من سويسرا إلى ألمانيا: موجة جديدة من الإسلاموفوبيا
ظاهرتان كل منهما سبب ونتيجة للآخر؛ صعود مشاعر الكراهية واليمين المتطرف في أوروبا، فمع تزايد انتشار النزعات العنصرية خصوصاً ضد الجاليات والتجمعات الإسلامية ترتفع أسهم أحزاب اليمين المتطرف في دول القارة العجوز، وعلى إثر هذا الصعود تحاول الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى منافسة اليمين على أصوات تلك الشريحة السكانية فتتبنى خطابًا أكثر قربًا من اليمين، وكلما زادت مشاعر الإسلاموفوبيا حاولت أحزاب الوسط مجاراتها والمزايدة فيها على بعضهم البعض.
وهكذا بات المشهد السياسي الأوروبي ينحو باتجاه التطرف شيئًا فشيئًا، والضحية هم مسلمو أوروبا الذين صاروا هدفًا تقليديًا لحوادث كراهية كثيرا ما تصل للاعتداءات الجسدية واللفظية، وقرارات وقوانين تستهدف التضييق عليهم ومسخ هويتهم.
فخلال الأيام الماضية اندلعت في سويسرا احتجاجات حاشدة معارضة وأخرى مؤيدة لقرار البرلمان بحظر النقاب في الأماكن العامة، وتعد برن أحدث عاصمة تطبق هذا القرار؛ ففي عام 2010، كانت فرنسا أول دولة تحظر النقاب، وتبعتها عدة دول مثل بلجيكا والنمسا والدنمارك، ورغم ضآلة نسبة من يشملهن القرار في تلك الدول، لكن التأثير الرمزي لمثل هذه القرارات وكونها مقدمة لإجراءات أخرى أشد منها أسهم في منحها زخمًا كبيرًا.
تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا
وقد سبقت فرنسا الدول الأخرى في حظر ارتداء الحجاب في المدارس منذ عام 2004، وترافق بدء العام الدراسي الحالي في فرنسا هذا الشهر مع تطبيق حظر ارتداء العباءة الفضفاضة في المدارس العامة، ليمثل علامة على تجاوز باريس عتبة جديدة في طريق الإسلاموفوبيا؛ ففي نهاية أغسطس/آب، أعلن وزير التعليم أنه سيتم منع الطالبات من ارتداء العباءة في المدارس الحكومية، ووصفها المتحدث باسم الحكومة، أوليفييه فيران، بأنها «لباس ديني وهجوم سياسي، وعلامة سياسية» وكذلك عملاً من أعمال الدعوة لاعتناق الإسلام.
ورحب اليمينيون بهذه الخطوة، بينما لاقت استهجانًا لدى التيار اليساري الذي وصف القرار بأنه يصنع «شرطة ملابس»، وخطوة تفضح «الرفض المهووس للمسلمين».
وتمثل الأقلية المسلمة وشئونها مادة خصبة لحشد الرأي العام خلف السياسيين المتعصبين وإثارة مخاوف أسلمة المجتمع، رغم إعلان المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية أن «20% فقط من المسلمين يذهبون بانتظام إلى المساجد»، وأن مكانة الدين في الهوية انخفضت بين المسلمين على مدار السنوات الماضية.
وأخيرًا دعا رئيس الوزراء السابق، إدوارد فيليب، إلى فرض قيود خاصة على المسلمين في فرنسا، ومثلت تلك الدعوة سابقة تحدث لأول مرة منذ نهاية الحقبة الاستعمارية للبلاد، كما أن الرجل ليس يمينيًا متطرفًا ولا سياسيًا هامشيًا، بل هو أول رئيس وزراء للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وما زال يُعرف بكونه مقربًا من حكومته، وفي عام 2021، أنشأ حزبًا ينتمي ليمين الوسط، اسمه «آفاق»، وهو الآن أحد أبرز المنافسين المحتملين في انتخابات الرئاسية عام 2027.
ودعا فيليب في كتاب له، وأعاد التأكيد في الإذاعة العامة الرئيسية، على ضرورة فرض قوانين تستهدف المسلمين وحدهم، ومن المرجح أن يحاول سد الفجوة بين اليمين المتطرف، واليمين المحافظ، ويمين الوسط، في محاولة لتوسيع قاعدة دعمه المحتملة.
ويجب أن يُنسب الفضل إليه في الكشف عن بعض الحقائق في هذه القضية؛ فعلى عكس أقرانه المعادين للإسلام، فهو لا يتحدث عن «الإسلاموية»، بل عن «الإسلام والمسلمين»؛ فبدلًا من التذرع باختلاف «المذاهب» و«الميول الانفصالية»، و«الأصولية»، و«السلفية»، و«التطرف»، و«الراديكالية» وغيرها كأعذار لتبرير مهاجمة حقوق المسلمين، تحدث فيليب بوضوح عن «العدو من الداخل».
وهكذا تبدو فرنسا مقبلة على التخلي رسميًا عن مبادئها الدستورية الرئيسية المتمثلة في المساواة والحرية والعلمانية – ولا حاجة بالطبع للحديث عن الإخاء هنا- كل ذلك من أجل مهاجمة الإسلام وإيذاء المسلمين، وفقًا لرأي البروفيسور آلان جابون، أستاذ الدراسات الفرنسية ورئيس قسم اللغات الأجنبية بجامعة فرجينيا ويسليان بالولايات المتحدة.
النازيون الجدد في ألمانيا
وفي ألمانيا التي تضم ثاني أكبر تجمع إسلامي في أوروبا الغربية بعد فرنسا، بعدد يقترب من 5.3 مليون مسلم، شهد هذا الصيف تلقي عديد من المساجد رسائل تهديد منسوبة لتيار «النازيين الجدد» وتعرضت بعض المساجد في مختلف أنحاء البلاد لأعمال تخريب ومضايقات مما يشكل سببًا متزايدًا للقلق بين الجالية المسلمة، بخاصة وأنه في معظم محاولات إحراق المساجد لم يتم التعرف على الجناة أو القبض عليهم.
وتتزعم الجماعة الاشتراكية الوطنية السرية «NSU 2.0» التيار المناهض للمسلمين، وهي جماعة إرهابية من النازيين الجدد تم الكشف عنها في عام 2011 وقتلت 10 أشخاص ونفذت هجمات بالقنابل استهدفت المهاجرين المسلمين.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، وقع 124 اعتداء على المسلمين في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، بينها اعتداءات لفظية وجسدية ورسائل تهديد وحرق متعمد استهدفت مساجد، وتعرض نحو 62 مسجدًا للهجوم العام الماضي، وأصيب ما لا يقل عن 39 شخصًا بسبب ذلك.
وأظهرت آخر استطلاعات الرأي أن الحزب العنصري «البديل من أجل ألمانيا» أصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، متقدمًا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار، أولاف شولتس، وهذا وحده يظهر المدى البعيد الذي قطعه المتطرفون.
وفي بريطانيا تم تسجيل جرائم كراهية ضد ما يقرب من 90% من المساجد في جميع أنحاء المملكة العام الماضي؛ فقد وجدت دراسة أجرتها قناة ITV News ومجموعة المراقبة المناهضة للمسلمين Tell MAMA، بعد متابعة 117 مسجدًا، أن الغالبية تعرضت للإساءة بما في ذلك رسائل التهديد وأعمال العنف والإساءة كإلقاء القمامة والقاذورات.
ورصدت تلك الدراسة حوادث إرهابية وقعت ضد المسلمين في بريطانيا بدوافع عنصرية حيث تعرضوا للضرب والإهانة وطلب المهاجمون منهم الرحيل إلى «بلادهم»، وأجرت مقابلات شخصية مع عدد الضحايا المسلمين.
ويشكو المسلمون من عدم تحرك الشرطة البريطانية التي تقول إنها تعمل بنشاط على هذه القضية، ورغم وجود أرقام وإحصاءات كثيرة ترصد الهجمات العنصرية، لكنها تبدو أقل من الواقع وقد تكون الأرقام الحقيقية أعلى بكثير حيث يعزف كثيرون عن الإبلاغ عن مثل تلك الحوادث.
وتمثل أنشطة مجموعات اليمين المتطرف، والخطاب السياسي والإعلامي التحريضي وقودًا لتيار معاداة المسلمين الذي اتسع ليضم فئات جديدة وظواهر مستحدثة؛ ففي سبتمبر/أيلول 2022 شهدت مدينة ليستر البريطانية حدثًا غير مسبوق، إذ هاجمت مجموعات من اليمين الهندوسي المتطرف مناطق للمسلمين بعد مباراة بين الهند وباكستان، وظلت المدينة في حالة استنفار أمني طيلة أسبوع كامل.
وعالميًا تتوجه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة بنشر الإسلاموفوبيا من خلال خطاب «الحرب على الإرهاب» منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، الذي وضع المسلمين في بؤرة الاتهام دائمًا، وزودت لغة الإرهاب الأمريكية حكومات العالم بمبررات وسلطات غير محدودة ضد الأقليات المسلمة التي وُصمت بالإرهاب عمومًا؛ كما وقع مع الإيجور في الصين، والروهينجا في ميانمار، ومسلمي الهند، والحكومات الأوروبية.
موجات العنصرية
وفي ظل تبني كثير من القادة الأوروبيين لوجهات نظر وخطابات يمينية متطرفة بدرجات متفاوتة، تُرتكب في حق اللاجئين القادمين إلى الاتحاد الأوروبي انتهاكات مروعة، فمع استمرار الخطاب الذي يجردهم من إنسانيتهم يتعرض اللاجئون للاعتداءات من السلطات الرسمية والسكان المحليين في رحلتهم البرية عبر شرق أوروبا، أما المهاجرون عبر البحر فيتعرضون أحيانًا لإغراق مراكبهم عمدًا أو حتى الضرب والاعتداء من خفر سواحل دول جنوب أوروبا كاليونان.
بل بات البعض يجادل بأن «الهوية الأوروبية» مرتبطة ارتباطًا جوهريًا بالعرق الأبيض أو التراث المسيحي، مما يعني أنه لا يمكن أبدًا قبول الأشخاص الملونين باعتبارهم «أوروبيين»، بعد أن كانت أوروبا تتبنى المفاهيم الليبرالية وقيم التعددية وحكم القانون.
وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان صراحة على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين، وتحظر المادة الرابعة عشرة التمييز القائم على الجنس أو العِرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية، لكن الواقع العملي مغاير لتلك الالتزامات النظرية، فعلى سبيل المثال أصدرت منظمة العفو الدولية في عام 2020 تحذيرًا للسلطات الفرنسية تطالبها بالتوقف عن «تصوير جميع المسلمين كمشتبه بهم» وإنهاء «التعليقات النمطية والوصم والتمييز التي تستهدف المسلمين واللاجئين»، وأصدرت عديد من الجهات والجمعيات حول العالم بيانات وتصريحات تدين الممارسات الأوروبية التي تزداد روح العنصرية بها يوما بعد يوم.