سيدة أفريقيا: إثيوبيا تعيد تشكيل القرن الأفريقي
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
لم يتنبأ أحدٌ بذلك، لكن أخيرًا وصلت إثيوبيا وإريتريا – شريكتها في الصراع لوقت طويل – لاتفاق سلام دائم. كانت هاتان الدولتان اللتان تتقاسمان ثقافة ولغة وتاريخًا مشتركًا على خلاف منذ سنوات. وصل الصراع ذروته في مايو/ آيار 1998، عندما خاض البلدان صراعًا على مدينة بادمي الحدودية. حيث يريد كلاهما ضمها إلى حدوده. وقّع الطرفان اتفاق سلام – اتفاق سلام الجزائر– بعد عامين، لكن لم يلتزم به أي منهما لـ16 عامًا.غير أنه يوجد ضوء في نهاية النفق، حيث وعد رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد بالامتثال الكامل للاتفاق، مما يعني استعداده لإنهاء القتال بين البلدين، وتمهيد الطريق للسلام، كما وعد أحمد بقبول نتائج قرار لجنة الحدود لعام 2002، الذي منح الأراضي المتنازع عليها – بما في ذلك بلدة بادمي – إلى إريتريا.من جانب إريتريا، أعلن رئيس الدولة أسياس أفورقي مؤخرًا استعداده لإجراء محادثات سلام مع إثيوبيا، ووصل وفد إريتري إلى إثيوبيا لإجراء المحادثات، وأظهر الاحتفال الترحيبي بالوفد الإريتري المؤلف من ثلاثة أعضاء مدى رغبة إثيوبيا في إنهاء الوضع الراهن المتمثل في العداء.بالموافقة على المصالحة الإثيوبية «غصن الزيتون(1)»، أظهر أفورقي استعداده للمشاركة في عملية حل النزاع التي يمكن أن تنهي الصراع الأكثر ضررًا بين الدول في تاريخ القرن الأفريقي المعاصر. بعد وقت قصير من إعلانه، أعلن متمردو إريتريا المناهضون لإثيوبيا – المعروفين باسم «جينبوت 7» – استعدادهم لـ إنهاء الصراع المسلح مع إثيوبيا.إذا نجحت عملية حل النزاع فستعطي أملًا جديدًا للمنطقة برمتها، سيوفر السلام الدائم بين إثيوبيا وإريتريا الاستقرار الذي يحتاجه القرن الأفريقي بشدة، حيث تلعب الديناميكيات السياسية العالمية المتنافسة دورًا في الغالب.
التاريخ
ترسيم الحدود بين إثيوبيا وإرتريا، موضحًا المنطقة محل النزاع تاريخيًا
أُطيح بنظام عسكري إثيوبي بقيادة الكولونيل منغستو هايلي ماريام في عام 1991. ووحدت قوات المتمردين – بمن فيهم «جبهة تحرير تيغري الشعبية» و «الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا» -، قواها لهزيمة منغستو ولعبت دورًا رئيسيًا في إحداث تغيير نظامي في إثيوبيا.بعد هذا الانتصار، تابعت جبهة التحرير الشعبية الإريترية طموحها الراسخ في إدارة دولة إريتريا، التي انفصلت بعد ذلك رسميًا في عام 1993. في هذه الأثناء، قادت الجبهة الشعبية لتحرير تيغري تشكيل ائتلاف من أربعة أحزاب عرف باسم «الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي» والتي تحكم إثيوبيا منذ ذلك الحين.تمتع الحزبان الحاكمان بشهر عسل واعد في السنوات الانتقالية بعد الإطاحة بمنغستو. واستخدمت إثيوبيا ميناء البحر الأحمر لإريتريا في تجارة الاستيراد والتصدير. استمرت حكومة إريتريا في استخدام عملة «البر» الإثيوبية. لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ النظام في إثيوبيا في استجواب النظام الإريتري حول سلسلة من سياساته المالية والسياسية.بدأت العلاقات تتأزم وتتدهور بسرعة إلى أن اندلعت الحرب لأول مرة في مايو/ آيار 1998. ولعدم ترسيم حدودهما المشتركة أبدًا، بدأت إريتريا في غزو بادمي. تطور الغزو إلى نزاع كامل، مما أودى بحياة مئات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين.كانت كارثة لكلا الجانبين. أشرف ملس زيناوي – رئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك – والرئيس أفورقي على تدمير اقتصادين متعثرين، كما خلقوا أزمة إنسانية في المنطقة. وشاركت الدولتان في حروب بالوكالة الإقليمية، وعلى الأخص في الصومال. واستضافت الدولتان قوات المتمردين المناهضة للنظام من الجانب الآخر.لم يتمكن رئيس الوزراء الإثيوبي السابق، هايلي مريام ديسالين، – الذي حكم من عام 2012 إلى أوائل عام 2018 – من المشاركة بصورة مجدية مع إريتريا لعدة أسباب، بما فيها مقاومة شديدة من الحرس القديم بين النخب السياسية وعدم استجابة إريتريا. أدى هذا المأزق إلى حالة من الجمود بين البلدين والتي عُرِفَت بـ«لا حرب ولا سلم».لكن يُظهر رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد عزمًا أقوى عبر وعده بتطبيق اتفاق الجزائر للسلام، وقبول قرار لجنة الحدود بشأن ترسيم الحدود بين إثيوبيا وإريتريا. لحسن حظ آبي، أجاب أفورقي بالإيجاب.السلام والاستقرار الاقتصادي في القرن
الوجود العسكري لإثيوبيا في الصومال. بدعم من الغرب، يدعم الجيش في البلاد الحكومة الصومالية لمحاربة حركة «الشباب»، وتنتقد إريتريا هذا التدخل زاعمةً أن وجود إثيوبيا في الصومال يضر أكثر مما ينفع. من جانبها، اتهمت إثيوبيا إريتريا بـ دعم الإرهابيين على مر السنين، وكان لهذه الحرب بالوكالة بين البلدين القدرة على إثارة الصراع الإقليمي.كما امتد الصراع بين إثيوبيا وإريتريا إلى جيبوتي المجاورة، التي تشارك وهي أحد الحلفاء الاقتصاديين الرئيسيين لإثيوبيا، في حرب مع إريتريا على حدود متنازع عليها في جبل وجزيرة دوميرا، التي يطالب بها كلا البلدين. تعد المنطقة واحدة من أكثر طرق الشحن ازدحامًا في العالم، واعتُرف بها منذ فترة طويلة كجزء من جيبوتي.في نهاية المطاف، غالبًا ما سيكون لإحلال السلام بين إثيوبيا وإريتريا تأثيرٌ مهدئ على القرن. إذا تحقق الاستقرار، فيمكن لإثيوبيا – البلد الذي يقدر عدد سكانه بأكثر من 100 مليون نسمة – أن تحقق إمكاناتها كقوة اقتصادية وعسكرية إقليمية. هذا هو رأس المال السياسي الذي يمكن استخدامه لتحويل المنطقة إلى قوة اقتصادية موحدة.بدأت بالفعل الجهود الإقليمية للاندماج اقتصاديًا مع قيادة حكومتي إثيوبيا وجيبوتي. كما توصل رئيس الوزراء أحمد إلى اتفاق مع كينيا للمشاركة في مشاريع تطوير الموانئ. ووقع رئيس مجلس الدولة على تطوير الموانئ و الاتفاقيات الاقتصادية مع صوماليلاند. وتم التوصل إلى اتفاقات مماثلة مع الصومال. في نفس السياق، أمام إريتريا أيضًا فرصة لإعادة تأهيل اقتصادها بإحياء روابطها مع إثيوبيا.[1] عملية مصالحة يتبناها رئيس الوزراء الجديد مع الجار الشمالي والعدو اللدود لإثيوبيا «إريتريا».