دوري السوبر الأوروبي: لماذا طلبته الأندية وحاربه الفيفا؟
لا نعلم من أين نبدأ، لكن الأخبار قد وصلتك بالطبع، 12 ناديًا هم ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد من إسبانيا ويوفنتوس وقطبي ميلان من إيطاليا رفقة الأندية الستة الكبار من إنجلترا قرروا الانفصال عن بطولات الاتحاد الأوروبي، وتشكيل بطولة مستقلة تحت مسمى دوري السوبر الأوروبي، تشرف عليها الأندية بنفسها وتتولى إدارتها لجنة يرأسها فلورنتينو بيريز.
تتكون البطولة من 20 ناديًا، 15 منهم كأندية مؤسِسة لا تتغير، و5 آخرون يتغيرون كل عام طبقًا لمعايير لم تتحدد بعد، ستلعب البطولة في منتصف الأسبوع بدلًا من دوري الأبطال، وستنطلق في أقرب وقت ممكن، ومن المحتمل أن تصل عوائد البطولة لنحو 6 مليارات دولار قابلة للزيادة.
ولم يكد بيان التأسيس يصدر حتى تبعته موجة عارمة من الانتقادات، بداية من الفيفا واليويفا ومرورًا بالاتحادات المحلية ووصولًا إلى الجمهور، ولم يصل الجميع إلى حل يرتضيه الجميع حتى الآن.
من أين أتينا؟
رغم ذلك، فإن الإعلان لم يكن صادمًا للكثيرين، لأن فكرة البطولة مطروحة منذ زمن ودارت العديد من المناقشات حولها في السنوات الأخيرة، وكذلك لأن هذه الفكرة أتت متماشية مع طريق كرة القدم الذي سلكته منذ أعوام.
طريق تحكم الأموال في كرة القدم، والذي مر بعدة لحظات فارقة هي التي شكلت وضع كرة القدم الحالي، أهمها بالطبع كان قانون بوسمان، حين صار من حق اللاعبين الانتقال الحر بين النوادي، وبالتالي صارت الأموال هي العنصر الفارق الوحيد في استقطابهم، واستطاعت الأندية الغنية في ذلك الوقت أن تضم أغلب المواهب الموجودة على الساحة.
ومع الوقت بدأ الأمر يزداد، بحيث بدأت تندثر العديد من الدوريات والفرق التي لا تمتلك الأموال، وصارت المواهب مجتمعة في عدد دوريات محدودة، واستمرت الفجوة تزداد رويدًا رويدًا.
بعد ذلك شهدت كرة القدم ثورة أخرى هي تلك التي جلبت معها الاستثمارات من خارج كرة القدم وكان نتيجتها تجارب مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان ومن قبلهم تشيلسي.
وضعت هذه الأندية قواعد جديدة للسوق وشهدت أسعار اللاعبين ارتفاعًا غير مسبوق، واضطرت الأندية الكبرى للصرف بالطريقة ذاتها لتجاري هذا التضخم، وبذلك تقلص عدد الأندية الكبرى القادر على مواكبة الأسعار الجديدة، وتضاعفت الفجوة بين هذه الصفوة والبقية.
وبينما كانت مصروفات الأندية تزداد لم تكن العوائد والمكافآت التي تجلبها البطولات كافية، حيث إن بطل دوري الأبطال البطولة الأهم في أوروبا يتحصل بالكاد على 100 مليون يورو وهو رقم لا يتناسب إطلاقًا مع مصروفات النادي.
طبقًا لسايمون كوبر-مؤلف كتاب soccernomics-، فإن أندية كرة القدم ظلت تعاني من مشكلة اقتصادية تعرف بال appropriability، والتي تعني عدم التناسب بين الشعبية والانتشار وبين المكاسب المترتبة على ذلك، إذ تمتلك الأندية الملايين من المشجعين حول العالم لكنها لا تحقق ربحًا كافيًا، بل إن أغلب الأندية الكبرى لا تحقق ربحًا من الأصل، وفي الوقت الراهن فإن جائحة كورونا قد تركت العديد من الأندية الكبرى غارقة في الديون.
ولماذا جئنا؟
الأندية ذات الشعبية الكبيرة مثل ريال مدريد وليفربول تعلم أنها القوام الرئيسي لكرة القدم وأن الجمهور يتابع البطولات من أجلها، لذلك كانت تؤمن أنها تستحق نصيبًا أكبر من أرباح الصناعة، فليس من المعقول أن يحصل اليويفا على 60% من أرباح دوري الأبطال ويوزع ما تبقى على 32 فريقًا مشاركًا.
100 مليون يورو التي يحصل عليها بطل دوري الأبطال أقل من الذي يحصل عليه النادي الذي يصعد إلى الدوري الإنجليزي كل عام، ولا يوازي هذا الرقم ما تنفقه الأندية لأجل هذه البطولة، ورغم اعتراضات الأندية على الأمر كثيرًا فإن الاتحاد الأوروبي لم يتدخل لزيادة الأرباح أو تسويق البطولة بشكل أفضل.
لذلك كان السوبر ليج هو فكرة الأندية لتعظيم أرباحها، حيث تجتمع الأندية الكبرى في بطولة مغلقة يديرونها بأنفسهم ويتقاسمون الأرباح بينهم دون أن يقاسمهم فيها أحد، وطبقًا للبيانات المعلنة فإن الفريق الواحد سيحصل على 400 مليون دولار نظير مشاركته فقط، وهي قفزة هائلة في الأرباح يتمناها الجميع.
ثوب الفضيلة
ربما لا يتفق الكثيرون مع قرار الأندية، ويمتلك البعض انتقادات عديدة حول تأثير هذا القرار على كرة القدم والأندية الصغيرة في المستقبل، لكن من بين هؤلاء فإن رئيس الاتحاد الأوروبي ليس مهتمًا بهذا أو ذاك.
يقول فلورنتينو بيريز إنهم يرغبون في إنشاء السوبر ليغ من أجل إنقاذ كرة القدم، بينما يقود اليويفا وبايرن ميونخ وناصر الخليفي ثورة تنادي أن كرة القدم للفقراء، والكل يصدقهم بالطبع، الخليفي لا يهمه سوى الفقراء وبيريز لا ينام من أجل إنقاذ كرة القدم.
في الحقيقة فإن الاختلاف بين اليويفا والأندية حول تقسيم الأرباح ليس أكثر، هو يرغب في أن يتم كل شيء من خلال الاتحاد الأوروبي ليحقق أكبر مكسب ممكن، هذا هو جوهر الصراع بينهم، ولا يهتم الطرفان بكرة القدم إلا قليلًا.
والاتحاد الأوروبي الذي استحدث بطولة الأمم الأوروبية لأجل المزيد من الأموال دون الاهتمام بالتوصيات الطبية التي تحدثت عن زيادة الأحمال البدنية على اللاعبين، ويرغب الآن في تغيير نظام دوري الأبطال وزيادة عدد مبارياته من 125 إلى 225 لأجل الأموال أيضًا، لا يمكن بأي حال أن يتهم غيره بالجشع.
وكذلك لأنه كان مساهمًا رئيسيًا في وضع كرة القدم الحالي، ولم يتدخل للحد من الإنفاق المالي المتسارع مؤخرًا، وحتى مع إصدار قانون اللعب المالي النظيف فإنه تهاون في تطبيقه وسمح بالتحايل عليه، وهو ما صنع الفجوة الهائلة بين الصفوة والبقية، وكان من الممكن تفادي الوصول إلى هذا الوضع الذي خلق حالة التنافس السيئة التي تعيشها كرة القدم الآن.
هل يستحق الوضع الحالي البكاء عليه؟
كان هذا تساؤل مايكل كوكس محرر (The Athletic) ردًا على رفض البعض للسوبرليغ بحجة قتل المنافسة، فاز يوفنتوس بتسعة ألقاب متتالية في الدوري الإيطالي، بايرن فاز بآخر 8 في البوندسليجا، ولو تجرأ أي نادٍ على منافسته فإنه يفرغه من نجومه على الفور، باريس سان جيرمان يحسم الدوري الفرنسي كل عام دون عناء يذكر، ونشاهد في إنجلترا مانشستر سيتي يحقق الدوري بـ 100 نقطة ويحسم الدوري 3 مرات في آخر 4 سنوات.
الشيء نفسه في دوري الأبطال، نصف النهائي هذا العام يضم 4 من القوى التقليدية، وطوال عقدين تقريبًا لم تحدث إلا مفاجأة واحدة حين فاز بورتو باللقب في 2004، والآن أصبحت مرحلة المجموعات ليست أكثر من فقرة مكررة معلومة النتيجة سلفًا وتتأهل الأندية الكبرى دون عناء، فأين التنافسية التي يخشى الجميع عليها؟
الأندية مثل بيرنلي وكريستال بالاس وغرناطة وإيبار فقدت فرصتها منذ زمن، ولم تعد سوى ضحايا يلتهمها الكبار طوال العام دون مقاومة، يوجد أندية تقدم أداءً جيدًا أمام الكبار وتصنع المفاجأة؟ نعم، لكن ذلك لا يحدث إلا نادرًا، ونتائج كرة القدم باتت متوقعة أكثر من اللازم.
أجيال جديدة
ربما يكون هذا هو أحد أهم الأسباب التي تدعم المشروع الجديد، حقيقة أن كرة القدم لم تعد تجذب الأجيال الجديدة كما اعتادت في الماضي، في ظل الصراع مع العديد من مصادر التسلية والترفيه فإن الأجيال الجديدة أصبحت ترى كرة القدم مملة بقدر ما، وبينما كانت الأجيال الأكبر تجلس لتتابع مباريات أحد أطرافها خيتافي وديغون لم تعد الأجيال الجديدة تقبل ذلك.
هنا يدرك صناع كرة القدم أن عليهم تدارك ذلك وإلا ستتراجع شعبية كرة القدم تدريجيًا وتتراجع معها الأموال، ولذلك فإن السوبر ليج قد يجلب معه قدرًا من الإثارة والمتعة يعيد كرة القدم مجددًا إلى الصدارة، ويعزز من انتشارها في أسواق جديدة.
المهمشون
يدور الصراع بين اليويفا والأندية على الأموال، ويتساءل الجمهور هل يجلب هذا المشروع المتعة أم ينهيها؟ لكن من بين الجميع فإن طرفًا سيكون هو الخاسر في كل الأحوال، وهم الأندية الأقل التي لن تشارك في البطولة.
انفصال الأندية الكبرى يعني أن بطولة دوري الأبطال صارت بلا قيمة، ولن يرغب أحد في تمويلها، ما يعني انخفاضًا هائلًا في العوائد للجميع، والفرصة الضئيلة التي كان يتمتع بها البعض لتحقيق مفاجأة قد انتهت للأبد.
تجارب مثل أياكس وأتلانتا وبورتو مع ما تصنعه من لاعبين ومدربين لم يعد لها مكان بعد الآن، ولن يكون لدى هذه الأندية شيء لتصارع عليه في كل موسم ما دام أعضاء السوبر ليغ موطن الأموال الأوحد لا يتغيرون.
لن يقف التأثير عند دوري الأبطال فقط، بل سيمتد حتمًا إلى الدوريات المحلية، لم يتطرق البيان التأسيسي لرغبة الأندية في الابتعاد عن الدوريات المحلية، لكن المؤكد طبقًا لعدة تسريبات أنه مع بداية البطولة وزيادة حدتها فإن الأندية لن ترغب في إرهاق لاعبيها في بطولات محلية لا طائل من ورائها، ومع الوقت ستبدأ الأندية في إراحة لاعبيها أو المشاركة بالفريق الثاني.
وإذا كانت الأندية مطمئنة على مكانها في السوبرليغ، فإن الصراع على مقاعد الأبطال والذي يشكل جزءًا مهمًا من إثارة الدوريات سيصبح بلا قيمة، وعندها لن تحظى الدوريات بنفس أموال البث والعقود التجارية التي تحظى بها الآن.
هذا سيعني انخفاضًا كبيرًا في قيمة هذه البطولات، وسينعكس بالطبع على قدرات الأندية الصغيرة في الاحتفاظ بلاعبيها، ومن الوارد أن ينتهي الأمر بالجميع مجرد أكاديميات لتفريخ اللاعبين للأندية الكبيرة ليس أكثر.
في أي جهة؟
بين جميع أفراد اللعبة المدفوعين بمصلحة ما أو انحياز معين، فإن الجمهور هو الطرف الوحيد الذي لن يحصل على شيء، وتنقسم الآراء بينهم حول فائدة هذه البطولة لكرة القدم.
العديد من روابط تشجيع الأندية العالمية قد أعلنت رفضها التام للأمر، منها رابطة ليفربول التي احتجت قبل مباراة فريقها أمام ليدز، وربما لو كان الجمهور حاضرًا في المدرجات لواجه ملاك الأندية احتجاجًا أكبر.
يرفض البعض السوبرليغ لمجرد رفض التغيير وارتباطهم بذكريات مع بطولة مثل دوري أبطال أوروبا، ويعتقد البعض أنه سيكون نهاية كرة القدم تمامًا حتى لو جلبت المتعة لعام أو عامين، بعدها سيألف الجمهور الأمر وتعود المباريات مملة كما كانت، ومع ضمان الأندية لموقعها ومكاسبها فلن يكون هناك اهتمام بكرة القدم من الأصل، ما يضير الفرق لو خسرت كل مبارياتها ما دامت ستحصل على 400 مليون يورو في النهاية، وعندما يكتشف المنظمون خطأ فكرتهم، قد تكون الفرق الأصغر قد تلاشت تمامًا.
بينما يرى آخرون أن مباريات متجددة بين كبار القارة من شأنها أن تثري اللعبة بشكل كبير، وتساعد في تطوير التكتيكات وطرق اللعب، وإذا كان المباريات ستكون مملة ولا بد، فلتكن بين ريال مدريد ومان يونايتد لا بين دينامو زغرب وإشبيلية.
وحتى تطلق أول صافرة في السوبرليغ فإن الأمر ما زال مجرد فكرة، قد تتدخل الحكومات لتمنع الأمر وتوصله للمحاكم، وقد تصل المفاوضات إلى منطقة وسيطة وتعود الأندية لدوري الأبطال، وقد لا يحدث، لكن الأكيد أن كرة القدم الأوروبية قد تغيرت للأبد وتستعد لعصر جديد لم نشهده من قبل.