الكتالوج الأردوغاني: كيف تربح استفتاءً في 6 خطوات بدون معلم؟
بدا الأمر حينها ضربا من ضروب الفانتازيا لا أكثر ، قبل ست سنوات، لم يَكُن أحد ليتخيل أن دعوة رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان لتغيير النظام السياسي كانت بهذه الجدية التي بدا الأمر عليها بعد ذلك، ورغم تكرار الدعوة من قيادات مقربة من أردوغان لاحقا فإن استطلاعا للرأي أجري في عام 2012 أظهر أن 16% فقط يؤيدون هذا الاقتراح، هذا الاقتراح الذي أيده أغلب الأتراك اليوم، بما يغير وجه تركيا لعقود طويلة قادمة.
فكيف نجح أردوغان في إقناع حزبه أولا، قبل تمرير المشروع عبر البرلمان وقيادة حملة انتخابية انتهت بتأييد غالبية الشعب لهذه التعديلات التي يتحول بموجبها النظام السياسي ليصبح رئاسيا؟
إليك أبرز نصائح الكتالوج التركي لتربح استفتاءً.
أولا: قرّب إليك أشخاصًا مُطيعين، استبعد المشاغبين
تصاعدت تدريجيا حماسة أردوغان لفكرة تحويل النظام السياسي، لكن هدفه تعرض للحظات بدا فيها صعب المنال، لعل أبرزها عندما فشل حزبه العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية برلمانية في انتخابات يونيو/حزيران 2015، ما منح رئيس الحزب وقتها داوود أوغلو فرصة للخروج عن خط أردوغان بإعلانه أن «الشعب قال لا للنظام الرئاسي، وهو ما استوعبه الحزب جيدا».
غير أن أردوغان كان له رأي آخر، فجاءت تنحية أوغلو السريعة وإحلاله ببن علي يلدرم، وهو الذي يوصف من قبل البعض بأنه أقرب إلى شخص بيروقراطي موالٍ لأردوغان، ولا يحظى بـ «كاريزما» كتلك التي تمتع بها سلفه أوغلو، كان هذا تعبيرا عن إصرار أردوغان المضي قدما في مشروعه للتحول نحو النظام الرئاسي، وهو ما وعد يلدرم بالعمل من أجله.
ثانيا: الفرصة قد لا تأتي مرتين، فانتهز اللحظة المناسبة
مثّل فشل محاولة الانقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 اللحظة الذهبية لأردوغان للفوز بعدة نقاط، منها أنها منحته مبررا للقضاء على حركة كولن، ما يستلزم في تصوره المضي قدما في هذا المشروع، حيث اعتبرها أردوغان دليلا قويا على عدم قدرة النظام البرلماني على التعامل مع الأخطار التي تهدد الدولة في الوقت الحالي من محاولات الانقلاب أو الإرهاب المتصاعد.
ومن ثم أمام هذه التهديدات لم يجد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي من بد سوى التحالف مع أردوغان والموافقة على تحويل النظام، وهو ما مكنه من طرحه على الشعب في استفتاء عام.
كذلك مثلت قضية الانقلاب الفاشل وما عاشه المواطن من لحظات خوف وترقب، والدور الذي لعبه المواطنون في إفشاله، عنصرا أساسيا في الحملة المؤيدة للتعديلات الدستورية، بحيث بدا الأمر في أحد أوجهه وكأن المواطن ذاهب للتصويت ضد الانقلاب، وليس فقط للنظام الرئاسي، ونمثّل لذلك بدعوى أحد الكتاب المؤيدين لأردوغان أن يوم الاستفتاء هو يوم الانعزال بين كل وطني وغير وطني!
كما بدت دعاية المعارضة التي حاولت تصوير أردوغان بالديكتاتور المنتظر جزءا من صورة الانقلاب التي حاولت استهداف أردوغان في المقام الأول.
ثالثا: الْعب على الوتر القومي، هذه ورقة رابحة دومًا
وجد أردوغان ضالته في «حزب الحركة القومية» كي يمكنه من تمرير مشروع التعديلات الدستورية عبر البرلمان، في سبيل ذلك خضع لعدد من المزايدات وتقارب مع التصورات القومية لعدد من القضايا، على رأسها الملف الكردي، حيث أغلقت الدولة التركية ملف المصالحة، معتمدة مقاربة أمنية ومكتفية بما تم تقديمه في هذا الصدد، كما تصاعد الخطاب المناهض للاتحاد الأوروبي، وما عرف خلال الأزمة مع ألمانيا وهولندا بالغطرسة الأوروبية.
بدا أردوغان صادقا في تحالفه مع القوميين، خاصة مع تصاعد الحس القومي من داخل العدالة والتنمية نفسه في مقابل إبعاد أوغلو الذي حظي بعلاقة جيدة مع الأوروبيين، وكان مدافعا حتى آخر لحظة عن مسار المصالحة بجانب الحلول الأمنية فيما يتعلق بالملف الكردي.
ظهر أردوغان متحمسا لهذا التحالف الذي أعطى تركيا هوية جديدة تتصالح فيها مع تاريخها الإسلامي وتعتبره جزءا من هويتها القومية، فكانت خطابات أردوغان خلال الحملة الانتخابية مشبعة بالحس القومي، خاصة في تلك الأزمة مع هولندا وأوروبا.
كل هذا يدفع باتجاه استمرار التحالف في النظام السياسي الجديد الذي يريده أردوغان بنظام الحزبين -حزب حاكم وآخر معارض- خاصة مع احتمالية تولي دولت بهتشلي منصب نائب الرئيس التركي ما يجعل الحركة القومية ربما المستفيد الأكبر من هكذا تحالف، كون الدولة ستعتمد رؤيته إزاء الملفات الحيوية، وكونه سيصبح شريكا في الحكم.
رابعا: هاجم أعداءك، اقصِف جبهات معارضيك
يبدو أردوغان بارعا في اختيار خصمه وإحراز النقاط عبر مهاجمته، ما يجعله يسقط في أعين الجمهور ويبدو ضعيفا في ردوده، لكن الحال مع زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري يختلف قليلا، حيث تطوع الأخير بإعطاء فرصة ثمينة لم يتردد أردوغان في استثمارها كأفضل ما يستطيع سياسي فعله.
فخلال الحملة الانتخابية لفت كليجدار أوغلو إلى احتمال وقوع صدام بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إذا كانا ينتميان إلى حزبين مختلفين، علما بأن النظام الرئاسي يلغي منصب رئيس الوزراء، وهو ما تلقاه أردوغان ليهاجم خصمه بقوة قائلا:
كما قام أردوغان خلال التجمع الحاشد في إسطنبول 8 أبريل/نيسان الماضي بعرض فيديوهات قديمة لخصمه تظهر فشله عندما كان يدير منظمة الضمان الاجتماعي في تركيا تسعينيات القرن الماضي، متهما إياه بالفاشل في مقابل الإنجازات التنموية التي يحققها حزب العدالة والتنمية، وموضحا أن حزب الشعب ليس لديه سوى الكلام أمام الإنجازات المتتالية التي يحققها حزب العدالة.
وتجدد الأمر في اجتماع لأردوغان مع المخاتير (مسؤولين محليين) عندما ذكر بأن كليجدار أوغلو انتقد حديثا له في الأمم المتحدة بقوله: «أنا كزعيم معارضة خجلت من الأسلوب الذي تحدث به أردوغان أمام قادة العالم، تحدث وكأنه أمام المخاتير وليس أمام قادة دول عظمى».
وذكر أن كليجدار التقى مخاتير أحد الولايات بعد ذلك فقاطعه أحدهم، معتبرا أنه أهانهم بذلك التصريح، فما كان منه سوى الإنكار، ثم وجه أردوغان نصيحة لخصمه، وهي أن يعي التصريحات التي يطلقها عملا بالمثل العربي«سرك أسيرك».
وعلى الرغم من الموقف المعلن لكليجدار أوغلو الرافض لمحاولة الانقلاب الفاشلة، فإن أردوغان توجه إليه بالسؤال أين كنت لحظة الانقلاب؟ مدعيا أنه كان في مطار أتاتورك يستعد للهرب قبل أن يتم نشر فيديو يوضح سماح جنود الانقلاب له بالمرور في المطار ، وهكذا لم يفوت الرئيس التركي فرصة خلال حملة التعديلات الدستورية إلا وحط من قدر خصمه واضعا إياه في خانة رد الفعل.
خامسا: الشعب يحب الاستقرار، قُل إنك ستمنحهم استقرارًا
تعد كلمة «الاستقرار» من أكثر الكلمات المستخدمة في الحملة الانتخابية، حيث يقدم أردوغان النظام الرئاسي وكأنه مخلص من الحكومات الائتلافية التي أرهقت المواطن التركي قبل وصول العدالة والتنمية للحكم.
وتمثل العودة إلى تلك الحقبة شبحا مخيفا للأتراك، ويظهر ذلك في التصويت للعدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المعادة نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ليحوز الأغلبية خشية الدخول في انسداد سياسي يضعف الدولة في وقت عصيب، ويؤثر بدوره على قضايا الاقتصاد والأمن.
ويزيد من خطر عدم الاستقرار موجة الإرهاب التي تزايدت خلال السنوات الماضية، مع انهيار مشروع المصالحة مع الأكراد وعودة حزب العمال الكردستاني (PKK) للمواجهات المسلحة، وكذلك العمليات المتكررة من داعش، وأيضا محاولة الانقلاب الأخيرة، ما يتطلب حسب رؤية الحزب الحاكم نظاما مركزيا أكثر قوة وقدرة على التعامل مع تلك المخاطر، وهو ما يوفره النظام الرئاسي.
سادسا: ضع لافتة في كل شارع، حاصر الناس بدعايتك
نجح حزب العدالة والتنمية كونه الحزب الأكبر في تنظيم حملة ضخمة رغم اعتماده علي وسائل الدعايا التقليدية، حيث المؤتمرات الحاشدة والحركة الدءوبة لأردوغان ويلدرم في أغلب المدن والتي تكللت بمشاركة الرئيس التركي في 4 مؤتمرات بمدينة إسطنبول في آخر يوم من أيام الدعايا وقبل الصمت الانتخابي ، وهو ما غاب عن المعارضة التي تميزت حركتها بالتجمعات المحدودة والنخبوية.
هذه الدعاية الكثيفة تصلك أينما كنت، في الميادين مؤتمرات حاشدة وفي الشوارع سيارات نعم للتعديلات الدستورية تجوب، وعند باب بيتك وعلي سيارتك تجد منشورات تفسر التعديلات وتبين إيجابياتها وتحث المواطن على التفاعل.
ولم يكتفوا بإعلانات التليفزيون وصفحات الفيسبوك، بل وصلت الإعلانات إلى الفواصل بين فيديوهات اليوتيوب والتي تحث على التصويت بنعم، ولم تخل الدعاية من توظيف المشاهير كلاعب برشلونة أردا توران والمغنيين مصطفى جيجلي ومراد بوز والممثلة هوليا كوجيجيت وغيرهم.