إرنستو فالفيردي: هل تحول البطولات الحظ إلى عبقرية؟
منذ ستة أعوام، كان نادي بينتفورد الإنجليزي يحتل المركز الثالث في دوري الدرجة الثالثة، ويتبقى فقط خمس مباريات على نهاية الموسم. أمر ليس مهمًا، لكن في نفس التوقيت كان الكاتب الدانماركي «راسموس أنكيرسين» مؤلف كتاب «The Gold Mine Effect» قد تعرف لتوه على مالك نادي بينتفورد «ماثيو بينهام»، وقرر أن يسأله عن حظوظ فريقه في الترقي. ولأنك تنتظر إجابة دبلوماسية يشوبها خليط من التمني والحذر، فاجأه «ماثيو» وحدد حظوظ فريقه بنسبة محددة و كانت 42%.
كان يطمح «أنكيرسين» لفهم المزيد حول كرة القدم ونتائجها، لأن مالك نادي بينتفورد كان مقامرًا. ليس من هؤلاء الذين يقرءون «حظك اليوم»، ولكنه أحد المحترفين الذين يعتمدون على المعادلات والأرقام لمحاولة توقع النتائج. وبمساعدته، حاول أن ينظر إلى النتائج بشكل مختلف، وكانت البداية من نادي نيوكاسل يونايتد في موسم 2011/12.
تمكن نيوكاسل من احتلال المركز الخامس في البريميرليج، فقررت إدارة النادي منح المدرب «ألان باردو» عقدًا لمدة 8 سنوات، مع محاولة الإبقاء على نفس مجموعة اللاعبين. وفي الموسم التالي حدثت المفاجأة، احتل الفريق المركز الخامس لكن من أسفل الجدول.
يرى المقامر أن عينة مكونة من 38 مباراة، لا تكفي لإزالة العشوائية والحظ من المعادلة. لذا لا يمكننا وصف ما حدث بالصدمة، ما دام لم تحلل أسباب النجاح، فإنك لن تتوصل إلى أسباب الفشل. ومن هنا يمكن أن نصل إلى نقطة التقاء مع الرجل الذي صنع الحدث في الآونة الأخيرة «إرنستو فالفيردي».
مزيد من الحظ
وجد إرنستو فالفيردي نفسه مدربًا لبرشلونة بالصدفة، والصدفة الأخرى أن برشلونة واحد من ثلاثة أندية بجانب ريال مدريد وبايرن ميونيخ، كان موقع «The Ringer» قد توقع انهيارها في تقرير بتاريخ السابع عشر من أكتوبر 2018، أي في بداية الموسم. ما قرأته صحيحًا، هم يتحدثون عن بطل أوروربا، وبطلي إسبانيا وألمانيا، ولو أنني كاتب هذا المقال لسارعت بإعادة نشره، كي أثبت للجميع نظرتي الثاقبة.
اعتمد التقرير على معدل لقياس أداء الأندية من إنتاج شركة 21st Club للتحليل والإحصائيات، والذي أظهر هبوط منحنى أداء الأندية الثلاثة منذ موسمين تقريبًا. وفقًا لـ«عمر الشادوري» رئيس قسم الذكاء الرياضي بالشركة، فإن النتائج لا تعبر عن انخفاض الأداء. والسبب يعود إلى الفارق المهول اقتصاديًا بين الأندية الثلاثة ونظائرها في الدوري. بجانب نصيب كل منهم من عائدات البث التلفزيوني، مما يقلل فرص باقي الأندية في استغلال هذا التدهور.
بإمكانك رؤية الفارق بين معدل الأهداف المتوقع إحرازها والمتوقع استقبالها للمباراة الواحدة، لتبدأ تحسس القصور الحادث. وحتى لا ننسى نيوكاسل، فقد كانت نفس الإحصائية سببًا في التقليل من إنجازه والتنبؤ بزواله عاجلاً أم آجلاً. والأدهى من ذلك أن معدل تحويل مهاجمهم السنغالي «باييس سيسيه» للفرص بلغ 33%، وهو رقم مرعب.
كل هذه الأرقام كانت محاولة أرجو ألا تكون بائسة للتذكير بأن النتائج النهائية ليس كل شيء، ولا تعبر عن كل التفاصيل – مع حفظ المقامات بين نيوكاسل وبرشلونة طبعًا. أحيانًا يكون النجاح سببًا في تحويل الحظ إلى عبقرية. وطالما حاولت اختراع مبررات تكتيكية وهمية للفوز، عليك أن تكون جاهزًا وقت الخسارة.
مؤهلات عادية
يمكن القول إن الرجل الذي تمكن من قيادة برشلونة للفوز بالثنائية المحلية في موسم 2017/18، يمثل واحدة من أغرب الحالات الجدلية التي شهدتها اللعبة في عصر السوشيال ميديا. فقد لعب للبارسا بين عامي 1988 و1990 تحت قيادة المدرب الهولندي يوهان كرويف. ويبدو أن إدارة البلوجرانا ظنت أنه قد يمتلك ولو قدرًا ضئيلاً من الولاء لأفكار العراب الهولندي. لكن «إرنستو» لا يمنح ولاءه لأحد ولا يعترف بمثل هذا الأشياء بالأساس، لأنه كان لاعبًا لنادي إسبانيول قبل الانتقال للبلوجرانا.
مسيرة تدريبية لا يمكن وصفها سوى بالعادية، مر فيها على أندية: أتلتيك بلباو مرتين، وفالنسيا، وإسبانيول، وفياريال، وأولمبياكوس اليوناني. تمثلت أبرز إنجازاته في الفوز رفقة بلباو ببطولة السوبر الإسباني 2015/16 على حساب برشلونة، بمجموع المباراتين 5-1، إلى جانب 3 بطولات للدوري اليوناني.
يفضل مدرب بلباو الأسبق طريقة 4-4-2، ولأنه صار يدرب فريقًا يدمن الـ4-3-3 فإنه يحاول مراعاة ما تبقى من مشاعر جمهوره واللعب بها في مباريات الدوري. لكن في المباريات الصعبة، يتحول إلى طريقته المفضلة كما رأى الجميع في مباراتي ليفربول ذهابًا وإيابًا. إذا حاولت البحث عن فلسفته، ستجد كلامًا عن حبه لـ خنق خصومه من الأمام وتوجيه هجومهم بغلق زوايا التمرير. ستحاول تذكر في أي مباراة في الموسم شاهدت هذا، وفي الأغلب لن تجد.
تحول برشلونة إلى فريق أثقل على مستوى التحرك، وخلق خيارات للتمرير، ونقل الكرة. وبات يستخدم لاعبي وسط ميدان أقوى بدنيًا مثل باولينيو وفيدال، بعد أن انتهت موضة تشافي وإنييستا. ناهيك عن الاعتماد المتكرر على كوتينيو دون فائدة، وكذلك سيرجي روبيرتو في غير مركزه. ثم الكارثة الكبرى والتي تتمثل في لويس سواريز، الذي اكتفى بإحراز هدفين فقط في آخر نسختين من دوري الأبطال.
كاريزما يحبها ميسي والإدارة
ولأن إدارة السكواد تعد أمرًا هامشيًا، فإن مدرب أولمبياكوس السابق سيزيد الطين بلة بترك إدارة النادي تتحكم في سوق الانتقالات. يرحل من يرحل ويأتي من يأتي، لكنه في النهاية سيختار واحدة من تلك الصفقات ليصب عليها جام غضبه ويوجه من خلالها رسالته. وقد وقع الاختيار على الجناح البرازيلي مالكوم، وكأنه الصفقة الوحيدة التي أُجبر عليها.
تجاوز فالفيردي بواقعيته البكاء على أطلال التيكي تاكا، وأصبح معه الفريق يستقبل اللعب، ويترك المبادرة للخصوم. هنا أنت أمام حلين، أولهما، أن تستشهد برأي ليونيل ميسي في مدربه. لأن ميسي هو أفضل لاعب في العالم، كما أننا نعلم جميعًا أن اللاعبين يملكون قدرة تكتيكية عميقة تمكنهم من فهم الأمور بشكلها الصحيح.
لقد كانت الأمور واضحة منذ البداية. هو طلب منا ما يريد، ونحن استطعنا التكيف مع أفكاره؛ لأنها لم تختلف كثيرًا عما اعتدنا عليه.
ميسي عن مدربه فالفيردي
هكذا صرح ميسي في الموسم الماضي قبل كارثة روما، وبالطبع لم تختلف الأمور في الموسم الحالي قبل كارثة ليفربول. لا حاجة لتفنيد ما قاله ميسي، لأن القاصي والداني يرى أن أسلوب برشلونة يختلف تمامًا عن السابق، وما يراه ميسي أبعد ما يكون عن الواقع. لذا علينا اللجوء إلى الحل الثاني.
الحل الثاني هو الاستشهاد بالنتائج. عليك أن تمهد الطريق أولاً بتصنيف أسلوب الفريق المتراجع تحت بند «التوازن» حتى لو بات الفريق يشتت الكرات أمام ليفربول «في لقاء الذهاب» أكثر مما فعل هادرسفيلد تاون متذيل ترتيب البريمييرليج. ثم تتجاوز عن تطوير مجموعة اللاعبين، وإدارة سوق الانتقالات، وغياب الكاريزما، والقراءة الكارثية للمباريات الفاصلة، وتقفز مباشرة إلى النتائج، لتصف الرجل بالعبقرية، بل وتنسب له الفضل في فرض فلسفته على فلسفة النادي.
تعارض ثقافات
كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، وهذه القناعة لو لم تصل بعد لكل الجماهير، فإنها قد وصلت إلى جمهور برشلونة منذ فترة ليست بالقصيرة. فلسفة اللعب المعتمدة على الجمالية والتمريرات القصيرة كانت وسيلتهم لتميز أبناء مقاطعة كتالونيا عن سائر إسبانيا. ردًا على ما حدث تجاههم من تنكيل وتعذيب، عقب رفضهم انقلاب الجنرال «فرانكو».
بدأت القصة بالتعاقد مع مخترع الكرة الشاملة، المدرب الهولندي «رينوس ميتشيلز» في عام 1971، واستمرت مع مواطنه يوهان كرويف. أضف إلى ذلك شعار «أكثر من مجرد نادي» والذي ظهر في الحملة الانتخابية لـ«نارسيس دي كاريراس»، رئيس النادي السابق في عام 1968. جمهور كتالونيا انجذب لهذه الأجواء المميزة، وظل معيارهم في الحكم على المدربين مختلفًا عن غيرهم، وتاريخيًا لم يكن فالفيردي أول من خالف هذا المبادئ.
في موسم 1996/97 تولى السير «بوبي روبسون» القيادة الفنية لنادي برشلونة، خلفًا لـ«كرويف». يكفي فقط أن تضع الاسمين بجوار بعضهما، لتدرك الفارق بين هذا وذاك. ومع ذلك استطاع السير قيادة برشلونة للفوز ببطولتي كأس الملك، وكأس الكؤوس الأوروبية، لكنه لم يفهم أبدًا طبيعة الأجواء في كتالونيا. لم يفهم لماذا انتقدوه بعد فوزه على رايو فاليكانو بسداسية نظيفة، ما الذي يريده هؤلاء أكثر من الفوز؟ لكنه أدرك بعد ذلك أن أجواء الكامب نو الملطخة بالسياسية تتطلب المزيد.
مصير بوبي روبسون كان الرحيل بعد موسم واحد، ورغم ظنه أن نجاحه سيحرج إدارة النادي، فإن ذلك لم يمنعهم من العودة إلى فلسفة الفريق بالتعاقد مع المدرب الهولندي لويس فان خال.
هوية برشلونة لم تكن ادعاءً، ولو كانوا يريدون التخلي عنها لصالح أحد رواد الواقعية، فكان من الأولى أن ينال السير بوبي روبسون هذا الشرف، أو جوزيه مورينيو في 2008، وليس مدربًا عاديًا مثل «إرنستو». لذا فإن برشلونة سيعود إلى الطريق عاجلاً أم آجلاً، ورحيل فالفيردي سيكون نهاية حزينة لهؤلاء الذين يهملون التفاصيل، ويعشقون إحراج معارضيهم بالنتائج فقط.