اختلفوا في تلك المسألة، وأن كل فريق منهم قد تبنى رأياً معيناً، وساق الكثير من الأدلة والشواهد لإثباته والتأكيد على صحته.
أول تلك الآراء كان رأي الشيعة أنفسهم، وهو الرأي الذي يذهب أصحابه إلى أن التشيع قد ظهر مع الإسلام، وأن النبي قد بذر البذور الأولى للتشيع في حياته، واستدل أصحاب هذا الرأي بمجموعة من الأحاديث النبوية الواردة في المدونات الشيعية، والتي ورد فيها أن الرسول قد مدح علي بن أبي طالب وشيعته، وبشرهم بالجنة، ويرى أصحاب هذا الرأي إلى أن الكثير من الصحابة كانوا من الشيعة الأولين، ومنهم على سبيل المثال كل من عمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي.
الرأي الثاني الذي يستعرضه مزاحم، هو ذلك الذي يذهب أصحابه إلى أن التشيع قد ظهر بالتزامن مع أحداث الثورة على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، في أواخر العام الخامس والثلاثين من الهجرة، أما الرأي الثالث فهو ذلك الذي ينسب أصحابه التشيع لشخصية غامضة إلى حد بعيد، ألا وهو عبد الله بن سبأ، الذي قيل إنه يهودي يمني، أسلم زمن حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ولعب دوراً كبيراً في إشعال الثورة على عثمان، وأنه -أي ابن سبأ- قد روج للكثير من العقائد الغالية بحق علي بن أبي طالب، فقال بأنه صورة من صور الله عز وجل، وأكد على كونه الوصي الأحق بالإمامة والحكم، كما نشر أفكار الرجعة، فقال إن النبي سوف يعود إلى الحياة الدنيا، وإنه أحق بذلك من المسيح عيسى بن مريم.
على الرغم من شهرة هذا الرأي، فإن المؤلف يعدّه من جملة الآراء المعارضة للتشيع، والتي اختلقها أعداء الشيعة للتشنيع عليهم والحط من مكانتهم، ويقول في ذلك: «…وسواء أكان عبد الله بن سبأ حقيقة أو أسطورة، فإننا لا نرى لدوره أي تأثير في نشأة التشيع بعد مقتل عثمان، وإن كان له دور محتمل في نشأة عقائد الغلاة بعد مقتل الإمام علي…».
أما الرأي الرابع في ظهور التشيع، فيتمثل في القول بأنه قد ظهر بعد فاجعة كربلاء في العام الحادي والستين من الهجرة، فبعد ما قُتل الحسين بن علي وأهله بتلك الطريقة البشعة في أرض العراق «تحول التشيع من اتجاه سياسي وميل عاطفي إلى عقيدة دينية راسخة، وتحول الشيعة من مجرد أنصار لآل البيت لا تجمعهم عقيدة مميزة ولا تنظيم حزبي إلى فرقة لها تنظيمها الهرمي وعقيدتها الكلامية التي تميزها عن جمهور المسلمين…».
يستعرض الباحث اللبناني بعدها الرأي الخامس لظهور التشيع، فيقول إن المذهب الشيعي قد نشأ في بدايات القرن الثاني الهجري، على يد كل من الإمام الخامس محمد الباقر، والإمام السادس جعفر الصادق، وإن الصيغة الكلامية والعقائدية المعتمدة للمذهب الشيعي قد تمت صياغتها على يد مجموعة من كبار أصحاب الأئمة، من أمثال كل من هشام بن الحكم وهشام بن سالم وزرارة بن أعين.
وفي نهاية هذا الفصل، وبعد أن مر المؤلف على العديد من الآراء، فانتقد بعضها وأيد البعض الآخر منها، يخلص مزاحم إلى أن الشيعة يرفضون «التسليم بارتباط نشأة عقائدهم في الإمامة بالتطورات السياسية والدينية التي شهدها المجتمع الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى، وإنما ساهمت هذه الظروف في تبلور عقائد المذهب الاثني عشري وتميزه عن الفرق الإسلامية الأخرى على أيدي الأئمة أنفسهم، باعتباره جوهر الإسلام المحمدي الأصيل، وليس انشقاقاً طارئاً عنه».
الإمامة والمهدوية
في الفصلين الثاني والثالث من كتابه، يناقش الدكتور هيثم مزاحم قضية الإمامة في النسق الشيعي الإمامي، وما ارتبط بها من قضية المهدوية.
يذكر مزاحم أن علماء ومتكلمي الشيعة قد عدوا مبحث الإمامة، أحد المباحث المعتبرة والرئيسة في أصول الدين، وأنهم قد عملوا على إثبات وجوبها من طريقي العقل والنقل، ففيما يخص الأدلة العقلية، فقد استشهد الشيعة بعدد كبير منها، من بينها «…احتياج الناس إلى إمام مرشد مطاع يردع الظالم عن ظلمه والباغي عن بغيه، وينتصف للمظلوم من ظالمه من جهة، ويحفظ الشريعة من الضياع وتعطل الأحكام والحدود ويمنع تشتيت الآراء وفساد العقيدة من جهة أخرى…».
أما فيما يخص الأدلة النقلية التي استشهد بها الشيعة على وجوب الإمامة عند الشيعة «…فتنطلق عند الاثني عشرية من القول بوجود الإمامة وجوداً سرمدياً أبدياً في الحياة الدنيا، أي منذ وجود آدم وحتى القيامة، بحيث تستحيل أن تخلو الأرض من إمام حجة ولو ليوم واحد…».
من المهم هنا أن نشير إلى أن مفهوم الإمامة عند الشيعة الإمامية، يختلف كثيراً عن مفهوم الإمامة عند أهل السنة والجماعة، ويمكن أن نحدد أهم الاختلافات بين المفهومين، في أمرين رئيسين، وهما النص والعصمة على الترتيب. فيما يخص الأمر الأول، النص، فقد شاع في الكتابات الشيعية أن الله عز وجل قد اختار اثني عشر رجلاً لخلافة النبي، أولهم هو علي بن أبي طالب، وآخرهم هو محمد بن الحسن العسكري، وبحسب التعاليم الشيعية التقليدية، فإن النبي قد سمى هؤلاء الرجال قبل أن يتوفى، وأن كلاً منهم قد حدد خليفته قُبيل وفاته.
هذا الطرح يختلف مع الطرح السني، والذي يذهب أصحابه إلى أن النبي قد توفي دون أن يسمي خليفته، وأنه -أي النبي- قد ترك أمر اختيار الخليفة بيد جموع المسلمين، الأمر الذي يرد عليه مزاحم في كتابه بقوله: «أنه لا يصح اختيار الإمام من قبل الناس، لأن الإمامة من الأمور الموكولة إلى الله ورسوله كالصلاة والصيام والتي ليس للناس الخيرة فيها…».
أما الأمر الثاني الذي يفرق بين الإمامة بمفهوميها السني والشيعي، فيتمثل في العصمة، والتي يضع لها المؤلف مجموعة من التعريفات الموجزة، ومنها على سبيل المثال أنها «الامتناع طوعاً عن فعل الذنوب والقبائح بفعل اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حق الإمام، وهو لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر…». الاعتقاد الشيعي الإمامي بعصمة الأئمة، كان يعني بالتبعية أنهم لا يقترفون الذنوب، ما صغر منها وما كبر، وأنهم لا يغفلون أبداً عن ذكر الله عز وجل، الأمر الذي حدا بهم ليصبحوا حججًا لله على جميع البشر، وورثة للأنبياء والرسل في مهمة التبليغ والدعوة والهداية.
بعدها يتطرق مزاحم لمناقشة قضية المهدوية، والتي تمثل أحد أهم المعتقدات في النسق الشيعي الإمامي الجمعي، إذ يعتقد الشيعة أن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري، قد ولد في 255ه أو 256ه، وأنه قد اختفى عن الأنظار في 260ه بعد وفاة والده، وظل مختفياً حتى 329ه، فيما عُرف باسم الغيبة الصغرى، وأنه كان يتصل بشيعته في تلك الفترة بواسطة أربعة من الوكلاء/السفراء المتعاقبين، حتى إذا ما توفي آخر هؤلاء السفراء الأربعة، وهو علي بن محمد السمري، فإن المهدي قد دخل في مرحلة جديدة من الغياب، وتُعرف باسم الغيبة الكبرى، وقد بدأت منذ 329ه ولم تنتهِ بعد، وفي تلك المرحلة انقطع التواصل بين المهدي والشيعة، اللهم إلا في عدد من المناسبات النادرة التي ظهر فيها المهدي لشيعته بشكل سريع وعارض.
يستعرض المؤلف مجموعة من المناقشات التي دارت حول قضية المهدوية، ويبدأ نقاشه بتشكيك البعض في ولادة المهدي، فيقول: «ويشكك بعض المؤرخين المناوئين للشيعة في تلك الولادة، مستندين إلى ما عرفه الشيعة من حيرة وانقسامات بشأن هوية الإمام الذي سيخلف الإمام الحسن العسكري، خصوصاً أنهم لم يعرفوا له ولداً من جهة، وادعاء جعفر بن علي، شقيق العسكري المعروف بجعفر الكذاب، للإمامة من بعده من جهة أخرى…».
بعدها يعمل مزاحم على تفسير سبب الدخول في الغيبة الصغرى، فيرجعها للظروف التاريخية التي شهدت الصراع على السلطة بين العباسيين والعلويين، إذ يقول: «يرد بعض علماء الاثني عشرية سبب الغيبة الصغرى بأنها نتيجة مطاردة العباسيين للإمام وسعيهم لقتل الإمام الثاني عشر لمعرفتهم بأنه الإمام المهدي الذي سيخرج لإقامة العدل في الأرض والقضاء على الظلم والفساد».
أما فيما يخص الغيبة الكبرى، فيتحدث المؤلف عن أسبابها قائلاً: «يعتقد الاثنا عشرية أنه إذا كان سبب الغيبة الصغرى معلوماً، فإن سبب الغيبة الكبرى الطويلة جداً -والتي لا يعرف أحد تاريخ انتهائها- يبقى سراً من أسرار الله، لا يعلم وجه الحكمة فيه سواه، إذ سيخرج الإمام الغائب في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً…».
من هشام بن الحكم إلى المحقق الكركي: تطور علم أصول الفقه عند الشيعة
في الفصل الرابع من الكتاب، يناقش مزاحم مسألة تطور علم أصول الفقه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، فيذكر أن البوادر الأولى للاجتهاد قد ظهرت في عصر الأئمة، ذلك أن الشيعة المقيمين في العراق وبلاد فارس قد اعتادوا أن يجمعوا أسئلتهم، ليرسلوها إلى الأئمة في المدينة المنورة، ولما كان الرد يتأخر في الكثير من الأحيان، فإن الشيعة قد لجؤوا للاجتهاد لاستنباط المسائل المستحدثة التي واجهتهم.
بحسب مزاحم، فإن المتكلم الشيعي هشام بن الحكم المتوفى 199ه، كان أول من صنف في أصول الفقه، وكان في ذلك متقدماً عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى 204ه. هشام بن الحكم لم يكن الشيعي الوحيد الذي اهتم بهذا العلم، بل كان هناك العديد من أقرانه الذين درسوا على يد الإمام جعفر الصادق، وعملوا على حمل العلم ونشره، ومن هؤلاء الأربعمائة الذين صنفوا ما يعرف باسم الأصول الأربعمائة، وهي التي جُمعت فيما بعد في أربعة مصنفات مهمة، ألا وهي الكافي في الأصول والفروع لمحمد بن يعقوب الكليني المتوفى 329ه، ومن لا يحضره الفقيه لمحمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق المتوفى 381ه، وكل من كتابي تهذيب الأحكام والاستبصار لمحمد بن الحسن الطوسي المتوفى 460ه.
بعدها يلقي المؤلف الضوء على أهم مراجع الشيعة الذين ظهروا منذ القرن الرابع الهجري، فيبدأ بابن الجنيد الإسكافي المتوفى 381ه، والذي اشتهر بمنهجه الذي يقوم على القياس، والشيخ محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد المتوفى 413ه، والذي عُرف بسعة علمه وقوة حجته، واشتهر كذلك بعلاقته القوية بالدولة البويهية التي حكمت العراق في عصره.
بعدها تناول مزاحم الشريف المرتضى المتوفى 436ه، وهو صاحب كتاب الذريعة في علم أصول الشريعة، وكان له رأي شهير في مسألة جواز إقامة صلاة الجمعة في غياب الإمام المنتظر «إذ اعتبرها غير جائزة في غيابه، لأن الإمام الثاني عشر هو وحده السلطة الشرعية، وذلك بدلاً من إجازة صلاة الفقيه كنائب له».
أما شيخ الطائفة، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، فقد تناوله مزاحم بشيء من التفصيل، وذلك بسبب دوره المهم في تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ولكونه مرجع الشيعة الأهم في عصره. يقول المؤلف مبيناً مكانة الطوسي: «…وبلغت أهمية الطوسي درجة، جعلت نظرياته الفقهية وفتاواه تعتبر لدى الاثني عشرية وعلمائهم أصلاً مسلماً يكتفون بها ويعدون التأليف قبالها وإصدار الفتوى مع وجودها تجاسراً عليه وإهانة له…».
أما عن أهم الفقهاء والأصوليين الذين ظهروا بعد مرحلة الطوسي، فيذكر المؤلف العديد منهم، ومن بينهم كل من ابن إدريس الحلي المتوفى 598ه، والحسن بن يوسف بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي والمتوفى 726ه، وجمال الدين مكي الجزيني العاملي، المعروف بالشهيد الأول والمتوفى 786ه، والشهيد الثاني زين الدين بن علي الجباعي المتوفى 966ه.
في السياق نفسه، تحدث مزاحم عن علي بن عبد العال، المعروف باسم المحقق الكركي والمتوفى في 937ه، والذي اشتهر بكونه قد شارك في حكم الدولة الصفوية في عهد طهماسب، بوصفه فقيهاً مجتهداً ينوب عن الإمام الغائب.
بعدها، تطرق المؤلف لمناقشة الخطوط العريضة للمدرسة الإخبارية الحديثة، والتي ظهرت على يد الميرزا محمد أمين الأسترابادي المتوفى 1033ه، عندما «ثار مع أتباعه على علم الأصول والاجتهاد، قاصدين شل حركة نموه وترك العمل بقواعده، مكتفين بالعمل بالأخبار والأحاديث في استنباط الأحكام الشرعية…»، ويوضح مزاحم أهم أصول المدرسة الإخبارية، والتي تتمثل في عدم الرجوع للقرآن الكريم، ونفي حجية الإجماع واعتباره بدعة ابتدعها أهل السنة والجماعة، وإنكار الاجتهاد بشكل مطلق، هذا فضلاً عن القول بصحة جميع الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة، وأنها «قطعية الصدور عن المعصوم، وينبغي العمل بها…».
الخميني و«الحكومة الإسلامية»
يصل المؤلف في نهاية عرضه لنظريات الحكم المختلفة عند فقهاء الشيعة، إلى نظرية ولاية الفقيه التي طرحها آية الله الخميني في كتابه المشهور «الحكومة الإسلامية»، وهي النظرية التي قُدر لها أن تُطبق عقب نجاح الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979م.
يتألف كتاب الحكومة الإسلامية من مجموعة من الدروس الفقهية التي ألقاها الخميني على طلبته في النجف الأشرف، تحت عنوان ولاية الفقيه، في 1969م، وذلك إبان فترة نفيه إلى العراق، إثر مشاركته في عدد من الفعاليات الاحتجاجية ضد ممارسات السلطة الشاهنشاهية في إيران في ستينيات القرن العشرين.
بحسب المؤلف، فإن نظرية الخميني قد أوضحت ضرورة العمل على إقامة الحكومة الإسلامية، وهي الحكومة التي يمكن توضيح أهم سماتها في كونها تدعو للشورى، وأنها حكومة دستورية، لكونها مُقيدة بمجموعة من الشروط الواردة في القرآن والسنة، هذا فضلاً عن أن سلطة التشريع فيها منحصرة بيد الله عز وجل وحده دوناً عن جميع البشر. بناء على تلك الشروط، فإن الحكومة الإسلامية التي طالب الخميني بتأسيسها هي «حكومة القانون الإلهي… فالحاكم هو الله وحده، وهو الشرع وحده لا سواه، وحكم الله نافذ في جميع الناس، وفي الدولة نفسها…».
الخميني الذي أعطى أولوية كبيرة في مشروعه لمسألة اختيار الحاكم، قال إن هناك مجموعة من الشروط والمعايير التي يجب أن تتوافر في الحاكم، منها الشروط العامة، كالعقل والبلوغ وحسن التدبير، ومنها الشروط الخاصة، وأهمها العلم بالقانون الإسلامي والعدالة. ويذكر الخميني موضحًا الإشكال المتصل بمسألة تحديد شخص الحاكم في زمن غيبة الإمام، ورابطًا إياه بمجموعة من الأسئلة المتصلة بطبيعة الحياة والدين:
ويرد الخميني على كل ما سبق، بأنه من اللازم اختيار شخص ما لينوب عن الإمام الغائب في مهامه، وذلك حتى لا تتعطل مصالح المسلمين، وحتى لا يتمكن أعداؤهم من التغلب عليهم. ورغم عدم وجود أي نص شرعي يحدد شخصية هذا النائب، فإن الخميني يذهب أن السمتين الرئيستين الواجب توافرهما في الحاكم -العلم بالقانون والعدالة- متوافرتان الآن في معظم فقهاء الشيعة في هذا العصر «فإذا أجمعوا أمرهم -يقصد فقهاء الشيعة- كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير».
بحسب ما يذكره مزاحم في كتابه، فإن الخميني قد حدد صلاحيات هذا النائب «بأنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول وأمير المؤمنين على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب خاصة…».